• Friday, 22 November 2024
logo

الهندسة الديمغرافيّة، والمآرب العنصريّة..

الهندسة الديمغرافيّة، والمآرب العنصريّة..
أُثيرت مؤخراً مفردة "الهندسة الديمغرافيّة" التي وردت في رسالة المجتمع المدني لمؤتمر بروكسيل (٢٥ نيسان)الزوبعة في أوساط نشطاء المجتمع المدني السوري. فخرج عددٌ من النشطاء ليقفوا ضد بلورة هذه المفردة، وأعتبروها تأتي على حساب التغيير الديمغرافي، برأيهم أنّ مفردة" التغيير الديمغرافي" أعمق من مفردة" الهندسة الديمغرافيّة" في لحظة أنّ التغيير الديمغرافي هو أصلاً مصدره من بطن "الهندسة الديمغرافيّة".
وسرعان ما انضم بعض من النشطاء الذين يعانون أهلهم أيضاً من تداعيّات الهندسة الديمغرافيّة إلى الحملة، وصاروا يخوّنون من حضر بروكسيل وأعتبروهم "تخاذل" للنظام ومفاعيله دون أن يكلفوا أنفسهم بعضاً من الوقت والبحث في مدلولات المفردتين. إحداهما(التغيير الديمغرافي) مألوف ونسمع عنها في أي لحظة من الإعلام ومن الخطابات السياسيّة وفي بيانات الأحزاب؛ وثانيهما مفردة جديدة على مشهد الحراك العام، ذكرها بعض من نشطاء المجتمع المدني في فعاليات بروكسيل. وأي أمر طارئ وغير مألوف ستلقى حفنة من النقد!
بالمختصر جداً أنّ الهندسة الديمغرافية مجموعة من الإجراءات تقوم به الدول وليس الجماعات بسياسة ممنهجة ضد أثنية-جماعة ما ومن ضمنها الإبادة الجماعية لإحداث التغيير الديمغرافي وذلك لغايات سياسيّة وعنصريّة.
بيد أنّ المثير للإستغراب هو أنّ الساسة، يعني الذين يعملون في الأطر السياسية المعارضة صمتوا وتركوا حراسهم يطلقون التُهم إلى غالبية من حضر بروكسيل تماماً مثلما فعل النظام حيث هو أيضا لم يُعر أي إهتمام بالأمر لا بمفردة " الهندسة الديمغرافيّة" ولا بكل ما أوتي في رسالة "المجتمع المدني السوري" لإجتماع الوزراء الخارجية الأوربيّة.
في الحقيقة تصاعد الدخان فقط من نار تلة المعارضة، ولوّح أنّ هناك إنتقاد من قبل عدد قليل من الحيّز الكُرديّ أيضاً، ولكل طرف له مآرب من تفعيل تصاعد الدخان!؟
لماذا هذا الهجوم؟ البعض ظنّ أنّ كل الذي انتقد هو منزعج بعدم دعوته في فعاليات بروكسيل-وهو المؤتمر الثاني السنوي الذي ينعقد في بروكسيل عاصمة الإتحاد الأوربي حول سوريا)، والبعض الآخر انضم إلى حملة النقد دون الدراية فقط لأجل الإصطفافات والتبعيّة، والبعض حان له الوقت ليطل برأسه ليقول "أنا أيضا هنا" وذلك لحصول جزء من التمويل الذي يصرف في شمال غرب سوريا، يعني من غرب نهر الفرات إلى نهاية جبل الزاوية وجسر الشغور!
استطراداً..مثلما تؤسس الحيّز السياسيّ مفردات وآليات الخاصة به في خطابه السياسيّ، فمن المفترض أن يكون للمجتمع المدني عبرات وتعابير ومفردات خاصة به لخطابه السياسيّ. ومن هنا، فكان من الأهميّة بمكان أن يستحضر المجتمع المدني السوريّ مفردة أو تعبير جديد في خطابه ليكون الأقرب إلى الهمّ العام. والهمّ العام لدى السوريين لا يبدأ في فترة استلام البعث للحكم ولا ينتهي عند قبول الإستبداد بالتنازل عن الحكم. ومن هناك يختلف الهم لدى الفاعلون في الشأن السياسي من مآرب الوصول إلى السلطة، والفاعلون في المجتمع المدني. السياسيّ كما يبدو يريد إزالة النظام، ويُسخّر جلّ وقته لذلك، أما المجتمع المدني يريد إزالة ما أنتجه النظام وما أنتجتها الأنظمة المتعاقبة.
كان من الضروري بمكان التفكير بمسألة البناء الإداري من قبل الإنظمة المتعاقبة، فمثلاً، أليس كان من المفيد أن نفكر بأنه لماذا النظام ضم منطقة الشدادية إلى الحسكة مع إنها تبعد عنها ب ٢٠٠ كم في حين أنها أقرب الى دير الزور حيث تفصل مسافة ٧٠ كم؟ وذلك لكي يقولو ا أنّ الكُرد يشكلون في الحسكة ٣٥ بالمائة!
أما الآن عندما نفكر بعمق لماذا أحدث النظام "الهندسة الديمغرافيّة" في منطقة الفرات وفصل كوباني عن جرابلس والذي يحكي التاريخ القريب حتى على إنها كانت تتمتع بحكم ذاتي للكُرد، وفصل كري سبي-تل أبيض عن كوباني وإلصقها بالرقة مع أنّ كري سبي كانت جزء من كوباني؟ السبب لا يحتاج إلى تعليل. فهو إزالة المحددات التاريخيّة لمطالب الناس من تلك المناطق. هذه الإجراءات هي تصنف في سياق "الهندسة الديمغرافيّة"!
وحكمة المقال تفيد بأنه"إن ْشهدت من وقع أمامك أبحث من أوقع لا أن تنظر في ملامح من وقع"!
Top