مخاطر استمرار الصراع وعدم حسمه لصالح الشعب في سوريا
والمشكلة الكبيرة والمعقد التي تواجه الجميع تبرز في كون الصراع الجاري في سوريا لم يعد سورياً - سورياً , بل تداخل معه الصراع الجاري في المنطقة , صراع المذاهب , صراع إيران شيعية الحكم والمذهب ضد السعودية وقطر سنية الحكم والمذهب , إضافة إلى دعم يصل للطرف الأول من الحكم في العرق وحزب الله في لبنان , في حين يصل للطرف الثاني من دول الخليج وغيرها.
كما لم يعد الصراع يدور على صعيد منطقة الشرق الأوسط وحدها , بل تداخلت معه مصالح الدول الكبرى التي تؤيد الحكم الدكتاتوري في سوريا , كما هو حال روسيا الاتحادية والصين الشعبية على نحو خاص , إضافة إلى بعض الدول الأخرى التي تؤيد النظام السوري الخليع مثل فنزويلا وكوبا وكوريا الديمقراطية , في حين تقف الدول الكبرى الأخرى كافة وعشرات الدول الأخرى إلى جانب الشعب السوري وثواره بغض النظر عن العوامل المتباينة الكامنة وراء هذا الموقف.
والمشكلة الثانية التي تواجه المجتمع السوري ولكن ذات ابعاد أخرى على صعيد المنطقة تبرز في واقع قوة تنظيم الأخوان المسلمين في سوريا ونفوذهم الواسع في قيادة العديد من القوى المشاركة في الثورة السورية والدعم الواسع النطاق الذي يصل للإخوان المسلمين السوريين من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ومن تلك الدول التي وصل الإخوان المسلمون فيها إلى الحكم كما هو الحال في كل من مصر وتونس أو السودان. وهذه الحقيقة تجعل الكثير من المؤيدين لسوريا في قلق دائم من المخطط الجديد الفاعل على ساحة منطقة الشرق الأوسط , المخطط المتفق عليه بين ثلاثة أطراف هي : 1) الولايات المتحدة الأمريكية , 2) المملكة العربية السعودية ودولة قطر , 3) تنظيم الأخوان المسلمين على الصعيد الدولي ومصر على نحو خاص لفسح المدجال أمام الإخوان المسلمين للسيطرة على نظم هذه الدول وتشكيل وحكوماتها. وتكمن وراء هذا المخطط خمسة أهداف جوهرية كما ترى الإدارة الأمريكية الراهنة:
1. إقامة نظم تنسجم مع دين الغالبية العظمى من سكان الدول العربية على نحو خاص ومع المذهب الذي يشكل الأكثرية فيها , اي المذهب السني بغض النظر عن التفاوت القائم في هذا الجانب بين المذاهب السنية السائدة في كل من هذه الدول. وبالتالي تعتقد الإدارة الأمريكية بإن هذا التوجه سيجلب الهدوء والاستقرار لهم في المنطقة.
2. ضمان أمن إسرائيل الذي تقره السعودية وقطر على نحو خاص وبقية دول المنطقة والتحول إلى تصفية تدريجية للقضية الفلسطينية لصالح إسرائيل على ايدي الإخوان المسلمين بحيث لا يبقى من فلسطين إلا الموقع الراهن للحكومة الفلسطينية وغزة.
3. التخلص من تهديدات إيران لإسرائيل وتصدير المذهب والثورة الشيعية إلى دول المنطقة للسيطرة عليها لصالح الحكام في إيران. إن هذا التوجه , كما يرى هذا التحالف , سيعزل إيران ويبعد الحكام العراقيين عن إيران , كما سيضعف إلى ابعد الحدود حزب الله وينهي الصراع معه لصالح لبنان وإسرائيل في آن.
4. إن هذا التوجه سيساعد على الاستقرار وعلى سيطرة الولايات المتحدة وحليفاتها على المنطقة الأكثر غزارة في امتلاكها لاحتياطي النفط في العالم حيث يزيد مخزونها بكثير على 65% مما كان مقدراً حتى الأمس القريب.
5. العمل على إبعاد كل من روسيا والعملاق الصيني القادم عن المنافسة على نفط وثروات وأسواق دول هذه المنطقة من العالم التي لم تبدأ بعد باستثمار ثرواتها الأولية ومواردها المالية لصالح تطورها وتقدمها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي , وهما يمتلكان مواقع وعلاقات مهمة مع كل من سوريا وإيران والسودان ويطمعان في الوصول من جديد إلى العراق وإلى دول الخليج وغيرها , إذ يجدا في دول منطقة الشرق الأوسط , وخاصة منطقة المياه الدافئة (الخليج العربي) , كما هي نظرة وموقف الدول الغربية , منطقة ذات "مصالح حيوية" لهما.
وعلى هذا الأساس سيعجز مجلس الأمن الدولي عن اتخاذ قرار جماعي يتفق عليه بين الأعضاء الدائمين أساساً , وهذا يعني استمرار القتال لفترة غير معروفة حتى الآن , إذ إن الجميع يزود الجميع بالمال والسلاح وبعضهم بالرجال المقاتلين أيضاً. والخطر المباشر لهذه الحالة يبرز في توفر وتنامي إمكانية تنظيم القاعدة الإرهابي على كسب عناصر جديدة له من أبناء سوريا والمنطقة لصالح تعزيز مواقعه وقدرته في القتل والتخريب الواسعين لا في سوريا فحسب , بل وفي العراق ولبنان ودول أخرى بما في ذلك دول الخليج.
إن المعركة في سوريا يفترض أن تحسم لصالح الشعب السوري , إذ لم يعد ممكناً العيش مع نظام بشار الأسد ورهطه وقوى الأمن السياسي السوري. وعلى كل من روسيا والصين , إضافة إلى إيران والحكم في العراق أن يدركوا هذه الحقيقة , وبالتالي لا بد من التخلي عن هذا النظام وعدم تزويده بالمال والسلاح ليتسنى للشعب السوري حسم المعركة لصالحه بدلاً من إدامتها وحسمها لصالح القوى المتطرفة , ومنها قوى الأخوان المسلمين. إذ ما نراه في مصر وما يجري حالياً في تونس يؤكد النتيجة المنطقية لوصول هذه القوى إلى السلطة , وهم في ذلك لا يختلفون عن قوى الإسلام السياسي الشيعية التي تهيمن على إيران أو تقود الحكم في العراق والتي تصدر يومياً تعليمات جديدة لنشر الاتجاهات الشيعية المتطرفة والبعيدة عن الدين الإسلامي في البلاد , كما جرى أخيراً بمنع دخول السافرات إلى الكاظمية مثلاً , وهو إجراء عدواني وفاشي النزعة من حيث الأسلوب قطعاً. وإذا ما استمرت هذه القوى في الحكم فعلينا أن نقول : عيش وشوف العجائب والغرائب!
يقود حزب البعث النظام السوري بتحالف يتفكك يوماً بعد آخر , مع بعض الأحزاب والكتل الشيوعية التي فقدت أرضيتها الشعبية والاجتماعية في سوريا وتخلت حتى عن الفكر الذي روجت له , والحزب القومي الناصري , الذي يتركه أعضاؤه حالياً. وعلينا أن نشير أيضاً إلى إن عدداً كبيراً من أعضاء حزب البعث يتركون هذا الحزب الجائر والدموي أيضا وخاصة أولئك الذين أجبروا بشتى السبل ليكونوا أعضاء في الحزب الحاكم " القائد والرائد! ". أما في الطرف المناهض للنظام السوري فنجد الكثير من القوى السياسية وغالبية الشعب السوري. والمشكلة في قوى المعارضة إنها ليست مفككة فحسب , بل ومتصارعة في ما بينها وخاصة القوى الديمقراطية واليسارية أو اليسار الوسط. وهذه الحالة هي التي تسمح لقوى الإسلام السياسي (الأخوان المسلمون) القدرة على تصدر الحالة في سوريا. ولا يمكن الوثوق بوعود وعهود الأخوان المسلمين الذين بدأوا يتحدثون اليوم باسم التسامح والديمقراطية , تماماً كما فعلوا في مصر وانقلبوا على كل ذلك وبسرعة فائقة , فالتقية في هذه المرحلة واجبة. ولكن ليس أمام ثوار سوريا غير التعاون مع كل القوى المناهضة للنظام السوري ومنهم الأخوان أيضاً في هذه المرحلة الحرجة من النضال.
الغلبة ستكون للشعب في المحصلة النهائية , ولكن الخسائر ستكون فادحة والأرضية ستكون ملغومة بالقوى المتطرفة وبالإرهابيين الذين يسعون لاستغلال الوضع لإشاعة الفوضى والمزيد من الدمار والموت في سوريا. كما إن استمرار القتال في سوريا سينقل المعركة إلى لبنان وربما إلى دول أخرى في المنطقة , وهو خطر حقيقي داهم. من هنا يتطلب الأمر من المجتمع الدولي ان يحسم أمره لصالح قوى الشعب ولكن من دون تدخل مباشر في المعارك الجارية , بل من خلال إجراءات معينة بما في ذلك منع الطيران الحربي السوري التحليق في الأجواء السورية لمنع قتل الأبرياء من الناس , أو منع وصول السلاح للقوات النظامية السورية , أو منع تركيا من تعقيد الوضع بالتدخل في المناطق التي لم تعد تحت سيطرة الحكم بذريعة وجود كُرد من الموالين لحزب العمال الكردستاني في تركيا يسيطرون على هذه المناطق...الخ , إضافة إلى السعي لمنع مقاتلين من إيران وحزب الله أو من العراق الذهاب إلى سوريا لدعم النظام أو تقديم الدعم المالي له , كما يجري اليوم عملياً.
لقد كانت إسرائيل إلى جانب بقاء النظام السوري بقيادة الأسد لأن نظام البعث الحاكم قد وفر لها هدوءاً تاماً على جبهة الجولان منذ احتلالها حتى الآن , ولكن وبعد الاتفاق مع الأخوان المسلمين على الصعيد العالمي وضعف النظام السوري تقف إسرائيل اليوم إلى جانب إزاحته , إذ ترى إنها غير قادرة على مساعدته للبقاء في الحكم واقتنعت الولايات المتحدة بذلك ايضاً وغيرت من نبرتها لصالح إزاحة عائلة الأسد عن السلطة , خاصة وإن الإخوان المسلمين قد تعهدوا بعدم التجاوز على أمن إسرائيل.
والمشكلة المهمة والمعقدة التي يفترض فينا أن لا ننساها هو الموقف من إيران من جانب إسرائي والولايات المتحدة الأمريكية. يبدو لي إن إيران تلعب اليوم بالنار ولا تدرك جيداً المخاطر التي تتهدد نظامها السياسي المتخلف. فهي ترفض الوصول إلى حلول عملية دولية لمؤسساتها النووية ورغبتها العارمة في إنتاج السلاح النووي لاستخدامه في الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط التي لن تسمح بها الإدارة الأمريكية ولا إسرائيل ولا ترغب بها الدول العربية في كل الأحوال , عدا العراق وحزب الله. وهذا يعني وجود مخاطر جدية في توجيه ضربات عسكرية قاصمة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل واستخدام قواعد عسكرية في الدول العربية وربما في تركيا لهذا الغرض بغض النظر عن مواقف روسيا والصين , إذ عندها لن يقويا على القيام بأي شيء سوى الاحتجاج في مجل الأمن الدولي دون فائدة إذ إن الفيتو الأمريكي سيسقط ذلك الاحتجاج المحتمل. ولكن الإدارة الأمريكية لن تسمح لإسرائيل بالقيام بهذا العمل بمفردها , إذ إن المهمة أكبر من قدرات إسرائيل لوحدها من جهة , ثم إن الإدارة الأمريكية لا تريد تنفيذ الضربات قبل الانتهاء من انتخابات الرئاسة القادمة بحيث يمكن التعاون بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على توجيه الضربات المطلوبة دون أن يتورطا بحرب طويلة الأمد وأرضية من جهة أخرى. وتزداد إمكانية تنفيذ هذا الاحتمال للدور السياسي التخريبي الذي تمارسه إيران في المنطقة على وفق تقديرات الإدارة الأمريكية وإسرائيل والكثير من الدول العربية.
وبمعزل عن هذا الاحتمال فإن الشعب السوري وقوى المقاومة بحاجة ماسة إلى تأييد واسع من الرأي العام العربي والعالمي ابتداءً من المظاهرات أمام السفارات السورية والروسية والصينية , ومطالبة حكومات دول العالم بغلق سفارات سوريا في دولها ومنع سفر كبار المسؤولين السوريين إلى خارج سوريا والأمر باعتقال من توجد معلومات عن تورطه بالمجازر الجارية في سوريا من قبل النظام .. الخ من أجل عزل النظام جدياً وإقناع كل من روسيا والصين بوهم الدفاع عن نظام مكروه ومرفوض من جانب الشعب السوري.
ولكن على الرأي العام العربي والعالمي أن يوضح لقوى الثورة السورية بأنه يرفض الصراع الطائفي والانتقام أو هيمنة قوى الإخوان المسلمين على السلطة وسرقة مكاسب الثورة الشعبية ويطالب القوى الديمقراطية فيها إلى توحيد صفوفها وتوحيد شعاراتها الديمقراطية لصالح بناء مجتمع مدني ديمقراطي علماني حديث في سوريا.