إلى أين ستقود سياسات المالكي إزاء العراق وإقليم كُردستان العراق؟
• مواصلة السياسة الطائفية السياسة المعطلة للوحدة الوطنية وروح المواطنة والمعبئة للاصطفاف والاستقطاب الطائفيين والمحفزة لمواصلة الصراع الداخلي.
• تصعيد تدريجي للهيمنة والاستبداد الداخلي ومصادرة الحريات العامة بما لا يسمح بنشوء ضجة دولية والاقتراب أكثر فأكثر من سياسة غيران والتحالف معها.
• ممارسة سياسة تساعد على استفزاز رئاسة وحكومة الإقليم ودفعهما باتجاه اتخاذ قرارات خاطئة يستفيد منها رئيس الوزراء العراقي لمواجهة الكرد بعمليات عدائية تتصاعد تدريجاً وتصل إلى مدى ابعد وربما غلى عدوان فعلي على المنطقة بذريعة حماية العراق، وهي سياسة مقاربة لما عمل إزاء المحافظات العراقية الغربية وما يجري اليوم فيها هو جزء من صنع المالكي فعلياً. وهذه الخطوة ستكون القادمة وبعد أن يترشح للمرة الثالثة لرئاسة الوزراء ويواصل حكم البلاد، إذ عندها ستكون الفرصة مواتية له لتنفيذ مثل هذه السياسة التي مارسها الكثير من حكام العراق على امتداد الفترة الواقعة بين إلحاق ولاية الموصل بالعراق في العام 1926 وسقوط الدكتاتورية البعثية الصدامية الغاشمة في العام 2003 والتي كانت كلها فاشلة ولكنها تسببت في مئات ألوف البشر بين قتيل وجريح ومعوق ومغيب.
ليست التهديدات الحماسية المتواصلة التي يطلقها الدكتور حسين الشهرستاني، نائب رئيس الوزراء والمسؤول عن ملف النفط، وليس توقف وزير المالية عن دفع حصة الإقليم من رواتب موظفي الدولة العراقية، هما بمعزل عن موقف رئيس الوزراء العراقي وقراره بهذا الصدد. فهذه كلها بمثابة بالون اختبار لما سيكون عليه موقف العرب بالعراق ومواقف الأحزاب والقوى السياسية العراقية من هذا الإجراء أولاً، وكذلك بمثابة بالون اختبار للولايات المتحدة الأمريكية ومدى سكوتها عن مثل هذا الإجراء المجحف ثانياً، وكيف سيتصرف الكرد إزاء هذا الإجراء ثالثاً. وعليه فإن هذا الإجراء غير معزول عن مخطط سياسي متكامل يسعى رئيس الوزراء العراقي تنفيذه مع الحكومة الإيرانية، وربما بالتنسيق مع تركيا، في المستقبل غير البعيد، إذا ما توفرت شروط ومستلزمات ممارسة تلك السياسة التي يعمل المالكي على توفيرها ودفع الكرد باتجاه ارتكاب أخطاء من وجهة نظره تكون ذريعة لممارسة سياسة عسكرية وأمنية بدلاً من المفاوضات والحوارات للوصول إلى حلول عملية للمشكلات القائمة.
إن إدانة قوى الإرهاب الدولي والإقليمي كـ "داعش" (دولة الإسلام في العراق والشام) وتنظيمات إرهابية أخرى ومليشيات طائفية مسلحة وإرهابية لا تمنع، وينبغي لها أن لا تمنع، تأكيد حقيقة أن نوري المالكي بسياساته الطائفية المبتذلة، قد ساعد بل وساهم بجدية هادفة، إضافة إلى سلوك وسياسات القوى القومية المتطرفة والطائفية المماثلة في التشدد من الطرف الآخر، في الوصول إلى ما هو عليه الوضع في المحافظات الغربية، وبشكل خاص في الفلوجة، حيث استطاعت قوى الإرهاب الدموي أن تبني أو تعيد بناء بنيتها التحتية وتعود إلى نشاطها الإجرامي بأقوى من السابق. وهذا الواقع ساعد الملكي في الوصول إلى عواقب عدة سيئة بالنسبة للشعب العراقي، وهي:
** تفاقم الاصطفاف والاستقطاب الطائفي لصالح على صعيد البلاد كلها بسبب سياساته بهدف الفوز في الانتخابات القادمة وترشيحه لتسلم رئاسة الحكم للمرة الثالثة بالبلاد؛
** تفجير الحرب ضد الإرهاب في تلك المحافظات بما يساعد في حصوله على تأييد من المجتمع ومن القوى السياسية التي تقف أساساً ودوماً ضد الإرهاب، ولكنها في الوقت نفسه تهدف إلى الانتقام من القوى والأحزاب الأخرى السنية والقومية.
** وتحت غطاء محاربة الإرهاب يمارس المالكي سياسة عسكرة البلاد باتجاهين: المزيد من القوات المسلحة بكل أصنافها والتي ارتفع عددها حتى الآن عما كانت عليه في زمن صدام حسين؛ وزيادة تسليح العراق وإقامة ترسانة سلاح متنوعة ليست لأغراض الدفاع فحسب، بل وفيها أسلحة هجومية، سواء حصل عليها من روسيا الاتحادية أم من الولايات المتحدة أم من دول أخرى ومنها إيران. وستصل مشتريات العراق من السلاح من مختلف الجهات إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار أمريكي وستزداد شهراً بعد آخر وسنة بعد أخرى إذا ما استمر نوري المالكي في الحكم.
** وعلينا هنا التنبيه إلى إن شراء النظام الطائفي العراقي للسلاح يتم حالياً عبر أسلوبين معروفين دولياً مارسهما صدام حسين من قبل وهما: 1) عقد اتفاقيات رسمية بين الحكومة العراقية وحكومات أخرى بالعالم/ منها الولايات المتحدة وروسيا وبعض جمهوريات يوغسلافيا السابقة أو بعض دول شرق أوروبا؛ و2) عبر السوق السوداء، أو ما يسمى بالسوق الموازي، وخاصة من إيران أو من دول أخرى عبر تنظيمات مافيا السلاح الدولية. وقد استطاع نوري المالكي أن يتخلص من رقابة البنك المركزي على الأموال والصرف الحكومي العلني والسري من أجل تنفيذ سياساته العسكرية ودعم إيران وسوريا في آن واحد ووضع موظفين على استعداد كامل للسكوت عن سياسات وصرفيات النظام، أو إنه من المساندين فعلياً لسياسات المالكي العسكرية ومن أتباعه.
** يسعى المالكي إلى وضع البلاد كلها عند حافة حرب طائفية محتملة تدفع بالسكان الشيعة إلى الشعور بخطر داهم ما لم يساندوا نوري المالكي، كما ستجد الأحزاب والقوى الإسلامية السياسية الشيعية نفسها تحت ضغط داخلي وإيراني للموافقة على ترشيح المالكي. وما انسحاب مقتدى الصدر من اللعبة السياسية سوى التعبير الصارخ عن هذا الضغط المتفاقم عليه من إيران وعجزه عن احتماله. وما استقالته إلا الهروب من مواجهة المالكي مباشرة والذي ترفضه إيران في هذه المرحلة على الأقل.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فبعد انسحابها العسكري من العراق فسحت المجال تماماً للنفوذ الإيراني في أن يسيطر على الساحة السياسية العراقية وعلى الحكم، بما في ذلك تعيين رئيس الوزراء، كما حصل في العام 2010. وإيران هي الدولة الفاعلة بالعراق وهي المهيمنة على المفاتيح الأساسية للسياسة العراقية. لقد فقدت الولايات المتحدة دورها وتأثيرها لصالح إيران، وليس لصالح الحريات العامة والحياة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، كما إنه ليس لصالح الاستقلال والسيادة الوطنية، لأن الولايات المتحدة ساهمت في تكريس النظام الطائفي السياسي بالعراق ولم تقف بوجه التفريط الذي مارسه المالكي بالصحوات السنية التي تشكلت بدعم من الولايات المتحدة لمواجهة قوى القاعدة الإجرامية. ومن القراء والقارئات من يتذكر ما قاله المالكي بعد انسحاب القوات الأمريكية مباشرة، ولم يقلها قبل ذاك : "أخذناها بعد ما ننطيها, بس هو ليش أكو واحد يگدر بعد يأخذها منا".
والسؤال الذي يواجه كل كاتب عراقي هو: هل سيكون في مقدور نوري المالكي تنفيذ هذه السياسة الأمنية والعسكرية الخطرة والقاتلة بالعراق؟
إذا استمر الوضع على هذه الحالة دون تغيير جدي يذكر في العوامل الفاعلة والمؤثرة في البلاد سيكون في مقدور المالكي تنفيذ سياسته المغامرة والمميتة، خاصة وإن الوعي الديني والاجتماعي ضعيفان جداً لدى الغالبية العظمى من سكان العراق ويخدمان توجهات المالكي ولا يدرك كل الناس نواياه الفعلية. كما إن القوى المناهضة لهذا التيار المغامر في السياسة العراقية ما تزال ضعيفةً وغير قادرة على فرض توجهها الوطني والديمقراطي على السياسة الطائفية المناهضة للوطن والمواطنة العراقية المتساوية والموحدة. كما إن إمكانية تنفيذ مثل هذه السياسة تعتمد على سياسة رئاسة وحكومة إقليم كردستان العراق ودورها في إسقاط أو إنجاح الذرائع التي يعتمدها رئيس وزراء النظام الطائفي في توفير مستلزمات تنفيذ سياساته. كما إن هناك العامل الدولي، وليس الولايات المتحدة وحدها، فالسياسة الأمريكية تشير يومياً إلى فشلها الذريع في معالجة مشكلات الشرق الأوسط، الذي يمكن أن يلعب دوراً إيجابياً أو سلبياً في منع تلك السياسة أو دعمها من خلال سبل معالجة المجتمع الدولي للأوضاع الراهنة في منطقة الشرق الأوسط. فالوضع في سوريا ولبنان وغيرهما يشجع رئيس الحكومة العراقية الراهنة على التصور بأن في مقدوره التوجه ضد رئاسة وحكومة الإقليم وإشعال نار الفتنة القومية والطائفية في آن.
ينبغي لكل كاتب أن يفكر بالطريقة التي يتعامل بها رئيس الوزراء العراقي مع الأحداث، فهو رجل متآمر ومستعد للمغامرة، كما يعتقد بأنها ستكون محسوبة العواقب، ولكنه سيورط الشعب العراقي ومن جديد بأوضاع شبيهة بما كانت عليه في زمن الدكتاتور السابق. فالدكتاتور الجديد ما يزال يحس بقيود نسبيةً حتى الآن بفعل عوامل أخرى تحد من قدرته على إطلاق كامل سلوكياته الاستبدادية والممارسات التي يريد القيام بها. إنه التنبيه والتحذير الذي لا بد من توجيهه للشعب العراقي بكل قومياته وفئاته وقواه السياسة والاجتماعية والثقافية والدينية. نحن أمام مفترق طرق لا تبدو اليوم كامل معالمه وبوضوح تام للجميع، ولكن سرعان ما سيتكشف لكل ذي عينين وبصيرة. إن هذا الاحتمال ليس الوحيد لمسيرة العراق اللاحقة، ولكن السياسات الراهنة تدفع باتجاه هذا الاحتمال، وعلى عاتق كل القوى السياسية الواعية والمدركة والمستوعبة لدروس العقود المنصرمة تقع مسؤولية العمل لتغيير هذه الوجهة لصالح عراق مدني ديمقراطي اتحادي سلمي.