هل سيلغي الكورد مادة التاريخ من مقرراتهم المدرسية
تداعيات إسقاط كركوك لن تنتهي لا بمجرد تقسم كوردستان، ولا بانسحاب قوات الحشد والقوات العراقية، ولا حتى بعودة المنطقة إلى سابق عهدها قبيل ليلة محاولة إسقاط كوردستان. بل لعل الأزمة وتداعياتها لن تنتهي حتى بإعلان الاستقلال ذاته. فما يُسقط المشاريع، أو لنقل ما يؤسس لإسقاط المراكز والدول مستقبلاً وما يُعجِل من قرب الانهيارات يكمن في قضية الثقة من عدمِها قبل أي شيء أخر. وهو العامل الأكثر نسفاً بين الكورد، ولن تقم قائمة للثقة بين عموم الكورد والقوات والأطراف المحسوبة على الجماعات التي أسقطت كركوك. وهل سيتمكن أي عسكري كوردي من محاربة عدوه ويقف إلى خلفه بعضٌ أو قلة مِن مَن باع كركوك.
حاول الكورد مسح ذاكرتهم القديمة. فالتاريخ الكردي يمضي على خطين متوازيين، بطولة وخيانة. فلا هذه حصلت دون تلك، ولا تلك أبت إلا أن تتواجد حيث يتواجد الأخر. ما حصل في كركوك هو محاولة إعادة نقطة التاريخ إلى الصفر. نقطة الاستحياء من الحديث لأبنائنا عن أيام الخيانة التي أضحت وجهة نظر لدى البعض، بالرغم من تاريخ البطولات والتضحيات الجسام التي قدمها الكورد.
التاريخ الكوردي في جنوب كوردستان يعيش حالة جديدة كل بضع عقود، لكنه يعاني من اللا قطيعة مع الماضي. الثورات والانتفاضات الكوردية منذ سقوط جمهورية كوردستان (في مهاباد) وحتى الهجرة المليونية شهد شدّ وجذب بين التأمر والبطولة والتضحية والهرطقة. ومكاسب منطقة حظر الطيران بدده بنسبة كبيرة فترة التسعينيات وما شهده من أحداث مؤملة ومؤسفة. وما كسبه الكورد منذ تثبيت الفدرالية ونسف تنسيب جنوب كوردستان إلى شمال العراق وإعادة بريق المدلول اللفظي لأسم كوردستان بعنونته إقليم كوردسان العراق وما حصل عليه من مكاسب هائلة، كان يتعرض بين الفينة والأخرى إلى تهديد مغلف بغطاء دستوري عراقي أو تهديدات نتيجة تواجد قوات عسكرية منحت الحجج للهجوم أو قصف الإقليم، وما حققه الإقليم من انتصار ضد داعش، جاهدت حركات تظهر عكس ما تُبطن في تمييع الانتصارات وهدهدة جدار الثقة بين رئاسة الإقليم والشعب الكوردستاني، وما كادت نتائج الاستفتاء على الاستقلال أن تحققه، سعت زمرة مريضة لتلويث رغبة 92% من الشعب بأفكاراً مشوهة.
الكُل يدرك. الزمرة الخائنة قبل الأخرى، يدركون جميعاً أن السيد مسعود البارزاني لن يترشح ثانية، لكن هوس الانتقام من نجاح الأخر تضاف إلى تلازم ثنائي البطولة والخيانة كوردياً.
إن تم التضحية بالكورد أمريكياً، فهو يعني خسارتهم لأبرز رؤوس الحربة الكوردية في زعزعة الاستقرار في الداخل الإيراني مستقبلاً. والتواجد الإيراني عبر الحشد الشعبي في مخمور وشنكال سيضع تركيا أمام وضع سياسي وتوزيع جديد لموازين القوة، عدا عن تغير لعبة السيطرة الجغرافية من جديد.
يقف الكوردي مُحتاراً اليوم بين الصديق الوحيد الذي لم يغدر بهم عبر التاريخ، جبال كوردستان الشاهدة على دحر اعتى الأنظمة. أو الترقب عن كثب وسط تبادل الاتهامات بالخيانة بين أعضاء الحزب الواحد، أو محاولة إخراج ذواتهم من دائرة الواصل مع العدو والغازي لكوردستان، لتحميل البارزاني سبب مآلات الإقليم بسبب إصراره على الاستفتاء.
الواضح من ما حصل؛ إنهم استطاعوا الجمع في تعاملهم وتواصلهم بين بغداد وطهران وأنقرة، وكُل العواصم الملوثة بداء العنصرية والطائفية والعداء الأزلي للكورد ووجودهم، كل ذالك في سبيل إحراج شريكه الديمقراطي وإخراجه من دائرة القرار في الإقليم.
النكتة السمجة أن الاستفتاء هو السبب في كل ما حصل، تعود إلى مشاركة جميع المعترضين على الاستفتاء في الإدلاء بصوتهم، في سعيهم إلى مشاركة النجاح والنيئ بالنفس في حال الفشل.
صحيح الإقليم اليوم ليس كما هو في الأمس، وأن قسم من المكاسب قد فقدت، وهو يعيش حالة حرب وشيكة مع بغداد بدعم وتمويل من عواصم إقليمية وأطراف داخلية. لكنه لم يُهزم بسبب رغبة شعبية، ولا للاحتجاجات الجماهيرية التي تجتاح الإقليم. بل فقط الإقليم يعيش تجربة قديمة بلبوس جديد ومتآمرين تاريخيين بسحنات جديدة، وجبين شخصيات ادعت الوطنية وشغفها القومي بنواصٍ ميزتها خيانة الإرث النضالي.