كوردستان: دستور لتوزيع السلطة والثروة
وحيثما يقتضي مبدأ توزيع السلطات فنون السياسة فإن توزيع الثروة يحتم التقيد بأصول الإقتصاد وما يتبعة من ضرورات التنمية للموارد الوطنية. وكون الدساتير عمل بشري فانها لا تتسم بالخلود والأبدية وبالتالي فقد تقتضي التغيرات و التحولات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية الى تعديل الدستور او الغائه. فمن منطق التنمية المستدامة والتي جاءت وليدة حاجة ماسة الى إعادة النظر فيما يبدوا من إحتدام الصراع ما بين مفهوم الأمم والطبيعة (Nations Vs. Nature) ولضمان العدالة الإجتماعية للأجيال القادمة والإبتعاد عن التعسف في إستعمال السلطة فلا يكفي بأن تضع الدول دستورا يؤهلها لإقامة حوار بين السلطة والحرية بل يتعداه الى وضع أرضية صلبة لديمقراطية التنمية للثروة الوطنية الناضبة. فالتحديات المناخية وحسب آخر تقرير صدر من (G-7) في 2015 هو عبارة عن خطر كوكبي على الأمن القومي عموما في القرن الحادي والعشرين. وستتركز مفاهيم الأمن القومي تتدريجيا في قرن مليء بتحديات إجتماعية وإقتصادية وبيئية لم تعهدها المجتمعات البشرية من قبل على أمن الغذاء وأمن المياه وأمن الطاقة وتداخل الثلاثية معا في تحديد مفاهيم جديدة للقدرات الصلبة (Hard Power) للدول. وعليه واستجابة لهده التداعيات ينبغي ان يخضع الدستور للتعديل و المراجعة وذلك عن طريق اضافة بعض الفصول والمقتضيات القانونية للوثيقة الدستورية الأصلية او حذف بعض المواد منها او عن طريق الاضافة و الحذف معا.
ورغم أن سمو الدستور يكمن في أنها المادة التي من خلالها تستوحى الأنظمة والقوانين التي تسير عليها الدولة لحل القضايا بأنواعها ورغم سمو شريعة حمورابي في الإقرار بأن "مجد الملك في أن يكون أبا للجميع" إلا أن العراق عانى ومنذ تأسيسه ومازال يعاني من إشكاليات التوزيع غير العادل للسلطة والثروة والتي تمخضت عنها كل المشاكل السياسية والإجتماعية والإقتصادية والبيئية التي نشهدها لحد الآن. فالعراق الغني بموارده الطبيعية لا زال يفتقر الى فن إدارة هذا الغنى بطريقة رشيدة كان من الممكن أن يجنبه الكثير من الأزمات وبضمنها الأزمة الإقتصادية الحالية والتي جرت معها إقليم كوردستان أيضا. ومنذ كتابة دستور جمهورية العراق (الدستور الإتحادي) في 2005 كان لي ملاحظات عدة حول عدم وضوح مفردات بعض من المصطلحات التنموية وسياسات تنمية الموارد البشرية والطبيعية الواردة ضمن الإختصاصات المشتركة بين السلطات الإتحادية وسلطات الأقاليم الإتحادية (تشمل بنود من المادة 114) والتي بقناعتي ستكون لها إنعكاسات سلبية على واقع متطلبات التنمية الإقتصادية والأمن القومي سواء في العراق أو الإقليم. ورغم تقديم مقترحاتي الى اللجنة ذات العلاقة في بغداد عن طريق برلمان إقليم كوردستان بشأن أضافة عبارات كفيلة بسد الكثير من هذه الثغرات إلا أن الوقت كان قد فات لتدارك تلك الملاحظات حينها.
وأذا ما أخذنا بوجهة النظر القائمة على مدلولات بعض مواد الدستور الإتحادي ويضمنها المادة 120 والتي نصت على أن "يقوم الإقليم بوضع دستور له يحدد هيكل سلطات الإقليم وصلاحياته وآليات ممارسة تلك الصلاحيات على أن لا يتعارض مع هذا الدستور. وبالرجوع الى نص المادة 115 " كل ما لم ينص عليه في الإختصاصات الحصرية للسلطات الإتحادية بكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم والصلاحيات المشتركة بين الحكومة الإتحادية والأقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما" فالعبرة في داخل الإقليم يكون بقانون الإقليم. وعليه ولضمان أن يكون دستور إقليم كوردستان بمثابة عقد إجتماعي وإقتصادي وسياسي بين المواطنين لتوزيع السلطات والثروة الطبيعية معا وحيثما أمكن من الإستفادة من المدخل الدستوري للمادتين أعلاه ولمقتضيات المصلحة العامة ولممارسة مجلس الوزراء في الإقليم ما تخوله له الصلاحيات المشتركة على المدى البعيد نرى إنه بات من الواجب الآن إغناء مسودة دستور إقليم كوردستان بحيثيات البنود التفصيلية والتي يمكن أن تستوفي المعاني وغايات الأمن القومي والتي بدت غير واضحة المعالم ضمن بنود الإختصاصات المشتركة بين السلطات الإتحادية وسلطات الإقاليم (المادة 114) وبضمنها ما يلي:-
• ضرورة تحديد واضح المعالم لإختصاصات الحكومة في دستور إقليم كوردستان وذلك بإدارة حوض الأنهر الداخلية وكذا بالنسبة للسدود ذات العلاقة في الإقليم وذلك لعلاقة ذلك بتنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسية وتوزيعها (المادة أعلاه- البند ثانيا). علما بأن حيثيات ملف أمن المياه في الإقليم والمتكون من أربعة قوانين قد تم إعدادها وإن لم يتم مناقشتها جميعا في برلمان كوردستان.
• ضرورة تحديث سياسة الموارد المائية الداخلية (البند سابعا) وربطها في مسودة دستور إقليم كوردستان بمسألة تحقيق كلا من أمن المياه وأمن الغذاء.
• ضرورة تحديد الأبعاد الإقتصادية والإجتماعية في رسم السياسة البيئية في مسودة دستور الإقليم وذلك لأن البند ذات العلاقة (ثالثا) قد غلبت عليه العموميات.
• حرصا على ضمان إحتواء المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والبيئية في الإقليم جراء سياسات النظام البائد عبر ثلاث عقود ونيف والتي توجب حصة لمدة محددة للٌاقاليم المتضررة (المادة 112 من الدستور الإتحادي) فمن الضرورة رسم سياسة التنمية ذات الحلول المتكاملة وعليه وحيثما تقتضي حلول شاملة تضاف كلمة (مستدامة) الى كلمة (تنمية) في أي من المواد ذات العلاقة ضمن مسودة دستور إقليم كوردستان.
• ضرورة تبني مفهوم السيطرة النوعية ضمن رسم السياسة الصحية في مسودة دستور الإقليم حيث ورد رسم السياسة مقتبضا في الدستور الإتحادي (المادة 114 -البند خامسا).
• ضرورة تفعيل دور المرأة في دستور الإقليم والإرتقاء بها لمهام التنمية المستدامة وذلك ضمن رسم سياسة التنمية والتخطيط العام والذي ورد مقتبضا (المادة أعلاه – رابعا) في الدستور الإتحادي.
• ضرورة إدراج مادة في مسودة دستور الإقليم تتكفل فيه حكومة الإقليم بإصلاح الإقتصاد وفق أسس إقتصادية وتنموية حديثة مستوفية لمفاهيم التنمية الإقتصادية وبما يضمن إستثمار كامل موارده الطبيعية والبشرية وتنويع مصادر الدخل العام مع تشجيع القطاع الخاص وضمن مفهوم شراكة العام والخاص في هذه المجالات.
مستشار أقدم في التنمية المستدامة