الإسلام السياسي والانتخابات القادمة في العراق
مشكلة الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي أنه غير نابع من الواقع العراقي، بل عبارة عن نقل تجربة خارجية لها ظروفها وملابساتها الخاصة بها، ومن ثم محاولة تبيئتها وأقلمتها مع الواقع العراقي المتشعب والمتنوع والمختلف، لعل هذه التجربة المستنسخة والمعلبة لا تصلح للمجتمع العراقي، فالعراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب كما نص على ذلك الدستور في المادة الثالثة.
في الأربعينيات التقى محمد محمود الصواف الموصلي بمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، واقتنع بمشروعه الإسلامي العالمي، نقل تلك التجربة الى العراق بصورة تنظيمية ومعه الشيخ أمجد الزهاوي الكوردي باسم جمعية الإخوة الإسلامية، وكانت هناك خلايا تنظيمية دعوية موجودة في بعض المحافظات الغربية، وحتى في كردستان كانت موجودة بصورة مختلفة في أربيل عن طريق التكايا البرزنجية، وفي حلبجة وكركوك، فالإسلام السياسي السني هو الجناح الإخواني في العراق، شق عربي يمثله الحزب الإسلامي العراقي برئاسة أياد السامرائي، حيث تأسس سنة 1959، وشق كوردستاني يقوده الاتحاد الإسلامي الكوردستاني بقيادة صلاح الدين بهاء الدين تأسس سنة 1994، وحتى حزب التحرير السني العراقي الذي تزعمه عبد العزيز البدري كانت تجربة فلسطينية بقيادة تقي الدين النبهاني، لذلك مثل هذه المشاريع الطارئة والمستوردة لا تصلح للعراق، لأن البيئة العراقية لا تهضمها ولا تتقبلها بقبول حسن، ربما نجد في البداية قبولا لا بأس به لكونه أمرا جديدا، ولكن عندما تتكشف مضامين هذه المشاريع للناس، يتبين بكل وضوح هشاشة هذه المشاريع، لكونها براقة في ظاهرها، خلابة في شعاراتها، جذابة في خطاباتها الدينية والسياسية، ولذلك أقول إن الإسلام السياسي السني ليس لديه مشروع متكامل حول مفهوم الدولة الوطينة، ولا عن مفهوم المواطنة، ولا عن الدولة المدنية، ولا عن مباديء الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والأقليات والتعايش السلمي الحقيقي بين القوميات والأديان والمذاهب، كلها شعارات نسمعها مرارا وتكرارا، ولهذا نجد أكثر قادة الإسلام السياسي السني الآن يبحثون عن بديل آخر يزيح عنهم لباس الإسلامية، فهذا الدكتور سليم الجبوري وهو أحد قادة الإسلام السياسي السني من الحزب الإسلامي التابع للإخوان المسلمين، يؤسس حزبا باسم الوطن، لكي ينأى بنفسه عن كل ما له صلة بالإسلام السياسي، والحقيقة أن الإسلام السياسي السني لم يتسلم السلطة في العراق حتى نحكم على فشله، لكن يمكننا الحكم على فشله من خلال مشروعه السياسي، ففي مصر مثلا فشل الإسلام السياسي الإخواني، فنقل هذه التجربة إلى العراق نقل لتجربة فاشلة، لذلك يجب على الحزب الإسلامي العراقي أن يفكر ببديل آخر، وهو أن يكون بديلا عراقيا وطنيا يلائم الواقع العراقي لا يصادمه ولا يتناقض معه، وما ذكرته حول الحزب الإسلامي ينطبق على الاتحاد الإسلامي الكوردستاني، وإن كنت أعتقد أن الأخير أفضل حالا وواقعية ووطنية من الأول، حيث لاحظنا تطورا وتقدما جيدا في خطابات الاتحاد الإسلامي الكوردستاني السياسية.
ولذلك هناك مراجعات جدية وصارمة من قبل الإسلام السياسي السني حول خطابها ومناهجها وطريقة تفكيرها ومصادرها الفكرية ومراجعها الأصولية، ففي كوردستان هناك محاولات حثيثة من قبل قادة الإسلام السياسي لتكوين جبهة إسلامية موحدة للانتخابات القادمة، هذه الجبهة تضم كلا من الاتحاد الإسلامي الكوردستاني والجماعة الإسلامية والحركة الإسلامية، لأن تشتتها في تصور العقل الجمعي الكوردستاني دليل فشلها وصراعها من أجل السلطة، وليس من أجل الدين والدولة والمواطن والوطن.
وفيما يخص الإسلام السياسي الشيعي، فيعد حزب الدعوة هو الجماعة الأم للأحزاب الإسلامية الشيعية، فقد تأسس حزب الدعوة سنة 1957، تأثر حزب الدعوة بالإخوان المسلمين من الناحية التنظيمية والمنهجية والدعوية والهيكلية، ولهذا نجد تقاربا واضحا بينهما في كثير من المجالات، فكتب الإخوان لها رواج قوي عند حزب الدعوة، وخاصة كتب سيد قطب ومحمد قطب والغزالي وبعض كتب القرضاوي التي ألفها في بداية حياته عندما كان عضوا فعلا في الإخوان المسلمين، كالتي تركز على الجانب الدعوي، وتحارب النموذج الغربي، وهذه الكتب ومثيلاتها تأثر بها أتباع حزب الدعوة، ولا ننسى الدور الفكري والتثقيفي للمرجعيات الدينية الشيعية، فقد كان مؤسسو هذا الحزب أصحاب فكر ووثقافة، وعلى رأسهم محمد باقر الصدر، ولكننا هنا نتحدث عن عملية التأثير والتأثر بين هذه الجماعات الإسلامية، ولهذا نجد خطاب الإسلام السياسي بشقيه الإخواني السني والدعوي الشيعي على مفردات محددة، وموضوعات عامة واضحة، تخص العالم الإسلامي من غير الدخول في تفاصيلها، ولا ريب أن كلا الشقين (الإخواني السني والدعوي الشيعي) كان في بداية تأسيسهما يركزان على الجانب التربوي والدعوي البحث، ولكن بمرور الزمن وبعد أن كثر الأتباع والمريديون والأشياع تحولا إلى حركة سياسية لنيل السلطة، وهذه هي طبيعة أكثر الحركات الإسلامية، تبدأ من التربية والدعوة والتركيز على قضايا الأخلاق والتزكية والإصلاح، لكنها تنتهي بالعنف والتطرف والقتل والإقصاء والفساد، فقد وجدنا تاريخ الإخوان المسلمين الدموي، كيف بدأ بالتربية والدعوة، وانتهى بتشكيل تنظيم سري لتصفية الأعداء، وعندما وصل الإخوان إلى السلطة في مصر بانتخابات نزيهة سنة 2012، لم يحققوا نصرا كبيرا مقارنة بتاريخهم ونضالهم الطويل، وهي ثمانية عقود من الزمن، ولهذا فشلوا في إدارة الدولة المصرية، لأنهم لا يملكون رؤية تكاملية لمفهوم الدولة المدنية، لتطبيق مباديء الديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات، والتعايش الديني، فالإسلام السياسي يملك قدرة تسلم السلطة، ولكنه لا يملك قدرة إدارتها، وهذا ما حصل في مصر، حيث فازوا في الانتخابات، لكنهم لم يستطيعوا أن يفلحوا في إدارة الدولة، والأمر ينطبق على حزب الدعوة الإسلامية في العراق، حيث استطاع هذا الحزب أن يفوز في الانتخابات، لكنه لم يستطع هو الآخر أن يفلح في إدارة الدولة العراقية، لأنه هو الآخر كالإخوان المسلمين لم يكن يملك رؤية متكاملة حول مفهوم الدولة الوطنية، والدولة المدنية، ومباديء الديمقراطية وحقوق الإقليات والتعايش الديني والمذهبي الحقيقي، وذلك عندما يصلون إلى السلطة يقعون في تخبط وفوضى، لا يعرفون ماذا يفعلون، ويكون تركيزهم الأساسي تطبيق مباديء الحزب على الدولة، وهذه هي الكارثة الحقيقية، فالحزب لأفراد معينين، لكن الدولة هي للجميع، فالدولة وإن كانت تتكون من الأحزاب، لكنها ليست فوق الدولة، فالدولة هي الأساس والركيزة، وهي فوق الجميع، لأن الدولة قوامها على القانون والدستور والعدالة المساواة بين أفراد المجتمع من غير تمييز ولا إقصاء ولا تهميش.
ففي فترة رئاسة الدكتور محمد مرسي لرئاسة مصر، كان الرجل مقيدا بقيود مكتب الإرشاد التابع للمرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع، حيث كان يأخذ الأوامر منه، لذلك بدأوا بتطبيق مباديء الحزب على الدولة بصورة خفية وسرية للغاية، وعندما تسلم حزب الدعوة رئاسة الوزراء برئاسة إبرهيم الجعفري سنة 2005، ومن ثم بصورة فعلية وحقيقية برئاسة نوري المالكي سنة 2006، وهي ثماني سنوات، وقعوا في الخطأ الذي فيما وقع فيه الإخوان المسلمون، وليكن معلوما للتاريخ أن حزب الدعوة هو الذي أوصل البلد إلى هذه المرحلة الحرجة، من خلال أدلجة الدولة(الدولة الأيدولوجية الدينية)، وتطبيق مباديء الحزب في سلك مؤسسات الدولة المختلفة، وكان الذي يقود هذا المشروع الأيدولوجي الخطير رئيس الوزراء نوري المالكي، حيث أراد أن يجمع بين القوة والدعوة، أي تقليد صدام حسين في السيطرة على كل شيء من خلال وسائل الترغيب والترهيب، وذلك للسيطرة على وسائل الإعلام العراقية، وولاء المؤسسة العسكرية، وشراء الأقلام، فمن رضي بسياسته تنعم في الخيرات، ومن لم يرض عد من الأموات، أو خرج من العراق، ومن هنا ظهر مصطلح سنة المالكي وأكراد المالكي، حيث تمكن الرجل من تكوين هذه الشراذم لصالح مشروعه السياسي والأيدولوجي، ولا يتصورن أحد أن حزب الدعوة لا يتحمل المسؤولية، بل إنه يتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية تجاه ما حصل في العراق من ويلات وكوارث وحروب وإقصاء وتهميش، لم يستطع هذا الحزب أن يؤسس دولة حقيقة بمعنى الكلمة، بل أسس دولة طائفية، مزقت اللحمة الوطنية والوحدة الوطنية، وفتت موارد الدولة، وأهدرت المال العام، وخلف جيشا من العاطلين، وخلق أزمات دبلوماسية مع محيطه العربي والإسلامي، وسبب سقوط المحافظات السنية بيد داعش، وجعل الشعب الكوردي الذي كان يكن الحب والاحترام للشيعة، يكره كل ما له صلة بالشيعة، مع أننا ناضلنا وعانينا معا في سبيل بناء هذا اليوم، حيث قطعوا الموازنة منذ 2014، وظلموا البيشمركة الأبطال من جميع النواحي مع أن قوات البيشمركة جزء من منظومة وزارة الدفاع، وما أكثر الوعود التي قطعوها للشعب الكوردستاني عندما كانوا مشردين ومضطهدين لا حول لهم ولا قوة، فلما وصلوا للسلطة كأن لم يكن بالأمس القريب شيء يذكر.
أتصور أن الشعب العراقي أصبح على قناعة أن الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي لا يصلحان لإدارة البلد، بل يصلحون للشعارات الرنانة والطنانة، حيث نجدهم في المؤتمرات والندوات والمظاهرات يرفعون شعارات براقة لخداع الناس، وهي شعارات عفى عليها الزمن وشرب، خذ مثلا: الإسلام هو الحل، لا شرقية لا غربية إسلامية إسلامية، الوحدة الإسلامية، الأمة الإسلامية، الإسلام قادم، وهي شعارات غير واقعية ولا منطقية، فقصدهم الأول والأخير ليس الإسلام، بل هو مشروعهم الأيدولوجي، فلا علاقة بهذه الشعارات التي يرفعونها بالإسلام، ولهذا نجد الإسلام السياسي في العراق يفكر في معالجة هذه الأزمة قبل دخول الانتخابات، لأنني على قناعة أن الانتخابات القادمة ستكون قاصمة لظهر الإسلام السياسي في العراق، ولهذا نجدهم متخبطين في تأسيس أحزاب جديدة لا تحمل أسماء إسلامية، كما صنع رئيس البرلمان العراقي الدكتور سليم الجبوري، والغريب أن جميع الأحزاب تحاول البحث عن مصطلحات واقعية تقنع الناخب العراقي بمشروعه السياسي، مثل الوطن والوطنية والمواطن والتحالف الوطني والإصلاح والقانون والاتحاد ومتحدون والفضيلة وهلم جرا، وهي كلها مصطلحات فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع، وحتى الدكتور أحمد المساري عندما أسس للأنتخابات القادمة حزبا جديدا سماه بالحق الوطني.
لكن يبقى هناك إشكال آخر، وهو دور المرجعية الدينية الشيعية، هل ستبقى محايدة، أم أنها ستساند جهة ما بصورة سرية، أعتقد أنه إذا كان هناك تهديد حقيقي للشيعة في إزاحتهم عن السلطة، فإن المرجعية لن تسكت، بل ستقف ضد من يهددهم، لأن وجود الشيعة في السلطة هو الضامن الوحيد لاستقرار الجنوب وسلامة الأماكن المقدسة مثل كربلاء والنجف وأماكن أخرى في منظومتهم، ولكن المرجعية الدينية الشيعية تدرك جيدا أن هذه الطبقة السياسية أوصلت البلد إلى هذا الفقر المدقع والجوع الموجع، والإرهاب المفجع، ولهذا نجد المرجع الديني قاسم الطائي من التيار الصدري ينوي إطلاق فتوى تحرم انتخاب بعض الكتل السياسية الفاسدة وبعض السياسيين الفاسدين، ولكن الأحرى بالمرجعية الدينية الشيعية أن تنأى بنفسها عن الخوض في السياسية وتأييد جهة على حساب جهة، حتى يكون الشعب حرا في اختيار من يمثله، كما كان صنيع الأوائل من المرجعيات الدينية، ولكن الأمر أحيانا يتعلق بسايكولوجية الإنسان العراقي المتدين، يقول الدكتور علي الوردي:" لو خير العرب بين دولتين علمانية ودينية، لصوتوا للدولة الدينية، وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية". وهذا ما يحصل في العراق، الإسلام السياسي الشيعي وخاصة حزب الدعوة يحصد الأصوات حصدا، وبعد الانتهاء من عملية الانتخابات، يبدأ الناخبون بالشكوى والتذمر والتضجر من المرشحين، ويتمنون تغيير هذه الوجوه، وبعضهم يريد إزاحتهم عن الساحة السياسية، وآخرون يفرون للخارج، والبعض يتمنى عودة صدام حسين، لذلك هذا السيناريو تكرر مرتين، وأتمنى أن لا تتكرر هذه المرة، وأن يتحرر الشعب من قيود الأيدولوجيات الدينية، ويرشح من يصلح لبناء دولة مدنية وطنية حقيقية مستقلة ذات سيادة وهيبة، وملتزمة بالقانون والدستور، محققة للعدالة والمساواة بين أبناء الشعب العراقي.
والذي يبدو لي أن الإسلام السياسي الشيعي وخاصة حزب الدعوة يعيش حالة من الخوف والاضطراب من الانتخابات القادمة، ولهذا نجد نوري المالكي في زياراته المستمرة والمثيرة للجدل والمسببة للمشاكل في الجنوب يعد العدة للانتخابات القادمة، ويدعو بصراحة وبالحرف الواحد إلى تطبيق مبدأ الأغلبية السياسية، وإنهاء التوافقات السياسية، والمحاصصة، وهو يدرك في الوقت نفسه أنه لن يستطيع هذ المرة أن يحصد الأصوات حصدا كما حصل في السابق إلا إذا صار هناك تزوير سافر كما حصل في الانتخابات السابقة، وبمعاونة دولة إقليمية معروفة في توجهها الأيدولوجي، لأن هناك محاولة للتشديد على الانتخابات المقبلة، لذلك خوفا من الأمور الطارئة في المستقبل، لجأ المالكي إلى تأسيس محور جديد للانتخابات القادمة، فالإسلام السياسي السني متمثلا بالحزب الإسلامي العراقي سيكون حليفا أساسيا له، لأن التاريخ يعيد نفسه، حيث هناك مقاربات ومشتركات أساسية ورئيسة بين الإخوان المسلمين وبين حزب الدعوة، ويتكون هذا المحور من منظمة بدر وعصائب أهل الحق وسنة المالكي والاتحاد الوطني الكوردستاني باستثناء مركز القرار، وحركة التغيير والجماعة الإسلامية، فيما يخص حركة التغيير والجماعة الإسلامية ومعها الشق الثاني للاتحاد الوطني الكوردستاني باستثناء مركز القرار معروفون بعدائهم للحزب الديمقراطي الكوردستاني، فهم مستعدون أن يتحالفوا مع الشيطان من أجل معاداة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ونحن نرى ونشاهد ونلاحظ يوميا في مجلس النواب وعلى الفضائيات ومن خلال التصريحات المتطرفة لنوابهم، وتجلت هذه النيات الخبيثة أثناء التصويت على إقالة وزير المالية هوشيار الزيباري، بل حتى نواب دولة القانون المعروفون بعدائهم للحزب الديقراطي الكوردستاني لا يجرأون على إطلاق مثل هذه التصريحات المتشنجة، واتخاذ مثل هذه المواقف الحاقدة البغيضة، فالأمر ليس تخطيطا استراتيجيا من قبلهم لخدمة كوردستان، بل مؤامرة دنيئة ضد مصالح الشعب الكوردستاني.
لكن هناك مشكلة حقيقية داخل حزب الدعوة، بل داخل البيت الشيعي، فالتحالف الوطني ليس راضيا عن أداء المالكي، ولهذا اختاروا العبادي، مع أحقية المالكي برئاسة الكابينة الحالية، ولذلك لا بد لحزب الدعوة أن يحسم أمره فيما يخص المالكي، لأن حزب الدعوة أصبح جناحين، جناح المالكي، وجناح العبادي، لا شك أن جناح المالكي هو الأقوى الآن في الساحة السياسية، لكن بكل تأكيد ستتغير المعادلة في الانتخابات المقبلة، والذي يبدو لي أنه إذا صار هناك تحالف شيعي للانتخابات المقبلة مرة أخرى فإنهم لن يسمحوا لحزب الدعوة بتسلم رئاسة الوزراء، ولا للمالكي بتسلم السلطة مطلقا، ولهذا يبحث حزب الدعوة وخاصة المالكي عن تحالفات خارج إطار البيت الشيعي، وذلك لكي يعود حزبه وشخصه إلى الحكم مرة أخرى، والظاهر أنه لن يكون هناك تحالف شيعي مرة أخرى، إلا إذا مورست ضغوطات من قبل المرجعية الدينية وكذلك من قبل إيران.
هذا المحور الذي أسميه بمحور المالكي يقابله محور آخر، ويمكن تسميته بمحور الدولة المدنية، يركز هذا المحور على بناء الإنسان العراقي بناء سليما بحيث يكون انتمائه لهذا الوطن فحسب، لأن المحور الآخر ركز على بناء إنسان طائفي وحزبي وانتهازي ومصلحي يتحين الفرص، لم يقدم شيئا بخصوص الانتماء إلى الوطن، بل بنى إنسانا أعوج ينتمي إلى الأيدولجية الدينية التي لا تعرف الحدود، وهذا من أعظم الأخطاء التي يرتكبها الإسلام السياسي، فأول ما يقوم به الإسلام السياسي، هو رفض الانتماء الى القومية والوطن، بل إن وطن كل إنسان وفق نظريتهم الخطيرة، هو الانتماء الى الدين، وليس قصدهم الدين الإلهي المعصوم الذي أنزله الله لنا، بل يقصدون بذلك ذلك المذهب أو الحركة أو الجماعة التي أسسوها في حياتهم، لأنهم يعتقدون أن جماعتهم أو مذهبهم هو الدين نفسه.
في نهاية المطاف أخشى ما أخشاه أن يتحقق ما قاله الدكتور علي الوردي:" لو خير العرب بين دولتين علمانية ودينية، لصوتوا للدولة الدينية، وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية"، فلا أستبعد أن يرتكب الناخب العراقي هذه الأخطاء مرة أخرى، مع أنه ينبغي للإنسان اللبيب أن لا يلدغ من جحر مرتين.