• Friday, 01 November 2024
logo

شعب إقليم كردستان يتحمل عبء الاحتضان الإنساني للنازحين والتضامني مع ضحايا الإرهاب الداعشي

شعب إقليم كردستان يتحمل عبء الاحتضان الإنساني للنازحين والتضامني مع ضحايا الإرهاب الداعشي
على امتداد الفترة الواقعة بين 1991-2003 استقبل شعب كردستان العراق الآلاف المؤلفة من الهاربين من سطوة وظلم واضطهاد نظام البعث الدكتاتوري والشوفيني ومن إرهاب الدكتاتور صدام حسين واحتضنهم وتقاسم معهم العيش في السراء والضراء وما كان متوفراً بإقليم كُردستان العراق، بالرغم من الصعوبات الكبيرة التي واجهت هذا الشعب خلال تلك الفترة العصيبة أيضاً. وهذه الحقيقة تؤكد الروح التضامنية التي يتمتع بها شعب كردستان بقوميته الكردية أو القوميات الأخرى المشاركة معه في التاريخ والنضال والعيش والمستقبل بالإقليم وبالعراق المشترك.
وفي فترات نضالية أخرى، أي قبل 1991/1992، حيث أعلنت فيدرالية إقليم كردستان العراق ضمن الدولة العراقية، كانت جبال وأرياف وقرى كردستان العصية على المستبدين وقواتهم المسلحة وجحوشهم ملاذاً آمناً للمناضلين من جهة، وموقعاً نضالياً للكُرد، أبناء الأرض، والعرب وغيرهم من المناضلين من قوميات أخرى، حيث حملوا السلاح بوجه الطغاة وقدموا من دماء الضحايا العزيزة الشيء الكثير التي سقيت بها أرض كردستان المعطاءة من جهة أخرى. لقد كانت كردستان موقعاً أمامياً، ومنذ الستينات من القرن العشرين، في نضال البيشمركة والأنصار الشجعان الذين قدموا نماذج مشرفة في سبيل "الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي ومن ثم الفيدرالية لكردستان العراق"، وفي سبيل حق تقرير المصير. وقد احتضن هذا الشعب هؤلاء المناضلين لسنوات طويلة ومريرة.
واليوم نحن أمام ملحمة جديدة ومأثرة كبيرة. لقد فتح شعب كردستان العراق قلبه وأرضه للنازحين والهاربين من اضطهاد النظام السوري الدكتاتوري المجرم، سواء أكانوا من الكرد أم من العرب، وسواء أكانوا من المسلمين أم المسيحيين، ممن تعرضوا للاضطهاد والملاحقة أو هروباً من حرب ضارية مدمرة تمارسها الدكتاتورية الغاشمة منذ سنوات ثلاث ضد الشعب السوري، ومن ثم تمارسها العصابات الإجرامية لقوى "النُصرة وداعش" و"حزب الله" بلبنان. ولم يكتف شعب الإقليم ومسؤوليه بذلك بل تم إرسال مجموعات نضالية مسلحة من بيشمركة الإقليم الشجعان إسناداً ودفاعاً عن أرض كردستان بسوريا، دفاعاً عن مدينة كوباني البطلة ودعماً لمناضليها الميامين. لقد أصبحت هذه المدينة تذكر الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي بحصار جحافل وقطعان النازيين الفاشست الألمان في الحرب العالمية الثانية لمدينة ستالينغراد (فولغاغراد) ومقاومة أهل المدينة والجيش الأحمر للغزاة الذين اجتاحوا الأرض والدولة السوفييتية حينذاك.
لقد اجتاحت عصابات داعش الإجرامية مدينة الموصل وتوسعت على مساحة واسعة من المحافظة وتمددت على مناطق أخرى من محافظة كركوك وديالى وقبل ذاك الأنبار وصلاح الدين حتى تخوم مدينة بغداد والتي أصبحت على بعد 21 كم منها.
لقد كان هروب القوات المسلحة العراقية المعسكرة في محافظة الموصل وتركها السلاح والعتاد والمعدات غنيمة لعصابات داعش الدموية سبباً لوقوع جرائم بشعة في الموصل وبشكل خاص إزاء المسيحيين حيث خيروا بين ترك دينهم والدخول في الإسلام أو القتل أو الهجرة من مدينتهم الموصل، فكانت الهجرة الجماعية لهم صوب إقليم كردستان العراق حيث احتضنهم شعب كردستان إضافة إلى الألوف المؤلفة النازحة من سوريا إلى الإقليم. ثم كان انسحاب قوات البيشمركة من سنجار وعدم الدفاع عنها أمام الغزاة المسلحين بسلاح الحكومة العراقية الذي جسد ضعف وجبن بعض قادة البيشمركة، وليس أفراد البشمركة الشجعان مما كان سبباً في احتلال سنجار وتعريض سكانها لمجزرة رهيبة ضد الإيزيديين الكرد وهروب واسع النطاق للنساء والرجال والأطفال والشيوخ والمرضى والمقعدين صوب جبال سنجار وفرض الحصار عليهم من قبل عصابات داعش واسر المئات من النساء والأطفال وهروب عشرات الألوف صوب محافظات الإقليم. ثم جاء نزوح الشبك والكاكائية وسكان تلعفر التركمان وغيرهم صوب محافظات الإقليم أيضاً وإلى مناطق أخرى. إن قوى الإرهاب الداعشي تنفذ اليوم جرائم إبادة جماعية وضد الإنسانية، جرائم يندى لها جبين البشرية كلها، في وقت تأخر المجتمع الدولي عن نجدة الذين تعرضوا للإرهاب بذريعة عدم تقدير قوة عصابات داعش الإجرامية، وهي ذريعة لا تصمد أمام حقائق الوضع على الأرض. إن المجتمع الدولي وحتى الآن لا يمتلك إستراتيجية واضحة ودقيقة لمواجهة عصابات داعش بالعراق وسوريا، وبالتالي فهي ما تزال تقتل البشر يومياً ويرتفع عدد الضحايا الأبرياء، في وقت تتحدث الولايات المتحدة عن سنوات لمواجهة هذه القوى بالعراق. وهو أمر مرفوض حقاً، إذ أن المطلوب تكثيف الجهود لوضع حد لهذه العصابات وإنقاذ الناس من الموت المحقق على أيديهم.
يتحمل الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي مسؤولية النهوض بمهمة دعم القوى المناضلة بالعراق إزاء ما يجري بمحافظات نينوى والأنبار وديالي وصلاح الدين وبعض المناطق التابعة لمحافظة كركوك أو المناطق المجاورة لمحافظة بابل بحيث تستطيع النهوض بمهمة مقاومة وطرد الغزاة من أرض العراق. إن أي يوم إضافي تبقى فيه هذه العصابات على أرض العراق لا يعني سوى المزيد من القتلى والجرحى والمغتصبين والمشردين والنازحين، سوى ارتكاب المزيد من البشاعات بحق الإنسان العراقي امرأة كانت أم رجلاً. إن الكارثة التي تعرض لها الإيزيديون، وخاصة النساء يكشف عن الوجه الأسود والقبيح لقوى الإسلام السياسي الإرهابية المتطرفة والتكفيرية، هؤلاء القتلة الذين راحوا يبيعون النسوة المسيحيات والإيزيديات في سوق النخاسة. لقد تجاوز هؤلاء على ضير الإنسان العراقي على حضارته وتراثه الثقافي على الناس الإيزيديين والمسيحيين الذين كانوا من بناة حضارة العراق القديمة وتراثه الإنساني.
إن شعب كردستان بحاجة إلى دعم دولي واسع من أجل توفير مستلزمات احتضان اللاجئين الهاربين من مناطق سكناهم، بحاجة إلى احتضان النازحين من سهل نينوى والمناطق الأخرى، أو النازحين من الحرب الدموية بسوريا، ومن أجل توفير السكن والعيش اللائق والكريم المؤقت لهم إلى حين رفع الغمة عن هؤلاء الناس وعن الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية وعودتهم إلى مناطق سكناهم.
إن الحاجة ماسة إلى دعم مالي وخبرات فنية وقدرة على التعامل مع الإنسان العراقي، بحاجة إلى رعاية مؤسسات دولية لها خبرة في إعادة تأهيل الناس الذين تعرضوا للملاحقة والإرهاب والتعذيب أو الاغتصاب أو تغيير الدين بالرغم منهم، إن الحاجة ماسة لعلماء عراقيين وأجانب في مجال علم النفس لمعالجة من تعرض لكل ذلك لاستعادة هؤلاء الناس ثقتهم بنفسهم واستعادة كرامتهم التي أريد انتهاكها من قبل عصابات الجريمة المنظمة، عصابات داعش الدموية ومن يقف داعماً لهم بالمال والسلاح والمقاتلين الأوباش من وراء حدود العراق وعلى الصعيد العالمي..
إن الحاجة ماسة، وكردستان مقبلة على فصل الشتاء، إلى السكن المناسب والأغطية والأفرشة والمعدات الضرورية للعيش فيها تجنباً للمزيد من متاعب المرض المحتمل وخاصة أولئك الإيزيديون المحاصرون في جبل سنجار والذين صعب إنقاذهم حتى الآن من حصار داعش لهم أو الذين يعيشون في مخيمات لا تتوفر فيها أبسط وسائل العيش الكريم.
لم يكن شعب كردستان مهيئاً، ورغم تجاربه المريرة السابقة والطويلة، لاستقبال مثل هذا العدد الكبير جداً من النازحين من مناطق غرب العراق، وقبل ذاك من جنوبه ووسطه، ومن ثم من شمال العراق ومن بعض المناطق الكردية التي تم اجتياحها من قبل عصابات داعش مثل خانقين والسعدية ومدن أخرى في ديالى أو النازحين من سوريا. ولهذا يستوجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم المادي السريع. كما يفترض أن تقوم الحكومة العراقية بتقديم الأموال الضرورية لشعب كردستان وللحكومة الكردستانية من أجل النهوض بأعباء هذه الفترة العصيبة والاستثنائية التي يمر بها الإقليم والعراق عموماً.
لقد استطاع شعب كردستان وكذلك قوات البيشمركة التغلب على الصدمة الأولى وتجاوزها والنهوض بأعباء مقاومة قوى الاجتياح والغزاة في مناطق سهل نينوى ومناطق أخرى وأن يجد السبل الكفيلة بالتعاون مع القوات العراقية في مناطق أخرى لمواجهة قوات داعش الإجرامية. لهذا فأن مهمة المجتمع الدولي لمساعدة شعب كردستان لا تقتصر على الجانب الإنساني فقط، بل لا بد من الاهتمام بتوفير السلاح والعتاد والمعدات العسكرية الأخرى الضرورية والتدريب العسكري لرفع القدرات الدفاعية والهجومية لقوات البيشمركة للتصدي لقوات داعش ودحرها وطردها من أرض العراق. لم يكن موقف رئس الحكومة العراقية نوري المالكي سيئاً إزاء إقليم كردستان العراق في موضوع التسليح فحسب، بل كان أقرب إلى الخيانة منه إلى السوء، والذي لم يتجل في منع السلاح عن الإقليم والاتهام بأخذ السلاح من إسرائيل وهو يعرف كذب هذا الادعاء فحسب، بل ووضع القوات العسكرية العراقية الموجودة بمحافظة نينوى على أتم الاستعداد لمواجهة قوات البيشمركة التابعة للإقليم وضد أهل الموصل وليس لمواجهة قوات داعش الدموية. وهذه الحقيقة التي برزت الآن هي التي سمحت بانسحاب القوات العسكرية العراقية المعبأة طائفياً فوراً من الموصل وترك شعبها دون حماية ودون مقاومة أو عدم الدخول بأي معركة ضد عصابات داعش الإجرامية وترك المعسكرات بسلاحها وعتادها ومعداتها للعصابات الغازية. وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يعتقد بأن هذا الاجتياح يمكن أن يكون بمثابة عقوبة ضد الإقليم ومحافظة الموصل ومن ثم سيطلبون مساعدته ليحرر المنطقة كـ"بطل مغوار!" كمنقذ لهم!! وبالتالي سيفرض عليهم طائفيته كما يشاء!!! تباً لك منرجل بائس وخاب فألك أيها المستبد الصغير الذي زج العراق، بسبب سياساته وجهله وطائفيته المغالية والمقيتة، الشعب العراقي بكل مكوناته القومية في أتون حرب دموية كلفت حتى الآن وستكلف الشعب العراقي المزيد من الضحايا والكثير من الخسائر المادية والحضارية.
إن المهمة المركزية التي تواجه الشعب الكردي في هذه الفترة العصيبة من حياة الإقليم والعراق أن يحافظ على وحدته الضرورية جداً في مواجهة الغزاة وكل أعداء الشعب الكردي والأمة الكردية وكردستان. إنها الضمانة الفعلية لحل المشكلات القائمة مع الحكومة العراقية والتي أعاق حلها نوري المالكي حتى الآن، ومنها ما نصت عليه المادة 140 من الدستور العراقي الخاصة بما أطلق عليه بالمناطق المتنازع عليها وخاصة محافظة كركوك.
Top