دأب رئيس الوزراء العراقي منذ ان تولى السلطة على انتهاج سياسة غاية في الدهاء وهي سياسة النفس الطويل مع خصومه ومراهنته على الزمن في تعامله مع خصومه السياسيين، وصراعه المرير معهم يعتمد اساسا على التسويف والمماطلة مع اعطائهم جرعات تخديرية من الوعود الزائفة والمواثيق الكاذبة وبعدها يتركهم يعيشون احلاما سعيدة وينتظرون المستقبل الزاهر الذي لن يتحقق ابدا وفي النهاية سيصابون بالملل والاعياء من تلقاء انفسهم، ويضطرون الى اختيار احد الطريقين الآتيين ؛ فإما الاستسلام والرضوخ للامر الواقع والقبول بما يمليه عليه او «التطفيش» والهجرة الى خارج العراق« مثل ناصرالدين الجنابي ومحمد الدايني من نواب القائمة العراقية» او الخوض في صراع مرير وطويل من دون طائل «مثل مافعل مع زعيم القائمة العراقية» اياد علاوي الذي مازال يصارع ويكافح دون ان يصل الى نتيجة معه وصالح المطلك الذي رضخ للامر الواقع وقبل بالمنصب الذي قدمه له المالكي بعد ان توصل الى قناعة بأنه يناطح صخرة صماء لا جدوى منها وكذلك مارس هذه الطريقة مع زعماء الاكراد ولولا حنكة مسعود بارزاني السياسية وخبرته الطويلة في الصراع مع الحكومات العراقية المتعاقبة وقادتها واكتسابه المنعة لاناخوا وقدموا له فروض الطاعة، وهذه السياسة تعتمدها ايران دائما مع خصومها من المعارضة الكردية الايرانية واعتمدتها مع العراق في حربها الطويلة معه وكذلك في مباحثاتها اللانهائية مع اميركا والقوى العالمية الست حول القضية النووية التي شغلت الناس بها ، وهذا ما يفعله المالكي بالضبط مع شركائه السياسيين ويمارسه مع المتظاهرين في المحافظات الغربية للبلاد، فهو الآن يكتفي بالانتظار ومراقبة الوضع والتفرج على تلك الاحتجاجات بدم بارد وعلى اقل من مهله، طبعا مع اقدامه على تشكيل لجان خماسية فاشلة من اجل ذر الرماد في العيون الى ان تهدأ الثورة وتخفت او تتفرق وتضمحل وكأن شيئا لم يكن، وفي النهاية يخرج الجميع من هذه الازمة الكبيرة خاسرا الا هو، سيخرج منها كالعادة منتصرا ومعززا لموقعه وكما في كل الازمات التي يثيرها، فهل يستسلم المتظاهرون ويخضعون لسياسته القائمة على الاملاءات وفرض الامر الواقع ويخضعون لعامل الزمن ويقدمون بذلك خدمة لا تعوض للمالكي في ترسيخ سلطته وتعزيز مكانته اكثر ؟! الحقيقة ان التظاهرات المتواصلة منذ اكثر من شهرين في المناطق الغربية قد لا تصمد كثيرا امام الموقف اللامبالي الذي يتخذه المالكي حيالها وخاصة انها محاطة بتعتيم اعلامي عالمي وتجاهل واضح من قبل القوى المتنفذة في العالم لأسباب غير معلومة، وقد تكون الاحداث الجارية في سوريا هي التي سلبت الاضواء منها..مهما يكن فإن هذه المظاهرات مازلت تواصل مسيرتها وتناضل من اجل الاستمرار لاطول فترة، ومازال المالكي عاجزا عن ايقاف زخمها الجماهيري الذي يزداد باطراد على الاقل لحد الآن، ولكن من المؤكد انها ستتأثر سلبا بالزمن وما يدبر لها في الخفاء من قبل حكومة المالكي ما لم تأخذ قسطها من الدعاية والتشجيع في وسائل الاعلام العراقية والعربية والعالمية وتتلقى تأييدا واضحا من منظمات المجتمع المدني المعنية بالمبادئ الديمقراطية والمدافعة عن حقوق الانسان، لتكمل مشوارها الى الآخر، ما نراه اليوم من المظاهرات لو ظلت على هذه الحالة من التجاهل واللامبالاة، فإنها سائرة باتجاه الاخفاق والفشل، وسيكسب «المالكي» جولة اخرى ويرتفع رصيده السياسي داخليا وخارجيا وقد يصبح بطلا وطنيا وطائفيا في آن معا.