• Friday, 22 November 2024
logo

مصير التحالف الشيعي الكوردي

مصير التحالف الشيعي الكوردي
دفعني الى كتابة هذا المقال ما صرح به بعض أعضاء مجلس محافظة بغداد من دولة القانون بأن التحالف الشيعي الكوردي لم يعد مجديا، ويشكل خطرا على الدولة العراقية، وينبغي العمل للأغلبية السياسية للمرحلة القادمة، وما أصدق هذا التصريح، فقد كنت أنتظر أحدهم ليقول مثل الكلام، لكي أدلي بدلوي بخصوص هذا التحالف الذي ذاع صيته عراقيا وإقليميا ودوليا، وأبين في الوقت نفسه للقاريء الكريم حقيقة هذا التحالف، ومن كان سببا في عدم جدواه، ومن سيكون سببا في انهياره في المستقبل - وإن كنت أعتقد أن هذا التحالف قد انهار منذ فترة - ومعلوم أننا لم نرغب ولن نرغب في انهيار هذا التحالف، ولكن يبدو أن المعطيات ستبرز مستقبلا أن هذا التحالف سيكون في خبر كان عاجلا أم آجلا، إن لم تتداركه الطبقة السياسية الشيعية.
لا ريب أن هذا التحالف ليس تحالفا إستراتيجيا مبنيا على الأسس والمباديء ليصبح وثيقة تاريخية قانونية يمكن مراجعتها والتعويل عليها عند الشدائد والاختلافات، بل هو تحالف عاطفي صنعته ظروف الزمان القاسية، فمعلوم أن الشيعة والكورد عانوا عبر التاريخ من الظلم والاضطهاد والقهر والإقصاء والتهجير والقتل وما شابه ذلك، فنتيجة لذلك جمعتهم الشدائد والمصائب والرزايا، فكانوا متعاونين مع بعضهم البعض شعوريا وعاطفيا وعمليا إن أمكن، فكان هدف الاثنين إسقاط هذا النظام الجائر بحقهما، هذا أولا، ثانيا، لما أراد النظام البعثي القضاء على الكورد أراد شرعنة ذلك، والشرعنة تأتي من علماء الشيعة وليس من علماء السنة لأن الفتوى ملزمة في المذهب الشيعي، وليست كذلك في المذهب السني، ولهذا حاول النظام استحصال الفتوى من المرجعيات الدينية الشيعية وليس من علماء السنة، وكثير من علماء السنة مع الأسف الأسيف أفتوا بقتل الكورد من غير أن يطلب منهم النظام، باستثناء بعضهم كالشيخ عبد العزيز البدري الذي تم قتله بصورة بشعة من قبل نظام البعث سنة (1969). إلا أن المرجع الديني الأعلى سماحة السيد محسن الحكيم امتنع عن إطلاق مثل هذه الفتاوى الخطيرة بحق الكورد، ومنذ ذلك الوقت بقي هذا الموقف في ذاكرة الكورد وسيبقى إلى يوم القيامة، وبسبب هذا الموقف الديني والأخلاقي للسيد الحكيم بقيت هذه العلاقة التاريخية المتينة بين آل الحكيم والبارزاني الخالد، ولكن يبدو أن هذه العلاقة يوما بعد يوم في ضعف وتوتر وفتور، لأن آل الحكيم لا يمثلون جميع الشيعة، بل الآن يمثلون مجموعة واحدة تتمثل في المجلس الأعلى الإسلامي، لذلك انحصرت العلاقة التاريخية الآن بين المجلس الأعلى الإسلامي وبين الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وهذا ليس كافيا لكي نضفي صبغة عمومية فنحول العلاقة إلى علاقة بين الشيعة والكورد، أعتقد أن تلك الحقبة انتهت، أعني بتلك الحقبة حقبة التحالف الشيعي الكوردي، ودخلنا في حقبة التحالفات الحزبية، ليس لأن الكورد يريدون ذلك، بل لأن الشيعة يريدون ذلك، فدولة القانون طرحت بلا استحياء مشروع الأغلبية السياسية، وهو أخطر مشروع طرح حتى الآن، لأنه مشروع طائفي بامتياز، والمجلس الأعلى طرح على استحياء مشروع الأغلبية الوطنية، وكلا المشروعين سيِّان أي كلاهما واحد اسمان مختلفان لمسمى واحد، وفي النهاية سيلتقيان، بينما مشروع الكورد وخاصة مشروع الحزب الديمقراطي الكوردستاني هو مشروع مدني ديمقراطي توافقي يراعي طبيعة المجتمع العراقي المتنوع دينيا ومذهبيا وقوميا، وعليه فمشروع الشيعة ومشروع الكورد لا يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان، قد يلتقي مشروع الكورد مع مشروع السيد مقتدى الصدر في كثير من النقاط، لكنَّ هناك اختلافا جوهريا في الرؤية الفلسفية لمستقبل الدولة العراقية بعد مرحلة داعش.
وعندما يكون التحالف مبنيا على مواقف تاريخية مشرفة، وعلى مشتركات آنية قد تزول مستقبلا، فهو تحالف هش قابل للانهيار في أي لحظة من اللحظات، فلربما الحياء والخجل من التاريخ هو الذي حفظ التحالف من الانهيار من قبل الطرفين، ولكن الكورد كانوا دوما يؤكدون عمليا ونظريا أن هذا التحالف يجب الحفاظ عليه، ولا شك أن هذا التحالف أعطى ثمارا طيبة للطرفين في بداية الأمر، وذلك عندما كان الشيعة ضعفاء وقليلي الخبرة في السياسية وإدارة الدولة العراقية، و كذلك في تكوين علاقات دبلوماسية مع الدول الغربية والعربية والإسلامية والإقليمية، ومن هذه الثمار حفظ العراق من التقسيم، وحفظه من السقوط بيد الإرهابيين، أقول لله وللتاريخ أن الطبقة السياسية الشيعية في العراق لم ترد ولا تريد لهذا التحالف أن يستمر، فهم يريدون التحالف مع أي جهة عدا الكورد، وخاصة بعد اقتراب تحرير العراق من داعش، وسبب ذلك أن الكورد يرفضون عودة المركزية الى العراق، وعودة الاستبداد، وخرق الدستور، ولهذا وقفوا ضد عودة المالكي لولاية ثالثة، لأن بعودته لرئاسة الوزراء ستعود المركزية والاستبداد وخرق الدستور، ففي عهده قطعت الموازنة، وأصبح يقود الدولة وحده حيث كان رئيسا للوزراء ويدير عدة وزارات وكالة، وخرق الدستور مرارا وتكرارا، ترى هل سمعنا من سياسي شيعي يستنكر تصرفات المالكي؟ هل سمعنا من مرجع ديني شيعي يستنكر قطع الموازنة عن كوردستان؟ هل اتخذ حزب سياسي شيعي موقفا أخلاقيا يستنكر هذه القرارات الصارخة ضد الدستور؟ والمجحفة بحق شعب كوردستان؟ والأدهى من ذلك أن البيشمركة الذين حطموا أسطورة داعش، وقدموا أرواحهم في سبيل الوطن منعت عنهم الأسلحة والعتاد من قبل الطبقة السياسية الشيعية، بل بقيت تلك الطبقة صامتة ساكتة، ومنذ 2014 ونحن الآن قريبون من نهاية 2017 لا تزال الموازنة مقطوعة، والأسلحة ممنوعة، والطبقة السياسية الشيعية صامتة، ثم يأتي أحدهم بلا حياء ولا خجل فيقول: لا جدوى من التحالف الشيعي الكوردي، نعم هذا صحيح، لا جدوى من تحالف مع من يقطع الموازنة، ولا مع من يخرق الدستور، ولا مع من يمنع تسليح البيشمركة، ولا مع من يقطع رواتب الموظفين، ولا مع من يقف ضد رغبة شعب كوردستان في الاستفتاء، ولا مع يجعل استقلال كوردستان مصلحة إسرائيلية، ولا مع من يختزل الدولة لصالح طائفته ومذهبه، ولا مع من تسبب في وقوع العراق في الحضيض والسفول والهاوية سياسيا وعسكريا واقتصاديا وعمرانيا ودبلوماسيا واجتماعيا، بل لا يشرفنا ذلك، فقد يلومنا التاريخ لأننا تحالفنا معكم، ماذا قدمتم للعراق؟ أين العمران؟ أين الخدمات؟ أين الدبلوماسية العراقية المستقلة الراقية؟ أين التعليم العالي؟ أين التربية؟ أين التطور والتقدم؟ أين الجيش الوطني؟ أين الإعلام الوطني؟. لقد اتفقنا معكم أن نبني دولة مدنية ديمقراطية مؤسساتية، لكنكم أصررتم على خلاف ذلك، فقد رفضتم الدولة المدنية ورضيتم بالدولة المذهبية، ورفضم الديقراطية ورضيتم بالثيوقراطية، ورفضتم التوافقية السياسية ورضيتم بالأغلبية السياسية، ورفضتم الإحصاء في المناطق المتنازع عليها ورضيتم بالإرجاء لكل ما صلة بالمادة(140)، ورفضتم تطبيق الدستور ورضيتم بخرقه وتعطيله، إذن ما جدوى هذا التحالف الشيعي الكوردي، إنه من المؤسف أن يبقى هذا التحالف في ظل هذه الخروقات الصارخة، والصمت الشيعي الرهيب المريب.
لسنا من يرفض هذا التحالف، ولم يجرأ سياسي كوردي أن يتحدث عن هذا التحالف بسوء بالرغم من هذه الخروقات والتصرفات والمواقف المؤلمة المفجعة المؤسفة، بل بقينا نعلن تأييدنا له والمطالبة بتفعيله والحفاظ عليه، لكن يبدو أن الطرف الآخر يبحث عن أوهن الحجج وأضعفها لكي يعلن نهاية هذا التحالف، ومع هذه التصريحات التي أطلقها بعض أعضاء مجلس محافظة بغداد، لم نسمع من أي سياسي شيعي يستنكر تصريحاتهم، أو يصدر بيانا بخصوص ذلك، فالسكوت علامة الرضا، بل كل ما صدر هي مواقف وتصريحات بخصوص طرد الكورد من بغداد والمحافظات العربية، وليس بخصوص التحالف الشيعي الكوردي، وليكن معلوما أن الباديء أظلم، فنحن لم نعلن من جهتنا أن هذا التحالف لا جدوى منه، بل إنه الطرف الآخر، ذلك الطرف الذي كان ضعيفا لا حول له ولا قوة عندما كان في المعارضة، وعندما وصل إلى السلطة واستدت سواعده، رمى من ساعده بسهام حتى كاد أن يقتله لولا قوة إرادة الطرف الكوردي.
ولو كان هؤلاء صادقين معنا لما طرحوا مشاريع طائفية، فقد طرحوها لإقصاء الكورد ضمنيا، حيث يتعامل مشروعهم مع الكورد كعراقيين سياسين وليس كمكون رئيسي في العراق، وحينئذ تضمحل القومية الكوردية، وينقسم الكورد الى سنة وشيعة، فينضم الكورد السنة إلى الأحزاب العربية السنية، وينضم الكورد الشيعة الى الأحزاب العربية الشيعية، وهذا ما حققوه مع الكورد الفيليين، حيث قسموهم الى مجموعتين: المجموعة الأولى تفضل الانتماء المذهبي على الانتماء القومي، فنجد أفرادها في صفوف الأحزاب الشيعية، وقد أصبحوا قادة ونوابا ووزراء ويشغلون مناصب مرموفة في الدولة العراقية، وهؤلاء من العبث أن نتحدث معهم عن الشعور القومي، بل إني أحيانا وقعت في حرج شديد عندما كنت أحاور معهم حول مفهوم القومية وفلسفتها، لأن الإسلام السياسي الشيعي قد طمس هذا المفهوم الحضاري وصوره بأبشع طريقة، بحيث يتصورون الحديث عن هذا المفهوم كفرا وزندقة، والمجموعة الثانية تفضل الإنتماء القومي على الإنتماء المذهبي، وهؤلاء نجد أفرادها في صفوف الأحزاب الكوردية وخاصة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، فنجدهم مهددين دوما من قبل الأحزاب الشيعية التي تنظر إليهم نظرة الخيانة، لكونهم فضلوا الإنتماء القومي على الإنتماء المذهبي، وعليه فإن هذا المشروع الأيدلوجي يهدد أمن كوردستان القومي والوطني، والأخطر أنه مشروع يؤجج الصراع الطائفي، فالعراق ضحية هذا الصراع، ويريدون لكوردستان أن تقع فريسة هذا الصراع، ولكن هيهات فشعب كوردستان أعظم من أن يقع فريسة هذا الصراع القذر، بل إن تاريخ كوردستان الطويل مشرف بالتعايش السلمي بين الأديان والمذاهب والقوميات، ولا يزال هذا التعايش مستمرا، وسيبقى مستمرا، ولا نزال نفتخر به في المحافل الدولية، وسبب ذلك أن مشلكتنا في كوردستان ليست مشكلة دينية ولا مذهبية، بل هي مشكلة قومية وطنية تتعلق بأمة عريقة متجذرة في أعماق التاريخ.
والملفت للنظر أن من كان يحاول دوما وباستمرار التأكيد على أهمية هذا التحالف وضرورة استمراره، كان من أشد المعارضين لتطلعات شعب كوردستان فيما يخص الاستفتاء والاستقلال، فعندما أعلن رئيس إقليم كوردستان السيد مسعود البارزاني عن موعد الاستفتاء رأينا أول المعترضين على هذا الحق الدستوري والقانوني الطبقة السياسية الشيعية، وعلى رأسها السيد عمار الحكيم، فعندما كان في مصر ربط بين دولة كوردستان وإسرائيل، مما أثار غضب شعب كوردستان بشدة، لأنه لم يكن يتوقع منه مثل هذا التصريح الخطير والاتهام الصارخ، فكانت ردة فعل شعب كوردستان تجاه تصريحاته قوية وعنيفة مما دفعه إلى إرسال ممثله إلى كتلتنا للإعتذار والتوضيح لما صدر منه، ثم طلب السيد عمار الحكيم لقاء كتلتنا، واجتمعنا معه في مقر إقامته، لكني لم أكن مرتاحا ولا مسرورا ولا مطمئنا لحديثه الذي كنا نعتاده، بل كان خطابه مختلفا تماما، ومن أغرب ما قال: أن السنة حافظوا على هذا البلد لعقود، كيف يمكن أن ندعه ينقسم في فترة حكمنا القليلة، ثم تبادلنا الحديث، ولو طال لربما تشنج وتحول إلى سجال وخصام، لكني فهمت من رسالته أنه بات لا يؤمن بهذا التحالف، ولا يرى له قيمة في الحاضر والمستقبل، وقد كان كلامه أشد قسوة وأكثر وضوحا ضد الاستفتاء عندما استقبل الكتل الكوردستانية النيابية الأربع، لكن رئيس كتلة الاتحاد الإسلامي الدكتور مثنى أمين رد عليه، وبقي الآخرون ساكتين، وقد طلب مني الدكتور مثنى المشاركة في الاجتماع، لكني قلت له: لن أشارك لأنه سيتم طرح موضوع الاستفتاء، وأعرف رأي الحكيم السلبي، فقال لي زميلي الدكتور مثنى: لا لن يتم طرح الاستفتاء لأنهم قالوا لي سيكون الحديث عن التهديدات ضد الكورد الفيلين فقط، فقلت له: بل سيكون الحديث عن الاستفتاء وموضوع الكورد الفيلين ذريعة لكي يقنعوني بالمشاركة، فقال لي الدكتور مثنى: إذا طرح موضوع الاستفتاء فسيكون لي رد مناسب، وتحقق ما قلته، ثم شكرت زميلي الدكتور مثنى على التزامه بوعده وموقفه الوطني، إنه لأمر مؤسف أن يسكت النواب الكورد المشاركون في مجلس يتم تهديد شعبهم من قبل السيد عمار الحكيم، ألستم تمثلون شعب كوردستان؟ لماذا صوت لكم الشعب؟.
بل أقول ماذا خسر الكورد بتحالفهم مع الشيعة، إنهم لم يكونوا أوفياء تجاه الكورد، مع كثرة ما قدمه الكورد لهم أثناء تشتتهم وتفرقهم وضعفهم في زمن المعارضة، مع أن السيد عمار الحكيم هو أقرب المقربين من الكورد وخاصة من الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومن شخص السيد مسعود البارزاني، بل إن موقف رئيس الوزراء حيدر العبادي كان ألين من موقف السيد عمار الحكيم، فعندما اجتمعت كتلنا مع السيد حيدر العبادي كان متفهما لتطلعات الكورد، ولكنه تحدث عن التوقيت في كونه غير مناسب، إلا أن السيد عمار الحكيم رفض الاستفتاء والاستقلال ولا نزال نسمع تصريحاته المعادية والمعارضة للاستفتاء والاستقلال، ولو كانت هذه التصريحات من غيره لكان هينا، لكن أن تصدر هذه التصريحات منه فهو العجب العجاب.
ثم يأتي بعض الساسة الشيعة فيتهمون الكورد بأنهم سبب خراب العراق، ولو كان ذلك صحيحا لخربت كوردستان، لأنها جزء من العراق، لكن الذي يدير كوردستان هم الكورد أنفسهم، ولو كانت بيدكم لأصبحت كوردستان خرابا كبقية محافظات العراق، بل لو أراد عراقي في الخارج أن يفتخر ببلده لذكر كوردستان وخاصة العاصمة أربيل، وهذا ما قاله كثير من نواب الشيعة والسنة على حد سواء، ماذا لديكم أيها الأخوة لتفتخروا به؟ إذا كان ثمة ما تفتخرون به فهو من بقايا خيرات نظام البعث، وقد قمت بزيارة بعض محافظات الجنوب فوجدت ما يندى له الجبين من خراب وفساد وبطالة ونفايات، قلت في نفسي: يا إلهي منذ أربع عشرة سنة ماذا فعل هؤلاء؟ ماذا قدم هؤلاء؟ ماذا فعلوا بأموال العراق الطائلة؟ أين العمران؟ أين الماء؟ أين الكهرباء؟ أين النظافة؟ أين الشوارع؟ أين الجمال؟ أين الدولة؟ أين النظام؟ أين القانون؟ هذه أسئلة قليلة دارت في ذهني، ولعل هناك أسئلة أخرى في أذهان الشعب العراقي المسكين، الذي تحرر من أبشع نظام عرفته البشرية، ثم وقع ضحية نظام آخر يمتص منه دمه وهو لا يدري حتى يصبح عظاما نخرة.
أليس من العيب أن يتهم الكورد بخراب العراق، من الذي كان يحكم العراق؟ من الذي كان يملك خزينة العراق؟ من الذي كان يقود الجيش؟ من الذي كان وراء استشراء الفساد؟ ما ذنب الكورد في هذا كله، لقد كنا شركاء في هذا الوطن، لكن بمرور الزمن تحولنا من شركاء إلى مشاركين، كل ذلك بسبب سياسة التهميش البطيئة، ثم دعني أذكر مثالا مهمّا حول هذا الموضوع، كوردستان لا تزال تتطور اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا واجتماعيا مع وجود تحديات عويصة كحرب داعش وقطع الموازنة وانخفاض أسعار النفط، وأزمة النازحين، ولكن مع ذلك نجد أن كوردستان لا تزال أفضل حالا من العراق، مع أن حكومة بغداد تأخذ القروض الدولية باستمرار من غير أن تعطي لكوردستان حصتها، وتأخذ احتياط البنك المركزي باستمرار من غير أن تقدم لكوردستان فلسا، مع أن هذا كله مخالف للدستور والقانون، ولكن ما قيمة الدستور والقانون في عراق ما بعد 2003، ولكي يغطوا على معايبهم وفشلهم وفضائحهم ألقوا باللائمة على الكورد، مع أن الكورد لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل على العكس لو قاموا بنقل تجربة كوردستان إلى بغداد لكان الوضع أفضل، ولكنهم نقلوا تجارب أخرى تتعلق بالأبعاد الأيدلوجية الدينية، فوصل البلد إلى ما وصل إليه، ولقد اقترحت مرة - عندما لم يتفق الشيعة على شخص لرئاسة الوزراء- أن تعطى رئاسة الوزراء هذه المرة للكورد، ويكلف السيد نيجيرفان البارزاني لرئاسة الوزراء لكي ينقذ العراق من هذه المآسي، ويجعله مثل كوردستان على الأقل، وخاصة أن إمكانيات رئيس الوزراء في الدستور العراقي وصلاحياته هائلة وعظيمة وكثيرة، لكنهم رفضوا بقوة، لأن رئاسة الوزراء حصريا للشيعة، وهي خط أحمر، إذن ليس الكورد سبب خراب العراق بل أنتم سبب خراب العراق وهذه حقيقية قالها قادة شيعة معروفون، ولهذا يحاولون الآن التغطية على فشلهم بطرح مشاريع أخرى ستجعل العراق في مهب الريح، وهي مشاريع أيدولوجية تختزل الدولة في قالب معين وإطار محدد، ووقتئذ لا تتحقق الشراكة بل تتحقق المشاركة، وهذا عين ما فعله النظام السابق عندما كان يعين أفرادا من الكورد في المجالس والوزارات وبعض المناصب الرمزية، ولم يكن يتعامل مع الكورد كمكون، ولهذا رفض الكورد أن يكون مشاركين بل لا بد أن يكونوا شركاء حقيقيين، ومما لا شك فيه أن الشراكة الوطنية انتهت في العراق بين الكورد والعرب وخاصة الشيعة، لذلك لا بد أن نبحث عن بدائل أخرى، وهما اثنان لا ثالث لهما، أولا: أن يبحث الكورد عن حليف آخر يفي بوعوده، ويكون صادقا معهم، - وهذا أشبه بالمستحيل- فإن وجد حليفا صادقا شارك في الانتخابات بقوة، وإن لم يجد فالأولى اللجوء إلى الحوار مع بغداد من أجل الاتفاق على صيغة توافقية للمرحلة القادمة، والمرحلة المقبلة بكل تأكيد هي الاستقلال في صورتين، إما الكونفدرالية بين كوردستان والعراق، حيث دولتان مستقلتان بينهما تعاون وثيق في مجالات تتفق عليها الدولتان، أو دولتان مستقلتان تكون العلاقة بينهما وفق إطار القانون الدولي، والعرف الدبلوماسي، ونحن الآن قد اتخذنا قرارنا التاريخي في إجراء الاستفتاء من غير رجعة في 25-9-2017 وهو آخر الدواء كحل أمثل وأنجع للتعامل مع العراق لمرحلة ما بعد داعش، فإذا ما وجدنا أن إجراء الاستفتاء سيكون صعبا ومحفوفا بالعراقيل والعقبات، فوقتئذ سنعلن دولتنا مستقلة، ولتكن ما تبقى من دمائنا وأرواحنا هذه المرة في سبيل الاستقلال، فهو نهاية الطريق في نضالنا الطويل، وهو أفضل وفاء لدماء شهدائنا الطاهرة، وسيكون بردا وسلاما لقلوب عوائل الشهداء الأبرار، وشفاء لجرحانا.
Top