المرأة وعملية بناء السلام
وحيثما وقعت حرب أو اندلع نزاع كانت المرأة أولى الضحايا، ولذلك يجب أن تكون جزءًا من الحل أيضاً، سواءً لمنع النزاع أو في التوصّل إلى التسويات أو في عملية الانتقال من الحرب إلى السلم ما بعد النزاع أو في إرساء عملية السلام ، لكن مثل هذا الدور المفترض في الواقع العملي لا يزال مهملاً أو محدوداً وقاصراً على صعيد القوانين الوطنية أو الدولية، بل إن الآليات الدولية لا تزال غير كافية ولا تلبي الحاجات الضرورية لإعطاء المرأة الدور المطلوب في منع النزاعات وفي حلّها حين تندلع بما فيها اتفاقية سيداو لعام 1979 (الاتفاقية الدولية لمنع كافة أشكال التمييز ضد المرأة).
كما أن مؤسسات المجتمع المدني لا تزال ضعيفة ومحدودة التأثير في هذا المجال، وخصوصاً في البلدان النامية، بل إن دورها لا يكاد يُذكر بشأن مساهمة المرأة في منع النزاعات وإحلال السلام، وهي حقيقة لا بدّ من الإقرار بها. وحتى المنظمات الدولية مثل "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" التي لها خبرة على صعيد العمل الإنساني هي الأخرى لا تلبي طموحات مشاركة المرأة، يضاف إلى ذلك أن بعض النساء يتجاهلن مثل هذا الدور الذي يُراد أن يناط بهنّ أو هكذا يفترض، على الرغم من أن هناك معارضة ليست قليلة بخصوص مشاركتهن، في ظل سيادة العقلية الذكورية التسيّدية.
وإذا كانت المشاركة النسائية في منع الحروب وحلّ النزاعات وبناء السلام ضعيفة على المستوى العالمي، فإن هذا الضعف ظاهر في منطقتنا ويكفي أن نلقي نظرة على حقيقة الأوضاع في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال وفلسطين وهي حالة خاصة لصراع مستديم، تؤكد ذلك.
وعلى الرغم من حدوث تطوّر دولي بخصوص مشاركة المرأة في حلّ النزاعات حين اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1325 في العام 2000 بشأن"المرأة والسلم والأمن"، إلّا أنّ هذا التطوّر لا يزال على صعيد التشريع، فهناك هوّة كبيرة بينه وبين الواقع، الأمر الذي يحتاج إلى تجسير الفجوة بين التشريع والتطبيق. وقد انشغلت منظمة اليونسكو في أنشطتها المتعددة بهذا الموضوع كان آخرها عقد لقاء تشاوري لخبراء إنطلاقاً من تلمّسها حاجة ضرورية لمناقشة " التطورات السياسية الراهنة وتبعاتها على المرأة".
وكان القرار1325 قد أكّد على الدور المهم للمرأة في منع النزاعات وحلّها وفي محادثات السلام وعمليات بنائه وحفظه وفي إعادة الإعمار ما بعد النزاع، وحضّ جميع الأطراف على زيادة مشاركة النساء على أساس المساواة بين الجنسين. وقد صدرت مجموعة من القرارات خلال العقد ونصف العقد الماضي ولغاية العام 2016 تصبّ في ذات الاتجاه، يمكن التوقّف عند أحدها وهو القرار 1206 الذي صدر في العام 2013، حيث تناول موضوع العدالة الانتقالية في حالات الصراع المسلح والنزاعات والحروب الأهلية وانهيار سلطة القانون وما بعدها ، وهذه تشمل طائفة كاملة من الإجراءات القضائية وغير القضائية باستخدام جميع الوسائل المتاحة لضمان مشاركة المرأة في عمليات الوساطة وبناء السلام، لأن النساء ما زلن الضحايا الأكبر، بل والأكثر تضرّراً من النزاعات والحروب، الأمر الذي يقتضي مشاركتهن .
وبخصوص العدالة الانتقالية التي هي ظرفية ومؤقتة فلا بدّ من خطوات عملية متداخلة تبدأ بكشف الحقيقة ومساءلة المرتكبين وجبر الضرر لتخليد الذاكرة والتعويض المادي والمعنوي للضحايا أو ذويهم، وصولاً لإصلاح النظام القانوني والأمني والقضائي، لكي لا يتكرّر ما حصل، والهدف الأساسي من كل تلك الإجراءات هو تحقيق المصالحة الوطنية للتخلص من آثار الحقب الدكتاتورية والاستبدادية والتسلّطية السابقة.
وبالطبع فثمة خطوات أساسية لضمان مشاركة النساء في إجراءات العدالة الانتقالية من أهمها: تعديل البنية التشريعية والقانونية وإعادة النظر ببعض القوانين واللوائح وتشجيع مشاركة النساء في العمل السياسي الحكومي والمحلي وتعزيز دور المرأة في التنمية، على مستوى القرار والأداء والتنفيذ .
جدير بالذكر والتنويه إن ما حصل بعد اندلاع موجة الربيع العربي كان قد أثار قضايا جديدة تندرج ضمن خانة مشاركة المرأة في منع النزاعات وحلها، شملت إضافة إلى كل ما تقدّم، ملفات النازحين واللاجئين وانبعاث الهوّيات الفرعية والصراعات التي رافقتها وأشكال مستحدثة من العنف والإرهاب والطائفية، تلك التي تحتاج إلى مشاركة نشيطة وفاعلة من المرأة، خصوصاً بتوفير مستلزمات مواجهتها.
ويقع على الجميع بمن فيهم الرجال مسألة رفع الوعي الحقوقي بين النساء . علماً بأن قضية المرأة هي جزء لا يتجزأ من قضية تطوّر المجتمع ككل لإحقاق حقوق جميع فئاته، والمرأة في الصدارة من ذلك، خصوصاً حين تكون الضحية الأولى من الحروب والنزاعات.