التحولات الوظيفية في المجال السياسي : تأملات حول هابرماس..(3-3)
من خلال استقراء تطور الافكار السياسية نلاحظ ان كل من ( فيبر) و ( لومان) يقرون انه عندما تكون هناك ضرورة لاعطاء موافقة nod على مسألة الاختلافات النظامية والمتشابكة فان هذه الموافقة يجب ان تعطى. ان هذه الحالة ( الموافقة والايحاء بالموافقة) يجب ان لاتؤدي الى انقاص والتقليل من حرية الكلام والعمل في الاشكال العقّدية للمفاوضات ( وهذه الفكرة جاءت من خلال الاقتباسات غير المباشرة من كل من : - بياجيه Piaget- و – أبل Apel- و- ارندت Arendt-). ان المحصلة النهائية لهذا الوضع الفكري انها لم تكن الماركسية ، الوظيفية ، نظرية المجتمع المدني ، ولا نظرية الفعل السياسي ، بل كانت النتيجة هي : تركيبة من الانثروبولوجيا الليبرالية والصنمية القانونية.
ومن هنا يربط (هابرماس) الفعل التواصلي بفكرته عن القانون. فالقانون لديه هو اللحظة العالمية السياسية Moment of Political Universality متجاوزة السلطة والمصالح والمساواة الشكلية ولكن وبسبب انه لا يمكن له ان يعمل هذا بدون الوصول الى مواقف عبّر عنها اصلا ( هيجل) ، ( ماركس) ، (شمدت) و(ارندت) ، فقد اضطر الى الاستعارة من ( لومان) ومن النظرية القانونية الليبرالية التي اثرت بشكل واضح في بناء فكرة القانون لدى (هابرماس).
وهناك يلاحظ ربط واضح مابين شرعية النظام السياسي والقانون من خلال تأكيد (هابرماس) بأن اضفاء الشرعية على النظام السياسي يجب ان يأخذ شكلا قانونيا.والقانون لايتطلب فقط القبول والاعتراف به بل يتطلب اساسا ان يكون في وضع يستحق فيه الاعتراف به.والدولة هنا عليها تحقيق شيئين مهمين هما:
• قانونية التصرف
• شرعية القانون
وكل هذا لاجل منح المؤسسات مشروعية وتبرير عقلاني لممارسة نشاطاتها وافعالها داخل المجال العام ولذلك شرعت الدولة العديد من القوانين طبقا لفلسفة السلطة السياسية.
ومع ذلك فان مسألة الاحتكام الى القانون يعتبر من المسائل المهمة لقيام النظام الديمقراطي حيث لاديمقراطية بدون القانون ودون الاحتكام اليه في حالة نشوب نزاع او خلاف ولا ديمقراطية ايضا مع مايسمى ب "حكم الهوىوالرغبة " حيث تكون السلطة هنا سلطة عشوائية تعسفية و يكون الحاكم فيه فوق القانون وخارج عن المسالة.
ومع ذلك يؤكد (هابرماس) بان حكم القانون ليس وحده او بحد ذاته دليلا على وجود النظام الديمقراطي ، حيث ان وجود هذاالنظام محال دون حكم القانون وان روح الحرية تفترض احترام القانون فلا توجد ديمقراطية حيث يوجد تحكم المال والمحسوبية وروح النفاق والفساد وكذلك لاديمقراطية بدون سلام اجتماعي لانه بدون هذا السلام الاجتماعي لن يمكن الدفاع عن الضعفاء.
ويوضح (هابرماس )فكرته بدقة عندما يؤكد ان مبدأ السيادة الشعبية شرط أساسي لشرعية القانون في النظام الديمقراطي لانه يسمح للمواطنين المتمتعين بحقوق متساوية ان يشاركوا في بلورة الادارة التي تكتسي طابع المؤسسة القانونية لتقرير ارادتهم السياسية.
ينتقد (هابرماس) النظرية السياسية لكونها لم تستطع ان تحل التوتر القائم بين سيادة الشعب وحقوق الانسان ولذلك يتساءل : ماهي الحقوق الاساسية التي يجب على المواطنين الاحرار والمتساوين ان يعترفوا بها لبعضهم البعض؟ يجيب (هابرماس )على هذا التساءل بقوله ان هذا يتحقق من خلال وضع دستور يؤدي الى ممارسة الشعب لسيادته وفي نفس الوقت خلق نظام من الحقوق الاساسية.
وفي تصور ( هابرماس) ان المجتمع الساسي (الدولة) تقوم بتحويل أي صراع للاعتراف في المجتمع المدني الى صراع لاجل السلطة أو المال عن طريق تحويل تلك الصراعات (سواء أكانت مادية أو قيمية) الى ماكنة التوجيه أو الاندماج ( مثل الاحزاب السياسية أو الوزارات الحكومية).
ولكن مادامت الاحزاب البيروقراطية هي التي تحكم وتسيطر فانه لايمكن ان تكون هناك تعددية قيمية حقيقية أو تعددية تواصلية .واذا كانت كل المواقف القيمية تعامل وكأنها مدخلات Inputs ويجب ان تحّول الى توجيهات عمودية vertical direction فانها تصبح محايدة كقيم وتصبح مسيطرة وتتحكم بالامور.
ان الصراعات المستمرة والدائمة لاجل الاعتراف تحتاج الى مجال عام حيث التعددية فيه تفتح المجال السياسي للنقاش.ولكن هذا النوع من الصراعات لايمكن لها ان تتنافس مع الصراعات ضمن السلطة والمال في اطار المؤسسات التي فيها الوصول الى السلطة هو أساس الشرعية السياسية.ولن مادام النظام الاقتصادي يقوم بتعبئة كل نشاطات الحياة السياسية للصراعات الدائرة حول السلطة والمال ، فان العقلانية النفعية instrumental rationality والاستراتيجية ستتواصل لاضفاء الغموض obscure على التواصلية والاعتراف والاشكال الاخرى للصراعات السياسية المستندة على القيم عوضا عن السلطة والمصلحة وهنا فان القانون لا يمكن له ان يأخذ على عاتقه المهمة العالمية universal وبالاخص المهمة السياسية والتي يؤكد عليها (هابرماس).
وفي هذه الوظيفة السياسية ولكي تأخذ المساواة القانونية على عاتقها مهمة ووظيفة تكون واقعية وليست شكلية ، فانها تتطلب مساواة اقتصادية. هذه المسألة كانت واضحة لدى ( كيرش هايمر Kirchheimar) الذي وعلى عكس من ( هابرماس)، أكد على ان أشكال القرارات غير المؤسسة على المصلحة لاتكون ممكنة عندما يحّول النظام الاقتصادي المواطنين الى زبائن clients ولو ان ( هابرماس) وبصورة رائعة حاول ان يمنع حصول هذه النهاية.
وأخيرا، فان المرء يرجع الى نفس الاسئلة التي أثيرت في هذه المناقشات والمتعلقة بكيفية تفسير أعمال (هابرماس).
والتساءل الاهم هنا هو : هل ان ( هابرماس) يشعر بأن النقد المتواصل على الرأسمالية في ألمانيا هو نقد غير مسؤول سياسيا لكون ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية كانت بحاجة الى استقرار سياسي اكثر من اي شيء اخر وأكثر من ثورة اشتراكية؟
لقد كان ( هابرماس) على صحة عندما أدعى ان القانون لايحتاج بالضرورة الى اختزاله الى علاقات ملكية والى تنظيم قضائي للطبقات واشكال اخرى للمصالح والصراعات وبالتالي يقع في شرك enmesh هذه الصراعات.ولذلك فان التساءل الموجه الى ( هابرماس) هو :
• تحت اي شروط وظروف اجتماعية سياسية يمكن تحديد القانون بكونه جمع مابين السلطة والمصلحة ؟
• وماهي الاهمية السياسية للقانون في ان يصبح اساسا للاستقلالية الجماعية والعالمية ؟
• هل مازال ( هابرماس) مصر على تقسيمه حول الاشكال المختلفة للمصالح ووظائفها في اعادة الاندماج الفعال في المجتمع؟
ان مناقشة هذه التساءلات المهمة تحتاج في الحقيقة الى دراسة اخرى مستقلة وتكون فرصة للباحثين في الفلسفة السياسية والسوسيولوجيا لابداء ارائهم.
المصادر:
1. M. Makambu, Demokratie und Rechtsstaat bei Habermas,2003
2. J. Habermas, Der philosopische Diskurs der Moderne,1985
3. J. Habermas, Faktizitat und Geltung,1999
4. D. Shechter, The Functional Transformation: Reflection on Habermas,1999
5. عمر مهيبل ، اشكالية التواصل في الفلسفة الغربية المعاصرة،2005
6. جان مارك فيري ، فلسفة التواصل ،2006
7. كارل اوتو ابل ، التفكير مع هابرماز ضد هابرماز ، 2005
8. يورجين هابرماس ، المعرفة والمصلحة ،2002
9. يورغن هابرماز ، اتيقا المناقشة ومسألة الحقيقة ،2010
10. أبوالنور حمدي أبوالنور ، يورجين هابرماس : الاخلاق والحقيقة،2009