"الفوضى" في العراق ... نهاية " الحلم " الامريكي
ان الذي يحدث في العراق هو نتيجة منطقية لسياسات غير منطقية وفاشلة. ان ماينتج عن النظام السياسي من أفعال ونشاطات هي مرهونة بما يخطط لها النخبة السياسية الحاكمة في الدولة وهذا يعني وعلى ضوء اطروحات الفيلسوف الالماني البارز ( أمانوئيل كانت ) أنه بمقدمات منطقية وطريقة تحليل صحيحة نصل الى نتائج صحيحية وانه من نسيج انسان فاسد لايمك ان نتوقع أي شيء صحيح مطلقا. هذه هي حالة العراق الان : نخبة سياسية حاكمة فاسدة تتخذ سياسات وقرارات خاطئة أوصلت البلد الى حالة أسماها اليوم مجلة ( السياسة الخارجية) الامريكية الشهيرة ب ( العراق يتهاوى Iraq is Falling Apart) ,وان واشنطن ليست لديها الاالقليل لكي تتحرك.ووصف الصحفي البريطاني المعروف ( باتريك كوبيرن) في مقالة له في ( الاندبيندنت) البريطانية الوضع في العراق كالاتي: " القوات الحكومية تتفكك... المخاوف من أن الانتفاضة تؤدي الى انهيار النظام الذي تدعمه USA ... انها نهاية الحلم الامريكي..."
من يوم الاربعاء الماضي حدث انهيار الجبل الجليدي في العراق بفعل سيطرة المسلحين على ثاني أكبر مدينة في العراق : الموصل(حوالي 2 مليون نسمة) ، وبدأت عملية خلط أوراق جديدة أربكت المشهد السياسي والعسكري في المنطقة.هذا الوضع أظهر حقيقة السلطة السياسية في العراق: سلطة هشة تحكم دولة هشة ، قوات عسكرية تنهار دون معارك تذكر بالشكل الذي يذكرنا بانهيار القوات العسكرية العراقية ابان دخول القوات الامريكية الى بغداد( وكأن التاريخ يعيد نفسه) ولكن مع فارق مهم وهو: أن الانهيار الاول ادى الى سقوط نظام الحكم برمته ، بينما الانهيار الثاني يترنح من أوجاع الضربة القوية ويحاول ان يستفيق عله يستطيع ان يمنع الانهيار. هذا الانهيار والسقوط يصفه الصحفي المرموق ( غسان شربل) في (الحياة ) في 12 حزيران بأنه : فضيحة كاملة ومدوية... USA أصيبت هي بالذهول بعد أعوام من عملية الاعداد و التدريب والتجهيز للجيش العراقي الجديد بلغت مصوفاتها أكثر من 25 مليار دولار( والتي معظمها في الموصل وكركوك تركت هكذا في العراء) وذلك لاجل تحقيق أوهامها في بناء دولة جديدة على أساس من العملية الديمقراطية التي انهارت في أول انتكاسة لها في 2009 من عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات وابقاء المالكي على كرسي الحكم رغما من ارادة الشعب حيث أكد المالكي: هل هناك أحد يستطيع أن يأخذها منا (يقصد السلطة) حتى نعطيها له .وبذلك بدأت عملية " انتاج الديكتاتورية" أو " انتاج التسلط والطغيان " في العراق مرة اخرى.
وعليه نتساءل : مالذي يحدث في العراق ؟ مامعنى هذه الاحداث المتسارعة التي اقلقت المنطقة والعالم؟ الى أين تتجه هذه الاحداث وماذا سينتج عنها وماهي اثارها ونتائجها؟
يعتقد ( كوبيرن) أن التطورات الاخيرة هي بلا شك أحداث ستؤثر في مختلف أنحاء الشرق الاوسط وبشكل سريع ، ويرى أن توازن القوة Balance of Power في العراق قد تغّير بشكل دراماتيكي وأن قوة تنظيم المسلحين تتزايد.ان سقوط الموصل ضربة قوية موجعة للحكومة العراقية.انه انهيار كامل للقوات العراقية العسكرية.
وفي راي موسكو الذي صرح به وزير الخارجية ( سيرجي لافروف ) أن مايجري في العراق هو دليل على فشل مخططات USA وبريطانيا.
أمام هذه الحالة فان حالة " عدم اليقين" بدأت تظهر ملامحها لدى USA حيث الرئيس الامريكي ( أوباما) يؤكد أن كل الخيارات مفتوحة وأن الادارة الامريكية تبحث وتناقش هذه الخيالرات . هذه الحالة رسخت ماكان يقال عن الادارة الامريكية في عهد (اوباما) بانها ادارة تاخذ وقتها للتمعن في التفكير البطيء. ولكن الاحداث المتسارعة لاتعطي الفرصة لهذا النوع من التفكير لذلك حاول (أوباما) اليوم 13 حزيران أن يسلط الضوء على مايمكن ان تقوم به أمريكا حيال التطورات الدراماتيكية الجارية على الواقع في العراق حيث أكد أن USA
لن نشارك في عمل عسكري في غياب خطة سياسية يقدمها العراقيون و أنه من دون وجود اتفاق بين الفصائل في العراق لا جدوى لأي عمل عسكري. وأنتقد ( أوباما) الحكومة العراقية برئاسة المالكي وبصورة غير مباشرة عندما حمل القوات العراقية
مسؤولية ما يجري على الأرض لانها تقاعست عن حماية المدن والقرى العراقية و أن هذه القوات لديها مشكلة في العزيمة والالتزام بسبب الوضع السياسي المتأزم. ووجه انتقادا شديدا للقادة العراقيين حينما قال أنهم لم يستطيعوا تجاوز الخلافات الطائفية بينهم، وهو ما خلق وضعاً هشاً في البلاد. وبعد ذلك أعطى ( أوباما) درسا مهما للقادة العراقيين في كيفية ادارة الدولة والحكم عندما قال: "على القادة العراقيين اتخاذ قرارات صعبة والتوصل لحلول وسط للحفاظ على وحدة بلادهم" . نعم أنه درس مهم ويمثل المبدأ الاساسي في الادارة والحكم.ولكن نتساءل كيف يتحرك (أوباما) هنا في أحداث العراق لاجل اتخاذ القرار الحاسم ؟ الصحفية البارزة ( راغدة درغام) كتبت في صحيفة (الحياة) في 13 حزيران أن( أوباما) عليه ان يتعمن في انعكاسات أية خطوة يخطوها في العراق وكذلك في سوريا على المفاوضات النووية الجارية مع طهران وأنه مع سقوط الموصل فان الوقت قد حان لاجل التفكير الجدي في الخيارات المتاحة ( مجلة الفورن بولسي الامريكية تؤكد أن هذه الخيارات محدودة) وقبل فوات الاوان.وتضيف : "أولى تلك الخطوات يجب أن تبدأ بالتفاهم ثنائيا مع الجمهورية الاسلامية الايرانية على ضرورة ترحيل نوري المالكي الى دولة مجاورة صديقة لطهران لعلها مثلا تكون عمان (سلطنة عمان) ، هذا اذا كانت واشنطن تريد حقا انقاذ العراق من التشرذم.أما اذا كانت الخطة أساسا تهدف الى تقسيم العراق ووضع جنوبه في العهدة الايرانية كجزء من خرطة التفاهمات الاقليمية ، فان تمكين تنظيم " داعش" من النمو كجيش صغير متحرك عبرالحدود العراقية – السورية ، هو جزء من تلك الخطة"
الخطة الثانية تروق لطهران التي فيها ازالة لخطر العراق الاسترتيجي ومصرة ان يصبح العراق في " الحظيرة الايرانية" وترى في المالكي ( بعلمه أو دون علمه) خير من يضمن له هذه الشيء لذلك لاتريد التخلي عنه طوعا . اذا خيّرت طهران بين عراق هش ولكن موحد برئاسة المالكي وعراق ممزق ومقسم فان طهران تفضل العراق المقسم الذي يعطيه الفرصة للهيمنة على جنوبه لانه سيصبح جزءا من الهلال الشيعي الممتد من شرق السعودية الى جنوب لبنان.أي خيار وحظ للعراق.العراق الان على حافة الانهيار يتوجه نحو الحرب الاهلية ( دعوة المالكي لانشاء جيش رديف للجيش النظامي أي الرجوع الى المليشيات كما هو الواقع في الحروب الاهلية وكذلك دعوة رجال الدين الشيعة بحمل السلاح ) والتشرذم ولا أحد سيكون رابحا ربما باسثناء اقليم كردستان. فالعراق بدلا ان يكون لاعبا رئيسيا ، كما كان في السابق، في المعادلة الاقليمية والدولية ، اصبح كالبيدق في الشطرنج تلعب به الدول الكبرى والاقليمية للسيطرة عى الشرق الاوسط .هذه السيطرة وهذا التنافس القوي الذي بدأ بعد 2003قد يفتح الباب على مصراعية ل" خرائط الدم
Blood Borders: How a better Middle East would look,
" على حد تعبير ( رالف بيتر) في دراسته في 2006 حول مستقبل الشرق الاوسط.
يقترح ( غسان شربل) في (الحياة) في 12 حزيران أنه لابد من قيام وحدة وطنية وأن العراق بحاجة الى تسوية تأريخية تنقذ العملية السياسية ( وهذا مادعى أوباما القادة العراقيين للتفاهم) وهي فرصة للانقاذ .
نعود للتساءل: كل هذه الاراء هل تجدي نفعا اذا كانت هناك خطة مسبقة أعدت لاحداث هذه التطورات لاجل ماكان يقال منذ سنوات عن: الشرق الاوسط الجديد ، خرائط الدم ، التقسيم الناعم للعراق ،فيدراليات للعراق ، كونفدراليات عراقية ... والخ من الافكار والتأملات والاوهام؟
أن العلاقات الدولية هي في حالة داينميكية متحركة تحركها المصالح وهذه الحقيقة هي موجودة منذ تأسيس المجتمع السياسي والدولة – المدينة
Nation-State والامبراطوريات والدولة – الوطنية City –State
والحالة العراقية ليست باستثناء : هي تحركها المصالح الفئوية والمذهبية والقومية والاقليمية والدولية . في هذا الوضع المعقد المتشابك نحتاج الى تفكير عقلاني للخروج من هذه الحالة الكارئية ولانحتاج الى عقليات مغامرة على طريقة (نابليون بونابارت ) الداعي الى : لنخاطر ثم لنرى.
MAP OF THE NEW MIDDLE EAST