كاظم حبيب
بالأمس (25/12/2014) استمعت إلى فيديو صورة وصوت للسيدة الدكتورة ماجدة التميمي، عضو مجلس النواب العراقي عن التحالف الوطني وعضو اللجنة المالية في المجلس) تحدثت فيه عن المليارات من الدنانير التي يراد بها تأثيث مكاتب نائبين لرئيس الجمهورية وعن المشاريع التي يتراوح عددها بين 6000 – 9000 مشروعاً لا تتحرك وتذهب أموالها التي تقدر بالترليونات من الدنانير العراقية هدراً وإلى جيوب أغلب من هم في المسؤولية وأجهزة الدولة ومن حولهم من مقاولين وغيرهم ومن أعضاء الأحزاب الحاكمة، ومنها التحالف الوطني الذي يضم الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية)... الخ. وأشارت بكلمتها إلى أن النواب والوزراء لا يقرأون الميزانية أو التقارير التي تردهم من الجهات المختصة. وهي بهذا تشير عملياً إلى النهب والسلب وشفط أموال الشعب من جانب تلك القطط السمان المتكاثرة التي لا تزال في الحكم وفي السلطات الثلاث. وهذه الجماعات تعرف تماماً ما يجري لأن أغلبهم يعرف ويشارك في كل ما جرى ويجري للعراق منذ 11 سنة وبعضهم أقدم من ذلك بكثير.
هذا المقطع الأفقي والعمودي الصغير الذي عرضته السيدة الدكتورة ماجدة التميمي، الذي وصلني عبر البريد الإلكتروني، أعدت إرساله إلى بعض الأصدقاء، فجاءتني ملاحظات كثيرة، أشير هنا إلى واحدة منها وصلتني من صديق عزيز ومناضل شهم وهو يتساءل فيها:
"كيف يمكن أن يتحرك إحساس الناس بما يجري؟ وكيف يمكن أن تصحو هذه الجماهير من غفوتها وحكامهم لا يشبعون من كل شيء؟ كيف يمكن أن تنام الجياع والفقراء والمحرومين والنازحين وهم يستمعون إلى حقيقة صغيرة مما يجري في بلد ينهشه ويقطع من جسده أشباه رجال وحكام الصدفة أقول متى، متى؟؟؟؟".
الصديق العزيز على حق في تساؤله، وهو قادر على الإجابة عن تساؤلاته دون أدنى ريب، وكل الملاحظات الأخرى التي وردتني تصب في المجرى ذاته.
نُشرت آلاف المقالات والدراسات والبحوث عن الواقع العراقي الراهن وعن بلوغ ثروة مجموعة صغيرة من حكام العراق الحاليين أكثر من 700 مليار دولار أمريكي، كما نشر عن الحكام المشاركين في نهب العراق أو مسؤوليتهم في نهبه، وبعضهم يكدس الأموال باسمه وبأسماء أقاربه في البنوك الأجنبية وفي قصور تشترى في بريطانيا والويات المتحدة وألمانيا وفرنسا واسبانيا وغيرها، وأغلبهم ما زال فاعلاً في الدولة والسلطات الثلاث. كل هذا معروف لي وللجميع وللحكام أنفسهم لأن أغلبهم مشارك في كل ذلك، فما العمل؟
نحن نواجه اليوم كما في الأمس وجود نظام سياسي ديني طائفي مقيت يمارس أساليب نتنة ويطرح المزيد من البدع الجديدة التي تساهم في مواصلة تزييف وعي الشعب العراقي وتعميق الصراع الطائفي بين السنة والشيعة وتعميق الكراهية لبقية أتباع الديانات والمذاهب بالبلاد. هذا النظام السياسي لقيط وطائفي ولا يمت بصلة لحضارة القرن الحادي والعشرين.
لقد ساهم العالم المتقدم والأمم المتحدة والنظم الرجعية الإقليمية في الكوارث التي تعيش تحت وطأتها شعوب منطقة الشرق الأوسط، ومنها شعب العراق، سواء أكان ذلك عبر الحروب أو الحصار الاقتصادي الدولي أو التدخل المباشر والفظ في شؤون هذه البلدان وفرض النظم عليها والتأثير المباشر على سياساتها وإبقاء شعوب المنطقة متخلفة في بنياتها الاقتصادية وفي بنيات مجتمعاتها وبالتالي ضعف وعيها بما يراد لها وما يجري في بلدانها أو حولها.
يواجه العراق ومنذ سنوات صراعاً طائفياً بين الأحزاب والقوى المتطرفة من الشيعة المغالين في البدع وفي الكراهية والحقد (هنا نجد ميليشيات مسلحة مثل عصائب أهل الحق ومنظمة بدر وجيش المهدي وجماعات في حزب الدعوة والمالكي على رأسهم وفي القوى الأخرى جماعات مماثلة)، وبين الأحزاب والقوى السنية متطرفة التي تأخذ بالتطرف الوهابي والمغالاة في الكراهية ورفض الأخر والقتل لمن لا يلتقي معهم في الغلو الإجرامي (وهنا نجد تنظيم القاعدة وتنظيم داعش وجبهة النُصرة والجهاد الإسلامي وهيئة علماء المسلمين وغيرها من التنظيمات والأحزاب السنية المتطرفة). وهذه القوى مجتمعة دفعت بالبلاد إلى الوضع الذي هي فيه الآن، استباحة الوطن والشعب والقتل المتواصل لأتباع الديانات الأخرى وفي صفوف الشيعة والسنة في آن واحد. كما نشأت صراعات على المصالح في داخل تحالفات هذه القوى الطائفية التي تقود البلاد إلى المزيد من التطاحن والموت والخراب.
إن تأشير الدكتورة ماجدة التميمي للفساد والخراب الأخلاقي والسياسي بالبلاد غير كاف من جانب شخصية في التحالف الحاكم ببغداد، فهذا التحالف هو المسؤول الأول عما جرى ويجري بشكل خاص، وتشارك معه القوى الطائفية الأخرى في الطرف الآخر.
إن المهمات التي تواجه القوى الديمقراطية العراقية كبيرة جداً وتفوق قدراتها الفعلية وطاقات عملها وإمكانياتها، إضافة إلى ضعف تحركها منذ البداية والذي ينعكس اليوم في قدرتها على التعبئة الفكرية والنفسية والسياسية لأوساط واسعة من الشعب. وتتحمل القوى اليسارية العراقية المسؤولية أيضاً، حين عجزت منذ البدء عن وعي ما يجري بالعراق ولم تبني سياساتها لمواجهة تلك القوى التي تسلطت على البلاد من خلال تشكيل تحالف سياسي يساري وديمقراطي واسع النطاق في السنة الأولى من سقوط الدكتاتورية حيث كان الشعار المناسب هو تعزيز القوى الوطنية والديمقراطية هو الطريق الناجع لمواجهة الوضع وتعزيز القدرات الذاتية لكل من هذه القوى والأحزاب. وحين أتحدث عن اليسار لا أبعد نفسي كفرد عن تحمل المسؤولية أيضاً، رغم محاولاتي الجادة في طرح رؤيتي الشخصية على مختلف قوى اليسار والديمقراطية العراقية منذ بدء سقوط الدكتاتورية البعثية الغاشمة وقبل نهوض الاستبداد الديني الطائفي بالبلاد.
نحن الآن أمام حاكم جديد تنتظر منه جمهرة غير قليلة من الناس أن يحقق كل شيء، في حين أنه مطوق بأفكار وسياسات وممارسات قادة حزبه والتحالف الوطني الذي ينتمي إليهما من جهة، وبمحدودية الفكر الشمولي الذي يميز أحزاب وقوى وشخصيات التيارات الإسلامية السياسية الطائفية عموماً، وعجزهم عن الخلاص من ذلك، إضافة إلى وجود منافسين ورافضين له في داخل التحالف الوطني، وقبل ذاك في داخل حزبه الذين يعرقلون تنفيذ حتى تلك الإجراءات البسيطة التي اتخذها حتى الآن. فالإرهاب ما يزال قائماً والفساد لم ينقطع أن لم نقل مستمر على قدم وساق وأكثر من السابق، (فالعراق سفينة على وشك الغرق إن لم تكن قد غطست كثيراً في الماء والوحل، وليأخذ منها ما فيها من يستطيع على ذلك قبل غرقها بالكامل!)، والقتال المستمر في العديد من الجبهات كراً وفراً والتقدم وتحقيق بعض النتائج الإيجابية, ولكن المشكلة في الظهير لهذه القوات، إذ إنها ما تزال دون ظهير سياسي واجتماعي واسع وداعم بسبب غياب الثقة المتبادلة بين القوى السياسية وجماهير واسعة وبين الحكومة الاتحادية من جهة وبين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم من جهة أخرى والتي تتجلى في أكثر من مسألة ومنها التسليح والتنسيق الضروريين.
إن الوعي الاجتماعي الطائفي المشوه والمزيف والعدائي الراهن يغذى يومياً من جانب كل القوى الإسلامية السياسية، وهي طائفية بامتياز. وهذه الأحزاب الطائفية بيدها السلطات الثلاث والإعلام والتثقيف في جميع مراحل التعليم بأفكارها المعوجة والمشوهة مما يجعل من قدرة القوى الوطنية واليسارية على التأثير المعاكس غاية في الصعوبة، ولكنها غير مستحيلة، إذ لا بد لنا أن نربط بين التوعية والتغيير الاقتصادي والاجتماعي في كل وقت ودون كلل. فالسعي للكشف عن بؤس السياسات الاقتصادية واستمرار الاعتماد على الريع النفطي يعزز استمرار وجود هذه القوى وثقافتها ووعيها المزيف سائداً ومؤذيا للمجتمع وللمطلوب من التغيير بالعراق.
إن الدعوة لتغيير البنية الاقتصادية تصطدم بجدار مرتفع وسميك أصم من جهة، إذ أنهم يخشون ما يعني ذلك من تغيير في البنية الاجتماعية الطبقية وفي الوعي الفردي والاجتماعي أيضاً، كما إن هناك جماعات التفكير النيوليبرالي التي راحت تدعو، في ظل الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة، إلى الأخذ بالنموذج المشوه الذي اتخذته دول الخليج الذي عمق تبعيتها وعرقل تغيير بنيتها الاقتصادية الريعية ونشوء اقتصاد وطني قائم على أرضية هشة سرعان ما تنهار به في ظل العولمة الرأسمالية الجارية من جهة ثانية. من يتابع النقاشات الجارية عبر قنوات التلفزة يدرك حقيقة ودور جماعة الفكر النيوليبرالي بالعراق وما يسعى إليه في المرحلة الراهنة والعواقب السلبية المحتملة على الاقتصادي العراقي حالياً وفي المستقبل.
إن المهمة ثقيلة، ولكن لا بد منها، والفترة يمكن أن تكون طويلة، ولكن ليس للمجتمع وقواه الديمقراطية خيار آخر غير وضع إستراتيج وتكتيك جديدين وعلى مختلف المستويات للحركة اليسارية والديمقراطية العراقية تتناغم مع وعيها بواقع العراق ومع حاجات وإمكانيات المجتمع ومع تعبئة واسعة لكل الطاقات الرافضة لنظام المحاصصة الطائفي اللعين مع استخدامها للمنهج العلمي في تحديد ما تسعى إليه على المدى القريب والمتوسط على أقل تقدير. إن الحركة البطيئة والمترددة في إدانة ما يجب إدانته أو السكوت عما لا يجوز السكوت عنه، تثقلان كاهل الناس وتبقي على وعيهم المزيف والمشوه الذي تسانده قوى محلية وإقليمية ودولية، بمن فيهم من يشارك في مواجهة الإرهاب الداعشي الإجرامي على الصعيدين الدولي والإقليمي.
إن حكومة الدكتور حيدر العبادي عاجزة حتى الآن عن اتخاذ ما يفترض وضعه من سياسات واتخاذه من إجراءات وتنفيذها. وهو لم يخف ذلك. حيث تدور في باله احتمال اغتياله. وهو ليس بالأمر البعيد عن الحصول، إذ إن من ينافسه مستعد لممارسة كل الموبقات للبقاء أو استعادة السلطة لذاته بشكل خاص. ولكن المساومة والتردد والبطء لا تخفف من هذا الاحتمال بل ربما تعجل به. إنه الواقع المعقد والصعب الذي يتحرك فيه العبادي منذ وصوله إلى رئاسة مجلس الوزراء. إن الحضيض الذي بلغه العراق في فترة حكم نوري المالكي ما يزال العراق يتحرك فيه، لأن المشكلة لم تكن في المالكي المستبد بأمره وحده، بالرغم من دوره المشين والأكثر خطورة، بل في النظام الطائفي المحاصصي الذي لبتلي به العراق والذي همش وأجهز على هوية المواطنة العراقية لصالح الهوية الطائفية القاتلة والمشوهة والمبعثرة لقوى المجتمع. وهو ما يعاني منه العراق حالياً أيضاً فليس هناك من حضيض أسوأ مما فيه العراق حالياً. فمتى سيخرج منه.. الأمر بيد الشعب وقواه السليمة!! كاظم حبيب