ادارة التنوع في اقليم كوردستان بين التحديات و سبل المواجهة
ماجستير في العلاقات الدولية / جامعة نوتنكهام / بريطانيا
ادارة التنوع في اقليم كوردستان بين التحديات و سبل المواجهة
يقول المفكر الايطالي كرامشي "ان المرحلة الانتقالية تكون صعبة دائماً لان القديم يموت، والجديد لم يولد بعد" هكذا هو وضع كوردستان الجنوبية في الوقت الحالي، لكننا عندما نبحث في بعض المقومات الفريدة التي يتمتع بها هذا الكيان الفتي لابد وان نقف عند مفهوم التعددية الحقيقية التي يمتاز بها عن باقي مناطق الشرق الأوسط، فإلى جانب التنوع السياسي والفكري يعيش في اقليم كوردستان مجموعة من المكونات الدينية والقومية والاثنية المختلفة ورغم محاولة التغير الديموغرافي من قبل الأنظمة السياسية المتعاقبة منذ تاسيس الدولة العراقية والأوضاع الأمنية الهشة بعد 2003 عاشت هذه المكونات بسلام وطمأنينة. فعلى سبيل المثال الاقليات الدينية ( الايزيدية – المسيحية – الكاكائية – الزرادشتية – البهائية والصابئة المندائية ) الاثنية والقومية ( الشبك والتركمان والسريان، الكلدان، الاشوريين والارمن), سواء كانوا مواطنيين اصليين ام نازحين من مدن عراقية اخرى لاسباب امنية او سياسية او اقتصادية او اجتماعية الخ...كانوا و مازالوا يعيشون في بيئة آمنة، فالنازحين وجدوا اقليم كوردستان ملاذا امنا لهم للتخلص من تلك التحديات التي كانوا يواجهونها في مجتمعاتهم. اذا نسأل أنفسنا هل بالفعل المكونات المختلفة تعيش بسلام في كوردستان؟ كيف؟ و ما هي التحديات؟ و ماهي سبل المواجهة؟
التعايش الاجباري في العراق أدى إلى عرقلة مبدأ المواطنة فيها، بينما التعايش السلمي في كوردستان ادى الى ترسيخ مبدأ المواطنة بفضل الحكم الرشيد للتعددية هناك وهذا بدوره سيؤدي إلى الاستقلال السياسي. على سبيل المثال: شفق نيوز/ قال رئيس حكومة اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، "ان الاقليم سيجري هذا العام استفتاء تقرير المصير، لافتا الى ان شيئا تحت اسم عراق موحد لاوجود له"..حيث ان الحقوق الفردية في كوردستان يعتبر كأساس للمواطنة ضمن منطلقات الفكر الليبرالي، إضافة إلى كون الفرد هو جزءاَ من مجموعة تمتلك مكوناتها الثقافية، إضافة الى الجانب السياسي والولاءات الإيديولوجية.حيث رسخت تلك الحقوق الفردية عندما أنجز برلمان إقليم كوردستان جملة من التشريعات التي تعتبر أساسية في مجال التربية المدنية وترسيخ قيم المواطنة، كما عدل البرلمان جملة من القوانين العراقية باتجاه المزيد من التمدن وتجاوز آثار سياسات الديكتاتورية، وضمن هذه الوجهة نشير على سبيل المثال لا الحصر إلى جملة من القوانين والتعديلات (إصدار قانون الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، حتى لا تكون هذه الهيئة تابعة للحكومة- إجراء 26 تعديلا على قانون الأحوال الشخصية المرقم 188/لسنة 1959 في عام 2006 - إصدار قانون رقم 8 لسنة 2011، حول مناهضة العنف الأسري- - تعديل قانون انتخاب البرلمان الكوردستاني بما يضمن الكوتا للنساء وخفض سن الترشيح للبرلمان إلى 25 عاما) الخ.....
نستطيع ان نقول بان دعم بناء مفهوم المواطنة من قبل الحكومة في اقليم كوردستان كان احد العوامل الرئيسية لادارة التنوع بصورة مقبولة مقارنة بالأنظمة الديمقراطية الأخرى، و هنا لا نستطيع ان ننكر لوجود بعض العيوب و التحديات التي تعرقل بناء مفهوم المواطنة بشكل سليم في كوردستان و هذه من مسلمات أي مجتمع عاش في ظل تحديات داخلية وخارجية كبيرة. الوضع الحالي الذي يمر به اقليم كوردستان يعد وضعا عصيبا، فالحرب على حدوده الجنوبية التي تمتد لأكثر من الف كيلومتر من قبل تنظيم داعش الارهابي غير واقع الحياة فيها، واحتضان الاقليم لأكثر من مليون نازح وحوالي نصف مليون لاجىء زادت من أعباء الإدارة وأثقل من كاهل الحكومة، وتأرجح العلاقة بين حكومتي بغداد واربيل وعدم استقرارها مسألة اخرى في غاية التعقيد. كل هذا ادى الى ازدياد الازمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها الاقليم والتي أثرت على كل مفاصل الحياة وارتفاع مستوى البطالة وهذا كله اثر سلباً على تنمية الإقليم و تطويره و بناء البُنية التحتيه له وتقديم الخدمات للمواطنين وادى الى إنخفاض مستوى المعيشة لسكان الإقليم. بالتالي ادت الى هجرة العقول و الكفاءات من جهة و هجرة الشباب من جهة اخرى. لمواجهة تلك التحديات نحتاج الى ترسيخ اعمق للديمقراطية و تطبيق اشمل لمبدأ المواطنة كأداة لادارة سلمية للمكونات في اقليم كوردستان من خلال الخطوات التالية:
أولا: التعاون مع منظمات ومؤسسات المجتمع المدني ينبغي نشر وعي للشعب حول التفكير بالمصلحة الوطنية قبل المصالح الحزبية.
ثانيا:تشريع قوانين عامة للتقاعد والضمان الاجتماعي وضمان التعويض عن البطالة في الإقليم ليحصل جميع المواطنين الذين أعمارهم ضمن سن التقاعد على رواتب تقاعدية طبقاً لخدماتهم الوظيفية.
ثالثا: الاستفادة من خبرات و معلومات عشرات الآلاف من الأكاديميين و المهنيين الكوردستانيين المغتربين في الدول الغربية و الذين يحملون شهادات عليا في مجال إختصاصاتهم و إتاحة الفرصة أمامهم للمساهمة في بناء الامة الكوردية.
رابعا: ينبغي إيجاد فرص اكثر للدراسة والعمل للشباب في الإقليم و إشباع إهتماماتهم و هواياتهم ليعيشوا في كوردستان و يخدموا شعبهم و بلدهم.
هنا نستطيع القول بان الادارة السليمة للمكونات في كوردستان ستبني دولة مدنية تعتمد على المواطنة في تثبيت الحقوق والواجبات بدستورها لذلك سوف لن تكون فيها أية صراعات قومية او مذهبية وإنما حراك سياسي مدني يفتح الطريق للكل في الدخول والمشاركة السياسية. ان قلة من الاصوات المغرضة الداعية الى اجهاض عملية الاستفتاء يجب عليها ان تخضع لصوت غالبية الشعب الكوردستاني وارادته، هذا الشعب الذي قدم التضحيات طوال عقود من الزمن فكل هذه المكتسبات لم تنجز اعتباطاً انما أتت بدماء الشهداء وهذا ما دعا اليه الخالد مصطفى البارزاني الذي أسس لبناء مشروع الاستقلال عبر نضاله الطويل. ان كوردستان الدولة المنتظرة ستكون نموذجاً حياً لدولة المواطنة لكافة المكونات الدينية والقومية والاثنية.