بعد ثلاث عقود على جريمة الكيماوي .. من يسمع صوت ضحايا الأنفال ؟
ثلاثون عاما مرت ومازال قطاع كبير من الجيران العرب لا يعلمون شيئا عن تلك الجريمة البشرية بل وربما يتعاطفون مع الهولوكست اليهودي أكثر من تعاطفهم مع ضحايا الكيماوي فى العراق .
ثلاث عقود ومازال بعض العرب ينظرون للرئيس المقبور صدام على أنه فخر العروبة والإنسانية وهو الذي قتل مئات الالأف من الكرد المسلمون السنة أبناء دينه ومذهبه .
لا يعلم الكثير من العرب أو ربما يعلمون ويتجاهلون ويبررون الجريمة أن عملية الأنفال التي استخدمت فيها الأسلحة الكيماوية بحق الشعب الكردي بالعراق سقط فيها أكثر من 182 ألف كردي وتم دفنهم أحياء بصحراء العراق، كما تم تدمير أكثر من 5 الأف قرية بإقليم كردستان.
ربما لم تلق قومية فى التاريخ ما لقاه الكرد منقتل إبادة وتعذيب وتدمير ورغم ذلك مازال البعض يضعهم فى خانة المتواطى المتأمر الساعي لتقسيم الأمة .
الأسبوع الماضي جمعني لقاء تليفزيوني بإعلامية مصرية ، قبيل دقائق من انطلاق بث البرنامج فاجأتني الإعلامية الكبيرة أثناء حديثنا عن القضية الكردية ومعركة عفرين بقولها "أنا لا أتعاطف مع الأكراد لأنهم خانوا العراق وتأمروا على صدام" !!
وما أن بادرت بتوضيح بعض الحقائق لها عن جرائم نظام البعث بقيادة صدام بحق شعب كردستان والمجازر التي ارتكبها ومئات الالاف الذين دفنهم أحياء حتى جاء صوت مخرج البرنامج 1 2 3 هواء .
انتهى البرنامج الذي تناولنا فيه القضية السورية وقضية الضربة الأمريكية وغيرها من الأحداث ، خرجت من الأستديو مسرعا ومازال صوت المذيعة يرن فى أذني "الأكراد خانوا العراق وتأمروا على صدام" .
كان السؤال الذي يدور فى ذهني كيف لإعلامية مثقفة أن تكون معلوماتها التاريخية مشوشة لهذه الدرجة التي تجعلها تري المجرم ضحية وتعتبر المجني عليه خائن متآمر!
وإذا كان هذا حال الوسط الإعلامي المصري ونظرته للقضية الكردية فكيف بالقواعد الشعبية التي تعتبر وسائل الإعلام مصدرها الوحيد للإطلاع والثقافة !!
الغريب فى الأمر أنه رغم تزامن ذكري مجزرة الكيماوي ضد أكراد العراق مع حديث العالم عن قصف النظام السوري لمدينة الدوما بالكيماوي وما تبعه من شن عملية عسكرية ضد مواقع تابعة للدولة السورية لم تحاول وسائل الإعلام التذكير بجريمة الأنفال رغم سقوط مئات الالأف من القتلي قياسا بأحداث الدوما التي سقط فيها أقل من 100 شخص فى أعلي التقديرات المعلنة !
أعتقد أن ضحايا الأنفال ينظرون بنوع من الحسد لضحايا الدومة الذين وجدوا من يسمع صوتهم ويتحرك من أجلهم بعد أيام قليلة من الجريمة عكس الضحايا الأوائل الذي لم ينتفض من أجلهم أحد ومازالت تلاحقهم تهم العمالة والخيانة .
في الوقت الذي يحتفل فيه العالم سنويا بالهولوكست اليهودي الذي تشكك فيه الكثير من المفكريين الأوروبيين ، كما يحتفل بذكري إبادة الأرمن على يد العثمانيين رغم تشكيك الأتراك فيها ، يتجاهل المجازر التي وقعت للكرد رغم اعتراف صدام حسين ونظامه بتلك المجازر أثناء محاكمته عقب سقوط النظام.
بالتأكيد يتحمل الأكراد جزء كبير من مسئولية جهل العالم بقضيتهم فرغم كونهم أكبر أقلية فى العالم بلا دولة ألا إن صوتهم مازال ضعيفا للمطالبة بحقوقهم وربما لم يسمع صداه إلا خلال السنوات الأخيرة.
ما تعرض له الأكراد يفوق بكثير ما لاقاه اليهود والأرمن وكل أقليات العالم التي نجحت فى انتزاع حقوقها وإظهار حجم مآسيها وهوما فشل فيه الكرد ، ولكن بالتأكيد يبقي للموقف الدولي تجاه الكرد دور كبير فى تعميق مآسي تلك القومية التي يبدو أن قدرها أن تعيش مظلومة مدي الحياة.
ورغم مرور ثلاثون عاما على تلك المجزرة مازال أهالي الضحايا لم يلقوا التعويض المناسب من الحكومة العراقية حسبما كشف بيان إقليم كردستان فى ذكري الجريمة ، حيث دعا الإقليم الحكومة العراقية أن تتخذ خطوات جادة وعملية لتعويض ذوي المؤنفلين وشعب وأرض كردستان ماديا ومعنويا".
أعتقد أن الكرد بحاجة لحملات دولية لتعريف العالم بمآسيهم وجرائم الإبادة العرقية التي تعرضوا لها وما أكثرها ، على الكرد التحرك على المستوي الدولي والعربي والوصول للشعوب بعد أن تعذر الوصول للأنظمة والحكام .
الكرد مطالبون بتحرك على المستوي الشعبي ومنظمات المجتمع الدولي ، وتكوين وفود تطوف الدول العربية توضح لشعوب المنطقة حقيقة القضية الكردية وتزيل كل ما رسخه الإعلام التركي حول الكرد من شبهات واعتبارهم إنفصاليون يسعون لتقسيم الدول العربية .
على الأحزاب والمؤسسات المدنية والإعلامية الحقوقية الكردية أن تعزز وتوطد علاقتها بنظيرتها العربية وتدعو الوفود الإعلامية العربية لزيارة كردستان ورؤية المقابر الجماعية لضحايا إلابادة الجماعية من الكرد بما يسهم فى صناعة رأي عام عربي ودولي متعاطف مع تلك القومية التي ذاقت الأمرين تحت مزاعم زائفة من حكام وطواغيت الشرق الأوسط .
ويبقي السؤال متي يفيق الكرد من موتهم ، وينهضون من قبورهم ويسمعوا هذا العالم المنافق صوتهم ؟