كُوباني وهّم البقاء : رهن العروبيين
قبل عدة أعوام أحتفل الكُوبانيون بمرور مائة عام على ميلادها، قلنا في المقال السابق الميلاد الغير مبارك، لكن لا يمكن أن ننظر إلى الأمور بعينٍ ضيقة، بقدر من أنّ الميلاد وأي ميلاد هو تطور مهم سواء على صعيد المجتمعات أو البلدان، فوصفنا لولادة كُوباني ب"ميلاد غير مبارك" هو لا يدل على أن كوباني تحولت من كونها قريتين "كانيا عربان وكانيا مه شه دي" إلى نواة المدينة، بقدر من أنّ نزعها من إدارة جرابلس واعتبارها مدينة مرتبطة رسمياً بحلب وتحول إسمها من "كُوباني" إلى " عين العرب" هو العمل الذي يصنف ب"الغير مبارك".
من حظ كُوباني بأنّه كان قد اتفق الألمان على نصب شركة السكة الحديدية في منطقة تفصل القريتين" كانيا عربان وكانيا مه شه دي الأمر الذي فرض على الشركة واقعا آخر. فتجمع العمال وأيضاً تسيير مصالح الشركة تطلبت لتكون هناك محلات لبيع الأغذية واللوازم واحتياجات العمال وأيضاً المطاعم وربما "قرطاسيات" لبيع الطوابع للتتوسع شيئاً فشيئاً فتصبح بقامة المدينة.
مرّت كوباني بمرحلتين جداً حساسيتين، المرحلة الأولى :إعلان إدارة جرابلس وبحكم كُوباني جزء منها فغلب العنصر الكُردي على الغير ولذلك كانت اللغة الكُرديّة لغة الرسميّة لفترة دامت ٨ سنوات.
والمرحلة الثانية: هي مرحلة فصل كُوباني عن جرابلس وربطها بمحافظة حلب بعد إن فصل جزء كبير منها وألصقها بالرقة في فترة استلام القوميين العرب الحكم في سوريا.
ويمكن القول أنّ أسوء فترة مرت على كُوباني هي فترة ما بعد الخمسينيات، وهي كانت الفترة العصيبة، حيث تعامل الناس مع حلب ولغة أهل حلب هي لغة عربية وأيضاً مسألة تصير المصالح وتسجيل النفوس ومسألة الإستملاك وأيضاً التجنيد كل هذا لقي الكُوبانيون الصعوبة فيه. كل شيء بات جديداً وصعباً، لذلك لم يكن أمام الكُوبانيين غير تأمين احتياجات خاصة عبر الحدود ولذلك صار لكوباني "قجغجيّة"، وأيضا حاول الكُوبانيين اللعب بعمر أطفالهم حيث سجلوا الذكور بالعمر الصغير بسبب أنهم إن أرادوا الذهاب إلى الجيش ليكن شباباً وبعمر الكبر حتى يستطيعوا التأقلم مع العربي. وعلى فكرة عندما يذهب أحد الكُوبانيين إلى الجيش كما لو أنه ذاهب دون عودة، فهي كانت رحلة محفوفة بالمخاطر؛ هناك عدة أغاني توصف الذهاب إلى الجيش ولا سيما أغنيّة حافظي كور؛ يصف حافظي كور كيف يلاقي صعوبةً الذاهب إلى الجيش وكيف أنه لا يفهم اللغة العربيّة.
ومع الزمن أنجبر الكُوبانيين التأقلم مع الكيان العربي، شيئاً فشيئاً تشابكت مصالح الناس مع مصالح أبناء حلب والرقة ومنبج، كما أنّ وجود بعض العناصر كالطبيب من أصول غير كوبانية وأيضاً الموظفين والشرطة ومدراء الشرطة سهل الطريق أمام الإنخراط في الحياة اليوميّة وصار الناس يرسلون أبنائهم إلى المدارس وثم نقلهم لإتمام التعليم في جرابلس وثم الباب وحلب.
يمكن القول أنّه في السبعينيات ظهر أطباء ومحامون ومعلمين من أصول كُوباني ولكن بأعداد قليلة، وكان غالبية هؤلاء من العائلات الغنيّة، أول دفعة لتخريج أطباء كُوبانيين كانوا قد تخرجوا من تركيا، ومع الزمن جامعة حلب ودمشق قد خرجت إختصاصات أخرى.
الواقع لم يكن سيان، حيث عاش الكُوبانيين حياة صعبة في ظل هيمنة العروبيين على مفاصل الحياة العامة، ومع ظهور فكرة القوميين العرب على يتم "صهر جميع الأقليات في بوتقة الأمة العربيّة" ظهر الميل واضحاً لدى الكُرد لتعاطف مع البارزانيين في ثوراتهم، وفكرة التفكير بالمنهج القومي بدأت تتبلور شيئاً فشيئاً لديهم وذلك رداً على عنصريّة الحكم تجاههم، ويصبح هذا الواقع سبباً لترسم كُوباني لنفسها مساراً سياسيّاً ملتحمّاً مع البارزانيين. وصار لثورة الراحل الخالد مصطفى البارزاني جمهور ينمو كالفطر مع وجود قبضة العسكر!