ماذا لو فشل العبادي؟
باحث ومفكر عربي
منذ احتلاله في العام 2003 واجه العراق خمسة تحدّيات اساسية ظلّت تنخر في كيانه الذي بات مهدّداً بالانقسام والتشطير والتشظي، وفي مقدمة هذه التحدّيات، المحاصصة الطائفية والإثنية، والفساد المالي والإداري، والارهاب والعنف، وضعف المواطنة، خصوصاً بالعودة إلى كيانات ما قبل الدولة ، وأخيراً ضياع إمكانية إعادة بناء الدولة، لاسيّما بحل الجيش والمؤسسات الأمنية.
وهذه التحدّيات الخمسة واجهتها جميع الحكومات السابقة، سواءً خلال الاحتلال الأمريكي للعراق أو بعد انسحاب القوات الأمريكية منه (أواخر العام 2011). ويواجهها اليوم رئيس الوزراء حيدر العبادي على نحو صارخ في ظل موجة احتجاج شعبي وغضب عام وتدهور الأوضاع الأمنية بشكل خاص منذ احتلال " تنظيم الدولة الإسلامية " داعش للموصل في 10 يونيو/حزيران العام 2014 وتمدّده لأراضي شاسعة شملت عدّة محافظات، بحيث أصبح نحو ثلث الأراضي العراقية تحت سيطرته.
وكان انقطاع التيار الكهربائي في ظل موجة الحر اللاهب حيث وصلت درجة الحرارة هذا الصيف لأكثر من 50 درجة مئوية، سبباً في انفجار الأوضاع وارتفاع الأصوات المطالبة بالإصلاح ومحاسبة المفسدين ووضع حد لظاهرة الفساد. واجتمع حول عنوان الكهرباء جميع الفئات والقوى ومن مختلف التوجّهات والشرائح، يضاف إليه شحّ الماء الصافي والنقص الحاد في الخدمات البلدية والصحية والتربوية واستمرار الفاسدين في مواقعهم والتمتّع بالامتيازات التي توفّرها لهم العملية السياسية القائمة على المحاصصة.
بعد عدّة أيام من اندلاع التظاهرات التي بدأت في البصرة وامتدّت إلى بقية المحافظات بما فيها العاصمة بغداد اضطرّ رئيس الوزراء العبادي إلى اتخاذ عدد من الإجراءات وإقرارها في مجلس الوزراء لعرضها على البرلمان، والتي سمّيت حزمة الاصلاحات، وكانت هذه الخطوات هي التحدّي الثاني للعبادي خلال عام واحد، ففي سبتمبر/أيلول العام 2014 كان عليه أن يشكّل الحكومة، أو يعلن فشله في ذلك، لاسيّما بعد استبعاد نوري المالكي من الحصول على ولاية ثالثة على الرغم من نيله 93 مقعداً.
لم يتمكّن أياً من المسؤولين على معارضة العبادي صراحة في خطته للإصلاح، وستعتبر أية توجهات مخالفة لذلك ضد الإصلاح، وهذا سيعني الوقوف ضد الموجة العارمة من الغضب الشعبي التي تطالب بإصلاحات عاجلة، لاسيّما بشأن الخدمات (الماء والكهرباء) ومكافحة الفساد ومحاسبة المفسدين والمقصّرين .
لقد صوّت 297 نائباً من مجموع 328 بتأييد خطة الإصلاحات دون أية تحفظات، وأعلن رئيس البرلمان إنه سيتمر نشر أسماء النواب الغائبين عن هذه الجلسة التي صوّت فيها جميع الحاضرين على تأييد حزمة الإصلاحات (عدا نائباً واحداً).
الإصلاح " فوراً" عبارة طالما ردّدها العبادي فماذا تعني؟ وهل يمكن تحقيقها؟ ومن هي الجهات التي تريد عرقلة الإصلاح والتستر على المفسدين؟ هذه تحدّيات جديدة تواجه حكومة العبادي وتواجهه شخصياً، ويتوقف على اجتيازه لهذا الاختبار الصعب إمكانية مواصلته لمسؤولياته، وحسبما يبدو فإنه يدرك الصعوبات والعراقيل التي تقف بوجهه، فقد سبق أن تردّد على لسانه إن هناك من يريد اغتياله وقالها متحدياً باللهجة العراقية " خلّي يغتالوني".
وتكرّر الأمر حتى بعد تصويت البرلمان بالإجماع على ورقتي الإصلاح الحكومية والنيابية، فقد هنأ العبادي جميع العراقيين وتعهد بمواصلة مكافحة الفساد والمفسدين، حتى لو كلّفته حياته. الإصلاح فوراً تعني عدم وجود سقف زمني طويل لتنفيذ خطط الإصلاح، وقد دعا العبادي هيئة النزاهة إلى منع المتهمين بالفساد من مغادرة البلاد، كما طالب بتقديمهم إلى القضاء.
العبادي الذي وصل إلى السلطة بعملية قيصرية داخلية وخارجية (دولية وإقليمية) حظي بدعم قلّ نظيره، لكن الأمور لم تتحسّن ولم يحصل الشعب العراقي سوى على النيّات الطيبة وتشخيص بعض مظاهر الفساد والتعهّد بمحاربة المفسدين، وها هو العام الأول يقارب على نهايته، ولكن لم يتحقق شيء جدي على الأرض.
هذه هي الفرصة الثانية والتحدي الأخطر أمام العبادي الذي حصل على شبه تخويل شعبي، لاسيّما بعد تصويت البرلمان للضرب بيد من حديد، كما قال، لمحاربة الفساد وملاحقة المفسدين ومساءلة المقصّرين.
التظاهرات المستمرة تختلف عن سابقاتها، فليس بالإمكان اعتبارها " مؤامرة" كما كان المالكي يصف حركة الاحتجاج، كما لم يعد بالإمكان إهمال المطالب الملحّة والآنية، التي أيدتها مجموعة رجال الدين في النجف، الداعمة للحكومات الشيعية المتعاقبة، لأن الأمر تجاوز حدوده الدنيا، وبات الانفجار العام وشيكاً.
التظاهرات الحالية أدانت الطبقة السياسية بمجموعها منذ الاحتلال العام 2003 ولحد الآن، فهل بإمكان العبادي تغيير قواعد اللعبة السياسية القائمة على المحاصصة واستبدالها بتشكيل حكومة تكنوقراط من كفاءات عراقية؟ أم إن المماطلة والتسويف ووضع العصي أمام عجلة التغيير ستمارسها القوى المتنفذة بحيث يتم إفراغها من محتواها بعد حين؟
ولعلّ ذلك أخطر ما يواجه العبادي إذا ما استمر الحال على ما هو عليه دون تحسّن يُذكر، فإن ذلك قد يقضي على مستقبله السياسي، وهو يدرك إن العملية معقّدة وأمامها الكثير من الألغام، حيث سيعمل المتضررين بكل ما يستطيعون على تخريب كل خطوة، وحسب العبادي نفسه " المسيرة لن تكون سهلة وستكون مؤلمة" وإن الفاسدين وأصحاب المصالح والامتيازات سيقاتلون من أجل منع الإصلاح.
وشدّد العبادي في حديثه أمام الشباب بمناسبة يوم الشباب مخاطباً إياهم " لن أدافع عن باطل ولن أدافع عن فاسد، ولكن لن أتقصّد أحداً. الفاسد لو كان من حزبي، أنا ضدّه، والصالح لو كان من حزب عدوّي ، أنا معه" وهذا سيعني إن قائمة الأعداء والخصوم " ستكون كبيرة وإن رؤوساً كثيرة ستكون ضمن قائمة المستهدفين، سواء من حزب الدعوة الحاكم الذي ينتسب إليه العبادي أو من القوى المشاركة بالعملية السياسية.
إذاً هل تعتبر خطة الإصلاح التي تبناها العبادي مغامرة غير محسوبة؟ وهل يستطيع تحقيقها؟ وماذا لو فشلت؟ وهل سيبقى العراق موحداً؟ إنها أسئلة تتعلق بصميم الحياة اليومية والضرورية والملحّة للناس، خصوصاً بعد أن فاحت رائحة الفساد وبدأت تتضخم ملفّاته التي تشمل كبار مسؤولي الدولية، لدرجة إن العراق منذ 13 عاماً يصنّف في أعلى هرم الدول الفاسدة حسب منظمة الشفافية العالمية.
العبادي وضع في خطته للإصلاح خمسة محاور كانت الاحتجاجات الشعبية قد طالبت بها، حيث شمل المحور الأول: الإصلاح الإداري، لاسيّما بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء وتقليص شامل وفوري لأعداد الحمايات وإبعاد المناصب العليا من المحاصصة وترشيق الوزارات.
أما محور الإصلاح المالي فقد ركّز على إصلاح نفقات وإيرادات الدولة، وشمل محور الإصلاح الاقتصادي تشكيل خلية أزمة لتنشيط موضوع الاستثمار والقطاع الخاص. وكان قطاع الخدمات من أهم القطاعات المقرّرة للإصلاح، لاسيّما بحل مشاكل الكهرباء. أما المحور الخاص بمكافحة الفساد فهو الأكثر حساسية ويشمل إطلاق حملة من أين لك هذا؟ وتعزيز دور الرقابة والعمل على كشف المُفسدين وفتح ملفات الفساد السابقة والحالية.
هل بإمكان العبادي البقاء في حزب الدعوة أو في حكومة محاصصة إذا استمرّ في توجهاته الإصلاحية؟ أم أن حزب الدعوة ونظام المحاصصة هما من سيلفظاه؟ وهذا يعني فشل مبادرة الإصلاح وبالتالي العودة إلى المربع الأول!!