ما المهمات التي تنتظر حكومة السيد نيچرفان بارزاني
ابتداءً أشير إلى إنه من غير المعروف لنا مدى الفترة التي سيقضيها رئيس الوزراء الجديد على رأس الحكومة الجديدة, وكذا الوزراء, هل لمدة سنتين على وفق الاتفاقية السابقة أم لأربع سنوات, كما اقترحت ذلك في مقال لي مع بداية تشكيل حكومة الوحدة بين الحزبين وأشرت فيه إلى أن سنتين غير كافيتين بأي حال لاستكمال أي حكومة جادة إنجاز المهمات التي تندرج في برنامجها الوزاري. وهذا المقترح ما يزال قائماً بأمل أن يجري التفكير فيه من جانب رئاسة الإقليم والبرلمان الكردستاني والحزبين الحاكمين بغض النظر من سيتولى مسؤولية مجلس الوزراء في الدورات القادمة.
لا شك في إن إقليم كردستان قد شهد تحولاً كبيراً في مجال العمران خلال الأعوام التي أعقبت سقوط النظام العراقي على نحو خاص فتغيرت كثيراً معالم أربيل ودهوك والسليمانية حقاً, وأصبحت أربيل مدينة حديثة في شوارعها ومنتزهاتها وأسواقها العصرية, إضافة إلى محاولات جادة في تحسين أسواقها الشعبية القديمة وكذلك إعادة تأهيل القلعة التاريخية في وسط مدينة أربيل, بما يسمح في أن تكون مزاراً للسياح وبالتعاون مع منظمة اليونسكو, الهيئة الدولية المسؤولة أيضاً عن حماية وصيانة مثل هذه الآثار القديمة. ولا شك في أن المستوى المعيشي للسكان بشكل عام قد تحسن نسبياً بفعل الاستقرار الأمني والحصول على نسبة مناسبة من موارد العراق المالية السنوية والبالغة 17%. واستوعبت أجهزة الدولة الكثير من العاطلين عن العمل بأمل تقليص البطالة. وأصبحت كردستان موقعاً مهماً لاستقبال الكثير من العراقيات والعراقيين ممن تعرض لخطر الموت على أيدي الإرهابيين في بغداد والوسط والجنوب والموصل, سواء أكانوا من المسيحيين أم من الصابئة المندائيين أم من بنات وأبناء الديانة الإيزيدية الذي يعيشون في الأقضية التابعة إدارياً لمحافظة الموصل. كما بدأت تعقد الكثير من المؤتمرات في كردستان العراق بسبب سيادة الأمن فيها وعدم الخشية من القتل على أيدي الإرهابيين القتلة.
وعلى وفق المعلومات المتوفرة لدي فأن وزارة التخطيط في الإقليم كانت وما تزال تنهض بأعباء المسح العام لما في كردستان العراق من ثروات أولية يمكن وضعها في خدمة التنمية, كما أن جهاز الإحصاء في الإقليم يمارس دوره في هذا الصدد. وهي خطوات مهمة على طريق وضع تلك الموارد المادية والبشرية في خدمة عملية التنمية الوطنية. ولا شك في أن البنية التحتية ما تزال بحاجة إلى الكثير من الجهد لإنجاز ما يفترض إنجازه في السنوات القادمة.
والسؤال الذي راودني منذ أول وثاني لقاء مع السيد نيچرفان بارزاني في أربيل هو: كيف يمكن لإقليم كردستان أن ينهض بأعباء التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحماية البيئة, وكيف يكون في مقدوره مكافحة الفقر والبطالة المكشوفة والمقنعة والإجهاز على الفساد الذي يفرط بالثروة الوطنية ويقلل من إمكانية النهوض بالتنمية, إضافة إلى ما يشيعه في البلاد من تذمر وعدم ارتياح واحتجاجات؟
لا شك في أن إقليم كردستان يمتلك الكثير من الإمكانيات الفعلية لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي, وأنه يمكن أن يحقق التكامل الفعلي مع بقية أجزاء العراق لصالح الجميع وبعيداً عن التهميش الذي عاناه هذا الإقليم عقوداً كثيرة, كما عانت منه أقاليم أخرى بسبب سياسات النظم المركزية الاستبدادية السابقة, وأن يستفيد من أفضليات الإنتاج الكبير والأسواق الواسعة التي يمكن أن توفرها أسواق العراق ودول أخرى.
ولكن لدي الشعور المستند إلى الواقع الراهن ومن متابعتي اليومية لأوضاع العراق, ومنه الإقليم, ومن زياراتي المتكررة للعراق والأحاديث في محافظات الإقليم أن ليست هناك رؤية إستراتيجية لعملية التنمية الوطنية الشاملة, في وقت أن الإقليم بحاجة ماسة إلى مثل هذه الإستراتيجية والخطط التنموية لعقدين قادمين من السنين, بحيث لا يكون البناء عفوياً وعلى وفق الرغبات والتغيرات المحتملة, بل على أسس جوهرية, منها:
1. إن الإقليم بحاجة ماسة إلى تنمية حقيقة وفي كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وحماية موارد الطبيعة بعد أن عانى الأمرين من التهميش المتعدد الجوانب ومن الحروب والاعتداءات على أرضه وشعبه وموارده.
2. إن معدلات النمو السكانية السنوية عالية نسبياً, وهي مهمة لأغراض التنمية الشاملة ولا بد من التفكير بذلك لا في مجال بناء الدور السكنية والشوارع, بل وكذلك بالنسبة إلى مشكلة المياه والطاقة ...الخ.
3. وإن موارد النفط على أهميتها لا يجوز أن تبقى المورد الرئيسي لعملية التنمية في الإقليم بل لا بد من تنويع مصادر الدخل القومي والتنمية الوطنية, إذ إن التفكير لا يجوز أن يبقى محصوراً بمصالح هذا الجيل أو الجيلين القادمين, بل بالأجيال القادمة التي لا بد لها أن تنعم بثروات الإقليم أيضاً.
4. وأن الإقليم محاط بعدد من دول الجوار التي لا يمكن الحديث عن شعورها بالصداقة الحميمة مع الإقليم, إن لم نتحدث عن مخاطر جدية يمكن أن تنشأ منها إزاء الإقليم لأسباب لا مجال للبحث فيها في هذا المقال. كما إن أوضاع الحكومات الاتحادية المتعاقبة منذ سقوط النظام الدكتاتوري الفاشي حتى الآن ذاته لا يعطي الشعور بالاطمئنان إلى سياسات بغداد إزاء الإقليم وسبل معالجة المشكلات القائمة بين الحكومتين, رغم ضرورة معالجة تلك المشكلات بالسبل السلمية والديمقراطية وعلى وفق بنود الدستور العراقي.
5. إن المتابعة الدقيقة للوضع في الإقليم يمكنها المساعدة في تشخيص ثلاث مسائل سلبية:
أ. زيادة عدد أصحاب الملايين والمليارات من غير غطاء شرعي, وغالباً ما يكون عبر الفساد المالي والإداري.
ب. استمرار وجود نسبة مهمة من العائلات الفقيرة والتي تعيش في مناطق شعبية ما تزال متخلفة, وهي تعاني من مشكلات وتتسبب في خلق مشكلات بالضرورة, إضافة إلى وجود البطالة بشكليها المكشوف والمقنع.
ج. اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء والتي تخلق توترات اجتماعية وتذمر.
6. لقد قطع التوسع في التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي في الإقليم شوطاً مهماً خلال الأعوام السبعة الأخيرة بشكل خاص. ويبدو لي أن التحول صوب المتابعة الدقيقة لنوعية التعليم ومستوى التدريس والنتائج المترتبة عن ذلك أصبح اليوم ضرورة ملحة, خاصة موضوع ربط التعليم بالتنمية الشاملة لاقتصاد الإقليم وإنشاء مراكز للبحث العلمي.
7. من خلال هذه الملاحظات وغيرها تنشأ الحاجة إلى التفكير الإستراتيجي والممارسة الفعلية على وفق الإستراتيجية التنمية الشاملة للإقليم. وهذا يتطلب في واقع الحال مجموعة من المؤشرات ذات المضمون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني بما يسهم في تعزيز الأرضية التي يقف عليها الإقليم لمواجهة متطلبات وتحديات المستقبل.
إن الضمانة الأساسية للاستقرار السياسي والأمني في أي بلد أو إقليم هي وحدة الشعب وطبيعة العلاقات القائمة في ما بين قواه وأحزابه السياسية, سواء أكانت في الحكم أم في المعارضة. وإدارة الصراع الداخلي هو علم وفن في آن واحد, إذ يفترض أن يقوم على أساس البرامج التي تقدمها الأحزاب السياسية ومدى قدرتها على تنفيذ الالتزامات التي تقدمها للمواطنات والمواطنين في تلك البرامج. ولا شك في ظروف إقليم كردستان العراق والقوى الخارجية المحيطة به تستوجب إيجاد لغة مشتركة مع قوى المعارضة لصالح برنامج فعال وحيوي يمنع وقوع صراعات ونزاعات تقود إلى عواقب وخيمة, مع ممارسة كاملة لبنود الدستور في هذه العلاقات. ولهذا فالحلول العملية مع قوى المعارضة يفترض أن لا تعتمد على الحماسة الوطنية وحدها ولا على الوعود وحدها ولا على وسائل أمنية, بل على الممارسات السياسية والاجتماعية أولاً وأخيراً. إذ أن وحدة السياسات والمواقف تسهم في طرح برامج مشتركة وطموحة وقدرة على تحقيقها في آن.
تواجه كردستان مجموعة من المهمات التنموية بعد مرور عشرين عاماً على تخلص الإقليم من الحكم المركزي الجائر ببغداد. فما هي تلك المهمات من وجهة نظري الشخصية؟ وهنا أؤكد بأني لا أدعي امتلاك الحقيقة والصواب في ما أطرحه من مقترحات عامة, بل هي وجهة نظر تطرح للمناقشة بأمل الاستفادة منها لقادم الأيام ولصالح الإقليم, وهي في الوقت نفسه لصالح العراق عموماً.
1. وضع برنامج واقعي يستند إلى الموارد الأولية المتوفرة في كردستان لإقامة مجموعة من المشاريع الصناعية في مختلف أنحاء الإقليم, تلك المشاريع الصناعية الدقيقة والحديثة وغير الملوثة للبيئة وتعتمد على أحدث التقنيات التي يمكن استخدامها في الإقليم, إضافة إلى تنمية الصناعات البتروكيمياوية والصناعات الزراعية وصناعات المواد البنائية كالأسمنت والطابوق والحجر ..الخ.
2. تطوير الطاقة الكهربائية واستخدام الطاقة البديلة التي تمتلك كردستان إمكانية فعلية لاستخدامها وخاصة الطاقة الشمسية والرياح مثلاً. فالطاقة هي الأساس المادي للتصنيع وتحديث وتطوير الزراعة والحياة الثقافية والاجتماعية أيضاً.
3. بالرغم من المصاعب التي تواجه التنمية الزراعية, فلا بد للإقليم من توجيه المزيد من الاستثمارات لصالح القطاع الزراعي لتأمين نسبة مهمة من حاجة السكان إلى الغذاء وضمان الأمن الغذائي والذي يفترض أن تأخذ حكومة الإقليم بنظر الاعتبار تجارب الإقليم المنصرمة عبرة للمستقبل. ويمكن استخدام التقنيات والأساليب الحديثة في الإنتاج الزراعي والإرواء بسبب شحة المياه ونقص الأيدي العاملة في الريف الكردستاني بسبب الهجرة المتزايدة صوب المدن. وهي ظاهرة طبيعية حالياً.
4. في كردستان توجد تقاليد موروثة في الصناعات الحرفية وقدرتها على تغطية جزء من الحاجات المحلية لمنتجات هذه الحرف. ولهذا لا بد من بذل عناية خاصة في هذا القطاع من الصناعات الحرفية والصغيرة من خلال تحسين أدوات ومواد العمل وتكوين الكادر المهني المتعلم لزيادة وتحسين نوعية الإنتاج ومردوده الاقتصادي.
5. ضرورة ملحة لإعادة تنظيم التجارة الخارجية, إذ إن السياسة التجارية الجارية لا تساعد على التنمية الصناعية والزراعية وتقدم الصناعات الحرفية بل تساهم في منع قيامها أو انهيار الموجود منها. لهذا لا بد من رسم خطة تربط بين التجارة الخارجية (الاستيراد) والتنمية الصناعية والزراعية بما يسهم في تعجيل التنمية وضمان توجيه الاستثمارات صوب التصنيع الحديث والزراعة الحديثة.
6. إن إقليم كردستان بحاجة إلى تقنيات حديثة ومتقدمة, كما إن أوضاع كردستان العامة والظروف المحيطة بها تستوجب عدم وضع رهانها التجاري والاقتصادي في سلة دولة أو دولتين, بل التعامل مع دول متقدمة كثيرة لتساهم في تحسين مستوى وكفاءة الأداء. كما يفترض أن يتم تشغيل الأيدي العاملة الكردستانية بدلاً من استيراد الشركات الأجنبية لعمالها من الخارج.
7. تتوفر في إقليم كردستان إمكانيات كبيرة لتطوير قطاع السياحة بجوانبه الثلاثة: ألاصطياف والدين والآثار القديمة. ورغم الجهود الطيبة المبذولة في هذا المجال, فأن الحاجة ملحة لتوحيد العمل وبذل جهود كبيرة لتنظيمه وتوسيعه وتوفير مستلزماته البشرية والسكنية واللوجستية الأخرى.
8. إن ضمان تطور نسبي صوب العدالة الاجتماعية يستوجب السير على طريق التنمية وتشغيل الأيدي العاملة وتحقيق جملة من الإجراءات الاجتماعية التي تكافح الفقر والعوز والبطالة في المجتمع وتكافح على وفق أسس سليمة الفساد المالي والإداري اللذين لا يمكن نكران وجودهما في الإقليم. (لا شك في أن العراق كله مبتلى بهاتين الآفتين الاجتماعيتين).
9. ويبدو لي إن الاهتمام بالإدارة الاقتصادية وإدارة المشاريع الاقتصادية الإنتاجية والخدمية واختيار الشخص المناسب في المكان المناسب وإبعاد التعيينات عن المحسوبية والمنسوبية والتخلص من الفاسدين والمفسدين والمتجاوزين على حقوق الإنسان يشكل اليوم ضرورة ملحة, ومنها تنظيم عمل الرقابة والمتابعة في مجلس الوزراء والوزراء, إذ بدون ذلك يصبح التسيب وعدم الالتزام وعدم كفاءة الأداء سيد الموقف.
10. ولا شك في ضرورة إعادة النظر بالسياستين المالية والنقدية الكلية ونشاط المصارف وشركات التأمين ووجهة هذا النشاط والرقابة على الأسعار ونسب التضخم المتفاقمة في الإقليم التي تجهد أصحاب الدخل المحدود والفقراء من السكان..الخ.
11. إن الممارسة الديمقراطية في الحياة اليومية وفي عمل الحكومة في علاقتها مع المجتمع ومع أجهزة الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وفئة المثقفين يعتبر الحجر الأساس لضمان التفاعل لصالح التنمية وتحقيق البرامج المعدة للتنفيذ.
12. واقترح أخيراً عقد ندوة اقتصادية متخصصة حول اقتصاد إقليم كردستان وسبل تنميته بهدف الاستماع إلى وجهات نظر الاختصاصيين بهذا الصدد ثم قيام وزارة التخطيط بالتعاون مع الوزارات النوعية بتلخيص مواد الندوة والاستفادة منها لصالح عملية التنمية في الإقليم.
برلين, أواخر كانون الثاني/ يناير 2012
كاظم حبيب