• Friday, 22 November 2024
logo

ماذا يريد مقتدى الصدر؟

ماذا يريد مقتدى الصدر؟
أخذت هذا العنوان من السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عندما قال للسيد مقتدى الصدر في اجتماعه الأخير معه عند اشتداد الأزمة العراقية باللهجة العراقية: سيد أنت شتريد؟ لذا سأبدأ مقالي بهذا السؤال ولكن بصيغة الغائب، ماذا يريد السيد مقتدى الصدر؟.
لا شك أن السيد مقتدى الصدر رجل مثير للجدل، فمنذ سقوط النظام وإلى الآن نجد هذه الشخصية العراقية تملأ الساحة السياسية والإعلامية بقوة، ولا ريب أن له تأثيرا بليغا في الساحة السياسية العراقية، وخاصة أنه في أول الانتخابات حصد أربعين مقعدا، واستطاع أن يحتفظ بثقله السياسي، مع تراجع الأحزاب السياسية العراقية الأخرى، ولد مقتدى الصدر سنة 1973 وهو ابن المرجع الديني الشيعي المعروف(محمد صادق الصدر)، وزوج بنت عمه(محمد باقر الصدر) اغتال مجهولون والد مقتدى الصدر مع اثنين من أشقاءه وهما(مصطفى ومؤمل) سنة 1999 في مدينة النجف، يرى بعض المحللين أن أيادي إيرانية قامت باغتياله من أجل القضاء على المرجعية العربية، ولكي تحل المرجعية الإيرانية الفارسية محلها، ويتحول مقر المرجعية من النجف إلى قم في إيران، مؤكدين أن نظام البعث كان يريد أن تكون المرجعية عربية وليست فارسية، ولهذا كانت تدعم المرجعيات العراقية العربية، وذلك لأن الانتماء حينئذ سيكون للعراق بدل بلد آخر، وبمعنى آخر هناك صراع بين مرجعبة آل الصدر العراقية العربية، والتي تعرف بالمرجعة الناطقة، وبين المرجعية الإيرانية غير العربية، والتي تعرف بالمرجعية الصامتة.
بعد مقتل والده اتجه مقتدى الصدر نحو المرجع الديني العراقي إسحاق الفياض المقيم في النجف، بناء على وصية والده، لكنه لم يبق عنده، لأن الفياض شجعه على طلب العلم بدل التوغل في السياسة، لذلك لم يبق عنده واتجه نحو المرجع الديني الإيراني كاظم الحائري في إيران، لكنه لم يبقى عنده، وخاصة أن مقتدى الصدر كان يحمل في قلبه الحس الوطني والقومي بعض الشيء، فلم يكن مطمئنا بالبقاء في كنف المرجعيات الدينية الإيرانية، وخاصة عند كاظم الحائري، وشعر في قرارة نفسه أنه استقل، وأنه يستطيع أن يكون قائدا له دور في الساحة العراقية الدينية والسياسية، وخاصة أنه ابن المرجع الديني المعروف محمد صادق الصدر, والملاحظ أن مقتدى الصدر لم يتجه نحو السيستاني، لكونه من أصول إيرانية، ولأنه كان يعرف بالمرجعية الصامتة، على عكس والده الذي كان يعرف بالمرجعية الناطقة، والى الآن لا نرى أي حديث أو كلام أو صلة أو نقد بين السيستاني ومقتدى الصدر، وهل سمعنا مرة أن أحدهم ذكر اسم الآخر، وبالرغم مما قام به مقتدى الصدر مع جماعته من أعمال مختلفة سلبية أو إيجابية لم نسمع من السيستاني تصريحا أو تلميحا، فهل يا ترى هي المرجعية الصامتة تجاه مقتدى الصدر ابن المرجعية الناطقة، هذه أسرار لا أحد يعرفها، أو ربما لا أحد يجرأ الكشف عنها في هذا الوقت، سنتركها لمن يأتي من بعدنا، أو من يجرأ الكشف عنها.
أعتقد أن مقتدى الصدر يحاول من خلال مناوراته السياسية والعسكرية أن يقلل من تأثيرات المرجعيات الدينية الغريبة, ويعني بذلك تحديدا المرجعيات غير العربية أو العراقية، ولهذا لما عاد عبد المجيد الخوئي نجل المرجع الديني الأعلى أبو القاسم الخوئي من لندن إلى النجف بعد تحرير العراق سنة 2003 تم اغتياله، وقد تم اتهام أتباع الصدر باغتياله، لأن عودة عبد المجيد الخوئي إلى النجف يعني انتهاء دور مقتدى الصدر، ويعلم مقتدى الصدر أن عبد المجيد الخوئي من أصول إيرانية، فهو ليس عربيا ولا عراقيا، ويعني هذا أن وجوده بات خطرا يهدد نفوذه الديني في النجف.
وبعد اغتيال عبد المجيد الخوئي، أصبحت العلاقة بين بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي في العراق متوترة، لأنه يتحمل مسؤولية الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني، ولأن الخوئي عرف بمواقفه المعتدلة، وكان رجلا مقبولا دوليا وإقليميا وعراقيا حسب رأي كثير المحللين، وهذا كله تهديد لمكانة مقتدى الصدر، وفي سنة 2004 وقعت معركة دامية بين أتباع الصدر(جيش المهدي) والقوات الأمريكية، لم يكن مقتدى الصدر محبوبا في إيران، لكنه بعد أن اصطدم بالقوات الأمريكية، تغيرت مواقف إيران تجاهه ، لأن إيران كانت تحب خروج القوات الأمريكية لكي تستطيع أن تلعب دورها الأيدولوجى والسياسي في العراق، ولكي يصفي حساباته التاريخية مع نظام صدام خلال الحرب الثماني سنوات، فبدأت فعلا بعد خروج القوات الأمريكية بالانتقام من العراق، وخاصة السنة، ونتيجة لهذه السياسة الطائفية لإيران انضم كثير من السنة إلى القاعدة، ومن ثم إلى داعش، من أجل أن لا يقعوا فريسة القمع الطائفي، والمؤسف أن جماعات عراقية لا تزال تعمل في الساحة السياسية العراقية كانت تطبق سياسة إيران وأجندتها تجاه السنة، ولهذا كانت المجازر بين السنة والشيعة، الشيعة يقتلون السنة علنا، والسنة يقتلون الشيعة عن طريق الانفجارات.
في سنة 2007 جمد مقتدى الصدر جيش المهدي، لأنه اتهم بارتكاب جرائم بحق الشعب والمدنيين، لكنه هذه المرة شكل لواء الوعد الموعود لمقاتلة الجيش الأمريكي، حيث قام بعمليات نوعية من سنة 2009 حتى سنة 2011، وبعد سقوط مدينة الموصل سنة 2014 شكل سرايا السلام، صرح مقتد الصدر أن الهدف من تأسيس هذا الجيش الدفاع عن العتبات والمقدسات الدينية من هجمات داعش.
يحاول مقتدى الصدر من خلال هذه المناورات السياسية والعسكرية أن يثبت للعالم أنه هو المرجع الديني الصادق مع شعبه، وأنه الناطق باسمه، وهو ابن المرجع الديني العربي العراقي محمد صادق الصدر، وأن الذين المرجعيات غير العربية وخاصة الذين هم من أصول إيرانية لا يمثلون المرجعية الدينية العراقية العربية، ولهذا نجد علاقة مقتدى الصدر بالدول العربية طيبة، وخاصة مع المملكة العربية السعودية، ويقال أن السفير السعودي في العراق زار مقتدى الصدر في مدينة النجف ليلا في سيارات مصفحة، وهي زيارة نوعية تؤكد حقيقة ما ذكرناه، ولأول مرة يذكر مقتدى الصدر الخلفاء الثلاثة (ابو بكر وعمر وعثمان) بخير في النجف المقدس مع أن منظومتهم المذهبية ترفض ذلك رفضا.
لقد اقتنعت الدول الخليجية وخاصة السعودية أنه يجب العمل على تعريب الشيعة، وتعريب المرجعية الدينية، بمعنى إبعادها عن التسلط الإيراني وتأثيره الأيدولوجي، وأنه ينبغي أن تكون المرجعية الدينية الشيعية عراقية، ومقتدى الصدر هو الشخص المناسب، لأن تاريخه العائلي يثبت أن أجداده كانوا يعملون لأنجاح هذا المشروع، وإن كان مقتدى الصدر لم يصل إلى هذه المرحلة العلمية والدينية، لكنه يمكن تأهيله، ومعلوم أنه بعد فتح السفارة السعودية اختلفت مواقف مقتدى الصدر، حيث نلاحظ أن خطابه الديني والسياسي يتجه نحو الوطنية والمدنية والعروبة، ولكن بصورة غير صريحة، لأنه من الصعب جدا القفز إلى هذه المرحلة، فالعملية بحاجة إلى تأن وحذر ووقت، ولقد لاحظنا ولأول مرة أن من بين المتظاهرين من يقول بأعلى صوته: إيران برة برة، وكذلك هجومهم على قاسم سليماني الإيراني، ولهذا كان ذلك صدمة لإيران، ونصرا للسعودية لأن محاولتها نجحت بعض الشيء، وبعد تلك الفوضى التي حدثت في مجلس النواب العراقي، زار مقتدى الصدر إيران فورا، لكي يقول لهم، إن الأمر خطير، وكأنه بذلك يهدد إيران من أجل أن تحقق إيران بعض مطالبه، لعل أبرزها عدم مساندة المالكي، ودعمه في موقعه الديني، وإلا لجأ إلى الدول التي تعاند إيران، بكل تأكيد غضبت إيران من سياسة مقتدى الصدر، وقد قال قاسم سليماني لمقتدى الصدر: إسحب كلابك وإلا أرسلت كلابي، ولكنا لا نعرف من هم كلاب قاسم سليماني؟ أما الجماعات العراقية الأخرى مثل عصائب أهل الحق وكتلة بدر والمالكي فقد تبرأوا من تصريحات الجماهير المناهضة لإيران, ولجأت جماعة عصائب أهل الحق إلى الوقوف بعنف ضد مقتدى الصدر، مع أن زعيم هذه الجماعة قيس الخزعلي كان صدريا حتى النخاع، لكنه بعد أن رأى مواقف الصدر المناهضة لإيران، انشق عنه، وأصبح رئيس حزب سياسي، وشكل كتلة الصادقون في مجلس النواب العراقي، وقد ملأ قيس الخزعلي شوراع بغداد بأعلام إيران وصور الخميني والخامنئي وقاسم سليماني ردا على مقتدى الصدر، وإن كانت صور الخميني والخامنئي موجودة منذ سقوط النظام البعثي في بغداد والمحافظات الجنوبية وخاصة في النجف وكربلاء.
على أية حال بقي مقتدى الصدر مصرا على موقفه، ولا يتصور أحد أن مقتدى الصدر قام بهذه المظاهرات من أجل أن يغير بعض وزراءه، فهل تحليل خاطي، فالمسألة لها علاقة بمن يملك زمام الأمور في العراق دينيا وسياسيا، حيث استطاع مقتدى الصدر أن يرغم العبادي بقبول شروطه، واستطاع أن يحقق وعوده لأتباعه، حيث هدد مجلس النواب، أنه إذا لم يتم تغيير جميع الكابينة، فسيدخل المتظاهرون، وهذا الكلام أكده أحد نواب كتلة الأحرار من جماعة مقتدى الصدر لهيئة رئاسة البرلمان، وقد تحقق ما قاله، حيث تم استهداف مجلس النواب، واليوم وأنا أكتب هذه السطور استهدفوا مجلس الوزراء، وأتصور أنه في الجمعة القادمة ربما سيستهدفون رئاسة الجمهورية، إذن المسألة من أولها إلى أخرها عبارة عن عرض للثقل السياسي، وهي محالة جادة لتحقيق هذه المكاسب: إبعاد المرجعيات الدينية الأجنبية، وحصر المرجعيات الدينية في العراقيين فقط، نزع السلطة من حزب الدعوة، لأنه في تصوره هو سبب دمار العراق وخرابه منذ ثلاث عشرة سنة، القضاء على المحاصصة الطائفية، محاسبة المفسدين، والحقيقة أن الهدف الأساس عند مقتدى الصدر هو فرض إرادته على بقية الكتل السياسية، والمرجعيات الدينية، وخاصة أن مقتدى الصدر وأتباعه أهانوا السلطة التشريعية(مجلس النواب) والسلطة التنفيذية(مجلس الوزراء)، وهذا بكل تأكيد يتناقض مع مبادئ الدستور العراقي، وإن كان الدستور العراقي عبارة عن حبر على ورق، لأنه لا أحد يلتزم به، بل يلتزمون به عندما يجدونه فقرة في صالحهم.
إن الصراع بين المراجعيات الدينية وخاصة بين المرجعيات العراقية العربية وبين المرجعيات غير العراقية، أو بين المرجعيات الصامتة والمرجعيات الناطقة أثرت سلبا بصورة خطيرة على الواقع العراقي، ولهذا كان ينبغي للمرجعيات الدينية أن تنأى بنفسها عن السياسة، كان ينبغي لها أن تركز على دورها الحوزوي العلمي، ولهذا أتصور أن تدخل المرجعيات في الساحة السياسية العراقية عقد الوضع السياسي، ففي العهد الملكي نفت الحكومة العراقية مجموعة من المرجعيات الدينية إلى إيران لأنها تدخلت في السياسة مما سبب تعطيلا للعملية السياسية، وبعد نفيهم سارت العملية السياسية بصورة سليمة وسلسة، ولقد أرسل أبو الحسن الأصفهاني من منفاه في إيران رسالة إلى الملك فيصل الأول يعلن فيها قبوله بالشروط التي وضعتها الحكومة العراقية، وذلك من أجل عودته ورفاقه العلماء إلى العراق، وأبرز هذه الشروط عدم التدخل في السياسة، فالمشكلة الأساسية في العراق أن المرجعيات الدينية هي التي تحكم البلد، لقد أصبح العراق بيد المراجع الدينية، فرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان ينتظر يوم الجمعة ماذا ستقول المرجعية الدينية في النجف حول وضع العراق السياسي، وحتى القيادة الكردية تتابع خطاب المرجعية يوم الجمعة بحذر شديد، ولقد انتقد آية الله فاضل المالكي العراقي المقيم في قم المرجعيات الدينية الإيرانية التي تتدخل في السياسية العراقية، واتهمها بأنها حمالة الحطب، واتخذ الموقف نفسه المرجع الديني العراقي محمود الحسني الصرخي، حيث وقف ضد فتوى السيستاني عندما أصدر فتوى بتشكيل الحشد الشعبي ضد داعش بعد سقوط الموصل في عهد نوري المالكي, وقد ارتكبت حكومة المالكي مجرزة بشعة ضد أتباع الصرخي، لأنه كان يعارض سياسة إيران، ولهذا عندما زار المالكي إيران، قال الخامنئي: إن نوري المالكي هو أفضل رئيس للوزراء في تاريخ العراق.
وخلاصة القول إن المرجعيات الناطقة والتي ينتمي إليها المرجعيات العراقية، ومقتدى الصدر منهم، يريدون إضعاف الدور الإيراني الأيدولوجي والسياسي، ولكن هذه المحاولة خطيرة وصعبة جدا، فهي بحاجة إلى تحشيد شعبي، وتحريض جماهيري ضخم، والأمور في العراق تتجه نحو ذلك، فلقد كنا سابقا نتحدث عن الصراع الشيعي السني، ولكننا الآن نتحدث عن الصراع الشيعي الشيعي، وخاصة في التحالف الوطني، أي البيت الشيعي، والصراع الأيدولوجي بين السعودية وإيران في المنطقة سيساعد هذا التيار الذي تتزعمه المرجعية الناطقة، وخاصة أن ثمة تحالفا إسلاميا تقوده السعودية لتقويض التتشيع السياسي الإيراني في المنطقة، تحديدا في اليمن والعراق ولبنان وسوريا والبحرين.




رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب العراقي *
Top