• Friday, 22 November 2024
logo

بين داعش والقاعدة

بين داعش والقاعدة
عندما قتل أسامة بن لادن في 2011 من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية في باكستان، سئلت كمختص في هذه القضايا ِفي أحد برامج فضائية كوردستان عن مرحلة ما بعد مقتل أسامة بن لادن، فكان جوابي أنها ستكون مرحلة خطيرة ومعقدة، وسنواجه فكرا متطرفا يبلغ من العنف منتهاه، ومن التشدد والإرهاب أقصى درجاته، ولقد رأينا ما حصل بعد فترة، حيث ظهر تنظيم داعش، ذلك التنظيم الذي فاق جميع التنظيمات المتطرفة في التاريخ جرما ووحشية وعنفا، إلى درجة أن تتبرأ القاعدة من أفعاله، وتصفها بالوحشية كما صرح بذلك زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
من الخطأ الفادح أن يتصور البعض أن داعش سينتهي في العراق بعد تحرير الموصل، أو سينتهي في سوريا بعد تحرير الرقة، هذه الأفكار المتزمتة تبقى متجذرة في أعماق المجتمعات المتدينة، تختفي قالبا، لكنها تترسخ قلبا، فتتحول إلى خلايا نائمة، تنتفض حين يحين حينها، وظهور هذه التنظيمات المتطرفة في تلك المجتمعات دليل واضح على أن بيئة تلك المجتمعات حاضنة لها، فتكون مساعدة في انتشارها، ولولا ذلك لما استطاع هذا التنظيم من الانتشار والسيطرة والنفوذ بهذه السرعة، هذا أولا، ثانيا، لا ننسى البيئة المضادة، وأعني بذلك تلك البيئة التي رفضت قبول الآخر، ففي العراق نجد مثلا أن البيئة الشيعية بعد 2004 صنعت ثقافة أيدولوجية عرجاء، تركز في خطابها على كراهية الآخر، بل إلى درجة تكفيره، وهدر دمه، كل ذلك عن طريق نبش صفحات التاريخ القديمة، حيث تكونت في البيئة الشيعية ثقافة راسخة ضيقة عوجاء مغزاها أن الذين قتلوا الحسين يعيشون في المحافظات الغربية، يعني المحافظات السنية، ولقد وجدنا في تصريحات قادة بعض فصائل الحشد الشعبي تناقض الدستور العراقي، وهي خطيرة تحرض على القتل والكراهية وإلغاء الآخر، ومثل هذه التصريحات كثيرة نسمعها بين الفينة والأخرى، وآخرها تصريح زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، عندما قال سنذهب إلى الموصل لننتقم من قتلة الحسين، وأحفاد يزيد، وهذه العقلية الأيدولوجية الدينية المتطرفة سيعطى تصورا للمقابل (السني) أنه هو المستهدف، ولذلك لا بد أن يدافع عن نفسه، وهو مستعد أن يستعين بكل من يعينه، لمقاومته، وخاصة إذا وجد من يشاطره في بعض المشتركات الفكرية والعقدية، ولقد اعترف رفسنجاني بهذه الحقيقة عندنا قال نحن كنا سببا في ظهور داعش، وهو ينتقد سياسة الطبقة السياسية الشيعية التي لم تستطع قبول الآخر بصورة صحيحة، ولا شك أن السنة الذين قاطعوا العملية السياسية لم تقصر في وصف الشيعة بالمجوسية والصفوية وعملاء إيران، وحتى بعض قادة السنة المشاركين في العملية السياسية كانوا يطلقون تصريحات طائفية بصورة خفية وأحيانا علنية كردة فعل، والحقيقة أن الطرفين لم يستطعا بناء دولة أساسها المواطن، بل كل طرف حاول صبغ الدولة بطابعها المذهبي، وأججا الصراع المذهبي في العراق، كل ذلك من أجل مكاسب سياسية حزبية وشخصية.
لا يتصور أحد أن داعش وقبله القاعدة صناعة أمريكية، فهذا الرأي غير مقبول في الأوساط الأكاديمية والعلمية، بل إن داعش والقاعدة وكل تنظيم سني إرهابي صناعة مجتمعية انبثقت من أفكار فقهاء الإسلام، وهي قراءة شخصانية وحزبية لنصوص الدين من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي تصورات فردية وشخصية تبلوت فتحولت إلى عقيدة جماعية تنظيمية لفرضها على المجتمعات عن طريق أسلوب الإقناع الاختياري أو الأسلوب الإجباري القسري العنيف، وما قام به داعش في فرض العقيدة على الآخرين عن طريق العنف والتطرف سيكتب لها النجاح في سرعة الانتشار والقبول في بداية الأمر، ولكن بمرور الزمن ستتكشف الحقائق وسيقل الموالون إلى درجة التضجر والتذمر، ولربما إلى مرحلة الانقلاب والتمرد على داعش كما حصل في كثير من المدن، ويحصل الآن في الموصل لولا تصريحات بعض قادة الحشد الشعبي، ولولا خوف أهل الموصل من دخول الحشد الشعبي، لأني على قناعة أن أهل الموصل – وهم العمود الفقري للطائفة السنية- سيقاتلون مع داعش فيما إذا تدخل الحشد الشعبي في الموصل، وسيزداد التمرد على داعش فيما إذا أدرك أهل الموصل أن الحشد الشعبي لن يدخل، والحقيقة أن أمريكا وتركيا لن تسمح للحشد الشعبي بالدخول، وأكد ذلك رئيس الوزراء حيدر العبادي أكثر من مرة.
ستتحرر الموصل عاجلا أم آجلا، وهي معركة صعبة للغاية، وستكون مستعصية فيما إذا أغلقت جميع المنافذ لخروج داعش، وهذه خطة إيرانية سورية روسية، أي منع خروج داعش من الموصل، والقضاء عليهم، وذلك حتى لا يفر مقاتلو داعش إلى سوريا وبالتحديد إلى الرقة عاصمة الخلافة، أي خلافة البغدادي، لأنه إذا لم يتم القضاء على مقاتلي الداعش في الموصل، فإنهم سيفرون إلى عاصمة الخلافة وهي الرقة، وسيكون تركيز داعش الأساسي هو الدفاع المستميت عن عاصمة الخلافة، لأنه بالقضاء على داعش في الرقة، ستنتهي الخلافة إلى الأبد، لذلك تضغط كل من إيران وسوريا وروسيا على حكومة العبادي بإغلاق المنافذ، حتى لا يخرج مقاتلو داعش من الموصل، ولهذا تم تغيير خطة تحرير الموصل وتأخرت، سبب تغيير الخطة أوضحناه، ولكن سبب تأخر العمليات يعود إلى جملة من العوامل، لعل من أهمها إقناع الشارع العراقي بضرورة تدخل الحشد الشعبي لحسم المعركة والإسراع بها، ولهذا زار وفد من نظام بشار الأسد بغداد وبحضور إيران، للتأكيد على نقطتين، أولاهما: التأكيد على عدم السماح بهروب مقاتلي داعش من العراق، بل يجب القضاء عليهم، وذلك بإغلاق جميع المنافذ، وفي هذه الحالة ستتكبد القوات العراقية خسائر فادحة، وسيكن دفاع داعش عن الموصل دفاعا مستميتا، ثانيهما: مشاركة الحشد الشعبي في سوريا، مع تأكيد رئيس الوزراء ووزير خارجيته إبراهيم الجعفري على عدم إذن حكومة بغداد للحشد الشعبي بالقتال هناك، وهذا لا يخرج عن أحد أمرين: أولهما أن العبادي لا يستطيع منع قادة الحشد الشعبي ولا سحبهم من سوريا، الأمر الثاني، العبادي سمح لهم، وساعدهم، والحقيقة أن حيدر العبادي لا حول له ولا قوة أمام قادة الحشد الشعبي، فنحن نعيش في العراق حالة من الفوضى دول صغيرة قوة في دولة ضعيفة، مليشيات مسلحة قوية تهدد المؤسسة العسكرية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف سيكون مستقبل داعش؟ وأين سيكون مصيره؟ وأين سيستقر هذه المرة، لا شك أن كثيرا من المجتمعات العربية والمسلمة متعاطفة مع داعش بل مؤيدة وحاضنة له، لأن أهلها أي تلك المجتمعات يعتقدون وفق قناعاتهم وتصوراتهم أن داعش يقاتل دفاعا عن المكون السني، هذا أولا، علما أن داعش قتل من السنة أكثر من الطوائف الأخرى، ثانيا: أن داعش يقاتل ضد المد الشيعي في المنطقة، وهذا ليس صحيحا، فهو يقاتل من أجل المد الداعشي فقط، فمن كان مع داعش فهو المسلم الحقيقي، ومن لم يكن مع داعش فهو الكافر الحقيقي أو المرتد حلال الدم، ثالثا: أن داعش يقاتل ضد الكفار أي التحالف الدولي، هذه التصورات مجتمعة جعلت تلك المجتمعات تتعطاف مع داعش، ولهذا نجد الزحف مستمرا للإنضمام لداعش من كافة الدول وحتى من المجتمعات المسلمة في الغرب، لذلك سيجد داعش حاضنة في تلك الدول، إذا لم تكن هناك حملة فكرية مركزة لمواجهة هذا الفكر المتطرف، بفكر وسطي معتدل يعتمد فلسفة نصوص الدين ومقاصدها الكلية.
والذي يبدو لي أننا لن نشهد بعد داعش نسخة أخرى من هذه التنظيمات المتطرفة بهذه الصورة البربرية والعنيفة والدموية، أعتقد أننا سنجد نسخة أخرى مختلفة عن القاعدة وداعش، ستكون نسخة مقبولة في وسط المجتمعات المتدينة، ولكنها لن تتخلى عن الفكر القتالي، والسبب أن داعش لم يبق شيئا لمن بعده، فقد طبق جميع مفردات قاموس العنف والإرهاب والتطرف والتشدد، وأعلن عن آخر مراحل الدولة، وهي إعلان الخلافة، ومع ذلك لم يحصد شيئا إلا الخراب والدمار والكراهية، فماذا سيفعل من يأتي بعده؟.
مثل هذه التنظيمات المتطرفة كمثل الحية تموت إن لم تغير جلدها، فمصادرها الفكرية واحدة، وتصوراتها واحدة، ورؤاها واحدة، ولكن الوسائل مختلفة، فعندما ظهر التظيم السري للإخوان المسلمين سنة 1940 كان الهدف من تأسيسه سرا، القضاء على أعداء الإخوان المسلمين في مصر، ولهذا كثرت الاغتيالات في عهدهم، ابتداء من رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي سنة 1948، وانتهاء بالشيخ الأزهري الدكتور محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف سنة 1977، ثم ظهرت جماعة التكفير والهجرة بقيادة شكري مصطفى في أواخر الستينات، وكذلك جماعة الجهاد التي اغتالت الرئيس المصري أنور السادات سنة 1981 بسبب اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وكان أيمن الظواهري عضوا فيها، في سنة 1998 أسس أسامة بن لادن مع نائبه أيمن الظواهري الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين، وفي سنة 2001 توحدت الجماعة الإسلامية المصرية وتنظيم قاعدة الجهاد، وعرفت بتنظيم القاعدة، وفي السنة نفسها، وبالتحديد في 11 أيلول استهدفوا مركز التجارة العالمي بمنهاتن، ومقر وزارة الدفاع الأمريكية(البنتاكون). وسميت بالقاعدة، لأنهم خصصوا قاعدة أو مكانا لتسجيل اسم من يأتي من خارج أفغانستان للانضمام للقتال ضد الروس، فسميت جماعته بمرور الزمن بالقاعدة، وهكذا ما أكده الباحث الأمريكي جيل كيبل، وثمة آراء أخرى كثيرة حول سبب التسمية، وما ذكرته أقرب للواقع، كان أسامة بن لادن على قناعة أن أفغانستان ليست مكانا مناسبا للإنطلاق، فوجد العراق بعد 2003 مكانا خصبا، حيث وجود القوات الأمريكية، فأسسوا فرعا لها باسم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بقيادة أبي مصعب الزرقاوي سنة 2004، أي بعد عام من سقوط بغداد في سنة 2006 تم قتل الزرقاوي، وخلفه أبو حمزة المهاجر، وكانت هناك مجاميع مسلحة عديدة تقاتل في العراق، فاتفقوا على تأسيس الدولة الإسلامية في العراق، والتي عرفت مختصرا ب(داع) بقيادة أبي عمر البغدادي، وذلك للقتال ضد ثلاث جبهات: جبهة الأمريكيين، جبهة الشيعة، جبهة السنة الذين لم ينضموا لدولتهم، ولكن في سنة 2010 تم قتل الاثنين معا أعني أبو حمزة المهاجر وأبو عمر البغدادي في قصف أمريكي، قررت القاعدة اختيار أبي بكر البغدادي مسؤولا عن القاعدة في العراق، في سنة 2011 اندلعت الثورة السورية، وبعد سنة أي سنة 2012 ظهرت جبهة النصرة بقيادة أبي محمد الجولاني السوري، وبايعت هذه الجبهة تنظيم القاعدة، فأصبحت جبهة النصرة ممثلا شرعيا للقاعدة في سوريا، وبما أن القاعدة لا تؤمن بالحدود المصطنعة التي صنعا الغرب، أرسل أبو بكر البغدادي رسالة إلى أبي محمد الجولاني لكي ينضم إلى جماعته، ويتحدا معا، لكن الجولاني رفض رسالته، واستعان بالظواهري، وأطلعه على طلب البغدادي، فأرسل الظواهري رسالة عبر قناة الجزيرة، يرفض بشدة محاولة الاتحاد بين جبهة النصرة بقيادة الجولاني، والدولة الإسلامية في العراق بقيادة البغدادي، فرفض البغدادي دعوة الظواهري، وهنا ظهرت بوادر نية البغدادي في أحقيته لقيادة القاعدة في المنطقة، وخاصة إذا علمنا أن البغدادي هو الأنسب للقيادة وفق منظومتهم الفكرية، لأنه متخصص في العلوم الشرعية، بينما الظواهري طبيب جراح، البغدادي من قريش، والظواهري مصري، ومعلوم أن هناك اجماعا بين الفقهاء في كون القرشي أولى بالخلافة من غيره، وأسباب أخرى عديدة لا مجال لذكرها، وفي رسالة آخرى للظواهري قبل أيام بعنوان(رسالتنا لأمتنا، لغير الله لن نركع) هاجم الظواهري أبا بكر البغدادي في كونه شوه سمعة القاعدة وأنه رجل الكذب والافتراء، حيث لا بد من الأولوية لضرب أمريكا، لذلك أسس البغدادي الدولة الإسلامية في العراق والشام سنة 2013، وعرفت مختصرا بداعش، وقد رفض الظواهري والجولاني هذه الخطوة من البغدادي، وعد تمردا وتطرفا وخروجا عن الجماعة الأم، وقد حصل قتال عنيف بين جبهة النصرة والبغدادي، حيث قتل من الطرفين أكثر من 1700 شخص، ثم أعلن البغدادي عن الخلافة الإسلامية التي لم يكن يتوقعها لا الظواهري ولا الجولاني، حيث كانت صدمة لهم، والهدف من هذا الإعلان السريع والمفاجيء من قبل البغدادي، لأن الظواهري كان على وشك إعلان الخلافة الإسلامية، لكان البغدادي أفسد حلمه، وجعله في خندق الخيانة، والخروج عن جماعة المسلمين، لأن البغدادي استدل بحديث نبوي مغزاه أن من لم يبايع الخليفة، فقد خرج عن جماعة المسلمين، فوفق هذا الحديث يعد الظواهري خارجا متمردا، لذلك وجب قتاله حتى يتوب ويبابع الخلفية البغدادي.
إن إعلان الخلافة من قبل البغدادي هي نهاية المطاف، فلن يأتي شيء آخر سوي الاستمرار في القتال ضد من يقف ضدها، حتى تنتصر الخلافة ويبايعها الجميع، والحقيقة أن هذه الخلافة خلافة وحشية بربرية، صنعها الفكر الوهمي لهؤلاء، فليس في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الصحيحة إشارة وحديث عن مثل هذه الأفكار المثالية الخيالية، فلسفة الإسلام تقوم على أساس العدالة، والله تعالى يساند الدولة الكافرة إن كانت عادلة، ولا يساند الدولة المسلمة إذا كانت ظالمة كما يقول علماء المسلمين، فخلافة البغدادي تأسست على سفك الدماء، وسبي النساء، وقتل الأبرياء، بأساليب وحشية يندى لها جبين الإنسانية.
إن القضاء على داعش وإنهاء دوره في العالم حلم القاعدة، لأن أكثر مقاتلي القاعدة انضموا إلى هذا التنظيم، مما غيب دور القاعدة، وكاد يمحو تأثيره، ولعل من جملة العوامل التي سببت تخلف القاعدة، أن القاعدة ركزت على الانتشار والتبشير بأفكارها، بينما داعش ركز على بناء الدولة ولو كانت وهمية، وقد تمكن داعش من بناء دولته وخلافته، وكذلك استطاع أن يكون لهذه الدولة ثروة مالية ثرية واقتصادا قويا من خلال آبار النفط التي سيطر عليها داعش، مما دفع أتباع القاعدة بالانضمام إليه، ولهذا كان أسامة بن لادن لا يحب أن يكون مقر القاعدة في أفغانستان الفقيرة، بل كان يحب أن يكون في دولة غنية مثل دول الخليج أو العراق أو ليبيا، وهذه الفكرة هي نفس فكرة كارل ماركس عندما كان يتمنى أن تكون الثورة الشيوعية في بريطانيا الغنية، وليس في روسيا الفقيرة، ولذلك أتصور أن القاعدة تريد إحياء دوره من جديد، ولكن سيبدو ذلك صعبا، لأن داعش لن يسمح للقاعدة أن تحل محله، وتأخذ زمام الأمور، وإن كانت القاعدة أكثر انتشارا في العالم، فلديها فروع عديدة قوية ومؤثرة في بلاد المغرب وسوريا والصومال وجزيرة العرب وخاصة في اليمن وشبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا وغيرها من الأماكن ، بينما داعش ليس له فروع كثيرة كالقاعدة، ولكن بسبب الانشقاقات من بين صفوف القاعدة، كثرت فروع داعش، خذ مثلا انشقاق أعضاء من القاعدة الأفغانية والباكستانية ومبايعتهم للبغدادي، وأعلنوا عن ولاية خراسان تابعة لخلافة داعش، ولذلك أتصور أن داعش سيجد مكانا حاضنا له في شمال أفريقيا، وخاصة في ليبيا، فأخطر فرع لداعش يوجد هناك، فالصراع سيشتد بين القاعدة وداعش بعد هزيمة الأخير في العراق وسوريا، لأن فشل داعش حلم القاعدة لأن قادة القاعدة يعتقدون أن داعش سبب انكماش القاعدة، وسبب هذا الدمار والخراب وما شاكل ذلك، وكأن القاعدة بريئة من هذه الأعمال الإرهابية، فأعضاء القاعدة هم الآن في تنظيم داعش يرتبكون هذه الجرائم، فهم تعلموا هذه الأعمال من القاعدة، وطبقوها بوحشية وأكثر شراسة عندما انضموا لداعش، فإذا كانت القاعدة تعتمد على كتب سيد قطب ومحمد قطب وعبد الله عزام وسعيد حوى وأبي محمد المقدسي وأخطرها كتاب العمدة لإعداد العدة في الجهاد في سبيل الله لعبد القادر بن عبد العزيز، فإن داعش إضافة إلى اعتمادها على هذه الكتب، فهو يطبق حرفيا كتاب (إدارة التوحش) لأبي بكر ناجي، فهو من أخطر ما ألفه داعش لأتباعه، وأما الاعتماد على الكتب القديمة فهو عبارة عن اعتماد جزئي واستلال جزئي، حيث يستلون من أقوال علماء المسلمين القدامى ما يؤيد فكرتهم، أي أنهم يتحكمون في أقوال العلماء، وإن كان بعض أولئك العلماء لديهم أفكار تغذي العنف والتطرف، وفيما يخص نصوص الدين، فهم لديهم تفسيرات وتأويلات خاصة بحيث تنسجم مع أفكارهم المتطرفة.
لا نستطيع أن نجزم من سيكون المنتصر في النهاية، فالخلاف ليس فكريا ولا عقديا، بل هو خلاف حول من أولى ليمثل الخلافة أو الدولة الإسلامية، فالخلاف حول الوسائل والمناهج، ولعلنا نشهد نسخة أخرى من هذه التنظيمات في المستقبل، ولكن ليس معلوما كيف ستكون هذه النسخة القادمة، أغلب ظني أنها ستكون أخف من سابقتها، وذلك من أجل تأسيس جبهة عالمية تضم جميع التنظيمات المؤمنة بالقتال، وتأسيس الدولة الإسلامية، أو الخلافة الإسلامية، وأغلب الظن أن الظواهري سيعلن دولته الإسلامية أو الخلافة الإسلامية بعد زوال خلافة البغدادي.
Top