• Friday, 22 November 2024
logo

إستراتيجية ترامب للأمن الوطني الأمريكي الجديد: العداء أم التعاون في السياسة الدولية لإستقرار المجتمع الدولي...هل فيها مكانة للقضية الكوردية وإقليم كوردستان العراق؟

إستراتيجية ترامب للأمن الوطني الأمريكي الجديد: العداء أم التعاون في السياسة الدولية لإستقرار المجتمع الدولي...هل فيها مكانة للقضية الكوردية وإقليم كوردستان العراق؟
" إنّ استراتيجية الأمن الوطني هذه تضع أمريكا أولاً"
مقدّمة استراتيجية ترامب للأمن القومي الأمريكي 2017
( 1 )
مقدمة
لم يكن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض “أمرا عاديّا” بالنسبة إلى كثير من المتابعين لتفاصيل المشهد الأمريكي، ولا كان “أمرا عاديّا” بالنظر إلى طبيعة المتغيّرات الحاصلة في أكثر من مكان من العالم، وما يتبع تلك المتغيّرات من تغيّرات في موازين القوى، ناهيك عن مخلّفات الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وصعود قوى جديدة في العالم، ومعها تزايد الخطر “الإرهابي” والخطر "النووي". و بعد 11 شهرا من فوزه بالانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة ودخوله إلى البيت الأبيض، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يوم 18/12/2017 عن إستراتيجيّة إدارته للأمن الوطني وقام هو نفسه بعرضها بأسلوبه المثير للجدل، إستراتيجيّة لم تخل من تأكيد بعض التوقّعات التي كانت وراء خطاباته السابقة بخصوص بعض القضايا الكبرى الاقتصادية والأمنيّة والجيوإستراتيجيّة. وفي كلمة شملت قضايا شتى، قال ترامب إن استراتيجيته الأمنية تتناول لأول مرة الأمن الاقتصادي، وستشمل إعادة بناء البنية الأساسية الأمريكية بشكل كامل.
وألقى ترامب خطابًا شدد فيه على الوفاء بوعوده الانتخابية، بأن تصبح "أمريكا عظيمة من جديد" وأن تكون "أمريكا أولاً". وقال إن "واجب حكومتنا الأول هو تجاه شعبنا ومواطنينا لتلبية احتياجاتهم وضمان سلامتهم والحفاظ على حقوقهم وحماية قيمهم". وأضاف "أُعلن عن استراتيجية وطنية جديدة للأمن الوطني لعصر جديد: بعد أقل من عام على تولى منصبى، أكشف عن استراتيجية جديدة للأمن الوطني تحدد توجهاً استراتيجياً إيجابياً للولايات المتحدة من شأنها أن تستعيد مزايا الولايات المتحدة فى العالم وتبنى على نقاط قوة بلدنا العظيم".
إن تقرير الإستراتيجية الجديدة للأمن الوطني الأمريكي ( والذي تم كتابته أساساً من قبل نادية شادلو Nadia Schadlow‏ الباحثة في مجلس الأمن الوطني الامريكي وفي 68 صفحة ) يركز على أربع قضايا رئيسية هي: حماية الدولة وطريقة حياتها، تعزيز الازدهار الأميركي، السلام من خلال السلطة، وتعزيز الأهداف الأميركية في عالم دائم التنافس".
ووفق وكالة أسوشيتد برس، فإن التقرير يقلل من أهمية الاتفاقات متعددة الأطراف التي شكلت محور السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي والغربي بقيادة الولايات المتحدة، كما وسيلغي ترامب كل التحذيرات في عهد أوباما بشأن التغيّر المناخي.
البيت الأبيض نشر على موقعه الإلكتروني النص الكامل للإستراتيجيّة الأمريكيّة الجديدة للأمن الوطني ، و حددت ثلاثة تهديدات رئيسة لأمن الولايات المتحدة وهي “طموحات روسيا والصين، والدولتان المارقتان إيران وكوريا الشمالية، والجماعات الإرهابية الدولية الهادفة إلى العمل النشط ضد الولايات المتحدة.
لم يكن وجود إيران وكوريا الشماليّة وحتّى الجماعات الإرهابيّة ضمن الإستراتيجيّة الأمريكيّة أمراً غريباً بحكم الصراع الأمريكي الإيراني القديم - الجديد في الشرق الأوسط، خاصة بعد تراجع النفوذ الأمريكي وبحكم التجارب الصاروخيّة الأخيرة لكوريا الشماليّة وأيضا بحكم وجود الولايات المتحدة الأمريكيّة وأهداف كثيرة على أرضها، على رأس قائمة المستهدفين من طرف عدّة تنظيمات إرهابيّة.
اللاّفت للنظر في تلك الإستراتيجيّة وصفها لروسيا والصين بـ”المنافسين الرئيسيين” للولايات المتحدة على الساحة الدولية بسبب تنامي تأثيرهما الجيواستراتيجي، حيث تعتبر أن روسيا والصين “تتحديان قوة ومصالح الولايات المتحدة” ونفوذها، واتهمت إياهما بمحاولة “الإضرار بأمن أمريكا ورخائها” وتغيير الوضع القائم، وأن روسيا تطبق “وسائل تخريبية” من أجل “إضعاف مصداقية الولايات المتحدة تجاه أوروبا وتقويض الوحدة عبر الأطلسي وإضعاف الحكومات والمؤسسات الأوروبية” واتّهمتها بـ”التدخل في جورجيا وأوكرانيا” وبـ”ترهيب دول الجوار بتصرفاتها المهددة، بما فيها استعراض قدراتها النووية والانتشار الأمامي للقوات” وإعتبرت أن روسيا تعمل على “زعزعة استقرار الفضاء الرقمي"
( 2 )
الأركان الأساسية لـ ( استراتيجية ترامب للأمن الوطني الأمريكي الجديد )
الأمن الإقتصادي هو أساس الأمن الوطني...!
حددت الإستراتيجية الجديدة للأمن الوطني الأمريكي النقاط الآتية كأركان أساسية لها:
أولا: إستعادة الاحترام للولايات المتحدة فى الخارج وتجديد الثقة بها فى الداخل.
ثانيا: تمكّن الثقة الاستراتيجية الولايات المتحدة من حماية مصالحها الوطنية الحيوية. وتحدد الاستراتيجية أربعة مصالح وطنية حيوية أو “أربع ركائز” على النحو التالى:
1. حماية الوطن والشعب الأمريكى وطريقة الحياة الأمريكية.
2. تعزيز الرخاء الأمريكى.
3. الحفاظ على السلام من خلال القوة.
4. الدفع قدماً بتأثير الولايات المتحدة.
ثالثا: تتناول الاستراتيجية التحديات والاتجاهات الرئيسية التى تؤثر على مكانتنا فى العالم، بما فى ذلك:
* قوى مثل الصین وروسیا، التى تستخدم التكنولوجيا والدعایة والإکراه لصقل عالم یتعارض مع مصالح والقیم الأمريكية.
*الدكتاتوريين الإقليميين الذين ينشرون الرعب ويهددون جيرانهم ويسعون للحصول على أسلحة الدمار الشامل.
* الإرهابيين الذين يثيرون الكراهية للتحريض على العنف ضد الأبرياء باسم أيديولوجية شريرة والمنظمات الإجرامية عبر الوطنية التى تنشر المخدرات والعنف فى المجتمع الامريكي.
* إنها استراتيجية واقعية لأنها تعترف بالدور المركزى للسلطة فى السياسة الدولية، وتؤكد أنّ الدول القوية وذات السيادة هى أفضل أمل لعالم مسالم.
* إنها مبنية على المبادئ التالية لأنها ترتكز على تعزيز المبادئ الأمريكية التى تنشر السلام والازدهار فى مختلف أنحاء العالم:
1 ـ حماية الوطن: تتمثل مسؤولية الرئيس ترامب الأساسية بحماية الشعب الأمريكى والوطن وطريقة الحياة الأمريكية.
• تعزيز السيطرة على الحدود و إصلاح نظام الهجرة
• أكبر التهديدات العابرة للحدود الوطنية هى:
• الإرهابيون الذين يستخدمون القسوة الوحشية لارتكاب القتل والقمع لاستغلال السكان الضعفاء وإلهام المؤامرات وتوجيهها.
• المنظمات الإجرامية عبر الوطنية التى تمزّق مجتمعاتنا بالمخدرات والعنف وتضعف حلفاءنا وشركاءنا من خلال إفساد المؤسسات الديمقراطية.
ولذلك فإن الولايات المتحدة ستواجه التهديدات قبل أن تصل إلى حدودها أو تسبب ضرراً لشعبها، و ستضاعف الجهود لحماية البنية التحتية الحيوية والشبكات الرقمية، لأنّ التكنولوجيا الجديدة والخصوم الجدد خلقوا نقاط ضعف جديدة، وسوف تنشر نظام الدفاع الصاروخى للدفاع عن الولايات المتحدة ضد الهجمات الصاروخية.
2 ـ تعزيز الرخاء الأمريكى: عن طريق اقتصاد قوى يحمي الشعب الأمريكى، ويدعم طريقة الحياة الامريكية، ويحافظ على القوة الأمريكية، ولذلك يجب تجديد الاقتصاد الأمريكى لصالح العمال والشركات الأمريكية،
و ستستخدم الولايات المتحدة هيمنتها على الطاقة لضمان أن تظل الأسواق العالمية مفتوحة وأن تعزز فوائد التنويع والوصول إلى الطاقة الأمن الاقتصادى والوطنى.

3 ـ الحفاظ على السلام من خلال القوة: سيضمن تعزيز وتجديد دور الولايات المتحدة في بناء السلام وردع الاعداء، ولذلك على الولايات المتحدة أن:
• تعيد بناء قوتها العسكرية لضمان بقائها فى المرتبة الأولى،
• إستخدام جميع أدوات الحاكمية فى عهد المنافسة الاستراتيجية الجديد – الدبلوماسية والمعلوماتية والعسكرية والاقتصادية – لحماية المصالح الامريكية.
• تعزيزقدرات الولايات المتحدة عبر مجالات عدة – بما فى ذلك الفضاء والإنترنت – وتنشط القدرات التى أُهملت.
• تعزيز العمل مع حلفاء الولايات المتحدة لتحمل مسؤولية أكبر للتصدى للتهديدات المشتركة.
• الحرص على الحفاظ على توازن القوى لصالح الولايات المتحدة فى المناطق الرئيسية من العالم: الهند والمحيط الهادئ وأوروبا والشرق الأوسط.
4 ـ الدفع قدماً بتأثير الولايات المتحدة كقوة تقف إلى جانب الخير طوال تاريخها، ستستخدم الولايات المتحدة تأثيرها للنهوض بمصالحها وإفادة البشرية،ولذلك عليها:
رابعاً: مواصلة تعزيز نفوذها فى الخارج لحماية الشعب الأمريكى وتعزيز ازدهارها.
خامساً: بذل الجهود الدبلوماسية والتنموية للولايات المتحدة لتحقيق نتائج أفضل فى مختلف المجالات – الثنائية والمتعددة الأطراف وفى مجال المعلومات – لحماية مصالحها، وإيجاد فرص اقتصادية جديدة للأمريكيين، وتحدى منافسيها.
سادساً: ستسعی الولايات المتحدة إلی إقامة شراكات مع الدول ذات التفكير المماثل من أجل تعزیز اقتصاد السوق الحرة ونمو القطاع الخاص والاستقرار السیاسى والسلام.
سابعاً: مناصرة ودعم القيم الأمريكية – بما فى ذلك سيادة القانون وحقوق الفرد – التى تعزز الدول القوية والمستقرة والمزدهرة وذات السيادة.
ثامناً: إتباع سياسة خارجية فعالة لتعزيز نفوذ الولايات المتحدة فى العالم كقوة إيجابية يمكن أن تساعد على تحديد ظروف السلام والازدهار وتنمية المجتمعات الناجحة.
تقديرات نقدية لـ ( استراتيجية ترامب للأمن الوطني الأمريكي الجديد )
تُطرح هذه الإستراتيجية اليوم في إطار عالم يتميز بتنافس الشديد في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية ، العسكرية وإلى حد ما في " المجال الأيديولوجي "، حيث اعترف مسؤولو البيت الأبيض بأن واشنطن "لم تتنافس بأقصى قدر ممكن من الفعالية" وتحتاج إلى تحسين حماية المصالح الأمريكية، ولذلك تتضمن الإستراتيجية مفهوماً جديداً وهو " مفهوم الأمن الإقتصادي"
وتم تسليط الضوء على حماية "قاعدة الابتكار الأمني الوطني" الأمريكي. وهي مصطلح جديد تم طرحه لجمع مجموعة من الأنشطة لتأمين المصالح الاقتصادية الأمريكية وما يستتبعها.
وقال مايكل أوهانلون، وهو باحث بارز في السياسة الخارجية في معهد بروكينغز ، إن التقرير يشير إلى شعور الولايات المتحدة بإستغلال دول آخرى لها، فيما أفاد تيموثي هيث، من مؤسسة "راند"، أن صلة الإستراتيجية الجديدة بمبدأ "أمريكا أولا" يمكن رؤيته في التركيز على المنافسة الاقتصادية، وأضاف أنه "من المرجح أن تكثف الولايات المتحدة جهودها لتحديث الجيش وإعادة النظر في شروط التجارة والاستثمار وزيادة انتشارها الدبلوماسي إلى دول في آسيا وحول العالم"
وتوقع دان ماهافي، نائب رئيس مركز الدراسات التابع للكونغرس والرئاسة ومدير السياسات فيه، أن تُعٌزز واشنطن مجموعة واسعة من أولويات الدفاع التقليدية، خاصة إذا أمكن حل عجز الميزانية، وحذر من احتمال أن تتخذ إدارة ترامب إجراءات تجارية أحادية الجانب وغيرها من الإجراءات.
صحيفة "الجارديان" البريطانية، نشرت في 19/12/2017 دراسة تحليلية لإستراتيجية الأمن الوطني الأمريكي الجديدة التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب تحت عنوان:
"استراتيجية ترامب للأمن الوطني.. مظهر خادع للمصداقية a veneer of credibility "
في بداية الدراسة قالت الصحيفة : "تجاهلوا عنوان المقال، فما فعله ترامب ليس استراتيجية بالطبع، ولن تحمي الأمن الوطني للولايات المتحدة أيضًا، فهي محاولة لتجميع آراء وتصريحات الرئيس ترامب عن الأحداث الجارية في العالم، بالإضافة إلى حكم من يجاورونه في السُلطة، فظهر لنا ورقة عبارة عن مظهر من مظاهر الخداع لهذه الإدارة الخطرة وغير المنتظمة، التي تحاول بناء إطار لاتخاذ القرارات الخطيرة."
وتابعت الصحيفة قائلة إن إصدار هذه الوثيقة ضرورة قانونية، ولكن الالتزام بها ليس كذلك، ويعترف كثير من المسؤولين أنهم اهتموا قليلًا بسابقاتها، فهي مجرد إصدار روتيني، ولكن ليست بلا معنى.
تستطيع وثيقة الأمن الوطني، أن تجبر الإدارة على التخلي عن القضايا المهمة والطارئة لصالح القضايا الأهم، وفي أوقات أخرى تحدد طريقة تفكير الولايات المتحدة، مثل ما حدث مع إدارة جورج بوش قبل حرب العراق.
وتضيف الصحيفة أنه في الوقت الذي بدا فيه أوباما ليناً ولم يهاجم روسيا أو الصين بشيء يذكر، فإن ترامب على النقيض ذو "لسانٍ كبير"، وتكلّم بقوة، ولكنه مهّد الطريق للصين. وتابعت الصحيفة تحليلها بالقول: "حاول ترامب تقوية تحالفاته فازدادت توترًا، وانتقد مرارًا اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التجارية، ولكن دون أن يعرض بديلاً عنها، وأقلقت تصريحات ترامب أصدقاء الولايات المتحدة القدامى، فقد تحدث بغطرسة عن الخلافات بين دولته وكلاً من اليابان وكوريا الجنوبية وكذلك عن أوضاعهما الاقتصادية، مهددًا بقطع اتفاقية التجارة الحرة مع سيول، ويبدو للصحيفة " أن ترامب يشعر بالراحة مع الزعماء الاستبداديين، ويبتعد عن الزعماء الذين تتفق مبادئهم مع الولايات المتحدة". وتضيف الصحيفة أنه في مقابل تصريحات ترامب عن التعاون مع روسيا، تضمنت وثيقة إستراتيجية الأمن الوطني بنداً عما أسمته "التكتيكات التخريبية"، في إشارة للطرق التي تستخدمها موسكو لـ"التدخل في الشؤون السياسية الداخلية في دول العالم، بما في ذلك استخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات لتقويض شرعية الديمقراطيات حول العالم".
وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الجمعة، استراتيجية الأمن الوطني الجديدة بأنها "عدائية"، وقال في كلمة له خلال اجتماع بوزارة الدفاع الروسية ، إن الاستراتيجية "ذات طابع هجومي إذا أردنا الحديث بلهجة دبلوماسية، أما باللغة العسكرية فلديها طابع عدائي، وسنضعها بعين الاعتبار"، وشدد على ضرورة متابعة التغيرات في موازين القوى في العالم عن كثب، لا سيما في الشرق الأوسط وكوريا الشمالية، واتهم بوتين الولايات المتحدة بـ"انتهاك معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى"، وأشار إلى أن التجارب الأمريكية لأنظمة الصواريخ الدفاعية، تظهر استخدام واشنطن لتكنولوجيا صواريخ محظورة بموجب المعاهدة.
اعتبر المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف، استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، بأنها ذات طابع “إمبريالي وأن واشنطن غير راغبة في التخلي عن فكرة عالم أُحادي القطب وأنها لن تقبل بعالم متعدد الأقطاب " ، وأعلن عن رفض موسكو للإتهامات الواردة في الوثيقة والتي تعتبر روسيا تهديداً لأمن الولايات المتحدة.ولفت بيسكوف إلى وجود ما هو إيجابي في القسم المتعلق بالتعاون مع روسيا في المجالات التي تتناسب مع المصالح الأمريكية. وأضاف: “نحن أيضًا نبحث عن سبل التعاون مع واشنطن في المجالات التي تتناسب مع مصالحنا، لكن ذلك يتوقف على مدى إستعداد نظرائنا الأمريكان بالمضي قدمًا في هذا المجال".
ومن جانبها نددت الصين، في 19 ديسمبر/ كانون الأول، باستراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأمن الوطني، التي وصفت بكين بأنها تمثل تحدياً للقوة الأمريكية، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشونينغ في مؤتمر صحفي: "إن أي دولة أو أي تقرير يشوه الحقائق لن يحقق نتيجة ". وأضافت: "نحث الولايات المتحدة على وقف التشويه المتعمد للنوايا الاستراتيجية للصين والتخلي عن المفاهيم العتيقة مثل عقلية الحرب الباردة، لأنها بذلك تضر نفسها و الآخرين". وتابعت: "الصين لن تسعى أبدا إلى تطوير نفسها على حساب مصالح الدول الأخرى"، مضيفة "في الوقت نفسه لن نتخلى عن حقوقنا ومصالحنا المشروعة".
وحول ما أشار إليه التقرير من أن الصين وروسيا هما "منافسان" يسعيان إلى تغيير الوضع الراهن الذي يصب في صالح الولايات المتحدة، وبالتالي يؤثران على أمن الولايات المتحدة وازدهارها، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالنظام العالمي الذي شكلته واشنطن من كافة النواحي، يشير دايفيد دولار، وهو باحث بارز في معهد بروكينغز، إلى أن هذا يمثل تغيرا في النهج عن الإدارة السابقة، التي قدرت عالياً التعاون مع الصين فيما يخص إتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني، وقال إن "الإستراتيجية تضع الأساس لتدابير حمائية ضد الواردات والاستثمارات الصينية"، مضيفاً "ولكن هذه ما هي إلا إستراتيجية. ويبقى أن نرى ما إذا الولايات المتحدة ستنفذ إجراءات حمائية قاسية"
ويرى الباحث هيث أن المنافسة يجب أن لا تنطوي على عداء أو تهديد، وأضاف " أن التحدي الذي يواجه الصين والولايات المتحدة هو إدارة المنافسة بطريقة تقلل من مخاطر الصراع "، مشيراً إلى أنه "سيكون من الضروري أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة أن تعزز التعاون مع الصين للمساعدة في تحقيق التوازن بين العناصر التنافسية للعلاقات الثنائية."
وطبقا لمايراه الباحث ماهافي، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ليست علاقة يمكن أن تقع في مطب مفاهيم الحرب الباردة الخاصة بمنافسة القوى العظمى واحتواءها، وقال إن "الدولتين بينهما علاقات أكثر تعقيدا من حقبة الحرب الباردة، والعديد من التحديات العالمية تتطلب تعاوناً صينياً أمريكياً لتحقيق النجاح."
في دراسة لـ ( جيمس جيفري) السفير الأمريكي الأسبق في بغداد نشرها (معهد واشنطن)، يرى ( جيمس جيفري) السفير الأمريكي الأسبق في بغداد، أن أية استراتيجية للأمن الوطني الأمريكي يجب إبتدأً أن تجيب على ثلاثة أسئلة أساسية وهي:
• ما هي الرؤية المحورية حول الانخراط الأمريكي في العالم؟
• وما هي الأدوات والسياسات العامة التي ستُستخدَم لتعزيز هذه الرؤية؟
• وكيف يختلف العنصران الأوّلان (إذا كان ذلك ممكناً) عن الوثائق السابقة الخاصة بـ «استراتيجيات الأمن الوطني»؟
ولكن «استراتيجية الأمن الوطني» الخاصة بإدارة ترامب هي خارجة عن المألوف لدرجة أنّ الإجابة على السؤال الأول ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإجابة على السؤال الأخير.
ويضيف ( جيمس جيفري) بأن هناك ثمة قناعة بأنّ «الاستراتيجية» الجديدة تنبثق عن الرئيس نفسه، مما يجعلها أكثر أهمية بكثير من تلك الوثائق التي طالما صدرت بشكل غير منتظم. فقد أثار ترامب المرشّح والرئيس مراراً وتكراراً التساؤلات حول المضمون الجوهري للانخراط العالمي الأمريكي.
إن «استراتيجية ترامب للأمن االوطني الأمريكي» تؤكد ، حسب رأي (جيفري)، على الدور الأمريكي التقليدي في السياسة العالمية وتعتبرأن " قوة أمريكا لا تكمن في المصالح الحيوية الخاصة بالشعب الأمريكي فحسب، بل أيضاً في مصالح أولئك في جميع أنحاء العالم الذين يريدون أن يكونوا شركاء الولايات المتحدة، سعياً لتحقيق مصالح وقيم وتطلّعات مشتركة "
إن هذه الفكرة الواردة في الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، حسب رؤية ( جيمس جيفري)، هي عبارة عن " نظرة عالمية توحي بحقبة «القوى العظمى» في القرن التاسع عشر. فعلى سبيل المثال، تؤكّد هذه الرؤية أن «المنافسة على القوة هي استمرارية أساسية في التاريخ. والفترة الزمنية الحالية ليست مختلفة». فلا يجب تجاهل الدبلوماسية، لكن لا بدّ من إعادة هيكلتها «لخوض المنافسة في البيئة الراهنة واعتناق تفكيرٍ تنافسي» – وهو أمرٌ بعيدٌ كلّ البعد عن الدبلوماسية بصفتها تنظّم وتدير نظاماً عالميّاً تعاونيّاً.
ولكن إلى أي مدى قد تتغير السياسة الأمريكية بشكل فعلي؟
إن أهم إستنتاج يمكن إستخلاصه من أستراتيجية إدارة الرئيس ترامب للأمن الوطني الأمريكي هو إعلان الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية حول الإستراتيجية التي سوف تتبعها والتي تتضمن أمرين متناقضين هما:
• الرؤية المحورية التي تنحرف إلى حدّ كبير عن التركيز على “النظام العالمي” كالإدارات السابقة،
• ومجموعة القيم والأعمال المألوفة التي لا بد أن تخدم هذا النظام العالَمي.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية تلتزم بهذه الاستراتيجية ككل،يحلل السفير (جيفري)،فإنها ستتماشى مع مناهج السياسة التقليدية التي اتُبعت على مدى السنوات السبعين الماضية ، ولكن من دون أي حجة ملزمة وشاملة تدفع إلى القيام بذلك خارج نطاق “المصالح الأمريكية”، و حتى أن الأركان الأساسية في “استراتيجية الأمن الوطني” فيرجع صداها إلى فترة ما قبل محاولة تجريد جهود هذه الاستراتيجية من الشعور القومي الأمريكي الذي يؤكد على:
• “حماية الشعب الأمريكي وأرض الوطن ونمط العيش الأمريكي”؛
• و”تعزيز الازدهار الأمريكي”؛
• و”الحفاظ على السلام عبر القوة”؛
• و”دفع النفوذ الأمريكي قدماً”.
ويختتم السفير(جيفري) ملاحظاته بالقول أن اللائحة الطويلة من الأعمال المحددة التي تدعم هذه الأركان مألوفة أكثر، بالإضافة إلى التركيز الأكبر على الجوانب العسكرية والاقتصادية فضلاً عن ذكر التهديدات الصاعدة.
( 3 )
الشرق الأوسط والقضية الكردية في إسترتيجية الامن القومي الامريكي لإدارة ترامب
إن العديد من القضايا العالمية والإقليمية مرت بها الإستراتيجية الجديدة لإدارة ترامب بصورة سريعة ومنها قضايا الشرق الاوسط والقضية الكردية( وعلى الأخص أزمة إقليم كوردستان العراق مع الحكومة الإتحادية في بغداد).
فقد بدأ التقرير الاستراتيجي بالتأكيد على " إن الولايات المتحدة تسعى إلى شرق أوسط لا يكون ملاذا آمناً أو أرضاً خصبة للجهاديين الإرهابيين، لا تهيمن عليه أي قوة معادية للولايات المتحدة، والذي يسهم في إستقرار سوق الطاقة العالمي." وأن مشاكل الشرق الأوسط كانت لسنوات عدة مرتبطة مع التوسع الإيراني، انهيار الدولة في المنطقة، الايديولوجية الجهادية، الركود الاجتماعي - الاقتصادي، والمنافسات الإقليمية.
إن الولايات المتحدة قد تعلمت بأن لا التطلعات نحو التحول للديمقراطية ولا فك الإرتباط عنها يمكن أن تعزلها عن مشاكل المنطقة، ولذلك يجب علينا أن نكون واقعيين، يؤكد التقرير الإستراتيجي الامريكي، حول توقعاتنا للمنطقة و دون السماح بالتشاؤم لإخفاء تحالفاتنا أو رؤيتنا في الشرق الأوسط الحديث، ولكن المنطقة لا تزال موطناً لأخطرالمنظمات الإرهابية في العالم.
وبالنسبة لإيران ورد في التقرير ما يأتي: " إيران، وهي الدولة الرائدة في العالم الراعية للإرهاب وأنها إستفادت من عدم الاستقرار لتوسيع نفوذها من خلال الشركاء والوكلاء، وانتشار الأسلحة، والتمويل. وأنها تواصل تطوير المزيد من القدرات للصواريخ الباليستية وقدرات الاستخبارات، وت بأواصل أنشطة إلكترونية ضارة. وقد استمرت هذه الأنشطة دون هوادة منذ الاتفاق النووي 2015. ولا تزال إيران مستمرة في دورة العنف في المنطقة، مسببة إلحاق أضرار جسيمة بالسكان المدنيين. الدول المنافسة تقوم بملىء الفراغات الناتجة عن انهيار الدولة وإطالة أمد الصراع الإقليمي."
على الرغم من هذه التحديات، يؤكد التقرير الإستراتيجي ، أن فرصاً بدأت بالظهورللعناية بالمصالح الأمريكية في المنطقة ,وان البعض من شركاء أمريكا يعملون معها في رفض للايديولوجيات المتطرفة وأعمال العنف، وتشجيع الاستقرار السياسي. إن الولايات المتحدة لديها اليوم الفرصة لتحفيز المزيد من التعاون الاقتصادي والسياسي التي من شأنها توسيع الرخاء لأولئك الذين يريدون أن يصبحوا شريكا معنا عن طريق إعادة تنشيط الشراكات مع الدول ذات التفكير الإصلاحي وتشجيع التعاون بين الشركاء في المنطقة، وهذا يمّكن الولايات المتحدة من تعزيز الاستقرار وتحقيق التوازن بين القوى التي تفضل مصالح الولايات المتحدة.
وهنا يوضح التقرير الإستراتيجي أولويات العمل والتي تتجلى في الخطوات الاتية:
في المجال السياسي: تريد الولايات المتحدة تقوية الشراكة من نوع جديد لاجل آمان أفضل من خلال الإستقرار.وحينما تسنح الفرصة فإن الولايات المتحدة ستشجع الاصلاحات وتدعم الجهود لمحابهة العنف الأيديولوجي وزيادة الإحترام لكرامة الأفراد. سوف تساعد الولايات المتحدة حلفائها لخلق إستقرار في المنطقة ومن ضمنها إلتزام تجاه مجلس التعاون الخليجي قوي ومندمج.وكذلك ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية لتقوية الشراكة الإستراتيجية الطويلة مع العراق كدولة مستقلة.
في المجال الاقتصادي:
الولايات المتحدة سوف تدعم الإصلاحات الجارية الهادفة معالجة حالة عدم المساواة التي يستغلها الإرهابيون، وسوف تشجع دول المنطقة، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية، لمواصلة التحديث اقتصادها.
في المجال العسكري والأمن:
ستحتفظ الولايات المتحدة بالوجود العسكري الضروري في المنطقة لحماية نفسها وحلفائنا من هجمات الإرهابيين والمحافظة على توازن القوى،وستساعد حلفائها في تعزيز وتقوية مؤسساتها بما في ذلك في مجال إنفاذ القانون، وكذلك مساعدة الشركاء في شراء الصواريخ الدفاعية وغيرها من القدرات للدفاع بشكل أفضل ضد تهديدات الصواريخ النشطة، وسوف تعمل بالتعاون مع الشركاء لتحييد أنشطة إيران الخبيثة في المنطقة.
ولكن ما هو موقع ومكانة القضية الكردية وأزمة إقليم كوردستان العراق مع الحكومة الإتحادية في بغداد في إستراتيجية الامن الوطني الأمريكي الجديد؟
إن القضية الكردية مرتبطة عضوياً بمشاكل الشرق الأوسط المعقدة وكان يفترض التطرق إليها ضمن التقرير في المجال الذي تطرق فيه إلى الشرق الأوسط ومشاكلها، ولكن لم يحدث هذا الشيء ولم يتطرق التقرير لا من قريب و لا من بعيد الى الكورد وقضيتهم. ماذا يعني هذا؟
في " تخيلات " الكورد و في " أوهامهم " يعتبرون أنفسهم كـ " حليف قوي " للأمريكان، بينما هذا النوع من " التفكير " لا صدى له لدى الأمريكان. إن الحلفاء الواقعيين للأمريكان في المنطقة ( إذا إستثنينا إسرائيل) هم بالدرجة الأساسية: المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وإلى حد ما العراق وتركيا، فأين موقع الكورد هنا؟
إن مركز الكورد في السياسة العالمية هو مركز يصح أن يُطلق عليه بكونه يمثل حالة " عدم اليقين Uncertainty". وبهذه الصفة فإن مركز الكورد " يتأرجح" ما بين الدول والقوى المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإنهم لايلعبون دوراً مهماً كـ " قوة مؤثرة "، بل أن المسألة الكوردية ستصبح بمثابة " مسألة أو قضية تتأرجح بين المصالح المحلية ، الإقليمية والدولية".
إن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث دوماً عن مصالحها ( وهذا الشيء أكد عليه التقرير الإستراتيجي)وبالتالي يثار تساؤل التالي: هل يمثل الكورد بالنسبة للولايات المتحدة مصلحة إستراتيجية بحيث أنهم سيضحون بمصالحهم الضخمة في المنطقة لأجلهم؟ أو على الأقل يعاملوهم كحلفاء أو شركاء كالآخرين أو أقل منهم بقليل؟
الجواب يعطيه التقرير الإسترتيجي بشكل واضح من حيث عدم التطرق إليهم و إيراد شيء عنهم في الإستراتيجية الجديدة للأمن الوطني الأمريكي، وبالتالي تفسير هذا الوضع بأنه " إهمال " للكورد في المعادلة السياسية الدولية أو الإقليمية والتي تقوم الولايات المتحدة بإعادة صياغتها في المنطقة. وفي هذا الوضع " الضبابي" على الكورد صنع وضع يمكن أن ´يميل " إلى الإهتمام بـ " مصالحهم" وهذا لايمكن أن يحدث إلا وفق معطيات تتضمن على الأقل مايأتي:
• قراءة متأنية للتأريخ والإستفادة من تجاربها( وفي هذا الصدد أنذرنا المؤرخ الروماني الشهير سنيكا المتوفي سنة 65 ميلادية بأن الذي لم يقرأ التأريخ سيظل طفلاً صغيراً)
• تحديد المصالح الحيوية للكورد وبالتالي تحديد المصالح الحيوية لإقليم كوردستان العراق،
• الإبتعاد عن الديماغوغية في الخطاب السياسي واللجوء إلى العقلانية الواقعية في التعامل مع القضايا السياسية الجوهرية،
• فسح المجال أمام مراكز الدراسات والأبحاث وتشجيعها لمناقشة وتحليل تلك القضايا وفق رؤية نقدية ثاقبة بما يؤدي إلى أن تلعب " النخبة الفكرية" دورها المحوري.
(4)
وفي النهاية، لايمكن إطلاق أحكام وتقييمات للإستراتيجية الجديدة إلا من خلال مراقبة ومتابعة مدى إلتزام الرئيس الأمريكي ترامب وإدارته بها وبصورة كاملة.إن تنفيذ مضمون تلك الإستراتيجية بدقة يعني أن العالم سيشهد نموذجاً خاصاً بإدارة ترامب في تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية، بينما الإنحراف عن الإستراتيجية وتشويهها يعني إيجاد تبريرات (وهي موجودة بكفاية في التقرير الإستراتيجي) حول صياغة منهاج مختلف تماماً تتناقض مع محتويات الإستراتيجية.
Top