نظرية ولاية الفقيه
هذا موجز بسيط حول أصل المشكلة في المذهب السني، وقد ذكرته حتى تتضح لنا قصة ولاية الفقيه عند الشيعة، ففي المذهب الشيعي أيضا نجد إتجاهين، الأول رأي الإسلام السياسي الشيعي حيث تأثروا بكل تأكيد بالفكر السياسي الإسلامي عند الإخوان المسلمين وبالأخص عند سيد قطب، ولهذا قاموا بتغيير المصطلحات مع الاتفاق في المضامين، فبدل الحاكمية عند سيد قطب استعملوا مصطلح ولاية الفقيه.
اشتهر هذا المصطلح بعد ثورة الخميني سنة 1979، لأنه هو أول من أدخل هذه المفردة في عالم السياسية وحيز التطبيق، كما أن الحاكمية موجودة في نصوص الدين في المذهب السني لكن سيد قطب أدخل المصطلح في عالم السياسية، وجعله في إطار فلسفي نظري معرفي، وأعطى لها حجما ضخما وبالغ فيها، نتيجة معاناته وظروفه المريرة والعويصة التي مر بها الرجل في سجون مصر، إذن نظرية ولاية الفقيه موجودة قبل وجود الخميني، حيث يرى الشيعة ويعتقدون أن المخلص لهم من الفساد والظلم والإضطهاد هو المهدي المنتظر، وهو الإمام الثاني عشر، ولذلك عرف الشيعة بالإثني عشرية، وهم:
1. علي بن أبي طالب.
2. الحسن بن علي.
3. الحسين بن علي.
4. علي بن الحسين زين العابدين .
5. محمد بن علي الباقر.
6. جعفر الصادق.
7. موسى الكاظم.
8. علي الرضا.
9. محمد الجواد.
10. علي الهادي.
11. الحسن العسكري.
12. محمد المهدي المنتظر.
فبعد وفاة الإمام الحادي عشر وهو الحسن العسكري في سامراء سنة(260 الهجرية) ظهرت مشكلة من يخلفه، يعتقد البعض أن المهدي هو خليفته، لكن والده أخفاه خوفا من أن يقتل، وهو حي يرزق وسيظهر عندما تمتلأ الأرض فسادا وظلما، فهو سيأتي لكي يجاهد ويحقق العدالة في الأرض، ولكن لما جاء الخميني رأى أن غيابه قد طال وقد يطول لآلاف السنين، لذلك لا بد من حل لتحقيق مصالح الناس، حيث ينوب عنه أعلم رجال الدين، وينتخب من قبل آيات الله، أي مجلس الخبراء، كل ذلك لتطبيق الشريعة الإسلامية، وقد ذكر ذلك الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية، ولا ريب أن الخميني كان خبيرا في كيفية استغلال هذه العقيدة لقيادة البلد، ولولا ذلك لما استطاع أن يحكم كل هذه الفترة، ولما بقيت الثورة الإسلامية بهذه الصورة، وإن كنت أعتقد أن فترة حكمهم في بداية الأمر كانت مقبولة، لكن الآن عندما ننظر إلى الوضع الداخلي فلا يبشر بالخير، لأن تأسيس الدولة على أسس دينية مذهبية استبداد ديني أيدلوجي يناقض الديمقراطية والمدنية، وشعب إيران مدني بطبعه ومنفتح وحضاري لا يرضى أن يفرض عليه هذا اللون من الحكم، فلذلك لا يستقر لهذا البلد قرار إلا بالعودة إلى الديمقراطية الحقيقية، وإلا بعد الفصل بين الدولة ورجال الدين، لأن الدولة ليست لرجال الدين لكي يديروها، بل هي لهم ليعيشوا فيها، لأن لهم مجالا آخر معروف للجميع، ثم أضف الى ذلك أن هذه الدولة فيها قوميات وأديان ومذاهب مختلفة، ولكن هي موجودة للتاريخ والآثار وليست موجودة لها حقوقها السياسية والدينية والمذهبية، خذ مثلا تشكيل الحكومة الإيرانية الأخيرة، حيث شكل الرئيس روحاني حكومة في الآونة الأخيرة لا كوردي فيها ولا سني، وكأن الصنفين غرباء على أرض إيران، وهم كذلك من الناحية التطبيقية والدستورية، لأن الدستور يمنع الكوردي أن يصبح رئيسا، ويمنع السني كذلك.
وعليه فإن ولاية الفقيه هي مسألة نظرية كانت موجودة في الفكر الشيعي، أول من أسس هذه النظرية هو أحمد النراقي توفي(1829) ثم جاء بعده علي الكوراني، وحاول شرعنتها عندما قال أن هذه النظرية ليست للشيعة فقط، بل حتى السنة أنفسهم يؤمنون بها، أي أن طاعة ولي المسلمين واجبة، وهي نفس النظرية التي جاء بها حزب التحرير الإسلامي السني بزعامة تقي الدين النبهاني الفلسطيني، ثم أخيرا أعلن أبو بكر البغدادي الداعشي الخلافة الكاذبة بناء على هذه المفاهيم التاريخية التي لا تصلح أبدا لعصرنا الحديث، لأن تلك المفاهيم هي مستوحاة من اجتهادات بشرية، وليست من وحي نصوص الدين، وحتى لو كانت هناك نصوص فهي ضعيفة مختلقة وكاذبة وضعها البعض دفاعا عن سلطتهم، والله تعالى فسح لنا المجال لكي ندير دولنا وأوطاننا وفق المصلحة العامة، ولا يخفى أن عقيدة المهدي المنتظر موجودة عند السنة ولكن بصورة مختلفة بعض الشيء، وهي موجودة في أكثر الديانات بألوان مختلفة، تعبيرا عن سخط أتباع الديانة من الواقع الأليم، لكي ينجو من عذابه وجحيمه.
نظرية ولاية الفقيه تعني أن مرشد الثورة الإسلامية هو الذي ينوب عن المهدي، فطاعته واجبة على جميع شيعة العالم، وهو فوق الانتخابات بل يتم اختياره من قبل مجلس الخبراء بدرجة آيات الله، لذلك طاعته من طاعة المهدي، وطاعة المهدي طاعة رسول الله، وطاعة رسول الله طاعة الله، لذلك لا أحد يستطيع أن يعصي الإمام، لأن عصيانه عصيان للمهدي، وعصيان المهدي عصيان لرسول الله، وعصيان رسول الله عصيان لله، ولهذا نجد أهمية الفتوى وخطورتها عند الشيعة لأن العملية برمتها متسلسة ومعقدة ومتشابكة. إذن الولي الفقيه هو الحاكم المطلق في البلاد، فلا قيمة لرئيس الجمهورية، ولا للبرلمان ولا لأي جهة كانت، جميع القرارت التي تتخذها الحكومة، وجميع القوانين التي يشرعها البرلمان لا بد من موافقة الولي الفقيه، وهذا بلا شك عكس مباديء الديمقراطية، ولهذا نجد غالبية أئمة الشيعة يعارضون الخميني في هذا الاتجاه، ناهيك عن الشعب الذي يرفض هذه الصلاحيات الكبرى في الدولة، ومن الذي عارضوا الخميني نائبه أيام الثورة آية الله منتظري الذي كان المرشح ليكون خليفة للخميني، فعزله الخميني وفرض عليه الإقامة الجبرية، واستمرت هذه العقوبة حتى يوم وفاته سنة(2009) حيث كان يرى منتظري أن هذه الولاية المطلقة ليست شرعية، بل لا بد من الولاية الجزئية في المسائل الشرعية، وكان يدعو صراحة الى فصل الدين عن السياسة، ثم تم تعيين على الخامنئي خليفة للخميني بعد وفاته سنة(1989) مع أن الخامنئي لم يبلغ درجة الاجتهاد(أي مرحلة آية الله)، ولا يزال الرجل سائرا على خطى الخميني، ومن الذين عارضوا هذه النظرية مرتضى الأنصاري، وآية الله ميرزا النائيني وآية الله شريعتمداري، ومن الرافضين لها الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، ولقد رأينا خلال فترة حكمه انفتاحا على العالم، وعلاقات طيبة مع علماء السنة، وتحسن الوضع الداخلي، ولكن من شروط من يتولى رئاسة الجمهورية الإيمان بولاية الفقيه، وهذه بلا ريب معضلة في طريق الإصلاحيين الذين يريدون تطوير البلد، لأنهم يعتقدون – أي الرافضون لولاية الفقيه- أنها ستكون سببا في انهيار البلد، لأنه لا يمكن فرض أيدلوجية مذهبية معينة على بلد يعيش فيه مختلف القوميات والأديان والمذاهب، والغريب أن حفيد الخميني حسين الخميني لا يؤمن بهذه النظرية، ويدعو إلى فصل الدين عن السياسة، ولدينا أمثلة حية حيث في انتخابات 2009 فاز مرشح الإصلاحيين مير موسوي بالأغلبية الساحقة، وبما أنه لا يؤمن بولاية الفقيه جيء برجل أيدلوجي متعصب لكي يصبح رئيسا لإيران وهو محمود أحمدي نجاد، مع أنه لا يوجد فيه أي صفة تؤهله لهذا المنصب المهم في الدولة، ووقتذ خرجت مظاهرات تنادي وتهتف من غير خوف: أين صوتي؟. حيث لم تبق أي قيمة لهذه العملية الديمقراطية أعني الانتخابات.
وتم رفض هذه النظرية من قبل علماء الشيعة في العراق، ومن الرافضين لها السيستاني، وفي لبنان أيضا نجد مجموعة من علماء الشيعة يرفضونها، الذي أريد أن أصل إليه أن هذه النظرية أشبه بالحاكمية التي ابتدعها سيد قطب وأتباعه، وتم رفضها من قبل أكثر علماء السنة، وأشبه بالخلافة التي دعا إليها بعض الجماعات الإسلامية، على اختلاف توجهاتها ومواقفها.
ثم يأتي بعض القادة العراقيين من غير خجل وهم يريدون نقل هذه النظرية لتطبيقها في العراق، مع أن شعب إيران يرفضونها وهم يتمنون الخلاص منها، ولو كانت تجربة إنسانية راقية لكان الأمر مقبولا، ولو كانت ناجحة لكانت إيران في مقدمة الدول المتطورة، وأستطيع القول أن هذه النظرية مع فشلها وهشاشتها وسيلة ناجعة للسيطرة على مقاليد الأمور، والحفاظ على الثورة ومنجزاتها إن كانت لها تلك، لأن الولي الفقيه معصوم، فما قاله ويقوله لا يقبل النقاش والجدال، لأن العصمة إلهية لا ينالها إلا من ينوب المهدي المنتظر، والولي الفقيه هو النائب عنه مطلقا في كل صغيرة وكبيرة.
وبسبب تمسك بعض الجماعات الموالية لإيران بهذه النظرية وكذلك محاولة بعض القادة السياسيين العراقيين الشيعة نقل هذه التجربة الإيرانية الى العراق تمزق الصف الشيعي، لأن بعض الجماعات الشيعية العراقية الوطنية لا تريد نقل هذه التجربة، بل تعارضها بشدة، لأنها تدرك أن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، فنقل هذه التجربة تهديد لمصير تلك القوميات والأديان والمذاهب، ولهذا يتعرض المعارضون لهذه السياسات الخاطئة الى انتقادات وضرب وإهانة ومحالة اغتيال، فأحد الصحفيين العراقيين وهو كاظم اللامي انتقد رفع صور الخميني والخامئني في العراق فأمطروا بيته وابلا من الرصاصات، وكادوا يقتلوه لولا رحمة ربه، وهذا مثال واحد، وهناك أمثلة عديدة لا مجال لذكرها الآن.
كلمة أخيرة
اتفقنا نحن الكورد مع شركائنا في بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين أن نؤسس دولة ديمقراطية مدنية فدرالية، لكي يصبح العراق الجديد نموذجا رائعا للديمقراطية في المنطقة، ولكن مع الأسف الأسيف طغت العقلية الدينية الأيدلوجية على العقلية المدنية، فتحولت الدولة بمرور الزمن إلى دولة دينية أيدلوجية، وتحول مجلس النواب العراقي وهو أعلى سلطة في البلد إلى وسيلة لتمرير القوانين والقرارات الطائفية، كقانون الحشد الشعبي وكذلك تمرير القوانين والقرارات التي تضر بشعب كوردستان، وآخر هذه القرارات الجائرة والخاطئة رفض رفع علم كوردستان في كركوك وإستفتاء كوردستان مع عدم مراعاة رأي الكتل الكوردستانية، مما دفع بنواب كوردستان الى الإنسحاب من جلسة البرلمان، ولقد حاولت الكتل الكوردستانية تفعيل الحوار مع بغداد، ولكن يبدو أنه كان هناك إصرار غير مسبوق باستهداف كوردستان، حيث فوجئنا بقرار مجحف، وهو إقالة محافظ كركوك، مع أن القرار سياسي بحت، لأن محافظة كركوك تابعة لقانون بول بريمر لسنة 2004، بينما مجلس النواب اعتمد قانون سنة 2008، وهذه مخالفة واضحة، ولا ريب أن المحكمة الفيدرالية لو اتخذت قرارا سليما فلا بد أن يرفضه، وإن كنا لا نثق حتى بهذه المحكمة، لأنها هي أيضا شاركت بإتخاذ موقف معاد لإستفتاء كوردستان، إذن هذه حملة شعواء لا هوادة فيها ضد أبناء شعب كوردستان، وليكن واضحا أن كل قرار يتخذ من بغداد ضد كوردستان سياسي محض، والقرارات السياسية مرفوضة، لأن كوردستان من حقها أن تتخذ قرارات سياسية ضد بغداد، فالمواقف والقرارات السياسية تفقد قيمتها القانونية والدستورية، لذا علينا أن نحتكم الى القانون والدستور، وإلا سيتحول البلد إلى فوضى لا نهاية لها، والمشاهد الأخيرة تدل على ذلك.
ولا جرم أن هؤلاء الطائفيين بهذه السياسات المجحفة بحق كوردستان سيدفعون شعب كوردستان الى التمسك الشديد بمبدأ الإستقلال، والى المشاركة الفعالة في إستفتاء كوردستان، وقد أنهوا الشراكة الوطنية بحذافيرها، ولم يبق بيننا وبين بغداد شيء يربطنا، وليكن معلوما للتاريخ أن شعب كوردستان لم يكن سببا في تقسيم العراق إن حصل مستقبلا، بل إن الذين خرقوا الدستور العراقي، ولم يلتزموا بالاتفاقات السياسية بعد سقوط نظام البعث هم الذين قسموا هذا البلد، وهم الذين دفعوا شعب كوردستان الى اللجوء إلى الإستفتاء، وسيكون استقلال كوردستان نهاية للقضية الكوردية في العراق، ونهاية لمعاناتنا ومآسينا وحروبنا وصراعاتنا مع هذه الحكومات المتعاقبة، فقد جرب شعب كوردستان الحكم الملكي والجمهوري والبعثي والدعوي(حزب الدعوة الإسلامية) فما رأى إلا الويل والدمار والخراب والقتل والأنفال والمقابر الجماعية وحلبجة وقطع الموازنة، دعنا نجرب هذه المرة الحكم الكوردستاني، أي أن نحكم أنفسنا بأنفسنا، فلدينا تجربة طويلة وخبرة كافية وقدرات جيدة وكفاءات ممتازة وعقلية مدنية وتعايش ناجح وتاريخ مشرف ونضال عظيم وتضحيات جسام وقيادة حكيمة وجيش وطني وتعليم متطور وثروة طبيعية متعددة.