وحدة الحقيقة وتعدد الأديان
وبما ان مصطلح (التعددية الدينية) من المصطلحات التي تتداول على نحو واسع، وهو مصطلح يحتاج إلى بيان لمدلوله؛ وتأصيل لمفهومه.
ففي تعريف "جون هيك john Hick" للـ(تعددية الدينية): حيث يقول "إنَّ التعددية الدينية هي وجهة النظر القائلة بأنَّ الأديان العالمية الكبرى، إنَّما هي بمثابة تصورات وأفهام متنوعة عن [الحقيقة الإلهية الخفية العليا الواحدة]، واستجابات مختلفة للحقيقة النهائية المطلقة أو الذات العليا من خلال ثقافات الناس المختلفة؛ وأنَّ تحول الوجود الإنساني من محورية الذات إلى محورية الحقيقة يحدث في كل الأديان بنسب متساوية ".
وبعبارة أخرى: " أنَّ الأديان كلها إنما هي المظاهر الشكلية للحقيقة الواحدة، فكلها سواسية لا فضل لأحدها على الآخر".. وهنا يظهر المعنى العقدي للتعددية الدينية؛ فهي في الحقيقة إذاً دين جديد! يفرض نفسه حكماً في علاقة الأديان ببعضها! وعلاقتها بالحقيقة العليا على حد تعبير جون هيك! (1)
ويراد من التعددية الدينية في الابعاد العملية احترام عقيدة الطرف المقابل وما يؤمن به من دين ومذهب، والتعايش السلمي مع الآخرين. والتعددي هو الذي يؤمن بالتعايش السلمي بين نوعين أو أكثر من الأفكار ـ بغض النظر عن إثباتها أو نفيها نظرياً ـ وأن لا تفتعل المشاحنات فيما بينها على الصعيد الإجتماعي. وأمّا مَنْ قال بإلغاء أحد الطرفين من المجتمع والسماح بالعمل لأحدهما فهو ضد التعددية،
وأما التعددية الدينية في البعد النظري فهي تعني أحقية الأديان والمذاهب برمتها.
هناك ثلاث نظريات في الأديان:(2)
1ــ التعددية. 2ــ الشمولية. 3ــ الانحصارية. وتعني أن هناك دينا واحدا على الحق والأديان الأخرى على باطل.
أما الشمولية فتعني وجود دين واحد على الحق تنطوي الأديان الأخرى تحت ظلاله.
التعددية الدينية ... النشأة والتطور
فكرة التعددية الدينية غربية ظهرت في عصر النهضة وماحدث فيها من انقلابات فكرية واجتماعية وكيف تعامل الغرب مع الكنيسة وسلطتها التعسفية. فمصطلح التعددية تعود بداياته الي عصر النهضة. اذ كانت هناك فكرة كنسية سائدة تقول لا يدخل الجنة الا من اغتسل غسل التعميد الكنسي، اي ان الجنة تمر عبر المسيحية، وجميع البشرية محكوم عليها بالضلالة والاقصاء عن رحمة الله. هذا الكلام اثار حفيظة بعض القساوسة الواعين، حينما شاهدوا سلوكاً متزناً يصدر عن اتباع الديانات الاخري فاثاروا المسألة وانقسم الموقف حولها. فكانت البداية في فكرة التعددية، وقد جاءت لانهاء اشواط طويلة من الصراع والاقتتال ولم تهدأ تلك الحروب الا في ظل فضاءات ثقافية ساهمت التعددية الدينية في تكوّنها.
والجدير بالذكر ان الفكر الفلسفي المتصاعد في تلك الفترة لم يكن بعيداً عن تفاعلات القضية بل جاءت النظرية المعرفية لـ «كانت» لتقوي اركان التعددية، اذ كان لهذه النظرية، رغم سيل المواقف المضادة لها، دور كبير في ترشيدها، بعد ان فصل كانت بين (الشيء في ذاته وكما هو في الواقع)، و(الشيء كما هو عندنا او كما هو في تصورنا). وانما ذهب كانت الي هذا القول لانه يعتقد ان الحواس حينما تنقل لنا الواقع الخارجي سيقوم الذهن بتفسيره، اي الواقع، ضمن منظومته المعرفية ومن خلال قوالب فكرية مسبقة، أي انه سيسقط تجربته الحياتية خلال تفسير الواقع المحسوس، فليس بالضرورة ان يتطابق ما في الذهن مع الواقع الخارجي، ومع الشيء في نفسه. وحينها سوف لن يصل احد الي الحقيقة المطلقة، وتبقي الا´راء الموجودة حولها مجرد تفسيرات مختلفة لها.
وعندما جاء جون هيك، طرح نظرية كاملة حول التعددية قيضت الفهم السابق للاديان وللنبوة وللحقيقة وللمعرفة الدينية. وانتهي الي القول بالتعددية الدينية ونفي الانحصارية والفردية الدينية، وجعل الحق مشاعاً في جميع الاديان. واعتبر الوحي، الركيزة الاساسية للاديان،مجرد تجربة دينية او تجربة باطنية شخصية من الممكن ان يمر بها كل شخص تتوافر فيه الشروط اللازمة، وحينها ستكون التجربة الدينية والانفتاح علي الحقيقة واحدة لدي الجميع، والاختلاف هو في تفسيرها، لهذا كانت الديانات، ولاسيما الاساسية منها، اليهودية والمسيحية والاسلام، مختلفة.
أن هذه الفكرة تظهر في الدول التي تتعدد فيها الأديان، وتقع فيها الحروب الأهلية وبسبب ذلك، فقد ازدهرت في الهند، التي تعد من أكثر الدول تعددا في الأديان؛ ويعتبر عددا من المفكرين الهنود في قائمة دعاة التعددية، بدءا من: "رام موهن راي" مؤسس حركة براهما ساماج (المجتمع الإلهي)، ومرورا بالصوفي الباطني البنغالي "سري راما كريشينا"، وتلميذيه: "سين و سوامي"، اللذين نقلا الفكرة إلى أوربا، وتحدث الأخير منهما عنها في البرلمان العالمي للأديان في شيكاغو عام 1893م، وانتهاء بـ "الماهاتا غاندي" (1869-1948م). ويبدو أن الغربيين وجدوا فيها حلاً مناسبا للتخلص من آثار الاضطهاد الديني النصراني النصراني، الذي تسبب في الكثير من الحروب المرعبة والاضطهادات المتتالية باسم الكنيسة.
تيارات واتجاهات في مجال الفكر التعددي
وتمثل التعددية الدينية مفصلاً أساسيًّا من مفاصل الدراسات الكلامية الحديثة، حيث نَجَمَتْ عنها سجالاتٌ وإشكاليات متنوعة ومتشعبة، وأدَّى الأمر، في كثير من الحالات، إلى محاكمتها وإدانتها بقوة، وفي حالات أخرى إلى تبنِّيها الكامل، واعتبارها الوسيلة الفضلى للخروج بالمجتمع الإنساني من مآزق ومآسٍ جلبتْها عليه الصراعاتُ الدينية والنزاعات المذهبية. وقد راوَحَ الموقفُ حيالها بين مَن رفضها رفضًا قاطعًا، معتبرًا إياها بمثابة إنهاء لوجود الدين، وبين من احتضنها بحرارة لمعالجة التوترات الاجتماعية الناجمة عن الشعور بالأحقِّية المطلقة واللاغية للآخر من كلِّ أنظومة دينية.
ومهما يكن من أمر فلا شك أن الدين، والاعتبارات المنتمية إليه، والإيديولوجيات المستنبَطة منه، والأحكام القائمة عليه، أسفرتْ، في حقب تاريخية عديدة، عن نشوب حروب ونزاعات كبيرة أراقت دماءً كثيرة، وأحدثت خرابًا واسعًا. إن صفحات التاريخ زاخرة بأحداث دامية، مناشئُها ومنطلقاتُها دينية الطبع وقدسية الصبغة، راحتْ ضحيتُها شخصياتٌ من جميع الأديان والمذاهب. وبصرف النظر عما جرى في القرون الماضية بين الطوائف والأديان والمذاهب من منازعات دموية ومفتِّتة فإن الحاضر اليوم أمامنا خيرُ دليل على أن النزاعات الناشئة عن التمايز الديني والتفاوت الإيديولوجي لا تزال مصدرًا للعنف والصراع، سواء بين الأديان، مثلما نلاحظ في بعض الدول الآسيوية وبعض الأقاليم الأفريقية التي تقطنها مجموعات كبيرة من النصارى والمسلمين، أو بين أبناء مذاهب تنتمي إلى مذاهب دين واحد، كما هي الحال في مناطق واسعة من القارة الهندية وبعض دول الشرق الأوسط.
إن الرؤية الحصرية والاحتكارية للحقِّ لدى كلِّ دين وعقيدة مذهبية، والشعور بأن كلَّ أبواب الحقيقة والنجاة أو الفوز بالجنة والسعادة مغلقة في وجه الآخر المخالف والمختلف دينيًّا، وعدم ترك احتمالٍ لإمكان حياة ما للتعايش السلمي، عناصر فجَّرت نزاعات كان لها طابعٌ ديني في بعض الأحيان.
من جهة أخرى، بلغ الواقع العالمي، في ظلِّ تطورات علمية كبيرة وتنميات شاملة، على جميع الصُّعُد، مرحلةً من التقارب والتفاعل جعلت من الصعب أن يفكر أحدٌ بالعيش المنزوي في منأى عن الآخرين، مهما اختلفوا فكريًّا ودينيًّا.
بالإضافة إلى ما سبق فإن تحرر المجتمع الغربي من السلطة الكنسية القاهرة، ومن أجواء الإرهاب الديني الذي ساد في القرون الوسطى، مكَّن النخبة المسيحية من إلقاء نظرات فاحصة على مضامين ديانات أخرى، وعدم الانغلاق دون الفضائل الإنسانية والمعطيات الراقية والقيم الاجتماعية التي احتوتْها، والاضطرار إلى الاعتراف ببعضها، والتشكيك في اعتبار مَن هو خارج الدين المسيحي بعيدًا عن الحقيقة كليًّا ومحرومًا من فرصة نجاة، مما عزَّز الاحتمال لدى هؤلاء بأنَّ الديانات قد تلتقي على حقيقة مشتركة سمَّوْها لاحقًا بجوهر الدين.
من هنا نشأت حركة أخلاقية وفلسفية معرفية، دعت إلى ضرورة التوقف عن الرؤية الحصرية، والاحتكارية للحقيقة، وإلى لزوم الاعتراف بالآخر المختلف دينيًّا. وقد تم تعريف هذه الانطلاقة المتسامحة بين الأديان بالتعددية كمبدأ أو تبنٍّ لفكرة ضرورة تمتع الإنسان بحرية كاملة في اختيار المعتقد، وعدم فرض دين على أحد، واتباع منهج التسامح والتساهل مع الآخر في السلوك والتعايش، رغم اعتقاد هذه المجموعة أن مَن ليس على عقيدتها لا يذوق من النجاح شيئًا في الحياة الآخرة.
وقد تَبَلْوَرَ توجُّهٌ آخر مفاده أن غير المسيحي، في حال تعذر وصوله إلى العقيدة المسيحية وبقائه على فطرة إنسانية سليمة، قد يحظى بالنجاة – وإن كان، في ظاهره، ليس على هذه الديانة. ويسميه بعض اللاهوتيين منهم "المسيحي المجهول".
هكذا تطورت نظرية التعددية لتصل إلى مرحلة أكثر رقيًّا وتقدمًا – وجوهرها أن الديانات الأخرى تمتلك شيئًا من الحقيقة، بل هي شريكة في امتلاك الحقيقة. إن أول ما يترتب على هذه الرؤية هو إبطال امتلاك دينٍ الحقيقةَ كلَّها وحده. بذلك اكتملت حلقات ثلاث من التعددية:(3)
1. التعددية الأخلاقية: وهي التي تفرض على أتباع دين أن يتسامحوا ويلينوا في سلوكياتهم وتعاملاتهم مع أصحاب دين آخر، من دون أن يعني ذلك الاعتراف بوجود حصة من الحقيقة والنجاة لهم.
2. التعددية الخلاصية أو الاستنقاذية: القاضية بأن غير المسيحيين يمتلكون فرص الفوز بالجنة أو بالخلاص المسيحي. إن هذا البعد من التعددية هو الذي يمكِّن المسيحي من الالتزام بالتعددية الأخلاقية، لأن وجود اعتقاد بإمكان وجود فرصة السعادة لغير المسيحي هو الذي يفسح المجال للتسامح السلوكي والتصرف البعيد عن العنف مع أتباع ديانات أخرى.
3. ومع أن الاهتمام الأساسي لجون هيك، في مشروعه التعددي، كان انصبَّ في هذين البعدين للتعددية، إلا أن تطورًا كبيرًا أخذ يستهلك كلَّ جهوده مؤخرًا، لتركيزه على أخطر مرحلة، وأكثر المستويات حساسية في نظرية التعددية، ألا وهي "التعددية الدينية المعرفية".
شهد التاريخ البشري لأول مرة عالميا أو عولميا، تعايش الناس من أتباع الأديان المختلفة متجاورين في بلـد واحد، وفي قرية واحدة، بل وفي شارع واحد، الأمر الذي يشكل مشكلة جديدة بالنسبة للمجتمعات التي لم تكن لديها خبرة أو تجربة في التعايش الديني السلمي، مثل الغرب، مما أجبر قادتها وزعماءها وحكماءها وعلماءها على اختلاف تخصصاتهم ومجالاتهم العلمية على إيجاد حل لمشكلة هذه الظاهرة الجديدة. ومن هنا ظهر عدد من أطروحات التعددية الدينية يمكن تصنيفه، بناء على أبرز الأفكار المتميزة المطروحة، في أربعة اتجاهات.(4)
الاتجاه الأول فهـو الاتجاه الإنساني العلماني (Secular Humanistic Trend)؛ وهو الذي يقوم على فكرتين أساسيتين، الأولى محورية الإنسان في المبدأ والغاية (Anthropocentrism)، والثانية العلمانية، في سبيل تحقيق التعايش السلمي بين الأديـان. ويمثل هذا الاتجـاه كثير من الزعماء السياسيين أمثال بنيامين فرانكلين (Benjamin Franklin)، والعلماء اللاهوتيين أمثال هارفي كوكس (Harvey Cox).
وأما الاتجاه الثاني فهو اللاهوتية العولمية (Global Theology). يتمثل هذا الاتجاه في
(أ) أطروحة ولفريد ك. سميث (W. C. Smith) عن إعادة النظر في مصطلح الدين؛
(ب) أطروحة جون هيك (John Hick) عن ضرورة تغيير الاتجاه من محورية الدين إلى محورية الإله.
وأما الثالث فهو الاتجاه الذي قاعدته الانتحال والتلفيق التوفيقي (Syncretic Trend). ويمثل هذا الاتجاه: المجتمع الإلهي (Brahma Samaj) والمجتمع الثيوصوفي (الذي تأسس عام 1875 في نيو يورك، الولايات المتحدة، وانتقل مركزه إلى أديار –ناحية من نواحي مدراس – عام 1882)، راماكرشنا (Ramakrishna)، وسوامي ويويكانندا (Swami Vivekanda)، والماهاتما غاندهي (Mahatma Gandhi).
وأما الاتجاه الرابع، فهو الحكمة الخالدة (Perennial Philosophy) ، وهو على خلاف الاتجاهات السابقة، من حيث إنه كان معروفا عند المستيكيين الباطنيين (دعاة الروحانيات الغامضة) الأوائل. فهذا الاتجاه، من هذه الناحية، اتجاه قديم. لكن من ناحية تقديم هذه الفكرة في قالب جديد وبفلسفة جديدة وفي وقت يكثر فيه النقاش حول التعددية، فإنه يعتبر جديدا مما يناسب إدراجه ضمن الاتجاهات التعددية الحديثة. وأبرز الممثلين لهذا الاتجاه: ف. شوون (F. Schuon) ، سيد حسين نصر. يقوم هذا الاتجاه، الذي يركز الاهتمام على الوحدة “المتعالية” أو “الماورائية” لجميع الأديان أو روح الدين المشترك، على أساس التفرقة بين “الحقيقة المتعالية” (Transcendent Reality) التي هي واحدة فقط ليس بوسع أحد إدراكها، و”الحقيقة الدينية” (Religious Reality) التي ليست إلا صورا خارجية مختلفة لتلك الحقيقة الباطنية الواحدة.
إن الناظر في هذه الاتجاهات نظرة عميقة وناقدة وموضوعية في نفس الوقت يجد أنها، بدلا من أن تقدم حلا شافيا لمشكلة التعارضات والصراعات بين الأديان، تمثل ظاهـرة جديدة لها أبعاد ونتائج خطيرة شديدة على الإنسان وحياته الدينية عموما.
هذه الأبعاد والنتائج التي من أبرزها: القضاء على الأديان؛ وظهور التعددية الشكلية؛ وتهديد لحقوق الإنسان. فنتيجة هذه الاتجاهات إما أن تكون القضاء على الأديان وفي ذلك تهديد لحقوق الإنسان وإما أن تكـون ظهورا لتعددية شكلية – وليست حقيقية، وفي ذلك تهديد أيضا لحقوق الإنسان. ففي البحث حول القضاء على الأديان فكرتان: العلمانية؛ والشكوكية بنوعيها: الإلحادية والأغنوسطية أو اللاأدرية. وفي بحث حول التعددية الشكلية فكرتان أيضا: التماثلية وظهور الأديان الجديدة. وفي بحث حول فكرة تهديد لحقوق الإنسان وضع الأقليات الدينية الـتي تعيش في ظل النظام التعددي الديموقراطي، معقبا ذلك بطبيعة الانحياز في الفكر الإنساني، والمشكلة النظرية في حقوق الإنسان.
التعددية الدينية رؤية إسلامية
يعرف الدكتور محمد عمارة المفكر الاسلامى التعددية فى كتابه «التعددية: الرؤية الاسلامية والتحديات الغربية» بأنها تنوع مؤسس على تميز. وخصوصية ولذلك فهى لايمكن ان توجد وتتأتى بل ولا حتى تتصورـ الا فى مقابل وبالمقارنة مع الوحدة والجامع ولذلك لايمكن اطلاقها على التشرذم والقطيعة التى لاجامع لآحادهما، ولا على «التمزق» الذى انعدمت العلاقة بين وحداته، وايضا لا يمكن اطلاق «التعددية على الواحدية التى لا أجزاء لها او المقهورة اجزاؤها على التخلى عن المميزات والخصوصيات على الأقل عندما يكون الحكم على عالم الفعل لا على عالم الامكان والقوة. (5)
فأفراد العائلة: تعدد فى إطار العائلة، وفى مقابلتها. والذكر والأنثى تعدد فى إطار الوحدة الانسانية. والشعوب والقبائل تعدد فى جنس الانسان.
فبدون الوحدة الجامعة لا يتصور تنوع وخصوصية وتميز، من ثم تعددية، والعكس صحيح.
ويقول الدكتور عمارة فى تعريفه ان التعددية مستويات يحددها الجامع ـ والرابط الذى يجمع ويوحد ويظلل وحدتها وأفرادها. فعلى المستوى العالمي، هناك تعددية الحضارات المتميزة والقوميات المختلفة المؤسسة على تعدد فى الشرائع والمناهج والفلسفات واللغات والثقافات وبينها جميعا جامع الاشتراك فى الانسان الذى لا تمايز فيه ولا اختلاف.
وعلى مستوى كل حضارة من الحضارات، هناك تعددية فى المذاهب ومدارس الفكر وفلسفاتها وتيارات السياسية وتنظيماتها وقد تكون فى بعض الحضارات تعددية فى القوميات واللغات والأوطان تتمايز وحدات التعددية فى الخصوصيات المتعددة مع اجتماعها كلها فى رابط الحضارة والحدة وجامعها.
ويوضح الدكتور عمارة فى تعريفه ان التعددية ككل الظواهر والمذاهب الفكرية، لها «وسط ـ عدل ـ متوازن» ولها طرفا «غلو» احدهما إفراط والآخر تفريط. وسطها ـ العدل ـ المتوازن هو الذى يراعى العلاقة بين التميز ـ والتنوع ـ والتعدد وبين الجامع والربط والوحدة بينما يمثل التشرذم غلو القطيعة والتنافر الذى لا جامع له كما تمثل الوحدة المنكرة للخصوصية «غلو القهر» المانع من تميز الفرقاء واختصاصها.
ويشير فى تعريفه إلى انه اذا كانت الرؤية الاسلامية قد قصرت «الوحدة» التى لا تركيب فيها ولا تعدد لها على الذات الالهية وحدها، دون كل المخلوقات والمحدثات والموجودات فى كل ميادين الخلق المادية والحيوانية الانسانية والفكرية تلك التى قامت جميعها على التعدد والتزاوج والتركيب والارتفاق. فان هذه الرؤية الاسلامية تكون بهذا الموقف الثابت ثبات الاعتقاد الدينى بل جوهر هذا الاعتقاد قد جعلت من التعددية فى كل الظواهر المخلوقة «سنة» من سنن الله ـ سبحانه وتعالى فى الخلق والمخلوقات جميعا وآية من الآيات التى لا تبديل لها ولا تحويل انها «القانون» الالهى والسنة الالهية ـ الأزلية الأبدية ـ فى ميادين الكون المادي، والاجتماع الانسانى وشئون العمران وميادينه وبها تتميز وتختص «الوحدانية» فى ذات «الحق» كما تتميز وتختص «التعددية» بكل مظاهر الخالق.
كما يشير الدكتور عمارة فى تعريفه إلى أنه اذا كانت «الوسطية الجامعة» فى الرؤية الاسلامية هى خصيصة من خصائص الامة الاسلامية والمناهج الاسلامية يشهد عليها القرآن الكريم المنبئ عن «جعل» الله سبحانه وتعالى هذه الامة امة وسطا وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. وهى وسطية العدل، أى التوازن، الذى لايقوم إلا بجميع عناصر الحق والصواب من طرفى غلو الإفراط والتفريط، وتميزها موقفا ثالثا وسطا مستقلا، وذلك على النحو الذى حدده الحديث النبوى الشريف الذى يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «الوسط: العدل، جعلناكم أمة وسطا». اذا كان هذا هو معنى الوسطية الإسلامية، فإن التعددية الموزونة بميزانها، لابد أن تكون تميزا لفرقاء يجمعهم جامع الإسلام، وتنوعا لمذاهب وتيارات تظللها مرجعية التصور الإسلامى الجامعة، وخصوصيات متعددة فى إطار ثوابت الوحدة الإسلامية، الأمر الذى يجعل هذه التعددية: نموا، وتنمية للخصوصيات، مع احتفاظ كل فرقائها، وأطراف الخصوصيات، وأفراد التنوع بالروح الإسلامية، والمزاج الإسلامي، وتواصل الفروع مع أصل الشجرة الطيبة لكلمة الإسلام، التى هى بلاغ الله الى رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيان هذا الرسول الى العالمين.
واذا كانت الرؤية الاسلامية قد قصدت الوحدة التي لاتركيب فيها ولاتعدد لها على الذات الالهية وحدها دون كل المخلوقات والموجودات فان الرؤية بهذا الموقف ثابت بل هو جوهر الاعتقاد فكل ما عدا الذات الالهية (الحق واجب الوجود) وسائر الميادين من عمران بشري او فكر انساني قائم على التعدد.
ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، إن رب العزة جل وعلا أدرى وأعلم بالخلق، وشاءت ارادته أن يخلق الناس مختلفين، منهم المؤمن، ومنهم الكافر، ومنهم الطائع، ومنهم العاصي، «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم». (6)
وفى «لذلك خلقهم» إشارة الى الإرادة الربانية، التى قضت بتنوع الخلق وتعدد الناس، وتعدد عقائدهم، وجنسياتهم، وألوانهم، وتلك من آيات الله، ومن آيات الله أيضا، اختلاف ألسنتكم وألوانكم، فهى تحمل للخلائق جميعا دلائل الارادة الإلهية، وأسرار القدرة الربانية، بأن لهذا الكون إلها واحدا، خلق فسوي، وقدر فهدي، يخلق ما يشاء، بيده الأمر والتدبر، يبسط الرزق ويقدر، ويحيى ويميت، وهو على كل شئ قدير.
وظاهرة التعدد بمعنى الاعتراف بالأديان الأخرى في الواقع والتعامل معها بالعدل، حث عليه الاسلام في قوله سبحانه وتعالى (لا إكراه في الدين) ومن هنا وجدت في الفكر الاسلامي مؤلفات كاملة تتكون من عدة أجزاء تتحدث عن حقوق أهل الأديان الأخرى في ظل الدولة الإسلامية، ووصفوا بوصف يستحضر الحق الديني الإسلامي المفروض لهم، والتي يجب أن تراعى وتحفظ ويُحذر نقضها وخفرها.
وخلاصتها: معاملة الآخرين بالرحمة والدعوة: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، وبالعدل في المعاملة: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). وكان تطبيق ذلك ظاهرا من سيرة محمد صلى الله عليه وسلم كما في (صحيفة المدينة) أو ما يسمى بدستور المدينة.. والشواهد كثيرة في السنة والسيرة وتاريخ المسلمين .
أن الإسلام قد أقر مبدأ التعددية وحرية الاختلاف, وذلك سنة من سنن الله في الكون والحياة, والغريب أن يضيق الإنسان بهذا التعددية والتنوع.
إن عالم اليوم يتجه بسرعة هائلة باتجاه التعددية, والدافع لذالك هو ازدياد الاتصالات والتعامل بين الناس بمختلف أديانهم وعقائدهم, وانتماءاتهم ,وثقافتهم, ولغاتهم, وأصولهم الإثنية والعرقية.
وعندما يراجع المرء القرآن الكريم, سيجد من آيات القرآن الكريم ما يشرع التعددية الدينية, إذ يقول الباري جل شأنه "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا, ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما أتاكم, فاستبقوا الخيرات, إلى الله مرجعكم جميعًا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون". هذه الآية الكريمة واضحة المعنى والدلالة, وتؤكد مما لا يدع مجالًا للشك التوجه الإسلامي الذي يقبل التعددية الدينية, وبأنه لو أراد لجعل الناس كلهم أمة واحدة, والقصد من ذالك إغناء الناس بعضهم البعض في التجارب والخبرات والأفكار ولمساعدتهم في تطوير حياتهم وتنمية مجتمعاتهم، ولأن الهدف الأسمى من الدين هو خلق الشخصية الإنسانية الصالحة والخادمة لمجتمعاتها.
إنه مما لا شك فيه أن الإسلام قد اعترف ومارس التعددية بكل أنواعها خاصة التعددية الدينية, فالقرآن الكريم يؤكد بأن الله خلق النفس البشرية من نفس واحدة, وأن جميع هؤلاء الناس يرجعون ويردون إلى أصل ومنبع واحد, وأنهم جميعًا يعمرون الأرض, القرآن يؤكد بأنه "لا إكراه في الدين"، وأن الله كرم بني آدم جميعًا، وأقر بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن والعالم أجمع بقوله تعالى "وقولوا للناس حسنًا"، وليس هذا فحسب، بل نجد القرآن الكريم يؤكد التعدد الإثني والعرقي والثقافي واللغوي قائلًا:"ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم, إن في ذالك لآيات لقوم يعقلون"، وفي سورة الحجرات يقول جل وعلا: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا, إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير".
من خلال هذه الآيات نستنتج اعتراف القران الكريم بشرعية التعددية والتنوع على المستويات الدينية والثقافية والعرقية واللغوية.
إن الإسلام وقف موقفًا متسامحًا اتجاه الآخر في الدين أو اللون أو اللغة أو الثقافة, لأنه دين عالمي , قال الله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وقد رسخ الإسلام مفهوم احترام الديانات الأخرى وحدد منهج التعامل معها من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن خلال القواعد التي على أساسها ينبغي أن يتعامل المسلمون مع الآخر المختلف عنهم في الدين والعقيدة والثقافة واللغة, وهو ما يجب على المسلمين اتباعه من تعاليم الإسلام القائمة على الوحي الإلهي والسنة المحمدية الشريفة وسيرته العطرة في نظرتهم إلى الغير والآخر.
إن موقف الإسلام من البداية اتضح واتسم بالشمول والوضوح والصراحة, فقد حدد وبدقة فائقة الموقف من الآخر ومن التعددية وأعلن واضحًا عدم إجبار الناس على الدخول في الإسلام "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، وقال أيضًا: "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر".
لقد أظهر الإسلام التسامح تجاه التعددية بكل أشكالها منذ الوهلة الأولى للإسلام, وثبت دعائمها قولًا وفعلًا وتطبيقًا وممارسة, وذلك يتجلى في عهود الأمان التي أعطيت للآخر في بلاد الإسلام أو في البلاد المفتوحة, وكان عهد الأمان الذي أعطاه رسول الله، صلى الله عليه، لأهل نجران, أمنهم من خلال ذلك العهد على النواحي الدينية والاجتماعية والسياسية هو المثل الذي عقدت على منواله عهود الأمان اللاحقة والمتتالية على امتداد التاريخ الإسلامي والإنساني على السواء, ليصبح مضربًا ومثلًا للأجيال السابقة واللاحقة في التكيف مع الآخر عقيدة ومنهاجًا وسلوكًا، وصحيفة المدينه التي تعد الدستور للدولة الإسلامية.
في تراثنا الإسلامي جوانب مضيئة ونماذج ناصعة وتجارب عميقة –قل إن يوجد مثلها عبر التاريخ الإنساني –فيما يخص "التعددية والتنوع "وأنصع مثال على ذلك دستور المدينه أو صحيفة المدينه "والاتفاقات التي عقدها الرسول الأعظم محمد بن عبد الله، وهي تعد من الوثائق الدستورية النوعية في التاريخ الإنساني, وهكذا كان التسامح سمة الإسلام والمسلمين أينما حلوا وارتحلوا يحملون معهم قيم التنوع والتعدد وقيم الجمال والتعايش, هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ومن جاورهم أو عاش أو تعامل معهم.
للتعددية الدينية في الغرب وجوه كثيرة ويستعمل كثير من الناس التعددية الدينية لتعنى التعايش السلمي بين الأديان تحت شعار عالم واحد للجميع . ومما يجدر ذكره هنا أن تاريخ أوربا مثخن بالجراح من النزاعات والحروب الدينية ، و استضعاف المخالفين ليس فقط من غير المسيحين من يهود أو مسلمين ، بل بين طوائف المسيحية نفسها ، ولا تزال بعض النيران مشتعلة مثل ما يحدث في ايرلندا وأرض البلقان . ولم يضعف هذا الظلم إلا بعد أن كانت الغلبة للعلمانية التى همشت الدين وجعلته محصورا على المجال الخاص وحرمت عليه المجال العام ، وتبنت حرية المعتقد والعبادة للجميع. (7)
الا أن الاعتراض الجوهرى لجعل العلمانية الحارس للتعايش السلمى بين الأديان وطوائفها ، هو الطعن في الحيادية التى تدعيها . ذلك أن أهم مسوغ يقدمه المفكرون الأحرار في الغرب لجعل العلمانية في منزلة القوامة على ضمان التعايش السلمى بين الأديان هو حيادها ، ولكن هذا الحياد المزعوم للعلمانية لا يسنده لا دليل نظري ولا وافعى ، بل هو كما يصفه أحد الكتاب الغربيين ليس إلا أسطورة . ويمضى للقول أن العلمانية لها تصورها للحقيقة وللقيم الأخلاقية ولمناهج الحياة مثل كل تصور ومنهج آخر تقدمه الأديان ، وإعطاء العلمانية سلطة الهيمنة على غيرها من المناهج هو نوع من الاستبداد على غيرها والظلم له . وكثيرا ما يحتدم النزاع والصراع بين العلمانية والدين في بعض السياسات وخاصة في المسائل التي تمس الأخلاق، ولكن الدين في الغالب مسلوب الحقوق والإرادة وما عليه إلا أن يسلم بالأمر الواقع .
والحوار الدينى مظهر آخر من مظاهر التعددية الدينية التى يشيعها الغرب ، وقد ابتدرته الكنائس المسيحية ثم انضمت إليهم الأديان الأخرى ، حتى أصبح حركة عالمية نشطة خلال مائة سنة من تاريخه ، لها مجالسها ومؤتمراتها العلمية ومراكزها الدراسية في الجامعات ، ويحظى باهتمام رسمى وشعبى . ومن ثمرات هذا الحوار كسر الحواجز بين القادة الدينين ، وإتاحة منبر للقاء والتشاور، وإسماع العالم رأي الدين في بعض المشكلات العالمية . ولكن كثيرا من المشاركين فيه أنفسهم يلاحظون أنه قليل الأثر ، إذ لا يتعدى دائرة الأقوال والبيانات والتصريحات ، ومحصور في النخبة وليس له أي امتداد في القواعد ، ويتحاشى الدخول في مواجهة جادة حول الأسباب الحقيقة للكراهية والعداء المتأصل في النفوس ويكتفى بالمجاملات والمظاهر .
وأهم اوجه التعددية الدينية الغربية ذلك الذي يقوم على الرأي القائل أن جميع الأديان مرآة للحقيقة وأنها جميعها حق . وهذه النظرة هى التى تتفق تماما مع مبدأ تعددية الحقيقة الذي سبق توضيحه والذي يعد ركنا أساسيا للتعددية الفلسفية الغربية ، وتعكس أيضا النظرة السائدة وسط الحداثة الغربية من أن الدين يمكن إعادة تفسيره وتأويله وتنقيته من موروثات العصور االماضية ليتواءم مع العصر الحاضر . وبانتشار مبادئ العصرانية التى تقوم بمهمة صياغة فهم عصري للدين وسط كل الأديان وخاصة اليهودية والمسيحية والإسلام ، تجد التعددية الدينية بهذا المعنى قبولا اوسع كل يوم ، بل وقد أصبحت هدفا من أهداف الحوار والتقارب الدينى . ومن الرواد لهذا الاتجاه المفكر اللاهوتي الإنجليزي جون هيك ، الذي يدعو إلى أنه لا يمتلك أي دين من الأديان الحقيقة الكاملة ، بل ليس أي دين إلا محاولة للاقتراب منها ، وعليه فإن كل الأديان متساوية في معرفتها الجزئية بالحقيقة ، وليس بعضها أحق من بعض في إدعاء الحقيقة . ولا شك أن كثيرا من المتدينين الملتزمين يرفضون هذه الدعوة باعتبارها متناقضة وهدم للدين بالكلية .
--------------------------------------------------------------
(1) التعددية الدينية رؤية تأصيلية أحمد مخيمر الملتقى الفقهي
http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=1665
(2) تعدد الاديان و طريق حله علي رباني مجلة آفاق الحضارة الاسلامية العدد 6
http://www.hawzah.net/fa/article/articleview/90088
(3) التعددية الدينية والنسبية مناقشة فلسفية محمد ليكنهاوزن ترجمة مختار الاسدي ( صفحة البلاغ )
http://www.bahrainonline.org/showthread.php?t=99566
(4) التعددية الدينية من وجهة نظر إسلامية حسن الشافعي ص9
(5) التعددية الرؤية الإسلامية و التحديات الغربية محمد عمارة ص3
(6) عدم تقبل الآخر مسئولية الإنسان وليس الأديان التعدديـة حكمـة إلهيــة احمد عامر عبدالله سعيد حلوى الأهرام اليومي 2011
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=425704&eid=2700
(7) رؤية إسلامية لقضية التعددية موقع السودان الإسلامي
http://www.sudansite.net/index.php?option=com_content&view=article&id=36...
------------------------------------------------
ريناس بنافي باحث في مجال الفلسفة والفكر السياسي
لندن 1- 5 - 2013
[email protected]
الكلمات المفتاحية:
الحقيقة الحق الإسلام التعدد الأديان