كيف السبيل لمواجهة العدوان على إقليم كردستان العراق؟
وقد طالبت حكومة الإقليم بوقف هذا العدوان المزدوج والدخول في مفاوضات لبحث دواعي ذلك والوصول إلى حلول عملية. ولكن الطرفين, وهما إيران وتركيا, لم تستمعا حتى الآن إلى صوت العقل المطالب بوقف العدوان. فما العمل؟
يبدو لي واضحاً من مجرى الأحداث أن الدولتين الجارتين تسعيان للاستفادة من مجمل الأوضاع المتأزمة في المنطقة عموماً ومن الصراعات الدائرة بين القوى المشاركة في الحكومة العراقية ومن الخلافات القائمة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية, إضافة إلى قوة النفوذ السياسي الإيراني الفاعل في بغداد الذي يمنع الحكومة العراقية من الاحتجاج وتقديم طلب إلى مجلس الأمن الدولي لوقف العدوان الإيراني وكذا التركي على العراق والأراضي العراقية, وبالتالي تواصلان الاعتداء دون أن تجدا من يردعهما. والمشكلة التي تواجه الإقليم هو ادعاء الحكومتين بوجود قوات مسلحة من الأحزاب السياسية الكردية في البلدين الجارين تناضل من أجل حقوق شعبيهما العادلة والمشروعة, في حين تدرك كل من إيران وتركيا أن حكومة الإقليم والحكومة العراقية تعجزان عن إبعاد هؤلاء, إن وجدوا عن الأراضي العراقية الحدودية بسبب صعوبة الوصول إليهم, من الأراضي العراقية, إذ أنهم في حالة حركة دائمة, فهي قوى أنصارية لا تستقر في مكان ثابت وغالباًُ ما تكون في أراضي الدولتين وليس في الأراضي العراقية. كما أن حكومة الإقليم تدعو القوى السياسية الكردية في الدولتين إلى ممارسة النضال السلمي, كما جاء على لسان رئيس وزراء إقليم كردستان السابق نيچرفان برزاني ونائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني. وهو أقصى ما يمكن أن يفعله أي مسؤول سياسي, إذ ليس من حق أحد أن يوقف النضال السلمي لأي شعب في سبيل حقوقه القومية المشروعة والعادلة.
من المعروف للجميع أن شعوب الأمة الكردية الموزعة على الأراضي الكردستانية في دول أربع شرق أوسطية هي العراق وإيران وتركيا وسوريا تناضل منذ عقود كثيرة من أجل الاعتراف بوجودها على أرضها أولاً, ومن أجل حقوقها المشروعة والعادلة بما في ذلك حقها في تقرير مصيرها ثانياً, والتمتع بالحريات العامة وعدم التمييز والتهميش والإقصاء ثالثاً. وبعد عقود مريرة من النضال الدامي, بما في ذلك تعرضه لمجار الأنفال والقصف بالكيماوي في حلبچة وغيرها, استطاع الشعب الكردي في العراق أن يحقق الفيدرالية وتكريس ذلك في الدستور الكردستاني منذ العام 1992, ومن ثم في الدستور العراقي منذ العام 2005 وممارسة هذا الحق فعلاً وعلى أرض الواقع بوجود حكومة كردستانية عاصمتها أربيل ووجود مجلس نيابي منتخب, إضافة إلى سلطة القضاء, كما يشارك إقليم كردستان في السلطات الثلاث, التشريعية والتنفيذية والقضاء, في العراق وفي كافة المؤسسات الأخرى. وهذه المشاركة في الحقوق التي تعتبر شكلاً من أشكال ممارسة حق تقرير المصير لا يتمتع بها الشعب الكردي في كل من إيران وتركيا, كما أنه محروم من حقوقه الطبيعية, بما في ذلك الجنسية في سوريا.
ومن هذا الواقع ينطلق نضال الشعب الكردي في تلك الدول للوصول إلى شكل من أشكال تقرير المصير الذي ترفض الاستجابة له حكومتا الدولتين الإيرانية والتركية رغم وجود ما يزيد عن 25 مليون إنسان كردي في هاتين الدولتين.
علينا أن نشير هنا إلى أن شعوب منطقة الشرق الأوسط كلها تقريباً تمتلك دولها المستقلة في ما عدا الشعب الكردي الموزع على الدول الأربع المشار إليها سابقاً في حين يبلغ تعداد الأمة الكردية في منطقة الشرق الأوسط أكثر من 30 مليون إنسان في مقابل عدة مئات الألوف من العرب يملكون دولاً مستقلة في الخليج العربي وأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي المؤسسات الدولية الأخرى. وهي حالة جيوسياسية نشأت بفعل المصالح الاستعمارية القديمة التي لم تعد تنسجم مع حضارة وثقافة القرن الحادي والعشرين ومع حقوق الشعوب وحقوق الإنسان على الصعيد العالمي.
إن مطالبة الشعب الكردي في كل من إيران وتركيا ونضاله من أجل حقوقه القومية والوطنية المشروعة والعادلة هي من القضايا الخاصة بالشعبين التي لا نتدخل بهما, ولكن من حقهما علينا ومن واجبنا التضامن مع نضالهما ونضال كافة الشعوب التي تسعى لنيل حريتها وكرامتها وحقوقها المشروعة. ليس من حق أحد أن يوقف نضال الشعبين في البلدين, وخاصة نضالهما السلمي.
علينا أن نشير هنا إلى مشكلة كبيرة تواجه شعوب الدولتين الجارتين. فحكومتا الدولتين تتطلعان لتلعبا دور الدولة الكبرى في المنطقة, كل منهما على طريقته الخاصة, ولكن كلاهما يعمل على زيادة التسلح والتنكر لحقوق الشعوب الأخرى التي تعيش في دولته, ثم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الجارة. ويبدو أحياناً وبوضوح كبير أن الدولتين تتطلعان للتوسع على حساب أراضي الدول الأخرى, إذ يهيمن عليهما الحنين لماضي الدولة الفارسية والدولة العثمانية, وتصبح الأراضي العراقية واحدة من مطامع الدولتين. ويبرز هذا من تحركهما الواسع على الصعيدين الإقليمي والدولي والدعاية لنموذجيهما في الحكم. وقد بدا ذلك صارخاً في جولة رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان إلى كل من مصر وتونس وليبيا, أو خطاب محمود احمدي نجاد في الأمم المتحدة أخيراً.
إن مواجهة العدوان على الأراضي العراقية تتطلب خطوات جادة وأساسية على مختلف الأصعدة نشير إلى بعضها بشكل مكثف:
1 . تعزيز الوحدة الداخلية لقوى الشعب الكردي وتعبئة الشعب كله حول المهمات الأساسية التي تواجه الإقليم. ويتطلب هذا الأمر توسيع وتعزيز مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة مشكلات الفقر والبطالة المكشوفة والبطالة المقنعة المجهدة لموارد الخزينة ونقص الخدمات وتقليص الفجوة الدخلية والمعيشية والحياتية المتسعة ومكافحة الفساد الذي ينهب ثروات المجتمع بإجراءات صارمة ضد كل الفاسدين والمفسدين, إضافة إلى فسح المجال أمام المعارضة السياسية لممارسة دورها الطبيعي في أجواء الحريات العامة دون قيود.
2 . اتخاذ موقف معارض للسياسات غير الديمقراطية التي تمارسها الحكومة الاتحادية في بغداد إزاء قوى المعارضة ومطالب الشعب في مكافحة الإرهاب والفساد والطائفية المتحكمة بالبلاد. لا يمكن لإقليم كردستان اتخاذ مثل هذا الموقف المعارض ما لم يتمتع شعب الإقليم بالحريات العامة والحياة الديمقراطية وسيادة مبادئ حقوق الإنسان في العلاقة بين الحكومة والمجتمع وقواه السياسية والاجتماعية.
3 . عقد مؤتمر شعبي واسع يضم كل القوى السياسية الديمقراطية العراقية من أجل تعزيز القوى الديمقراطية في البلاد ومواجهة التحديات الجديدة التي تريد النيل من الحريات العامة. ومثل هذا الأجراء يعتبر تعزيزاً لقوى الشعب الكردي وفيدراليته ومطالبه بوقف العدوان على الإقليم والعراق.
4 . تحريك المجتمع العراقي وقواه الديمقراطية والسياسية المختلفة للضغط على الحكومة العراقية من أجل إدانة العمليات العسكرية ضد الأراضي والسكان في العراق واتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية كفيلة بوقف العدوان وبالتعاون مع الهيئات والمؤسسات الدولية. إن النزوع للسلام والابتعاد عن الحرب يشكلان ضرورة ملحة في الجانب العراقي, ولكن هذا لا يعني عدم التوجه صوب الهيئات الدولية وطلب مساعدتها لوقف العدوان على الأراضي العراقية في الإقليم.
5 . تقديم طلب إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومنظمات حقوق الإنسان لدراسة عواقب العدوان على الإقليم والعراق وضرورة إدانته ووضع حدٍ له, إضافة إلى تقديم طلب إلى محكمة حقوق الإنسان الدولية في لاهاي ضد الاعتداءات التي تتسبب في موت الإنسان وتهجيره وإلحاق الضرر بالمزارعين ومزروعاتهم ومواشيهم.
6 . شن حملة إعلامية إقليمية وعالمية واسعة ضد الاعتداءات المستمرة ضد الإقليم والكشف عن النوايا السيئة الكامنة وراء مثل هذه العمليات من جانب حكومتي إيران وتركيا.
إن من المهم بمكان أن يدرك جميع الكُرد في كل مكان ضرورة وأهمية حماية إقليم كردستان العراق وفيدراليته الحديثة من المؤامرات التي تحاك ضدها باعتبارها تجربة حية وناجحة وذات دروس غنية لبقية أجزاء الشعب الكردي وكردستان. وعلى الكُرد أن يتيقنوا من إن هذه المؤامرة ليست جديدة بل هي امتداد للتعاون القديم بين دول المنطقة للتصدي المشترك لنضال الشعب الكردي لنيل حقوقه المشروعة والعادلة, وإن المرحلة الراهنة تؤكد اشتراك مجموعة من القوى السياسية العراقية, بما فيها قوى مشاركة في الحكومة الحالية, مع حكومات الدول الثلاث المجاورة للعراق وللإقليم في عملية ومؤامرة مماثلة لما كان يجري في السابق لإجهاض الفيدرالية الكردستانية النموذج الذي يفترض أن يكون ملهماً للشعب الكردي بما يفترض أن يحققه من حريات عامة وحياة ديمقراطية مزدهرة ومستوى معيشة مناسب ومكافحة الفساد وكل ما يلحق الضرر بمصالح الشعب الكردي ومستقبله.
ومن هنا أجد إن التحرك الأخير لرئاسة الإقليم الذي اقترن بما أطلق عليه بالمرحلة الأولى من الإصلاح من جهة, وزيارة محافظة السليمانية واللقاء بقيادة حركة التغيير وقرب عقد لقاء للأحزاب السياسية الكردستانية وللبرلمان الكردستاني لمناقشة مجمل الأوضاع الراهنة من جهة أخرى, وضرورة وضع خطة مشتركة, بما في ذلك تحديد وجهة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العقلانية المساعدة لتسريع التقدم الصناعي والزراعي في الإقليم تلتزم بها حكومة الإقليم من جهة ثالثة, ووضع أسس التعامل مع الحكومة الاتحادية على وفق الدستور العراقي وحماية الحريات الديمقراطية والدفاع عنها في سائر أنحاء العراق من جهة رابعة, تعطي الأمل الكبير بقدرة إقليم كردستان العراق على مواجهة تحديات المرحلة المعقدة الراهنة والدفع بالاتجاه الأفضل لا في الإقليم فحسب بل وعلى مستوى العراق كله. إن رئاسة وحكومة الإقليم والبرلمان تتحمل مجتمعة مسؤولية كبيرة في السير الجاد والثابت على طريق الإصلاح الديمقراطي وعلى جميع المستويات والمجالات,
لقد كانت كردستان قلعة لنضال القوى الديمقراطية العراقية على امتداد عقود كثيرة من أجل الديمقراطية للعراق والسلام والحكم الذاتي لكردستان. أما اليوم فأن القوى الديمقراطية كافة في العراق تتطلع في أن يكون إقليم كردستان العراق مركز جذب للنضال المشترك في سبيل الحرية والديمقراطية والسلام للعراق والفيدرالية المتقدمة والمزدهرة لكردستان العراق. إنه الأمل الذي يفترض أن لا يغيب عن البال.
لنعمل معاً لإجهاض أحلام وأوهام القوى المضادة التي كانت وما تزال تريد للعراق السير في طريق مسدود, طريق الاستبداد والقهر والتمييز القومي والديني والمذهبي والفكري والسياسي, طريق إرهاب الدولة والمليشيات المسلحة والفساد, وطريق الخنوع للإملاءات الخارجية.