• Friday, 22 November 2024
logo

تنويه و نبذة عن السياسة الخارجية لإقليم كوردستان

تنويه و نبذة عن السياسة الخارجية لإقليم كوردستان
في عالم يعيش باستمرار في التغييرات , حيث تصنيف القوى و مصادرها , و فهمها لقوى و شبكات العلاقات و التحالفات الإقليمية و الدولية و مشروعية و إمكانيات الأفراد و الوحدات على ساحة العلاقات الدولية (الدولة – الأمة Nation states ) أو غير الدولية Non state Sub –National or Actors))
ستصبح تحالفات الأمس وعداوات اليوم و تتغير إلى تحالفات اليوم و عداوات الأمس , إلا أنّ هناك بين كل هذه العوامل المتغيرة في السياسة الخارجية والعلاقات الخارجية ؛ عاملين ثابتين في مسار السياسة الخارجية و العلاقات الدولية , وهما مسألتا : (القيم Values والمصالح - Interests ) إلا أنّ هناك بينهما تصنيفاً وفقا الزمان و المكان و تقدم أحدهما على الآخر في حراك أو قرار ذي علاقة بالسياسة الخارجية أو العلاقات الدولية هو في تغيير مستمر . و هو ذات العامل الذي يضفي الحراك المستمر و الديناميكية على طبيعة عمل السياسة الخارجية .
نحن في ذلك لسنا بصدد إجراء تحقيق دقيق في مقالنا هذا , بل إنّ جل ما نريده هو مجرد تنويه مقتضب إلى فهمنا و تفكيرنا كأساس و مبدأ للسياسة الخارجية لإقليم كوردستان و الذي يستقي مصادره من منهاج الحزب الديمقراطي الكوردستاني , والإطار العام المتمثل في قيادة الحزب و توصيات و توجهات و قيادة الرئيس مسعود بارزاني.. و بصورة عامة فإنّ العلاقات الدولية و مدى تفعيل السياسة الخارجية لأية وحدة أو شخصية دولية , لهي بحاجة إلى معلومات دقيقة لأجواء فهم بيئة العلاقات الدولية في الوقت الراهن و الوقوف على توجهاتها و معطياتها المستقبلية , ثم إنّ ما يجري الآن في تلك البيئة هو نوع من المرحلة الانتقالية , أي أنّ الأوضاع التي سادت في خضم انتهاء نظام القطبين و قصر الهيمنة الأمريكية و سير العالم نحو " تعددية الأقطاب " "Multi polar " قد أوجدت نوعاً من الأوضاع الدولية التي لا يمكن فيها اتخاذ قرارات حاسمة إزاء المسائل الدولية ذات العلاقة بالسلم و الحرب , كما أنّ دور الولايات المتحدة القوية آخذ إلى الإحباط في بعض المناطق أو تعجز على الأقل عن تحقيق ما هو متوقع منها .. أمّا بقية القوى العظمى في العالم ,فإنها إمّا لم تبرز بعد بصورة كاملة , أو لا ترغب أو تعجز عن أداء دورها في حماية الاستقرار الإقليمي و الدولي .. و يؤدي كل ذلك بالتالي , وأكثر من أيّة مرحلة أخرى تاريخية إلى تزايد العديد من المسائل المعقدة على المستوى الدولي و التي لا يمكن إيجاد حلول لها بصورة سهلة ,أمثال مجريات سوريا في المعلومات غير المعروفة
(The known Unknown ) فالمعروف , على سبيل المثال أن الولايات المتحدة و إيران سائرتان الآن نحو نوع من التفاهم و التقارب إلا أنه من غير المعلوم إلى أي مدى تسير تلك التوجهات و ماهي معطياتها , ومن المعلوم أيضاً أنّ المسألة السورية سوف تطول وتزداد فيها حالات سفك الدماء و هيمنة تنظيم القاعدة ,إلا أن نتائجها هي المجهولة لذلك فإنّ هذه الأوضاع المتغيرة سوف تشهد حقبة تسمى حقبة القلق أو عدم الاطمئنان الاستراتيجي
( The era of strategic uncertainty ) في عملية التشكيلة الدولية للسياسة الخارجية و أنّ أية شخصية إيجابية على المسرح الدولي إنما ينطلق عملية سياستها الخارجية من منطلق تحديد الهوية و هي التي تحدد نوع النظرة لدى الشخصية أو الممثل في مسار اضفاء مختلف الخصال على القيم والمصالح . كما أن سياستنا الخارجية , كإقليم كوردستان كونه لم يبلغ حتى الآن مبلغ دولة مستقلة , بل كإقليم فدرالي داخل دولة اسمها العراق ,لا تدخل في هذه المرحلة إطاراً دبلوماسياً مستقلاً ورسمياً , ومع ذلك فإنّ القرن ال (21) ذاته باعتبار عدم كونه قرن ( الدولة – الأمة) فحسب كما أنّ مسائل و عمليات التطور وثورة التكنولوجيا و المسائل ذات العلاقة بالسلم والحرب و تعقيدات السوق و مسائل الاقتصاد و السياسة و تداخلاتها , هي ليست المسائل التي تنحصر إدارتها في ( الدولة – الأمم) بل إنّ مسائل غير دولية أخرى هي من تأثيرات وفاعلية بصددها , ما أوجد في القرن (21) فضلاً عن مسألة العلاقات الدبلوماسية على مستوى الدول , مسألة العلاقات الدبلوماسية غير الرسمية , أو البديلة , غير أننا لا نتمكن , في هذه الإشارة المقتضبة , من خوض التفاصيل الأكاديمية لل
( Para diplomacy ) إلا أنّ من شأن ارتباطه بتعريف السياسة الخارجية لإقليم كوردستان , أن يضمن للإقليم اهتماما دولياً وفقها , فقد تمكن إقليم كوردستان من ممارسة سياسة خارجية ناجحة و عملية و يكون مستقلاً عن المسار الذي اتبعته الحكومة العراقية في سياستها الخارجية .. و بالاستفادة من مفاهيم البحث و التمحيص في العلاقات الدولية للتعرف على السياسة الخارجية ووجود الأهداف و القرارات السياسية و تفعيلها في المحافل الدولية و الإقليمية , إنما نتوصل إلى نتيجة أن السياسة الخارجية لإقليم كوردستان تشمل جميع تلك المفاهيم و الاتجاهات , والتي هي عبارة عن مفهوم أو توجه (descriptive) و هل يمكن وصف و عرض السياسة الخارجية لإقليم كوردستان و مفهوم (Explanation) أي إمكانية توضيح تلك السياسة و مفهوم وتوجه التفاهم أو التفهم (Understanding) أي مدى دقة فهم السياسة الخارجية للإقليم على المستويات المحلية و الإقليمية و الدولية , وتوجه التفسير(Interpretation ) أي مدى إيلاء تفسير مختلف لإقليم كوردستان على مستوى السياسة الخارجية , والتوجه الخامس و الأخير هو (التوجيهDirection ) أي مدى التعرف على توجهات السياسة الخارجية لتحديدها ضمن البيئة الإقليمية و الدولية .. ولو أخذنا تلك التوجهات ال (5) بدقة بشأن السياسة الخارجية لإقليم كوردستان من منظور الحزب الديمقراطي الكوردستاني و أتباعها و تفعيلها من قبل مكتب العلاقات الخارجية للحزب كنموذج لعلاقاته الخارجية مع الأحزاب السياسية في الخارج و المؤسسات الحزبية و الدولية و برلمانييها و مؤسساتها الفكرية و الاستراتيجية على المستوى الحزب و في ذات الوقت انعكاساتها على السياسة الخارجية للإقليم في علاقاته الرسمية على مستوى أرفع ؛ لتوصلنا إلى نتيجة مفادها أنّ إقليم كوردستان رغم عدم كونه دولة مستقلة لها دبلوماسيتها الدولية من وجود مندوب في ال (U.N) وممثليات لها في الخارج و قنصليات الدول في اربيل العاصمة , إلا أنّ الإقليم و من منطلق المفاهيم و التوجهات و شتى التفاسير و الحراك و الشأن العملي ؛ له دبلوماسية بديلة غير رسمية و ذات هوية خاصة , وكتنويه لذلك , فإن السياسة الخارجية لإقليم كوردستان قد تمت صياغتها و تفعيلها على جملة المفاهيم و الأسس و قد بذلنا مساعينا , في مكتب العلاقات الخارجية للبارتي , وبعيداً عن مبدأ العلاقات الحزبية ؛لضمان انعكاس تلك المفاهيم في مظهر و جوهر التحركات الدبلوماسية و مبدأ خطابنا و تعاملاتنا الدبلوماسية .

( بقاء وتقدم إقليم كوردستان )

إنّ بقاء إقليم كوردستان ,كأطول تجربة حكم لشعب كوردستان , وتعزيز أسسها و تطوير النظام الديمقراطي و الحرية و المساواة و الحكم الرشيد و حقوق الإنسان و التعايش الديني و المذهبي و القومي و بذل المساعي لمنع تكرار مآسي و جرائم الأنفال و القصف الكيماوي و الهجرة الجماعية و تدمير البلاد والعباد و التكالب الإقليمي و تهميش الإقليم في لعبة الكبار و التضحية به , هي من الدوافع الرئيسية التي تشكل التوجه الأول لتفعيل سياستنا الخارجية , و مع ذلك ,فأنّ الوجود و البقاء , كخطوة أولى نحو مراحل أسمى مما هو موجود الآن , إنما يتحمل أكثر من هذا التوجه , غير أنّ تفاصيل مفهوم البقاء Survaival داخل عملية السياسة الخارجية و العلاقات الدولية هي بحاجة إلى تحقيقات و متابعات أكثر استقلالية .
كوردستان أولاً ..
إن أحد اهم المفاهيم التي تنعكس , من وجهة نظرنا , في السياسة الخارجية لإقليم كوردستان , هو وجود مبدأ (أن كون كوردستان هو الأول ) أي أننا عندما نحقق عملاً دبلوماسياً أو نقيم علاقات سياسية إقليمية أو دولية إنما علينا مراعاة أن تكون الأولوية ل (كوردستان و المسألة و المصالح الكوردية )
الوجود و عدم عبودية المبادئ و الايديولوجيا :
في عالم العلاقات الدولية بمختلف توجهاتها , بين نقطة الصفر و المائة , الجيد والحسن و الأحسن ,مقابل سيء و أسوء و الأسوأ , و بمراعاة متغيرات المنطقة ,أو احتمالات حدوثها , على إقليم كوردستان أن تكون له سياسة خارجية راسخة تنطلق من وجهة نظر و منطلق المصالح العليا للأمن القومي الكوردستاني و التي تحتاج بدورها إلى تجربة و خبرة ووضوح رؤية , وعلينا وسط ساحة العلاقات الدولية الساحقة في العلاقات و مكر القوى الإقليمية و الدولية و مديات تبادل المصالح بينها , أن ندرك جيداً كيف نتحمل الأضرار الصغيرة تفادياً لخسائر أكبر أو عدم قبول ربح قليل لقاء خسارة ربح طويل الأمد و الثابت أنّه لا يمكن تحقيق فن المناورة و المطاولة في خضم هذا الوضع الدولي , بغياب مستوى جيد من المتابعة و الإخلاص .
الانفتاح وتعددية التوجهات :
قد لا يوجد أي عبرة كوردية أهم مما قيل عن السياسة الخارجية في ( لا تضع جميع البيض في سلة واحدة ) , و من شأن الانفتاح بوجه جميع الأطراف و إتباع سياسة متعددة الاتجاهات أن يضمن لنا سياسة خارجية ناجحة فإقليم كوردستان بحاجة إلى صداقة جميع الأطراف و عدم إتباع ذلك على حساب مصلحة الكورد وقضيته و تلك القيم التي تحدد هوية الإقليم .. أي السعي لزيادة رقعة و عدد الأصدقاء لكوردستان و قضيتها , كما أن مساندتهم لراهن الإقليم و مستقبله هي عملية طويلة الأمد و تتطلب العمل الدؤوب والمتواصل و المتابعة المستمرة , كما أنّ مفهوم الانفتاح (opennes) في مجال العلاقات الخارجية إزاء جميع الأطراف ,إنما يشكل الفرص أكثر بكثير مما يسببه من مخاطر , فقد سعينا في العلاقات الخارجية للبارتي كنموذج ,أن نضمن المزيد من الأصدقاء للكورد وكوردستان على جميع المستويات و إدامة تلك الصداقة , كما أن نشاطاتنا و عملنا على الأحزاب داخل الاشتراكية و الليبرالية الدولية و مراكز الديمقراطية أو الديمقراطيات المركزية و مع CAP كمظلة للأحزاب الأسيوية , هي نماذج من ذلك الانفتاح و تعددية الاتجاهات و التي نراها سياسة أنجح للعلاقات الخارجية لإقليم كوردستان .. وقد حل الآن في العلاقات الدولية ,مفهوم جديد يستعمله الأمريكان لأنفسهم وهو مفهوم (قيادة نيتور ) أي بمعنى أن أية شخصية دولية , و كلما وسعت من دائرة نشاطاتها و أعداد أصدقائها و حلفائها في مختلف المناطق ؛ كلما تمكنت من أداء دورها القيادي بصورة أفضل , وبإمكان إقليم كوردستان استخدام هذين التوجهين و المفهومين الأمريكيين الجديدين في سياسته الخارجية و توسيع رقعة علاقاته في مختلف مناطق العالم .
الحياد الإيجابي و حماية التوازن .
تتطلب طبيعة العلاقات الدولية أن تتجلى تحالفاتها و تجمعاتها على أسس مصلحية أو ايديولوجية , كما أن إقليم كوردستان هو في بيئة جيوسياسية تكون فيها التصنيفات ليست إقليمية فحسب ,بل تتوارد معها أيضاً استعدادات القوى العظمى في وجودها و مسايرتها , لتجعل منها جزءاً من قوتها الذاتية ومن المهم بالنسبة لإقليم كوردستان أن يحافظ على حياده الإيجابي إزاء تلك التكتلات و صيانة توازن القوى كلما تمكن من ذلك و ألا يميل لصالح أي طرف على حساب طرف آخر .
التوقع و عدم التسليم للقدر :
و هناك إشارة أخرى مقتضبة للسياسة الخارجية لإقليم كوردستان و هي أهمية أن تكون له سياسة إيجابية ومبادرة ذاتية و في ذلك مراعاة متابعة دقيقة تجاه حركة الشخصيات الدولية , وسير العلاقة بينها و مصالحها المتغيرة و الثابتة و طبيعة السياسة الداخلية للدول وتأثيرها على الأساليب و الحراك الخارجي بها مع مراعاة مختلف السيناريوهات و اتخاذ المثل الإنكليزي منطلقاً للاستعداد في التعامل مع كل السيناريوهات :
(Work for the best , Prepare for the worse ) أي يجب أن نعمل من أجل تحقيق الأفضل و نستعد لمواجهة الأسوأ , أو بمعنى آخر ألاّ نتبع أحداث المنطقة فقط في سياستنا الخارجية , ويقتصر توجهنا نحو رد الفعل لا غير و هنا تكمن أهمية وجود المبادرة و تهميش المناورة و خصوصيتها
التأكيد على النتيجة :
و هناك إشارة أخرى مهمة إلى سياسة خارجية ناجحة في التعامل مع الشخصيات الإقليمية و الدولية و هي التأكيد على النتائج ,أي أنّ من المهم بالنسبة إلينا أن ندرك نتيجة المسائل و تفقد مصالح الإقليم فيها فنقول على سبيل المثال : تجري الاستعدادات حالياً لعقد مؤتمر جنيف (2) حيث من المهم بالنسبة إلينا إدراك أين تكمن مصلحة الكورد في نتائج ذلك المؤتمر .و إذاما كان المعيار لنجاح السياسة الخارجية هو وجود علاقات دبلوماسية واسعة والتعامل الدبلوماسي الأمثل و البقاء و الاستقرار و عدم اتخاذ موقف التابع لأية دولة أو تكتل إقليمي و توسيع دائرة الصداقة مع الكورد و إضعاف دوائر معاداتهم , و استقطاب المصالح الاقتصادية و الطاقة لدول العالم و ربطها بأسواق إقليم كوردستان , عندها نتوصل إلى نتيجة أنّ الإقليم قد تمكن من إدارة ملف سياسته الخارجية بصورة ناجحة و مع ذلك فإنّ الطريق مازال أمامنا طويلاً في إدارة أمثل لسياستنا الخارجية .


*مسؤول مكتب العلاقات الخارجية
للحزب الديمقراطي الكوردستاني

ترجمة دارا صديق نورجان
Top