كوردستان: ملف التربية والتعليم
أكد دليل التنمية البشرية للعراق الصادر من (UNDP) في 2008 والتقرير السابق في 2004 واللاحق في 2013 حول منطقة الشرق الأوسط, والذي هو مقياس مركب يضم مؤشرات موزعة على ثلاثة أبعاد هي: طول العمر ومستوى التحصيل العلمي والقدرة على التحكم بالموارد من أجل حياة لائقة وكريمة, بأن أحد معوقات التنمية البشرية تتمثل في عدم كفاءة التحصيل العلمي والقصور في نشر المعرفة مما يستدعي رؤية مستقبلية للتنمية البشرية في المنطقة عموما. والجدير بالذكر بأن الشهادة الجامعية في معظم الدول المتقدمة لا تعتبر نهاية التحصيل العلمي بل هي بداية لما بات يعرف بتعليم الكبار (Adult Education) متمثلة في كورسات مكثفة ودورات تدريبية لا تنتهي يقتضيها متطلبات وديناميكية سوق العمل المتجددة. هنالك حاليا 1,6 مليون طالب في المدارس الحكومية في كوردستان مع زيادة سنوية بمعدل 130,000 طالب. ويفيد التقرير الصادر من KRG بوجود نسبة من الأمية تصل الى 23% من أصل خمسة ملايين نسمة بينما يصل نسبة السكان بدون شهادة أعلى من الأبتدائية الى 29.6% في كوردستان. وهذا يعني أن واحدا من كل ثلاثة من السكان في عمر 12 سنة فما فوق لا يجيدون القراءة أو لا يحملون أي شهادة تعليمية. وفي الجانب الآخر من المشكلة القائمة هو حالة الإزدحام الحاصلة سواء في المدارس والجامعات حيث يستعد سنويا 107000 طالب لدخول الجامعة بينما تصل الكثافة الطلابية في الصف الجامعي الواحد الى 65 طالب والتي تؤثر بدورها على عملية التعليم. ورغم أهمية الكادر الوسطي ذو المهارات اليدوية في عملية التنمية الأقتصادية في كوردستان إلا أن هنالك عزوف واضح لدخول المعاهد والثانويات المهنية. وإذا ما أضفنا الى ذلك مشكلة اسلوب التعليم نفسه والتي يعاني إجمالا سواء في المدارس أو الجامعة من ظاهرة التلقين والتي لا تخدم مسألة التنمية البشرية في إعداد الفرد والمواطن أن يكون ذو قدرة إنتاجية سواء فكريا أو مهنيا.
في آخر تقييم ل (21250) جامعة وكلية في العالم جاءت جامعتان في كوردستان في مراكز تحتل أواخر النصف الأول من القائمة والباقي بضمنها الجامعات الخاصة في النصف الثاني بينما إحتلت ثلاثة منها مراكز في أسوء 1500 جامعة في العالم. مما يحتم تطوير دور الجامعة لتساهم فعليا في التنمية البشرية والإقتصادية في كوردستان وصولا الى ما يعرف ب (Market-oriented University) (كولان 907). ولعل من أحد أسباب تفوق الجامعات العريقة في العالم هو في كيفية إعداد الفرد للتفكير والتفاعل مع المعلومة التي يطرحها الأستاذ أو المحاضر وليس مجرد عملية الحفظ السائدة في مجتمعات الشرق الأوسط. وعليه تقع مسؤولية إعداد الكادر التدريسي على عاتق الوزارات المعنية في كوردستان ولا يمكن توقع المزيد من الجيل الحالي الواقع في أسر الفكرة التقليدية من التربية والتعليم. فلابد من رفع مستوى رياض الأطفال والمدارس بمستوياتها المختلفة وصولا الى أداء أفضل لمدرسي وأساتذة الجامعات والمعاهد العليا في كوردستان. وهذا يعني ايضا تزويد هذه المؤسسات التعليمية بكل ما يحتاجه من وسائل المختبرات وتقنيات التدريس العصرية إضافة الى وسائل الإيضاح واللياقة البدنية والفكرية والمكتبات الحديثة. فعلينا الإقرار بأنه لا يمكن إعداد الطالب الجيد دون رفع جودة الأداء في التعليم, مما يحتم إعداد المدربين اولا (Training of Trainers) لضمان إستمرارية تدريب كادر التدريس. ومن المهم في أية عملية لنقل المعرفة (Transfer of Knowledge) وذلك لتطوير النظام الحالي والوصول به الى مصاف الدول المتقدمة أن يتم عملية التحويل (Transformation) المناسبة للظروف الثقافية والأجتماعية لمجتمع كوردستان مع مجمل عملية النقل المزمع تنفيذه. وبخلاف ذلك ستكون عملية النقل غير مجدية ولا تأتي بالنتائج المتوخاة. وعلى الجانب الآخر من المعادلة فإن عملية التعليم لا يمكن أن تنفصل عن مرحلة الأعداد في تربية الفرد لخدمة المجتمع. من الجدير بالذكر بأن من بين أهم التحديات التي واجهت مجتمعات ما بعد الصراعات Post-conflict Society)) هو في كيفية تمكين المرأة من أداء دورها المطلوب في تربية أجيال ما بعد الحروب. فالمرأة أكثر تحملا ذهنيا وعاطفيا في محاورة الجيل الناشىء وبدا من رياض الأطفال. حيث أسهمت السلوكيات الحضارية المرتبطة بأنضباط المواطنة في إحترام القوانين في تقدم المجتمعات المتمدنة. وكوردستان أحوج ما تكون الى تفعيل دور المرأة والأم لتربية الجيل الجديد في البيت والمدرسة وسوق العمل والمجتمع المدني (كولان , 866810). وقد أثبتت تجارب الجارة تركيا بأن تعليم الصغار لا يكمن تطويره دون مساهمة الأم وتمكينها لتؤدي دورها المساند للمدرسة. علما بأن تجارب الدول الأوربية قد اثبتت أهمية الدور المساند للعائلة في التربية والتعليم حيث أن تمكين دور الأم بالذات إستوجب معونة عائلية شهرية للأطفال دون سن الرشد. وأحوج ما تكون الأم اليوم في كوردستان لهذا التكريم والذي يحفظ لها ذاتها ودورها الرائد في حفظ العائلة من خطر التفكك نتيجة لتراكمات المشاكل الأجتماعية والإقتصادية.
أن كلا من الرؤية المستقبلية للتربية والتعليم وضرورات تطوير الموارد البشرية يستلزمان إرادة سياسية بغية تهيئة الكادر وإعداده لأدارة أفضل للموارد الغنية في كوردستان. فمما لاشك فيه أن من بين أوليات سياسة التربية والتعليم في كوردستان هو الإستثمار الحقيقي في المواطن وإعداده كعامل بناء وليس كعامل إستهلاك وإستنزاف للموارد الطبيعية. مما يحتم معالجة الوهن الداخلي للموارد البشرية وبناء مقومات البنية الداخلية والكفيلة بإحداث التحول المطلوب من أدائها الحالي المتسم بالضعف ونحو الأداء الأفضل المتميز بالأنتاجية المنشودة. وعليه يجب تحقيق أهداف التنمية البشرية المطلوبة وذلك بأحداث التوازن الأجتماعي- الأقتصادي وكمطلب مهم لمواجهة تحديات العصر المتفاقمة وذلك من خلال رسم معالم سياسة التربية والتعليم للكبار والصغار معا وضمن الهدف الأستراتيجي لأعداد القوى العاملة الكفوءة والمتحصنة بالمعرفة (Knowledge) وسلوكيات العمل (Attitudes) والمهارات المطلوبة (Skills) في سوق العمل ونحو تعامل أفضل مع عامل الإنتاجية (Productivity ) وكفاءة الأنجاز (Efficiency) وصولا الى مرحلة الإستدامة (Sustainability) للموارد الطبيعية (كولان 907 & 917).