صراع المرجعيات الدينية الشيعية
عند قراءة تاريخ المرجعيات الدينية الشيعية نجد أن أغلبية المرجعيات الدينية ترفض التدخل في شؤون السياسية والدولة، وتركز على رسالتها الدعوية والإخلاقية والروحية، وهذا هو الأصل، بينما بعض المرجعيات الدينية تجعل التدخل في السياسية من مكملات الرسالة السماوية، وأن ترك السياسة قد يتحول إلى جريمة عندما تترك لمن ليس أهلا لها، ولا ريب أن الذي حصل في التاريخ أنه كلما تدخلت المرجعيات الدينية الشيعية في السياسة زادت الأوضاع سوءا وتعقيدا، باستثناء عدد قليل جدا من المرجعيات التي كان لها دور إيجابي في الشؤون السياسية، وسنتحدث عن ذلك لاحقا، وهذا ليس تنقيصا لشأنهم، بل لأن الذي حصل في التاريخ أن كثيرا من الساسة استغلوا كاريزما المرجعيات الشيعية لمصالحهم الشخصية والحزبية، وليس لصالح الدولة والمواطن.
هناك صراع بين مدينة النجف العراقية، وبين مدينة قم الإيرانية، فالمرجعية العراقية في النجف ترفض ولاية الفقيه، وتريد الفصل بين الدين والسياسة، وتدعو بصراحة إلى الدولة المدنية، وعلى رأس هذه المرجعية آية الله علي السيستاني، بينما المراجع الشيعية في قم الإيرانية تدعو إلى عدم الفصل بين الدين والدولة، وتدعو إلى دولة دينية، وهي دولة ولاية الفقيه، يقول عقيل الوائلي أحد طلبة الحوزة الدينية في النجف:" إن الصراع بين مرجعية النجف بزعامة السيستاني ومرجعية قم بزعامة الخامنئي، هو صراع أزلي حول من يكون الزعيم الوحيد للشيعة...ثم ذكر أن مدينة النجف هي مركز الشيعة، وهي مدينة عربية، وفيها مدفون الشخص الأساسي للمذهب الشيعي وهو علي بن أبي طالب، ابن عم النبي(ص) وزوج ابنته فاطمة، وهم عرب، ولكن إيران تسعى لأن تكون هي قائدة الشيعة في العالم على الرغم من أنها غير عربية". ومعلوم أن الرجلين لا ينتقدان بعضهما البعض، بل يظهر هذا الصراع بين المرجعيتين من خلال الأتباع والمؤيدين، ومن خلال الأحزاب والفصائل، ومن خلال المواقف والتصريحات التي نسمعها في خطب يوم الجمعة، ومن خلال استقبالهما الوفود الزائرة، حيث نجد مدى حدة الصراع بينهما، وخاصة فيما يخص الشأن السياسي العراقي.
في سنة 1979 قامت الثورة الإسلامية الإيرانية ضد الشاه، بدأ الخميني بتجديد نظرية ولاية الفقيه، لأنها كانت موجودة عند بعض فقهاء الشيعة، ولكن الخميني جعل النظرية في إطار فكري وسياسي، حيث بنى الدولة الإيرانية على أسسها، وقد فصل القول في ذلك في كتابه الحكومة الإسلامية، إلا أن هذه النظرية تم رفضها من قبل غالبية المراجع الدينية في حياته وبعد مماته، ومن هؤلاء نائبه أيام الثورة الإسلامية آية الله حسين علي منتظري، فقد رفض آية الله منتظري هذه النظرية، لأنه أراد ولاية فقهية في المسائل الدينية، لا أن تتجاوز إلى القضايا الدنيوية وشؤون الدولة والسياسة، لأنه كان يدعو صراحة إلى فصل الدين عن الدولة، وقد كان من المقرر أن يحل محل الخميني، ليكون المرشد للثورة الإسلامية في إيران بعد فاته، لكن الخميني عاقبه، فعزله وفرض عليه الإقامة الجبرية في منزله حتى توفي سنة(2009)، وتم تعيين الخامنئي خليفة للخميني، مع كون الخامنئي لم يبلغ درجة (آية الله) عندما توفي الخميني سنة 1989، ومن الذين عارضوا هذه النظرية آية الله شريعتمداري، وقد اتهمه الخميني بالكفر والردة، والغريب أن حفيد الخميني السيد حسين الخميني من أشد المعارضين لنظرية ولاية الفقيه، وعندما أصبح الدكتور محمد الخاتمي رئيسا لإيران، تحسن الوضع الإيراني داخليا وخارجيا، وكان يرفض ولاية الفقيه، ويؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية، وفي انتخابات 2009 فاز المرشح الديمقراطي مير حسين الموسوي، لكن الخامنئي لم يسمح له بقيادة البلد، فرأى أن إيران بحاجة إلى متشدد مثل محمود أحمدي نجاد، فأصبح الأخير رئيسا لجمهورية إيران الإسلامية، فكانت الكارثة الحقيقية لشعب إيران ودول المنطقة، لذلك تراجعت إيران داخليا وخارجيا. ولعل سائلا يسأل لماذا هذا الرفض القاطع لنظرية ولاية الفقيه من قبل أغلبية المراجع الشيعية في العالم الشيعي، أعتقد أن قبول هذه النظرية كارثة حقيقية لمباديء الديمقراطية والتعددية والحقوق السياسية للمواطنين والأحزاب، لأن هذه النظرية هي أعلى سلطة في البلد، فولي الفقيه هو الذي يحدد من يكون رئيسا للجمهورية، ولهذا رأينا كيف تم إستبعاد مير موسوي، ليحل محله محمود أحمد نجاد، ولا يمكن لأحد أن يتبوأ منصبا في الدولة إلا بموافقة ولي الفقيه، ولا يمكن لأحد أن يترشح إلا بموافقة ولي الفقيه، فهو المصدر الأعلى للسلطات التشريعية (البرلمان) والتنفيذية (رئاسة الجمهورية) والقضائية، فهو يملك صلاحية تعيين الرئيس وإقالته، وله الحق في إعلان الحرب. وفيما يخص العراق، فإن جميع فقهاء الشيعة في النجف ضد هذه النظرية، ومن هؤلاء: محسن الحكيم، ونجله محمد باقر الحكيم، وأبو القاسم الخوئي، والشيرازي، وفي لبنان عارض فقهاء الشيعة هذه النظرية، باستثناء حزب الله الذي يؤكد تبعيته لولاية الفقيه، بل إنه يحارب من لا يؤمن بها في لبنان.
يشتد الصراع يوما بعد يوم بين السيستاني والخامئني، ويتجلى هذا الصراع في الساحة العراقية أكثر، ودعنا نذكر هنا أهم ما قام به السيستاني من أعمال وتصريحات ومواقف أثلجت صدور العراقيين، منها تأييده مطالب الشعب العراقي فيما يخص الخدمات ومحاربة الفساد، ورفض إسقاط العملية السياسية كحل البرلمان وتغيير الدستور، معارضته الشديدة للتدخل الإيراني وخاصة تدخلات قاسم سيلماني، ولهذا تحفظ على استقباله، رفضه الشديد للفصائل الشيعية العراقية المسلحة مشاركتها في سوريا تأييدا لبشار الأسد، ولقد أرسل السيستاني رسالة إلى خامنئي يحذره من دعم نظام بشار الأسد، لأن ذلك سيسبب مشاكل لمصالح الشيعة وخاصة في العراق، تأييده مشروع الحرس الوطني الذي قدمه السنة، ورفضه استخدام مصطلح الحشد الشعبي فهو لا يزال يستعمل مصطلح المتطوعين، وهذا ما نلاحظه في خطبه التي يلقيها نيابة عنه عبد المهدي الكربلائي وأحمد الصافي في كربلاء، ويحاول المالكي في تصريحاته المتكررة أن يظهر للناس أنه هو صاحب فكرة الحشد الشعبي، وليس السيستاني، والحقيقة أن المالكي على حق فهو يحاول تأسيس جيش أيدولوجي على غرار حزب الله اللبناني وعلى غرار الحرس الثوري الإيراني، ويبدو أن السيستاني بدأ يدرك أن الفتوى التي أطلقها بالجهاد الكفائي ضد داعش، استغلها الساسة الشيعة استغلالا خطيرا، لأن بعض الفصائل المسلحة الشيعية ارتكبت جرائم في المحافظات السنية وخاصة في ديالى، مما دفع مقتدى الصدر إلى وصفها بالمليشات الوقحة، وأعتقد السنة أن الفتوى صدرت ضدهم، وهذا ما دفع أحمد الكبيسي كبير علماء السنة في العراق إلى رفض الفتوى، ومن الذين وقفوا ضد هذه الفتوى من علماء الشيعة المرجع الديني محمود الحسني الصرخي، ويبدو لي أن سبب رفضه لفتوى السيستاني ليس دينيا بل هو سياسي، لأن الصرخي يعد نفسه مرجعا عراقيا عربيا، بينما يعد السيستاني مرجعا إيرانيا فارسيا، وقد حاول أن يجد لنفسه نفوذا في العراق من خلال جيشه المسمى بجيش الحسين، لكن المالكي وقف ضده، وبدأ بحملة عسكرية ضد أتباعه سنة 2014، مما جعله يختفي، فاختفى هو وجيشه، ويحاول بين الفينة والأخرى أن يظهر بشكل أو بآخر، ولكن دوره لم يعد قويا كما كان في الماضي.
وبعد أن قضى المالكي على انتفاضة الصرخي وأتباعه، وكان ذلك أمرا مستحسنا في تصور السيستاني، وجد المالكي ذلك فرصة لكي يلتقي بالسيستاني، لأن تأييده أكبر دعم له في قيادة الدولة، والاستمرار في ذلك، فحاول رؤية السيستاني خمس مرات لكن السيستاني رفض استقباله، وقد وسط المالكي الشيخ محمد مهدي الآصفي الشيخ المعتمد لدى حزب الدعوة الإسلامية سابقا، ووكيل الخامنئي في النجف لكي يلتقي بالسيستاني في يوم الغدير ولكن دون جدوى، وطلب من الآصفي إيصال رسالة للمالكي يقول فيها للمالكي:" أصلح نفسك أولا، واسعى لإرضاء الله والشعب العراقي المظلوم، ونفذ وعودك، وسوف نلتقي بك برحابة. وقد اتخذت جميع مراجع النجف الموقف نفسه من المالكي، حيث لم يستقبله أحد، وقد أفتي الشيخ بشير النجفي بتحريم انتخاب المالكي، مما دفع المالكي للرد عليه قائلا:" إن كلامه لا يعتبر فتوى شرعية، لأن كلامه عبارة عن تشخيص لموضوع خارجي، كتشخيص أي مراقب للعملية السياسية، وهو كما قال عن نفسه - غير معصوم - ويقلل من أهمية ما قاله ما تقدم بأن أكثر الانتقادات مبنية على معلومات غير صحيحة أو مغالطات»، مضيفاً: وواضح أنها جاءت بتأثير من جهات معينة ولأهداف انتخابية لصالح تلك الجهات"، ثم قام عمليا بالقبض على بعض طلبته الباكستانيين– لأن بشير النجفي من أصل باكستاني اكتسب الجنسية العراقية سنة 2000- لكونهم لا يملكون مستمسكات رسمية للإقامة، ومن هنا بدأت معاداة وكراهية المالكي للسيستاني والمرجعيات المؤيدة له كبشير النجفي الباكستاني وإسحاق الفياض الأفغاني الأصل ومحمد سعيد الحكيم العراقي، وبعد أن يئس المالكي من المرجعيات الدينية التي وقفت ضده وضد مشروعه، هدد حزب الدعوة الإسلامية بقيادة نوري المالكي بأن يتخذ محمد حسين فضل الله اللبناني مرجعا له، وفي الآونة الأخيرة وأنا أكتب هذا المقال وجدنا النائب أبو رحاب المالكي صهر نوري المالكي يشن هجوما عنيفا على المرجعيات الدينية وأنهم سبب الفساد في العراق. وعندما انتهت اللجنة النيابية التي شكلها مجلس النواب العراقي بعد ثمانية أشهر بخصوص أسباب سقوط الموصل، صوت مجلس النواب في 16-6-2015 لصالح رفع التقرير إلى القضاء لاتخاذ القرار المناسب، وكان التقرير اتهم المالكي رئيس الوزراء آنذاك في كونه يتحمل المسؤولية، وبعد ثلاثة أيام من صدور التقرير من قبل مجلس النواب زار المالكي طهران، والتقى بالخامنئي، وقد استقبله الخامئني بحفاوة، قائلا له: إن مواقف المالكي الإسلامية والوطنية، ودعمه لخط المقاومة والممانعة يستحق الثناء والشكر، وعده أفضل رئيس للوزراء في تاريخ العراق، وقد كان موقف السيستاني من هذه الزيارة واضحا عندما انتقد المالكي مباشرة، حيث قال وفق وكالة الصحافة الفرنسية:" إن السياسيين الذين حكموا البلاد في السنوات الماضية يتحملون معظم المسؤولية عما آلت إليه الأمور، ولولا استشراء الفساد في مختلف مؤسسات الدولة لا سيما المؤسسة الأمنية، ولولا سوء استخدام السلطة ممن كان بيدهم الأمر لما تمكن تنظيم داعش من السيطرة على قسم كبير من الأراضي العراقية.
حزب الدعوة الذي يرأسه نوري المالكي منقسم بين السيستاني والخامنئي، فكتلة العبادي تؤيد دعوات السيستاني، بينما كتلة نوري المالكي تؤيد نظريات الخامنئي، ولهذا تحاول إيران بقوة إعادة المالكي للسلطة في الانتخابات القادمة، وذلك لأنه هو الوحيد الذي يستطيع تطبيق نظرية ولاية الفقيه، وتحقيق مصالح إيران في العراق، ومن الذين يؤيدون نظرية ولاية الفقيه، منظمة بدر بقيادة هادي العامري وعصائب أهل الحق لقيس الخزعلي وكتائب حزب الله لأبي مهدي المهندس وحركة النجباء لأكرم الكعبي، وأكثر الفصائل المسلحة الشيعية، بينما المجلس الأعلى الإسلامي بقيادة عمار الحكيم، والتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر مع طروحات السيستاني سنة 2007، وإنما ذكرت هذا التاريخ لأن مقتدى الصدر قبل 2007 كان يدافع عن نظرية ولاية الفقيه، وفيما يخص المجلس الأعلى الإسلامي فإنه قام بتغيير اسمه القديم (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) حيث حذف الثورة الإسلامية حتى يبتعد عن أبجديات الثورة الإسلامية في إيران، من أجل عرقنة المجلس أي عراقية المجلس.
عندما فاز المالكي في انتخابات 2014، انتظر التحالف الوطني الذي ينتمي إليه، لكي يرشحه لرئيس الجمهورية فؤاد معصوم لكي يكلفه بتشكيل الحكومة بموجب المادة(67) أولا من الدستور العراقي، لكنه التحالف الوطني رشح حيد العبادي، ثم قام رئيس الجمهورية بتكليفه بتشكيل الحكومة، هنا جن جنون المالكي، وكاد أن يقوم بانقلاب عسكري، لكنه لم يستطع، لأن السيستاني لم يؤيد ترشيحه، وأمريكا أدركت أن عودته للحكم سينسف العملية السياسية، فلا السنة ولا الكورد ولا بقية المكونات الأخرى ستشارك في العملية السياسية، وقد حاولت إيران بقوة مساندة المالكي، لكنها لم تستطع فعل شيء، ولعل الانتخابات القادمة ستحسم هذه الخلافات، وسترجح كفة على أخرى، ولا ننسى الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب وفريقه الحكومي المتشدد تجاه إيران، فلعلها ستضع حدا لتدخلات إيران في المنطقة وخاصة في العراق.
لذلك بقي موقف السيستاني ثابتا يؤيد استمرار العملية السياسية ورفض حل البرلمان وتغيير الدستور، وبقي مساندا للعبادي وإصلاحاته، وداعما لدبلوماسيته الناعمة تجاه تركيا، وكذلك تجاه أمريكا وخاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير بمنع العراقيين من دخول أراضيها، وقد أكد العبادي أن العراق بحاجة إلى دعم أمريكا في محاربة أمريكا، وقد كان هذا الموقف الأمريكي فرصة ذهبية للجماعات الموالية لإيران من أجل اتخاذ موقف متشدد تجاه أمريكا بالتعامل بالمثل، وطرد الأمريكيين، ولكنه العبادي رفض ذلك، واتخذ مجلس النواب العراقي قرارا شبه إجماع ضد الموقف الأمريكي، ولكنه مجرد زوبعة إعلامية لا تغير من الواقع شيئا، ولذلك بقي العبادي مصرا على موقفه السابق بالرغم من صدور قرار البرلمان العراقي، لأنه يدرك أهمية الدور الأمريكي في المنطقة، ولا ننسى دعم السيستاني لموقفه العقلاني، وموقف السيستاني يذكرنا بموقف المرجع الديني كاظم اليزدي من الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914، حيث تعامل بحكمة مع الواقع الجديد تحقيقا لمصالح الشعب وحقنا للدماء، ولا ريب أن مواقف القيادات الدينية من التطورات السياسية ينبغي أن تكون حكيمة سلمية تحفظ دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، ولا تثير الفوضى والفتن والعنف والتطرف، وخاصة إذا كانت الجهة المقابلة قوية لا يمكن مواجهتها ومجابهتها، هكذا تعامل السيستاني مع الأمريكيين سنة 2003، وهكذا تعامل كاظم اليزدي مع البريطانيين سنة 2014، وعندما تكون القيادات الدينية سببا لإثارة الفوضى وسفك الدماء وهتك الأعراض فأعتقد أن الأولى لها عدم التدخل في السياسة، لأن التعامل بالعنف والتطرف مع الغالب القوي الذي لا يمكن مجابهته عسكريا انتحار جماعي، سيسحق مصالح الناس الحيوية، ولهذا عندما عاد الملك فيصل إلى العراق سنة 1921، بويع من قبل العراقيين، ومن الذين بايعهم الشيخ مهدي الخالصي، ولقد كان العراق آنذاك بحاجة إلى بريطانيا، من أجل عقد عدة اتفاقيات لتطوير البلد اقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا، لكن الشيخ الخالصي رفض الاتفاق المبرم بين العراق وبريطانيا، وقد قال الخالصي مخاطبا جماهيره: لقد خلعت فيصلا يقصد - الملك فيصل- كما خلعت خاتمي. وقد حاول الملك فيصل إقناعه بالعدول عن فتواه التي أفتى بحرمة المشاركة في الانتخابات وحرمة المشاكة في الحكومة، ومعلوم أن كل من خالف هذه الفتوى يعد مرتدا كافرا في المذهب الشيعي، ولهذا اضطرت الحكومة العراقية برئاسة عبد المحسن السعدون إلى نفي الشيخ الخالصي إلى إيران وكان يحمل الجنسية الإيرانية سنة 1923، مع معارضة الملك فيصل لهذا القرار، وذلك ليكون درسا قاسيا لأي مرجع ديني يتدخل في السياسية، وتضامنا مع الخالصي واجتجاجا على هذا القرار قرر أبو الحسن الأصفهاني ومحمد حسين النائيني ومحمد الصدر الذهاب معه إلى إيران، وفي سنة 1924 أرسل الملك وفدا من رجال الدين الشيعة برئاسة الشيخ جواد الجواهري إلى إيران لإقناعهم بالعودة إلى العراق باستثناء الخالصي، شريطة تعهدهم بعدم التدخل في السياسة، وقد اقتنعوا بالعودة، وبقي الخالصي في إيران حتى أصيب بسكتة قلبية سنة 1925، وفي سنة 1932 عاد نجله محمد الخالصي إلى العراق دون علم الحكومة، فتم طرده إلى إيران، حتى سمح له بالعودة عام 1949، ولقد أعطت حكومة السعدون درسا جيدا للمرجعيات الدينية الشيعية لكي تركز على رسالتها الأخلاقية والدينية والعلمية، وأن لا تخرج عن مسارها الصحيح، حتى لا يختل التوازن المجتمعي، ولكي تقوم الدولة بدورها وعملها بصورة صحيحة، وبقيت المرجعيات مستمرة على هذا المنوال، بعيدا عن السياسية، حتى عام 2003، حيث وجدنا المرجعيات الدينية الشيعية تتدخل في السياسة مرة أخرى، ولكن هذه المرة تدخلت من أجل مساعدة الحكومة العراقية، والتعامل مع الواقع الجديد بصورة عقلانية ومنطقية، من أجل الحفاظ على دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، وعدم تحويل البلد إلى فوضى.