كانت بداية عمل الكتل الكوردستانية الخمس (الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الاتحاد الوطني الكوردستاني، حركة التغيير، الاتحاد الإسلامي الكوردستاني، الجماعة الإسلامية) في مجلس النواب العراقي جيدة، حيث كانت مواقفها متراصة، وخاصة ما يخص القضايا الاستراتيجية والقومية والوطنية، وتعاهدت جميعها بالعمل الجاد من أجل كوردستان، وبدأ الجميع يشعر بضرورة توحيد الخطاب السياسي لمواجهة التحديات الخطيرة، وهنا طرح الحزب الديمقراطي الكوردستاني تجديد فكرة التحالف الكوردستاني، ورحب الجميع بالفكرة، باستثناء كتلة الاتحاد الوطني الكوردستاني، فهي كانت مترددة، وخاصة رئيس الكتلة النائبة آلاء الطالباني التي كانت تريد رئاستها، لكونها في تصورها شيخة البرلمان لطول عهدها بهذا العمل، لكن كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني رفضت ذلك، لأن ذلك من حق الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وخاصة بعد أن منحت كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني كتلة التغيير منصب النائب الثاني لرئيس مجلس النواب العراقي، مما أثار هذا الموقف من قيادة الحزب سخطا بين صفوف نواب الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ولكنهم أدركوا واقتنعوا أن مصلحة الوطن والبيت الكوردي وتوحيد الخطاب السياسي الكوردي أفضل من جميع المناصب. ودعني أؤكد أن ترشيح النائب آرام لهذا المنصب المهم والحساس كان خطأ استراتيجيا، فهو قبل كل شيء شخصية ضعيفة مهزوزة انتهازية، جاء من خلفية فكرية متصحرة، وثقافة ضحلة، ولغة عربية هشة، أحيانا يتحول إلى أضحوكة عندما يرأس جلسة من جلسات البرلمان، لكونه يفقد السيطرة على النواب، لذلك نصاب بالصداع من كثرة ضربه للمطرقة على المنصة من أجل إسكات النواب، ولا ننسى صوت الكاميرا الخاصة به التي تلتقط في كل دقيقة مئات الصور لعله يستطيع أن يملأ ماضيه السياسي الفارغ, وخاصة عندما يرأس جلسة عند غياب الرئيس ونائبه الأول, وكم خسر الكورد من حقوق وامتيازات بوجود هذا الرجل في هذا المنصب الحساس، ويبقى وجوده في هذا المنصب تهديدا حقيقيا لمصلحة كوردستان، ولقد وجدناه في مظاهرات السليمانية كيفية تعامله مع القضايا، وكيف يفكر، وكيف يخطط لضم السليمانية إلى بغداد، مع أن هذا المنصب يمثل جميع الكتل الكوردستانية وليس حركة التغيير فقط، ولقد حذر أحد نواب هذه الحركة السابقين في مجلس النواب العراقي على قناتهم الرسمية من مخاطر تقسيم كردستان، وضم السليمانية إلى بغداد، داعيا إلى الكف عن هذه السياسة الخاطئة، مما أثار ضجة في صفوف هذه الحركة. ما يحدث في إقليم كوردستان سلبا وإيجابا سيعكس بكل تأكيد على واقع بغداد، فما حصل من مظاهرات سلمية في محافظة السليمانية، وتحولها إلى فوضى وشغب واستهداف لمقرات الحزب الديمقراطي الكوردستاني مما أدى إلى استشهاد بعض الكوادر وجرحهم، كل ذلك كان مخططا من قبل حركة التغيير، وبتدخلات خارجية إقليمية ضد الحزب الديمقراطي الكوردستاني، مع صمت رهيب من الاتحاد الوطني الكوردستاني صاحبة القوة والقرار في تلك المناطق، والحقيقة أن حركة التغيير تأسست على ثقافة الكراهية والحقد والضغينة والعداوة، ولهذا لا يكتب لها النجاح، ولا يستقر لها قرار، وسيكون مصيرها الفشل والانهيار، وهذه هي تجربة الأحزاب السياسية الشوفينية، ولا يعني هذا أن جميع قادة هذه الحركة يفكرون بهذه الطريقة العرجاء، فهناك قيادات معتدلة وقومية ووطنية مخلصة بين صفوف هذه الحركة، نكن لهم الاحترام، وسيأتي يوم من الأيام ونجدهم يتمردون على هذه القيادة الحاقدة، أو ربما يخرجون منها إن لم يستطيعوا التمرد، وقد حصل فعلا، وسيحصل باستمرار. وبعد أن فشلت محاولات حركة التغيير في القيام بشيء في السليمانية عن طريق العنف والإرهاب والتطرف، حاولت هذه المرة أن تنقل هذه الفوضى إلى أربيل، وذلك عن طريق رئيس برلمان كوردستان الدكتور يوسف محمد، ففي إحدى جلسات البرلمان الكوردستاني أصروا على فرض رأيهم على الحزب الديمقراطي الكوردستاني فيما يخص قانون رئاسة الإقليم، والحقيقة أنه حتى الحزب الديمقراطي الكوردستاني لم يكن معترضا على هذا القانون، بل كان معترضا على طريقة عرضه، فكانت أشبه بفرض الرأي على الآخر، ومعلوم أن كوردستان وحتى العراق تأسس نظامه السياسي على الاتفاق السياسي، وليس على الاستحقاق الانتخابي، ولو كان ذلك كذلك، لما كان للكورد مواقع مهمة في بغداد كرئاسة الجمهورية والوزارات السيادية، ولا لحركة التغيير رئاسة البرلمان في كوردستان، فالأمر كله مرتب وفق اتفاقات سياسية من أجل تحقيق مطالب الجميع وخاصة الأحزاب الصغيرة، والأقليات القومية والدينية، لذلك وقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقوة ضد كل من يريد خرق الاتقافات السياسية، ومعلوم أنه بعد انتهاء الانتخابات تم الاتفاق مع جميع الأحزاب المشاركة في الحكومة وخاصة مع حركة التغيير في كيفية إدارة البلد، وأن هذه السنوات الأربع ستكون سنوات استقرار، ولكنهم بعد مضي فترة، شعروا أنهم لم يستطيعوا إرضاء جماهيرهم، فلجأوا إلى هذا الأسلوب من أجل خرق الاتفاق، فالأمر كان مقررا ومدبرا وراء الكواليس، لذلك أصروا على المضي في تشريع هذا القانون، ويبدو أن هذه الحركة بطبيعتها تنتعش في الفوضى، وتنكمش في الاستقرار، فبعد فترة من الاستقرار السياسي، شعرت بانكماشها، ولو استمرت هكذا لربما انتهت، لذلك عادت إلى أسلوبها المعروف بخلق الفوضى والاضطراب والبلبلة لكي تنتعش مجددا، وتصوروا أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني سيقوم بإحداث فوضوى في البرلمان، ولكنهم تفاجئوا بصمت الحزب الديقراطي الكوردستاني، واقتنعوا أنهم سيتمكنون من القيام بانقلاب على الحزب الديقراطي الكوردستاني، وذلك بتشريع قانون رئاسة الإقليم، ولقد ضرب هذه الحركة جميع الاتفاقات السياسية عرض الحائط، وكأن يوسف محمد صار رئيسا لبرلمان كوردستان من خلال استحقاقه الانتخابي، وهكذا النائب الثاني لرئيس مجلس النواب العراقي، لولا الاتفاق السياسي لكان موقع حركة التغيير في الحكومة ضعيفا، وهكذا في بغداد، وليكن معلوما أن الحزب الديقراطي الكوردستاني من أقل الأحزاب الكوردستانية مناصب لو اعتمدنا معيار الاستحقاق الانتخابي، ولكن العرف السياسي في العراق وكوردستان أن الاتفاق السياسي هو أساس العملية الديمقراطية، ولولا ذلك لأصبحت الأحزاب الصغيرة والمكونات القومية والدينية والمذهبية في مهب الريح، ولهذا نجد أن الحزب الديقراطي الكوردستاني من أشد الأحزاب السياسية في العراق وكوردستان تمسكا بهذا المبدأ، أعني الاتفاق السياسي، لكن بمرور الزمن تبين أن حركة التغيير مصرة على عنادها السياسي في خرق الاتفاق السياسي، ومعلوم أن خرق الاتفاق السياسي يعني إعادة النظر في جميع هياكل المؤسسات الشرعية، بدءا بالبرلمان وانتهاء بالحكومة، وذلك حتى يعرف كل حزب ثقله السياسي واستحقاقه الانتخابي. تتصور هذه كتلة التغيير بكل عقلها أنها ستستطيع فعل شيء في بغداد تجاه الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وذلك من خلال استغلال موقع النائب الثاني لمجلس النواب العراقي، ومن خلال الإعلام العربي، وأعداء الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وليكن معلوما لديها أن جميع الأحزاب الشيعية والسنية بلا استثناء تدرك قوة وصلابة وعمق الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وأن أحدا لا ولن يستطيع التعامل مع كردستان إلا من خلال الحزب الديمقراطي الكوردستاني، فكفى هذه المحاولات اليائسة، عودوا الى رشدكم، واجلسوا على طاولة الحوار الحقيقي لحلحلة المشاكل. كم نصحناهم نصيحة المشفق عليهم، كفى الحديث عن مشاكل كردستان على الإعلام العربي، ودعنا نتحدث عن مشاكلنا في قنواتنا الكوردية، ولكنهم أصروا على ذلك، والمضحك أنك لن تجد نائبا واحدا من حركة التغيير يتقن اللغة العربية ويجيدها، ولهذا نجدهم عندما يتكلمون على تلك القنوات العربية يصبحون موضع سخرية الجميع، والغريب أن النائبة سروة عبد الواحد التي اتهمت عوائل البيشمركة بأوصاف غير أخلاقية ووصفت البيشمركة بالمليشيات، من أكثر نواب التغيير ظهورا على القنوات العربية، وهي الأخرى لا تفرق بين الجار والمجرور في اللغة العربية، وأستغرب كيف رضيت إدارة قناة الحرة بها، ومستواها ضعيف ومتدن في اللغة، ثم الغريب أنها اتهمت كوادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني بأنهم لا يعرفون العربية، ومعلوم لدى جميع نواب البرلمان العراقي أن نواب الحزب الديمقراطي الكوردستاني أفضل النواب اتقانا للغة العربية. مشكلة كتلة التغيير في مجلس النواب العراقي أنها مستعدة للتعاون والتنسيق مع أي جهة ولو كانت معروفة بعدائها لشعب كوردستان، وذلك من أجل معاداة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، والمشكلة الأخرى التي تواجه عمل كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني هي كتلة الاتحاد الوطني الكوردستاني، فهي كتلة غامضة وغير واضحة المواقف، فهي تقف معنا قولا، وتقف ضدنا فعلا، ففي استجواب السيد هوشيار زيباري وزير المالية على سبيل المثال، أتت رئيسة كتلة الاتحاد الوطني آلاء طالباني إلى كتلتنا وقالت إن السيد زيباري خط أحمر، وسنقف ضد إقالته، وعندما حان وقت التصويت، صوتت علنا لإقالته، مع تأكيد المكتب السياسي للاتحاد الوطني على الوقوف ضد إقالة زيباري حسب نواب الكتلة من الشقين، أتصور أن هذا المنطق غير مقبول من الاتحاد الوطني، أن يكونوا في بغداد ضدنا، وفي أربيل معنا، ولا نعرف هل هذا تكتيك سياسي، أم أن الخلاف عميق بين الشقين المعروفين. وفي الآونة الأخيرة قدم نواب كتلة الاتحاد الوطني وكتلة التغيير وكتلة الجماعة الإسلامية مقترحا من أجل إدراجه في موازنة 2017 لحل مشكلة الإقليم مع بغداد، وخاصة مشكلة رواتب الموظفين، ومعلوم أن هذا المشروع كتب وراء الكواليس وبإشراف من يغرد خارج السرب، مع تدخلات خارجية إقليمية، لأسقاط حكومة كردستان، وإلا فهو بكل تأكيد لا يحل المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل، بل ستزيدها تعقيدا وصعوبة، لأن بغداد ستعطي رواتب موظفي الإقليم حسب قائمتها الموجودة عند وزارة المالية الاتحاداااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااية التي تختلف كثيرا عن القائمة الحقيقة عند حكومة الإقليم، ثم كيف يمكن لهؤلاء أن يقبوا بهذه الصفقة المهينة لشعب كردستان، وهي تسليم نفط كركوك لشركة سومو، والتي هي لب المشكلة وأسها، أليس هذا تنازلا عن دماء شهداءنا الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل قلب كردستان؟ أليس هذا جرما بحق شعب كردستان؟ أليس هذا تعريبا حقيقيا لمدينة كردية بأيادي كردية؟ أليست هذه خيانة بحق تاريخ هذه المدينة؟. لذلك أعتقد أن هذا المشروع الذي قدموه مشروع سياسي خطير يحقق مصالح أعداء كوردستان، الهدف منه إفشال الاستقلال الاقتصادي النفطي لإقليم كوردستان، لأنهم يدركون جيدا أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني هو صاحب هذا المشروع الاستراتيجي الوطني، هذا أولا، ثانيا، تحقيق هدف استراتيجي بعيد المدى وهو عزل الحزب الديمقراطي الكوردستاني عن العملية السياسية من خلال تقزيم دوره في التحالفات القادمة للاتخابات المقبلة، ثالثا، وأد حلم الأمة الكوردية بتأسيس دولته المشروعة بقيادة الرئيس البارزاني، رابعا، تأسيس محور للانتخابات القادمة- بإشراف إيران- من أجل إعادة نوري المالكي لرئاسة الوزراء - العدو اللدود للحزب الديمقراطي الكوردستاني- ومن الذين يعملون مع هذا المحور الجماعة الإسلامية وسنة المالكي، أما الاتحاد الإسلامي فلن ينضم إليه لأنه يميل إلى المحور الآخر، مع كون نواب الاتحاد الإسلامي صوتوا للمشروع، ولكنهم في الحقيقة فهموا المشروع خطأ، حيث تصوروا أن المشروع يخدم الموظفين والبيشمركة، ولكن في الحقيقة ليس في المشروع ما يصب في مصلحتهم، بل بالعكس سيزيد من معاناتهم. كلمة أخيرة، أعتقد أن الفرصة مواتية لكتلة التغيير من أجل إعادة النظر في سياستها ومواقفها، لأن إصرارها على عنادها سيدفنها سياسيا وشعبيا، انظر ماذا جنت النائبة سروة عبد الواحد بتصريحاتها الحاقدة والطائشة تجاه عوائل البيشمركة غير الخزي والعار أمام شعبها وناخبيها، إن كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني أكدت لها وللكتل الكوردستانية الأخرى، أن مشاكلنا عيوبنا، وهي تحل في أربيل وليس في بغداد، وقد قدم السيد رئيس إقليم كوردستان مسعود البارزاني مبادرة جريئة وواقعية حتى نخرج البلد من هذه الأزمة العويصة، حيث تنازل عن رئاسة الإقليم، وأن يتم الاتفاق على شخص يحل محله إلى الانتخابات القادمة، وكذلك الأمر نفسه فيما يخص هيئة رئاسة البرلمان، لأنها لم تكن هيئة موقفة وخاصة السيد يوسف محمد رئيس البرلمان، لأنه كان يطبق أجندات حزبه في مؤسسة شعبية شرعية، ومن ثم تشكيل حكومة جديدة قوية قادرة على حل المشاكل التي عصفت بالبلد، أعتقد أن هذه المبادرة هي الحل الذي لا حل بعده، ومن يريد أن يساعد هذا البلد فلا بد أن يقبله مبدئيا، وأن لا يقوم بفرض شروط وتقديم مشروع، لا وقت لدينا فالشعب لا يتحمل أكثر من هذا، دعونا نجلس ونحل مشاكلنا في كردستان بدل الفرار إلى بغداد، وأي جهة ترفض هذه المبادرة أعتقد أنها لا تريد الاستقرار لهذا البلد، بل تريد الفوضى والاضطراب، وعلى الأحزاب السياسية الكوردية أن تقف بحزم ضد كل من يعرقل هذه المبادرة.