• Friday, 22 November 2024
logo

مأزق التحالف الوطني الشيعي في العراق

مأزق التحالف الوطني الشيعي في العراق
لم يكن التحالف الوطني الشيعي موفقا عندما اختار حيدر العبادي مرشحا لتشكيل الحكومة، ثم إن حصر رئاسة الوزراء في حزب الدعوة أوصل البلد إلى الهاوية، وهو دليل آخر قوي على فشل مشروع الإسلام السياسي الشيعي، وإني على قناعة أن الإسلام السياسي بشقيه الشيعي متمثلا بحزب الدعوة, والسني الإخواني وما تفرع منه تاريخيا فشل في إدارة السلطة، ففي العراق رأينا فشل الإسلام السياسي الشيعي، وفي مصر رأينا فشل الإسلام السياسي السني الإخواني، ودعنا نركز على العراق، أصبح التحالف الوطني الشيعى على قناعة، أن بقاء حزب الدعوة في السلطة بات خطرا يهدد مستقبل الشيعة في العراق، ومعلوم من الناحية الواقعية أن أهم شيء عند الشيعة بقاءهم أحرارا في ممارسة طقوساتهم وشعائرهم، فهم لا يهتمون بالعمران والبناء والتحضر والحياة الرغيدة بقدر اهتماهم بطقوساتهم وشعائرهم، وبالرغم من إصرار حزب الدعوة بالتمسك برئاسة الوزراء، لكن هناك مرونة في موقفها، ولعل من أجل الحفاظ على البيت الشيعي، وبقاء السلطة حصرا بيد الشيعة، تعطى رئاسة الوزراء لكتلة سياسية أخرى ضمن إطار التحالف الوطني الشيعي، وأبرز هذه الكتلة كتلة السيد عمار الحكيم، وأبرز المرشحين هو الدكتور عادل عبد المهدي، لكونه مقبولا دوليا وإقليميا وداخليا، وخاصة أن الجانب الكردستاني يراه صديقا لهم، وإني على قناعة أن رجل الدولة لا بد أن يكون متدينا لنفسه لا لغيره، فالمشكلة في العراق الجديد أن التدين أصبح يفرض على الناس من خلال شعارات معينة، وأصبح الشعب يختار من هم أكثر تدينا ومتسمكا بشعارات الدين، مع أن التدين صفة شخصية ربما لا يجعله مؤهلا لتسلم وزارة أو إدارة وخاصة إذا كان شخصا ضعيفا غير كفوء، فالمشكلة في العراق أثناء الانتخابات أن الذين رفعوا شعارات دينية حصلوا على أصوات أكثر من الذين رفعوا شعارات مدنية ديمقراطية وطنية، ولهذا تشكلت طبقة سياسية متخبطة أوصلت البلد إلى حافة الانهيار اقتصاديا ودبلوماسيا واجتماعيا وسياسيا وعسكريا، ثم لو كان هذا التدين شخصانيا فردانيا لربما كان الأمر هينا لينا، لكن مع ذلك كان تدينا مذهبيا طائفيا مقيتا، فالدولة عندما تبنى على الأيدولوجية الدينية أي المذهبية الدينية تصبح الدولة من غير إرادة دولة دكتاتورية، ومعلوم أن الاستبداد الديني أخطر أنواع الدكتاتورية عبر التاريخ.
منذ سقوط النظام سنة 2003 والى الآن ماذا قدم الشيعة للعراق؟ ولكي لا نظلم بقية الكتل السياسية الشيعية، نقول ماذا قدم حزب الدعوة للعراق؟ مع قناعتي بنضالهم التاريخي وتقديمهم أبحرا من الدم، وهذا السؤال يطرحه المواطن الشيعي قبل غيره، فلو قمنا بزيارة جنوب العراق، لرأينا الخراب والتخلف والبطالة، مع أن تلك السنين كافية أعني (ثلاثة عشر عاما) لبناء دولة مدنية متطورة، لأن العراق بلد غني بثرواته وعقوله، ولكن يبدو أن حزب الدعوة كان يركز على الجانب الديني الأيدلوجى أكثر من الجانب العمراني الحضاري الدنيوي، ولهذا أصبح التحالف الوطني الشيعي على قناعة أن بقاء السلطة بيد حزب الدعوة يهدد بقاء الشيعة في العراق.
إن اختيار العبادي لهذا المنصب كان كارثة حقيقة للشيعة وللعراق أجمع، حيث تبين للشعب أن الرجل شخص ضعيف، ضعيف في ذاته، ضعيف في حزبه، ضعيف في قومه، ضعيف في ثروته، ضعيف في قوته، ضعيف أمام الكل، لكنه في الوقت نفسه يستطيع تمضية الوقت بحيله ووعوده الكاذبة، لقد استطاع أن يبقى في السلطة بهذه الفترة لأسباب، لأنه مرشح حزب الدعوة، وهذا يقتضي كونه مرشحا للتحالف الوطني، لأنه بموجب الدستور الكتلة الأكبر هي التي تكلف بتشكيل الحكومة، ثم إن أمريكا عندما ساندت العبادي في بداية الأمر مع تهديدات المالكي المستمرة ساندته لكي ينهي مرحلة المالكي، ولا يتصورن أحد أنه في بداية تشكيل الحكومة تم تهميش الكورد، فالهدف الأساس كانوا يسرعون بتكشيل الحكومة لكي يزيحوا المالكي، ثم لما أصبح الأمر واقعا حقيقا، اعترفت ايران على مضض بالعبادي، لأن إيران كانت تقف بجانب المالكي وعدًَته أفضل رئيس للوزراء في تاريخ العراق، لسبب واحد، وهو أن المالكي كان يركز على الجانب الأيدولوجي الشيعي، ولهذا تعرض السنة في عهده إلى تصفيات وإقصاء، وبدأنا نسمع بسنة المالكي، وهم إلى الآن يتمتعون بخيرات الرجل، ويدافعون عنه.
إن العبادي فشل في إدارة البلد، لأنه لم يلتزم بتعهداته، وخاصة تجاه إقليم كردستان، وتجاه النازحين، وتجاه البيشمركة، وتجاه السنة، وتجاه شركائه في العملية السياسية، ولأول مرة في تاريخ العراق رئيس وزراء يحصل على صلاحيات مطلقة هائلة، صلاحية مجلس النواب عندما فوضنا له، ومساندة المرجعيات الشيعية العليا وخاصة السيستاني، وكذلك مساندة الشارع من المتظاهرين، لكنه مع الأسف لم يحرك ساكنا، كان بأمكانه أن يحيل الفاسدين إلى القضاء، لكنه لم يفعل، حقق مطالبه وليس مطالب الشعب، حيث قام يإقصاء نوابه، ونواب رئيس الجمهورية، واستهدف مجلس النواب مع أن ذلك مناقض للدستور، عندها أدركت هيئة رئاسة مجلس النواب أن العبادي غير صادق في إصلاحاته، بل يريد فقط تحقيق مكاسب شخصية فقط، وعندما قام مجلس النواب العراقي باستجوابه، جاء العبادي إلى البرلمان وألقي خطابا مملا مكررا، تمنى النواب خروجه من القاعة، وحاول بشتى الطرق تمضية الوقت، وإلهاء الشارع العراقي، بل وصل الأمر إلى درجة اتهام مجلس النواب في كونه لا يقوم بعمله، بل يقوم بتعطيل إصلاحاته، وهنا بدأ الصراع بين النواب والعبادي، والحقيقة أن العبادي يحمل في قلبه شيئا تجاه النواب، لأنه دائما يحاول في خطاباته اتهام مجلس النواب بتعطيل إصلاحاته وعرقلتها، وبدأ الشارع يلتهب، والمظاهرات في ساحة التحرير مستمرة، وتكون عنيفة في أيام الجمعة, حاول بعض السياسيين منهم المالكي ركوب الموج، لكنه طرد وأهين، فلم يستطع المشاركة، وحاول بعض النواب أن يشاركوا في المظاهرات، وخاصة بعض نواب دولة القانون، لكنهم طردوا وأهينوا وضربوا، فبقيت المظاهرات حضارية وراقية لم تتحول إلى العنف، وكانت المطالب واقعية، منها إحالة الفاسدين إلى القضاء، نزاهة القضاء العراقي وعدم تسييسه، تقديم الخدمات للشعب، منها الماء والكهرباء، وبقيت المظاهرات مستمرة، ولا أحد يستجيب، والحقيقة أن العبادي هو الذي كان يستهين بتلك المظاهرات، بالرغم من ضخامتها واستمرارها، حتى ظهر السيد مقتدى الصدر، حيث شارك في المظاهرات، وركب الموج، وبدأت الأصوات ترتفع ترحيبا بمقتدى الصدر، والسؤال الذي يطرح نفسه، لما رحب المتظاهرون بمقتدى الصدر، ولم يرحبوا بغيره؟ لا ريب أن المتظاهرين كانوا بحاجة إلى شخص ديني قوي كواقع المجتمع العراقي المعاصر، والأمر الآخر لم يكن أحد من المتظاهرين يجرأ على الوقوف أمام مقتدى الصدر وجماعته، فمدينة الصدر والتي تتجاوز نسبة سكانها ثلاثة ملايين مليئة بمريدي مقتدى الصدر، أضف إلى ذلك أن مقتدى الصدر معروف بمواقفه الجريئة، فهو الآخر أصبح على قناعة أن خطرا كبيرا يهدد الوجود الشيعي في العراق، لذلك يحاول أن يأتي بمشروع وطني عراقي عروبي، فلأول مرة في النجف المكان المقدس لدى الشيعة يترحم مقتدى الصدر على أبي بكر وعمر وعثمان، مع أن هذا من الجرائم الفكرية والعقدية لدى الشيعة، ولأول مرة يهدد مقتدى الصدر إيران، ولأول مرة يثني مقتدى الصدر على العلاقة مع السعودية، والحقيقة أنه بعد فتح السفارة السعودية في بغداد تغيرت مواقف كثير من قادة الشيعة باستثناء من هو يعتز بإيران أكثر من اعتزازه بالعراق, ولقد أصبحت السعودية وأكثر الدول العربية وخاصة دول الخليج على قناعة، أن شيعة العراق لن يتحولوا إلى سنة، وأن الحل الأنجع أن يبقى شيعة العراق على مذهبهم، شريطة أن تطغى قوميتهم العربية على مذهبيتهم الدينية، والغرض من ذلك أنه إذا طغت القومية على المذهبية سيكون الولاء للدول العربية، وعندما تطغى المذهبية الدينية على القومية سيكون الولاء لإيران، ولهذا يحاول بعض قادة الشيعة العمل على هذا المشروع، وأعتقد أن فشل الإسلام السياسي الشيعي عامل مساعد لنجاح هذا المشروع، ولقد أدرك مقتدى الصدر هذه الحقيقة، لكنه في الوقت نفسه يخاف على ماضيه التاريخي فهو من عائلة دينية مذهبية عريقة ناضلت الدكتاتورية بصدق، لذلك سيكون عملا شاقا يتطلب الروية والحيطة.
أتصور أن الشيعة في العراق لو استمروا على هذه الطريقة بتفضيل الإيدلوجية الدينية على القومية العربية سيكون مصيرهم التشتت والتفتت، ولربما سيدفعهم الى الاقتتال الداخلي، لأنه من المعلوم أن الدين بطبيعته يتكون من مذاهب، والمذهب يتكون من مدارس، ولا يخفى الصراع المرير بين المرجعيات الشيعية، فأحيانا المراجع تسبب التمزق المجتمعي في العراق، ولا يفهمن أحد أنني أدعو الشيعة إلى التخلي عن مذهبهم، ولكني أدعوهم لعدم إقحام المذهبية في الجانب السياسي، نعم نجد في إيران أن المذهبية دخلت كل مسالك الدولة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل نجحت إيران؟ الجواب كلا، بل إن معاناة إيران شديدة، ولكن من المعلوم أن الحفاظ على الهوية المذهبية في إيران أعظم من كل شيء، فإيران ستقدم الغالي والنفيس من أجل صيانة هذه المذهبية التي هي عصب الوجود الإيراني، أما في العراق فقد حاول بعض الأحزاب الشيعية وخاصة حزب الدعوة اقتفاء النموذج الإيراني، ولم يدركوا أن الدستور لا يسمح بذلك، لأن دستور العراق الدائم يدعو إلى الديمقراطية والتعددية والمدنية والتعايش وتنوع المصادر والاعتراف بالأقليات وحفظ حقوقها، وهذا كله لا وجود له في الدستور الإيراني، ففي الدستور الإيراني في الفصل الأول، في المادة (12) الثانية عشرة، تقول المادة:" الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشر، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير"، وهذا يعني أن رئيس الجمهورية لا بد أن يكون فارسيا مسلما جعفريا، وهذا إقصاء واضح للقوميات والأديان والمذاهب الأخرى، لكن في العراق نجد رئيس الجمهوية كرديا، وجميع الأديان والمذاهب مشاركة في العملية السياسة وفي القرار السياسي وهيكلة الدولة العراقية.
ولقد تكونت أخيرا قناعة في العقل الجمعي الشيعي وفي العقل السياسي الشيعي إلا ما ندر، أن البيت الشيعي مهدد بالتفتت لو بقي هكذا، ولم يعيدوا النظر في سياسته، فمنذ ثلاث عشرة سنة ماذا قدموا للعراقيين، مع الإمكانات الهائلة, والقدرات العظيمة، والعقول الكبيرة, وهنا بدأ الصراع بين كتل التحالف الوطني الشيعي حيث كل كتلة تتهم الأخرى في كونها وراء هذه الأزمة، كتلة الصدر تتهم حزب الدعوة وشخص المالكي بالوصول إلى هذه المرحلة، وأنه وراء تمزق الشعب العراقي، حيث أقصى السنة وقتلهم وهجرهم من العراق، وكتلة المالكي تتهم جماعة الصدر بتحريض المتظاهرين ضد الحكومة، بينما كتلة المجلس الإعلى تتهم المالكي في تأزيم العلاقة بين بغداد وأربيل، وأنه وراء تهميش السنة في العملية السياسية، اما كتلة بدر فهي متفرجة وتحافظ على مصالحا الحزبية فقط، فهي مع الكتلة المنتصرة في النهاية، هذا الصراع الشديد والمستمر في التحالف الوطني سينفجر، لو لم يتدركوا الأمر، ولعل الحل الأنسب نزع السلطة من حزب الدعوة الذي حكم العراق ثلاث عشرة سنة، ولم يقدم إلا خيبة في الآمال وخرابا في البلد، ولكن تبقى الضغوطات الأمريكية وخاصة ضغوطات الرئيس الأمريكي مستمرة لبقاء السيد العبادي، لأن الانتخابات الأمريكية قادمة، فمن الصعب تغيير العبادي لأن هذه العملية تستغرق وقتا طويلا وخاصة في العراق المتأزم حاليا، والمعقد أصلا، وإن كان نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن أبدى مرونة في الموضوع، ولكن في تصوري يبقى القرار للشعب وللتحالف الوطني الشيعي، ولكن مع ذلك فإن بقاء العبادي في السلطة سيخلق مشاكل أكثر للبيت الشيعي.
وفيما يخص الكورد، فبقاء وتغييره لا يغير من الواقع شيئا، لأن الكورد وصلوا إلى قناعة أن الشراكة الحقيقة انهارت، وأن ما قامت به حكومة بغداد من قطع الموازنة، وعدم مساعدة البيشمركة، وقطع الرواتب، وعدم السماح بعبور الأسلحة المقدمة من قبل الدول المساعدة من بغداد ألى أربيل، وعدم مساعدة حكومة كردستان في إيوائها أكثر من مليون وسبعمائة ألف إنسان، وعرقلة زيارة الوفود الدبلوماسية إلى أربيل، كل ذلك مؤامرة واضحة لإسقاط حكومة كردستان، ولم يدرك ساسة بغداد أن شعب كردستان قاوم من كان أقوى منهم جنودا وأسلحة وخبرة ووحنكة وقوة وصلابة ودعما، سقطوا جميعا، وبقي الشعب الكردستاني صامدا أبيا.
لم تنته العملية السياسية لكنها تعدقت وتأزمت، ومن الصعب إيجاد حلول لها، فهناك حكومة لم يكتمل نصابها، وهناك برلمان لن يكتمل له نصاب، نواب معتصمون يزداد عددهم يوما بعد يوم، وهناك نواب قاطعوا الجلسات وهم الكورد، ونواب آخرون همهم الوحيد البقاء مع الجبهة المنتصرة في النهائية، مع اعترافي أن هيئة رئاسة البرلمان هشة ضعيفة هزيلة لم تستطع أن تعطي درسا للعبادي لكي لا يتطاول مرة أخرى على مجلس النواب العراقي وأخص بالذكر رئيس البرلمان الدكتور سليم الجبوري, والأفضل للسنة أن يفكروا في شخصية أخرى تحل محل الجبوري، لأنه حتى لو تمكن من العودة إلى رئاسة البرلمان بعد اكتمال النصاب وهو حضور (165) نائبا، سيبقى أشد ضعفا في المرة القادمة، لأنه هو ونائباه فقدوا الهيبة، بل غدت هيبة مجلس النواب في حالة يرثى لها، ولن يستطيعوا القيام بعملهم بصورة سلسة سهلة، بل ما من جلسة إلا وستنتهي بفوضى، وهذا سيعطل العمل التشريعي والرقابي في البلد.
ولعل القاريء يسأل لماذا دافع النواب الكورد عن هيئة رئاسة البرلمان، إذا كانت هكذا ضعيفة، والجواب حقيقة أن الهدف الأساس من دفاعنا عن تلك الهيئة، الوقوف بقوة ضد مطالب النواب المعتصمين، لأنهم كانوا ينوون القيام بتغييرات خطيرة في المستقبل، وأمر آخر يضاف إليه أن من بين النواب المعتصمين نوابا آخرين متورطين بملفات الفساد، ومنهم بعثيون، وآخرون معروفون بمعاداتهم الصريحة لكردستان، فكيف نسمح لهم بالانقلاب على الشرعية، ولأن الأسلوب الذي سلكه النواب المعتصمون أسلوب غير دستوري ولا قانوني، بل عبارة عن تهديدات وشعارات براقة فارغة.
وفيما يخص كتلة الأحرار، لا شك أن هذه الكتلة هي أشبه بكتلة الطفل المدلل، فالتحالف الوطني يتعامل مع السيد مقتدى الصدر كالطفل المدلل، لأنه لا يملك إلا بضعا وثلاثين مقعدا، ولكن من المعلوم أن التحالف الوطني يراعي هذه الكتلة، وبعضهم يخشى من تهديدات هذه الكتلة، فكم من المرات قام نواب الكتلة بضرب بعض النواب المعترضين على مشاريعهم، وما حصل في الجلسة الأخيرة من البرلمان كان واضحا، حيث كان نواب كلتة الأحرار يهددون النواب فيما إذا لم يصوتوا على وزرائهم بالإقالة أومنح الثقة، بل إن حاكم الزاملي رئيس لجنة الأمن والدفاع من كتلة الأحرار هدد هيئة رئاسة البرلمان، وعندما لم يكتمل النصاب في الموعد المحدد للعبادي لتقديم بقية الوزراء، تحقق تهديد كتلة الأحرار، ودخل المتظاهرون المنطقة الخضراء، وهاجموا مجلس النواب، وكانت الكارثة، هذه أحدى مهازل العراق الجديد، حيث تم استهداف أعلى سلطة تشريعية في البلد، ولا ريب أن العبادي يتحمل المسؤولية كاملة، لكونه القائد العام للقوات المسلحة.
وفيما يخص الكتل الكردستانية، لا عودة إلى بغداد في ظل هذه الأزمة، والأولى للكتل الكردستانية أن تتخذ جملة من المواقف في صورة مطالب، وهي كالآتي: أولا، مطالبة الحكومة بتشكيل لجنة من أجل التحقيق فيمن وقف وراء ما حصل، ثانيا، إحالة كل من تورط في هذه الجريمة إلى القضاء، اعتذار رسمي من كتلة الأحرار، أعطاء ضمانات حقيقية بعدم تكرار هذه المهزلة مرة أخرى، عقد جلسة شاملة يشارك فيها الجميع حتى النواب المعتصمون، ويمكن وقتئذ مناقشة كافة الملفات بما في ذلك إقالة أو استقالة هيئة رئاسة مجلس النواب العراقي، ومن ثم استجواب العبادي لإقالته فورا، فهو أساس المشكلة، والمشكلة الأساس في العملية السياسية، ولكني أتصور أن العملية معقدة جدا، وكادت تصل لطريق مسدود، فالكورد لا يثقون بوعود حكومة بغداد، وبغداد ترى أربيل مصدر قلق لها، والشيعة متصارعون، ولربما في القريب العاجل سيتقاتلون، والسنة متشتتون لا مرجعية سياسية لهم، بعضهم مع المالكي، والبعض الآخر مع مصالهم حيث تدور، وأما البقية الباقية فيريدون تحقيق شيء لطائفتهم، ولكنهم ضعفاء, ويبدو أن العملية السياسية برمتها مهددة بالأنهيار، والعراق آيل للسقوط، وتقسيمه مسألة وقت لا غير، ولعل مائة عام من معاهدة سايكس بيكو كافية لكي ندخل في تقسيم آخر للمنطقة هذه المرة، ولكن هذه المرة سيكون في صالح الأمة الكردية التي عانت كثيرا عبر هذا التاريخ الطويل.


رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب العراقي
Top