اذا كان العبادي هو الخاسر!!! فمن هو الرابح؟ ؟ ؟
دراسة العلوم السياسية تساعد المهتمين في تفسير و فهم الظواهرالسياسية و تحليلها بعيدة عن العواطف، حيث تتم تجزئة الظاهرة السياسية او (الشخصية السياسية)، الى مكوناتها الاصلية بشكل منفرد و ثم التعرف على طبيعة العلاقة بين كل مكون مع الاخر.هنا سنتطرق الى تحليل شخصية رئيس الوزراء ( حيدر العبادي)من حيث البعد الاجتماعي والاقتصادي و السياسي. هذا سوف يساعدنا ولو بشكل نسبي في تفسير الظواهر السياسية ما بعد الاستفتاء، وما الذي يؤثرعلى قرارات العبادي السياسية؟ كيف ان الغرور بالنصر يؤدي احيانا الى الخسارة؟ ايضا يساعدنا على التنبؤ بمستقبل السياسي في العراق.
فمن ناحية التنشئة الاجتماعية للعبادي، هو من مواليد بغداد ، كما يعد ذات توجه اسلامي – شيعي و هو عربي القومية، ولقد عاش في كنف عائلةذات أصول جنوبية، بعد حصوله على شهادة البكالوريوس عام 1975 في بغداد حصل بعدها على الشهادات العليا من بريطانيا وعمل هناك الى انعاد للعراق عقب الاحتلال الأميركي وسقوط نظام صدام حسين سنة 2003.
من الناحية الاقتصادية هو بالرغم من انه كان يعيش في منطقة الكرادة الشرقيةالمشهورةبالتجارة، ولكن لم يكن لديه ميول تجارية لذلك قبل وصلوله الى السلطة لم يكن لديه الثروة الطائلة لكي تساعده للوصول الى السلطة، و لكن بعد دخوله في المعترك السياسي اصبح يميل الى العمل في الامور المالية والاقتصادية حيث عمل في اللجان الاقتصادية في البرلمان و اعمال اخرى ولكن ثروته لا تذكر مقارنة بقرينه نوري المالكي.
اما من ناحية التنشئة السياسية، العبادي انتمى إلى حزب الدعوة عام 1967وكان عمره آنذاك خمسة عشر عاما، واختير مسؤولا لتنظيمات الحزب في بريطانياعام1977وحصل على عضوية القيادة التنفيذية للحزب عام1979وفي عام 1980اختير مسؤولا لمكتب الشرق الأوسط للحزب، الذي كان مقره في بيروت،. خلال مسيرته في العراقمنذ عام 2003تسلم مناصب حكومية و برلمانية عديدة منها ترأس لجنة الاقتصادوالاستثمار النيابية في البرلمان عام 2005واللجنة المالية في البرلمان عام 2010وبعد إنتخابات 2014 تم اختياره في البداية كنائب لرئيس مجلس النواب العراقي، وفي 11 آب 2014 كلفه التحالف الوطنيورئيس الجمهورية فؤاد معصومبتشكيل الحكومةليكون رئيس مجلس الوزراء الجديد خلفا لنوري المالكيرئيس إئتلاف دولة القانون.
يتبين لنا ان التنشئة الدينية لم تؤثر فقط على حياته الاجتماعية بل اثرت حتى على تكوين شخصيته السياسية، حيث انه متدين الى حد التزمت برغم اندماجه مع المجتمع العلماني في بريطانيا، و نستطيع ان نجد ان الدين يؤثر كثيرا في قراراته السياسية خاصة اذا كان بدعم من المرجع الديني في النجف و ايران و تجسيدهابالحشد الشعبي ذات البعد الديني و القانوني و السياسي.
اذا العبادي نجح في استعادة مدينة الموصل و القائم و السيطرة على كركوك، لا يعني بالسعي لـ “محو اقليم كوردستان”، طبقا للدستور. ايضا لا يعني تخفيض حصة الاقليم الى 12% و عزل اقليم كوردستان اقتصاديا ، كذلك لا يعني اللعب على اعصاب الشعب الكوردي بالوعود لتوفير رواتب الموظفين في الاقليم. بالاضافة الى ذلك لايمكنه محو كل الاتفاقات السياسية للمناطق المتنازع عليها من قبل القوات المشتركة خاصة في الاوقات الصعبة.
استعلاء العبادي الى حد تفكيك اقليم كوردستان هو غير منطقي لعدة اسباب اولا الدستور العراقي يمنع ذلك. ثانيا يتنافى تفكيك كوردستان مع مصالح الامريكية في المنطقة خاصة من الناحية العسكرية و السياسية، ففي الاونة الاخيرة دعمت امريكا قوات البيشمركة في محاربة داعش. هنا العبادي يذكرنا بالمالكي الذي خسر سياسيا بعد قصوره في مواجهة داعش بسبب تهميش السنة و هكذا العبادي سوف يفشل في الملف الامني بدون التحالف مع الاقليم بالتالي سوف يكون الخاسر في الانتخابات القادمة .
سيناريوهات: صحيح ان العبادي من الطائفة الشيعية ولكن ميوله للمرجعية الدينية في النجف الاشرف وليس لولاية الفقيه في ايران ( مثل المالكي) لان تنشئته الاجتماعية و السياسية كانت بعيدة عن ولاية الفقيه في ايران لانه لم يدرس و لم يعش في ايران طويلا، و قام بفتح العلاقات الدبلوماسية مع السعودية التي كانت ضد توجهات ايران. فمن خلال الانتخابات القادمة في العراق، ايران سوف تدعم منافسي العبادي والمواليين لايران، اذا خسر العبادي، سوف يكون هنالك خط رجعة لامريكا للعودة الى العراق لمواجهة النفوذ الايراني، بالتالي من المرجح ان ايرانستحاول ان ترفع الاصوات المناهضة لامريكا في العراق لكسب عاطفة الشعب في الانتخابات، و هنا سوف تبقى حكومة الاقليم ( بقيادة نيجرفان بارزاني) الشريك الوحيد الموثوق به لامريكا للحفاظ على سياسة وطنية معتدلة و على تقويض عودة تنظيم داعش.
توصيات: طبقا السيناريو اعلاه، على واشنطن ان تكبح غرور العبادي في الوقت الراهن و تطلب منه القيامبادارة مشتركة للمناطق المتنازع عليها و ارجاع حصة الاقليم من الميزانية الى 17% .من خلال فتح قنوات الحوارو الكتلة الكوردية و توحيد الجهود لمواجهة خطر الارهاب و الفساد في العراق خاصة بعد اثبات حسن النية من قبل حكومة الاقليم بعد قبول قرارات المحكمة العليا بخصوص الاستفتاء و بالمقابل على العبادي الرد بالمثل و ان يقدم تنازلات بفتح باب الحوار بدون شروط مسبقة. ايضا ان الحلول المقترحة لهذه المعضلة هو ان على العبادي ان يتعامل بسياسة الرابح – الرابح بدل من سياسة الرابح و الخاسر لان الطرفان سوف يخسران بالنهاية اذا ما استمر الغرور للعبادي فهو بذلك سوف يكرر تجربة المالكي بمجيء داعش ولكن بثوب اخر. لكي نخلق الثقة بين الطرفين في المفاوضات ينبغي اختيار مكان محايد و زمان مناسب مثلا في كركوك و قبل تطبيق الميزانية العامة لعام 2018. ايضا ينبغي ان تكون الاجندات لكلا الطرفين خالي من الشروط ، ويكون الدستور و العرف السياسي هما المعيار. كذلك شخصيات المفاوضةينبغي ان تكون موثوقة بهم من الجانبين مثل العبادي و نيجرفان بارزاني. اذا فشل اللقاء بين الطرفين نحتاج الى وسيط او اكثرمحايد لجمع المشتركات بين الطرفين و جلبهم الى الطاولة مثل فؤاد معصوم او السيستاني، هنا على جانب الاقليم، او على رئيس حكومة الاقليم ( نيجرفان بارزاني) و نائبه قوباد و بعض الاحزاب الكوردية الاسلامية و العلمانية و المعارضة زيارة السيستاني و طلب منه الوساطة و تقريب وجهات النظر في ظل غياب وسيط نزيه و غير متحيزباعتبار السيستاني يؤثر على قرارات العبادي طبقا لتنشئته الاجتماعية و السياسية.
احمد هسني
استاذ الجامعة