الوطنية من منظور العراقيين
ولم يختلف الوطنيون الجدد عن سابقيهم كثيرا، فقد ساروا على نفس نهجهم السياسي ولكن بطريقة أكثر إرباكا وتعقيدا، بعد ان فشلوا فشلا ذريعا في اقامة مشاريعهم الخاصة، الشيعي فشل في التأسيس لديمقراطية «الاغلبية» وفشل «السني» في ارجاع نفوذه القديم الواسع وفشل الاكراد في تعميم نموذجهم الاقليمي الفيدرالي على باقي اجزاء العراق وفشل الاخرون في طرح بدائل سياسية لحل اشكالية ادارة الحكم في البلاد، بعد مرور اكثر من أحد عشر عاما على الادارة الجديدة، لا احد يعرف لحد الان ما هو شكل الحكم فيها، هل هو فيدرالي لا مركزي ام يتجه نحو مركزية شديدة، ديمقراطي ام استبدادي، برلماني ام رئاسي، هل يسيره الدستور ام تديره الاحزاب والكتل ام هو خاضع لنفوذ الاشخاص؟ الضبابية وعدم وضوح الرؤية السياسية من اهم سمات السلطة الحالية، وهما السبب في التخبط الذي تعانيه لحد الآن.. مهما قيل عن مساوئ «الثورتين» التموزيتين، (ثورة 14 تموز عام 1958 وثورة 17 ـــ 30 يوليو عام 1968)، فقد كانتا على قدر كبير من الوضوح في الرؤية والبساطة في الطرح السياسي، كان الزعيم «قاسم» يريد ان ينشئ دولة ذات طابع جمهوري على غرار الجمهوريات الموجودة في العالم العربي، يتولى رئيس الوزراء السلطة في البلاد مع فريق وزاري كفؤ، وكذلك البعثيون كانوا يجاهرون بالعروبة على رؤوس الاشهاد ولا يخفون شيئا عن الآخرين، بخلاف الحكم الجديد، اهدافه غامضة وسياساته غير واضحة، يريد شيئا ويضمر شيئا آخر، يعمل بالطائفية سرا ويدعي الوطنية جهرا، يسعى الى شق الصف الوطني في الخفاء ويجاهر بحرصه على الوحدة الوطنية في العلن، مجرم عتيد يقتل على الهوية ليلا ويدعي القانون وحقوق الانسان نهارا، مفسد غارق حتى اذنيه في الفساد مع ذلك ينادي بمكافحة الفساد.
واذا ما نظرت الى قائمة الاحزاب العراقية تدهشك كثرة المنضوين تحت راية الوطنية (حزب التيار الوطني، الاتحاد الوطني، حركة الاصلاح الوطني، الائتلاف الوطني، الحزب الوطني، الوفاق الوطني، التجمع الوطني... إلخ) الكل اصابته حمى الوطنية وانجرف وراءها، البلاد تتعرض للتفكك والتشظي باسم الوطنية، والفساد يزداد يوما بعد آخر حتى اصبح العراق في مقدمة الدول الاكثر فسادا والاكثر وحشة وخطرا في العالم بفضل تجار الوطنية الزائفة.
لعنة حلت على العراقيين لا تتركهم حتى ترديهم واحدا بعد آخر.