تتصاعد الأزمة وتتفاقم في العراق في ضوء جملة من التداعيات. فالوضع الحكومي، ازداد توترا على خلفية احتفاظ السيد المالكي بأغلب المسؤوليات الأمنية والعسكرية والمخابراتية بشكل مباشر وغير مباشر، حرا بشخصه أو بوكلاء تابعين له مباشرة. فضلا عن حصر الصلاحيات وإدارة الوزارات وإلحاق الهيآت المستقلة به. والوضع السياسي يتسم بالتوتر الحاد على خلفية صراع الكتل البرلمانية وعدم اتفاقها على برامج محددة بشأن ما يجابهها والواقع العراقي بعامة. وهناك تفاقم وانحدار اقتصادي تزايدت معه نسبتا الفقر والبطالة بمستوى جد مرعب!في مثل هذه التراجعات والانهيارات تبرز حال افتقاد الاستراتيجيات والبرامج المدروسة وعدم توافر الخبرات وصعود شخوص بلا كفاءة في مناصب أمنية وغيرها مع خروقات بنيوية، فتبرز ثغرات كبيرة استغلتها قوى الإرهاب ومافيات الفساد وعصاباته المنظمة. وهنا تتفاقم الأزمات الأمنية وتسقط الضحايا بالجملة وتتعرض مكونات البلاد من المجموعات القومية والدينية لحملات إجرامية تشبه الإبادة الجماعية مع تضمنها جرائم ضد الإنسانية!إن العراق والحال هذه لا يمكن أن يمضي بسلام وبلا قرابين موجعة تؤخذ من أرواح بناته وأبنائه التي يزهقها الإرهاب وجرائمه. ولكننا مع كل الشدائد نجد العراقيون مثلما كانوا بالأمس في ظل نظام الطاغية يلتجئون إلى كوردستان ويطلقون نضالاتهم من هناك؛ فإنهم اليوم يتجهون إلى هناك ليتباحثوا في وسائل الحل الوطني حيث الركن الفديرالي المكين يمثل صمام الأمان عراقيا.ومن هنا فإنّ أعداء العراق الفديرالي، يوجهون سهامهم لينالوا من هذا الركن الصلب، أي إلى كوردستان، فتارة يشوهون وتارة يضللون وتارة يتعرضون لقادتها بالتجاوز والتهجمات وبغيرها يتناولون كوردستان وقيادتها بالاتهامات الجوفاء وهم بمحاولاتهم تلك يحاولون تخريب صورة كوردستان ودق أسفين يهز الصلة الفديرالية المتينة في العراق الجديد، تهديدا لأمنه وسلامته.لكن الشعب يدرك الأمور بدقة حتى أن قادة التظاهرات والاعتصامات الجارية منذ أشهر عندما طلبوا ضمانة لإجراء أي حوار طلبوا وجود الطرف الكوردستاني شاهدا وهم يدركون كونه صمام الأمان وطنيا. ولابد هنا من الإشارة إلى أن فسحة الحرية بكوردستان دفعت طرفا من تلك القوى المحتجة لعقد مؤتمرها في أربيل وتوكيد مشاركة الكورد في المؤتمر تعزيزا وحشدا لقواهم وفتحا لأفق التعبير بمحاولة عدم حصر مشاركة المؤتمر بوجود قومي أو مذهبي بل بمحاولة اعتماد التعددية واحترام التنوع من بوابة كوردستانية تمثل ذياك الصمام المؤدي نحو مسار الأمن والأمان.إنّ الديموقراطية في العراق لا تكتمل إلا ببعدها التعددي وباحترام التنوع وبمظهر هذه المعاني التي يجب أن تتبدى في البنية الفديرالية. وهو الأمر الذي يعني أن وجود الدولة العراقية بنظامها السياسي الذي تمّ اختياره لا يستكمل نضجه إلا من ممارسة حقيقية تستند لدور فديرالي فاعل من أشقاء الوطن أي الكورد. وهذا ما كان دائما ممر العراقيين نحو الحلول سواء منها الجزئية المرحلية أم تلك الاستراتيجية الخيار.والآن أمنيا ما هي الأسس التي يمكن لكوردستان وقيادتها أداء مفرداتها الأشمل تكامليا مع الوجود الوطني العراقي؟ يمكننا الإجابة بإيجاز عن هذا بالإشارة إلى الأنشطة الأمنية العسكرية المباشرة المشتركة:1. تبادل الخبرات ووسائل رسم البرامج.2. إشراك الكورد في إدارة الأجهزة الوطنية الاتحادية وقيادتها.3. إشراك قوات كوردستانية في بعض المناطق التي تتطلب دعما مباشرا، يمكن الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى محافظة الأنبار.4. المساهمة الفعلية بتركيبة القوات المشكلة في مناطق المادة 140 والعمل على الدخول البنيوي من الأسس الأولية حتى قيادة تلك القوات.5. تسيير الدوريات المشتركة ورسم برامج عملها وأنشطتها المخصوصة بمشاركة كوردستانية فعلية.كما يمكننا أن نذكر بإيجاز المساهمات غير المباشرة الداعمة للاستقرار ممثلة بالآتي:1. تشكيل المجالس الوطنية للأمن وللنفط، الكهرباء، الخدمات، التعليم وحقوق الإنسان. 2. تشريع قانون المجلس الاتحادي وتفعيل دوره في الهيأة التشريعية كونه جهة تتشكل بالاستناد إلى بنية من التعدد القومي والديني.3. تفعيل دور ثقافي مميز فيما يخص الأمن والدور الشعبي بالاستناد إلى خبرات كوردستانية طيبة وبالتكامل مع جهود فديرالية عملية.4. ملاحقة الأرقام الكوردستانية الإيجابية فيما يخص نسبتي الفقر والبطالة والعمل على تجاوز المشكلتين بما يرتقي بالوضع الأمني وإن بشكل غير مباشر. إنّ مثل هذه الإجراءات المباشرة وغير المباشرة ستكون منطلقنا باتجاه استتباب الأمن والأمان في البلاد بعد حال من الانفلات والتهديد. وفي ظرف بات العراق قاب قوسين أو أدنى من الانهيار بعد تحذيرات أممية ووطنية من هذه النتيجة الكارثية المأساوية.إن تصاعد العمليات الإرهابية بات أكثر من مستوى الخطر العادي ودخل نفقا مظلما وصل مرحلة سجلت جريمة إبادة جماعية بحق مكونات قومية ودينية عراقية أصيلة ظلت علامة البلاد وهويتها تاريخا وحاضرا. كما تفاقمت بمواضع أخرى لمستوى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وأخرى جرائم جنائية كبرى. وهذه قضية لا تقف عند حدود مؤشر عددي مجرد ولكنها حقيقة لجرح فاغر ثمنه يُدفع من أرواح الأبرياء.ومن هنا لابد لنا من القول إن السياسة التقليدية المحدودة والعمل المعتاد ما عاد قادرا على مجابهة الجريمة ومستواها وبات لزاما التحول النوعي في الرد وأسلوب المجابهة. وهذا لا يقبل بالمكابرة وبالأداء الوظيفي المكرور بكل ما فيه من ثغرات، وإنما يتطلب قبولا بحقيقة أن كوردستان تبقى بمستوييها الشعبي والرسمي صمام الأمان والنقلة النوعية التي نمر عبرها لتأمين أوضاعنا الأمنية الأسلم، ومن ثمَّ الحاجة الماسة لتوظيف هذا الركن صمام أمان فعلي لحاضرنا الذي باتت تتناهبه التهديدات من كل اتجاه وليس أقلها خطورة تهديد الحرب الأهلية.إنّ عدم تقبل الآخر اتسع من محاولة التطهير الديني التي أتت على أبرز علامة لمدن جنوبنا العامرة بأهلها عندما جرى الفتك بالصابئة المندائيين وبالمسيحين من كلدان ومن آشوريين وأرمن ومن غيرهم، أقول اتسع ليتجه للاحتراب في عمليات تطهير طاولت السنّة في الأحياء الشيعية والعكس بالعكس.. في حرب معلنة من ميليشيات الحرب والعنف الدموي.وقبل السؤال الجوهري لمعالجتنا وإجابته، نشير إلى ما يجري من اعتصامات واحتجاجات جرى محاصرتها ومحاولة دفعها لترتدي صيغة طائفية بسلوكها وشعاراتها وإلى ركوب موجة العنف وجرها إليه لكن الغالبية احتفظت بطابع سلمي لفعالياتها على الرغم مما تعرضت له من قمع مدان، مثلما حصل بالحويجة من جريمة يحاسب عليها القانون، ومثل طابعها السلمي احتفظت أيضا بطابع مطالبها الوطنية لا الطائفية على الرغم من أصوات نشاز لا تنتمي لدين ولا مذهب ولا وطن...طيب، من يحمي هؤلاء ويحفظ لهم حق الاحتجاج السلمي ويعيد إليهم مطالبهم ويلبيها؟ هل يُتركوا لضباع الشرّ وللعبث والتخبط الأمني؟ هل يُتركوا لضغوط تدفعهم قسرا لتوجهات عنفية تدخل في دموية الصراعات والتجاذبات؟ هل نتركهم ليقعوا فريسة مخططات طائفية وإرهابية وقوى فساد فيكون الأمر إشعالا لنيران الحرب الأهلية؟القضية ليست اليوم قضية خروقات أمنية أو فشل جزئي أو خلل موضعي أو أمر يرتبط بتغيير اسم أو آخر.. القضية من جهتها السياسية اكبر من أمن محافظة أو مجموعة أو جهة وهي أكبر من تقديم أكباش فداء لكل سلسلة تفجيرات والتظاهر بتغيير مسؤول أو آخر! القضية بنيوية حيث الخلل الأمني الخطير الذي يبقى بحاجة لمعالجة جوهرية جذرية حاسمة.ومن هنا السؤال، إذا كانت القضية الأمنية قد باتت قضية بنيوية كبيرة لهذا الحد، فما الحل الوطني الأشمل؟وبقراءة إمكانات الحكومة الاتحادية ومعالجاتها سنجد الحاجة إلى التنبيه على موضوع استعادة نهج دمقرطة الحياة وإشاعة ثقافة وطنية لا طائفية، سلمية لا عنفية، تسامحية لا انتقامية واحترام للتعددية والتنوع واعتراف بالآخر لا إلغاء له ولا تهميش ولا إقصاء. وبهذا نحن بحاجة من دون توجيه النقد تجاه حالة التفرد واحتكار المسؤوليات والمناصب ذلك النقد الذي قد يؤخر بإدخال الأطراف في سجالات الاحتماء والتخندق المتقابل، فيما المطلوب بديلا هو التوجه نحو البديل مباشرة بمستوى القمة في الهرم الحكومي حيث ترشيح أسماء متخصصة وذات كفاءة للمناصب العسكرية والأمنية والمخابراتية. وسيكون وجود ضامن ووسيط في الحوار أمرا مهما وليس هذا الوسيط حاليا وهذا الضامن هنا سوى القيادة الكوردستانية.من الجهة الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني وأنشطة الخطابات المختلفة الثقافية والحقوقية وغيرها فإن الاستجابة لتغييرات جدية من جهة توفير العمل للعاطلين وتعزيز مفهوم الضمان الاجتماعي للفقراء وذوي الدخل المتدني تحت خط الفقر وحماية الحياة بوصفها رأس هرم الحقوق، سيكون هذا بحاجة لإطلاق تنسيقات جدية من جهة تشكيل المجالس الوطنية التي أشرنا إليها في أعلاه تفعيلا لطرح الخطط البنيوية الراكزة للحل.وطبعا في جميع ما أسلفنا وجدنا أن الطرف الكوردستاني كان ويبقى صمام الأمان الفعلي والحاسم الذي يبقى العراق بحاجة لوجوده الفاعل.. ولربما فرض مثل هذا المطلب استمرارا مخصوصا لدور القيادة الكوردستانية وهو ما يتعارض ودعاوى بعض الأطراف التي تريد على سبيل المثال استعجال تغيير النظام الرئاسي بكوردستان استجابة للنظام ببغداد و\أو المطالبة بفرض تصورات مطلوبة ببغداد لأسباب موضوعية ويريدون ترحيلها إلى كوردستان الأمر الذي لن يكون لا بمصلحة البلاد بعامة ولا بمصلحة كوردستان نفسها.إن ما يهمنا هنا يكمن في كيفية توظيف سلوكنا وبرامجنا بطريقة أكثر نضجا وصوابا وبما يلبي المطالب الفعلية للواقع.. ولعل الأمور بالتهديدات المتفشية فيها ووجود شبهة الاقتتال وتحديدا تهديد الحرب الأهلية في مجموع الأراضي العراقية وعلى تخوم كوردستان؛ لعل ذلك يتطلب من كوردستان وقيادتها تفرغا مؤقتا للمساهمة في إطفاء الحراق في العراق الفديرالي وعدم الانشغال ببعض المتغيرات المطالب بها محليا في كوردستان من قبيل موضوع الرئاسة والنظام المعمول به. إن الوضع غير مهيأ في هذه اللحظة لتغييرات نوعية كبيرة ما يتطلب صبرا وحكمة وحنكة في التعاطي مع التغييرات التي يمكن أن تأتي تدريجا وفي أوقات مناسبة.إن كون كوردستان هي صمام أمان الأوضاع عراقيا وربما أبعد من ذلك بامتدادات إقليمية محيطة تدعو للإبقاء على عدد من الأمور على ما هي عليه بخصوص ترشيحات الرئاسة وتجنب المشاغلة بحوارات ليست في وقتها ومازالت البلاد برمتها بحاجة لمجابهات نوعية تتطلب أدوارا توافقية وتأثيرات جدية بضمانات الزعامات الكوردستانية من جهة مع تغيير موضوعي منتظر على مسستوى القيادات الرسمية في كتل الحكومة الاتحادية.. ومن دون ذلك فإننا مقبلون على هزات راديكالية غير محسوبة وينبغي أن نتجنبها وإلا فلات ساعة مندم والنموذج العراقي يحكي عن نفسه بنفسه ولا حاجة لمزيد من توضيح.. فهلا ارتقينا لمستوى الحدث الأمني وعرفنا معنى هذه العبارة المهمة.. أي أن كوردستان كانت وستبقى صمام أمان العراق.