• Sunday, 05 May 2024
logo

كوردستان: ملف القطاع الخاص

كوردستان: ملف القطاع الخاص
إن القرآءة الدقيقة لواقع العولمة وما أتت به رياحها من فرص وتحديات تحتم علينا التعامل الحذر مع ملف القطاع الخاص في كوردستان وتحديد مدى التأثيرات المترتبة للقرارات السياسية على مجمل مناخ التنمية الأقتصادية والأستثمارات ذات العلاقة. والمنطق يحتم بادىء ذو البدء بتفعيل دورالقطاع الخاص وإعداده لمواجهة التحديات القائمة والإقرار بضرورة إصلا ح البنية التحتية الأرتكازية وهياكل الأدارة العامة بشقيها المؤسساتية وشؤون تنمية كوادرها البشرية لتتلائم والفرص المتاحة. فلا يكفي أن تكون الموارد الطبيعية الغنية في كوردستان مصدر تفاؤل للتقدم الأقتصادي دون إعداد الطاقات البشرية ومؤسسات القطاع الخاص بالأخص في الأسهام الفعلي في الإدارة والتنمية المستدامة لهذه الثروة المتاحة للجيل الحالي في كوردستان. ويحتم منطق التنمية المستدامة ترشيد التقدم الأقتصادي التقليدي بضمان إيجابية العامل الأجتماعي- الأقتصادي (socio-economy) مع مراعاة التوازن البيئي المطروح عالميا. وبأختصار على القطاع الخاص في كوردستان تطوير بنيته المؤسساتية والبشرية لتواكب متطلبات السوق المتنامية في ظل إنفتاح الحدود بفعل منطق العولمة السائد, وعدم المراهنة على إمكانية تطويع السوق المفتوحة العالمية للتأقلم مع تناقضات السوق المحلية في كوردستان.

. تتجلى ملامح الحالة الأقتصادية في إقليم كوردستان وكذا الحال مع العراق بما يمكن من تسميته بالأقتصاد الأحادي المورد (mono-revenue) وذلك بأعتماده شبه التام على موارد النفط الخام المصدر. ومع ضعف وغياب الأقتصاديات البديلة يتعرض مصدر المال المتدفق لعوائد النفط الى إستنزاف مزمن جراء تلبية كافة الإحتياجات المحلية من سلع وخدمات من خلال الأسواق الخارجية. وعادة ما تعاني مثل هذه الحالة الأقتصادية من كونه راكدا (static) وذلك لضعف دورة رأس المال المحلي في تحريك عجلة الأقتصاد وإستنزافه الدائم نحو الخارج. والجدير بالذكر أن هذا الواقع الأقتصادي المعتمد كليا على تصدير مادة الخام من نفط أو موارد طبيعية أخرى ودون خلق القيم المضافة لها (added values) قد يدفع بعملية التجارة الى حصره للوقوع في دائرة الأستيراد المفرط دون تنمية مصادر التصدير الأخرى من صناعات نفطية أو زراعية أو صناعات غذائية أو سياحية. ولعل ذلك يفسر إصرار كثير من الدول المصدرة للنفط في العالم على خلق إقتصاديات بديلة وبأعتماد إستراتيجية التنوع الأقتصادي (diversified economy) وضمن الأمكنات المتاحة في كوردستان كألاعتماد على الزراعة كأساس متين لأرساء أسس صناعات خفيفة تعتمد على الصناعات الغذائية المتنوعة. وكما تحتم مسألة الأنتاج البديل كالزراعة معالجة إجمالي للمشاكل المتعلقة بالخزن والتسويق وذلك لأنعاش خطوط التجارة ما بين حقول الأنتاج والأسواق المحلية من جهة وأسواق الدولة العراقية والمنطقة بشكل عام. وهذا لا ينفي حقيقة أن هنالك فرص إستثمارية كبيرة أمام الشركات المحلية والعالمية وتلك العائدة الى الدول المجاورة تحديدا للأستفادة من الفرص المتاحة في بناء القاعدة الأقتصادية لكوردستان وتفعيل المقترحات المطروحة لتنويع الأقتصادي.

يبدو من المنطقي وبعد صدور قانون الأستثمار في الأقلبم والتعليمات اللاحقة لتحديد خصوصية الفرص المتاحة للأستثمار المحلي والخارجي وماهية المشاريع المصنفة إستراتيجيا أن تتضافر جهود حكومة الأقليم والسياسات المعمول بها في السوق المحلية والقطاع الخاص لدعم عملية الأستثمار وبما يضمن التقدم الأقتصادي. إن الرؤية المطروحة أعلاه تحتم على حكومة الأقليم تهيئة ما يعرف بمناخ الأعمال الحرة (Business climate) من نظام بنكي فعال لضمان الخدمات المالية والمصرفية المطلوبة لعملية الأستثمار والتجارة المتزايدة يواكبه نظام للتأمين متطور ومعتمدة كلاهما على قاعدة للبيانات مما يولد الثقة لدى المستثمر المحلي والأجنبي معا. والحاجة ملحة اليوم الى إرساء دعائم هذا المناخ وذلك لتفعيل دور القطاع الخاص وإعادة ثقته بالأداء المصرفي في الأقليم بضمان وجود خدمات مصرفية قادرة على الإدارة المالية بكفاءة أكثر أو في تسهيلات مصرفية لتمويل المشاريع التنموية الأستثمارية. إضافة الى إيجاد آليات للتأمين وإحداث التسهيلات المطلوبة من قروض ميسرة من قبل حكومة الأقليم عبر فترات سداد طويلة الأجل وبفوائد رمزية وذلك بغية الإسهام في إرساء اسس البنية الأرتكازية لعمليات الأنتاج والخزن والتسويق. وفي غياب الثقة وضعف الأداء المصرفي فمن البديهي أن تمويل المشاريع ذات الأهمية التنموية الأستثمارية أن يتم الأعداد لها من حيث الآليات المطلوبة سواء من خلال القروض المختلطة (Mixed credits) حيث أن حكومة الأقليم قد تدخل كشريك مؤقت يتم إنسحابه التدريجي لاحقا حين نجاح المشروع المدعوم. وعلى سبيل المثل فأن تأسيس أول شركة مساهمة للخزن المبرد والتسويق الزراعي قد يستحق هذا القرض المختلط لتكون بداية مرحلة المؤسسات في الأقليم. وفي الإمكان أيضا أن تلعب حكومة الأقليم دورا داعما في تعزيز وتطوير القطاع الخاص في كوردستان من خلال تمويله لدخوله في شراكات إستثمارية مع الشريك الأجنبي عبر (Joint ventures). أو أن الحكومة تبدي إلتزاما يإصداراالقروض الميسرة لضمان نجاح المرحلة التأسيسية (start-up projection phase) لهذه الشراكة المختلطة. ويمكن تطبيق نظام BOT: build; operate; & transfer)) في جملة من مشاريع الشراكة المختلطة للصناعات الغذائية وكذا السياحية في كوردستان. وفي هذا الصدد لا زالت هنالك حاجة ضرورية لإثراء قوانين وتعليمات الأستثمار والتجارة لضمان تأطير واضح لمعالم السوق المفتوحة في كوردستان.

وعلى الجانب الآخر من المعادلة المطلوبة لتفعيل دور القطاع الخاص في التنمية الأقتصادية في كوردستان فلا يمكن للشركات المحلية في كوردستان أن تساهم في عملية المنافسة المتصاعدة في زمن العولمة دون تلبية متطلبات الجودة والنوعية كأساس للمنافسة في السوق المحلية والمنطقة ككل. إن السيولة المالية (money supply) قد أزدادت في إقليم كوردستان وبدرجة تسمح بأختيار الأفضل نوعا من السلع والخدمات وعلى الحكومة في الإقليم مساعدة القطاع الخاص لإعادة تأهيل نفسه كمؤسسات أو شركات في إعتماد معايير الجودة والنوعية كأساس للمنافسة في السوق المفتوحة. ورغم أن نقل المعرفة التجارية (Transfer of knowledge) في التنظيم والأدارة الحديثة (Modern Management & Organization) ضرورية هنا إلا أنها لا تكفي دون خلق المهارات المطلوبة لسوق العمل وللتجارة المتزايدة في التعامل مع متطلبات الحركة الدائبة للسلع والخدمات والعمالة والمعلومة المطلوبة في الوقت والمكان المناسب. وعليه الإقرار بأن عدد الشركات المحلية الحالي (15000) آخذة في الزيادة دون الأخذ بنظر الأعتبار لعامل النوعية المطلوبة والكفيلة بالتطور الى مستوى المنافسة المتصاعدة وبما يخدم خطط التنمية الأقتصادية عموما. وعلينا الإقرار بأن معظم طواقم الأدارة العليا في القطاع الخاص في كوردستان تشكوا من غياب المهارات البشرية والأدارة المتوسطة والتي تسهم قطعا في تكامل الأداء الأداري والمالي لمواجهة التحديات اليومية في السوق المحلية. وما يستوجبه مجمل حركة السوق والتجارة اليومية في كوردستان هو في تفعيل الطاقة البشرية والمؤسساتية لتكون قادرة على تلبية متطلبات التعامل النوعي مع تحديات وفرص السوق تقنيا ومعلوماتيا وإداريا.

إن التصادم الحاصل ما بين هو عام وخاص في كوردستان يكمن في الحقيقة الماثلة للعيان والتي توحي للنظرة التحليلية بأنه وفي الوقت الذي بدأ القطاع الخاص في التعايش مع أجواء السوق المفتوحة بقي القطاع العام يعاني من إشكاليات الأرث الثقيل للقوالب الأشتراكية الجامدة والتي تعاني من قصور واضح في التعامل مع مستجدات السوق الحرة (free-market). ولنا في كوردستان أن نقتدي بالتجربة الأسكندنافية في تحديث مفاهيم الأشتراكية وتطعيمها بما هو مفيد عمليا من تطبيقات الرأسمالية في إدارة الدولة للأقتصاديات السوق المفتوحة. وهنا علينا الإقرار بأن حتمية خطط تطوير القطاع الخاص الذاتية وتلك المدعومة من قبل حكومة الإقلبم أن تضمن دوران راس المال في الإقليم وبذلك يمكن ضمان تراكم راس المال المحلي للأستثمار لخلق وتطوير كلا من البنية الأرتكازية ووسائل الأنتاج المطلوبة للأقتصاديات البديلة المقترحة من زراعية وصناعات خفيفة ذات العلاقة إضافة الى صناعة السياحة. وعلى حكومة الأقليم بلورة صيغة سياسية (Policy) مناسبة للترويج لعملية التجارة بشقيها التصديري والإستيرادي وبما يضمن عملية التكامل الأقتصادي مع دول الجوار. فمما لا شك فيه فإن تراكم ودوران راس المال المحلي سيساعم في مشاركة أكبر قدر ممكن من العمالة الشابة المحلية من الأستفادة من هذا الأغتناء التنموي للعامل الأجتماعي- الأقتصادي كلا في مجتمعات الريف والمدينة ويمهد الطريق الى المحافظة على بنية البيئة المهددة في كوردستان وبذا يمكن أن تتحقق معادلة التنمية المستدامة ونحو الهدف الأستراتيجي في الأستقرار الأقتصادي.


خبير في إتحاد الغرف التجارية والصناعية في كوردستان
Top