ملاحظات أولية حول خطة التنمية الوطنية للفترة 2010-2014 في العراق
2 . إن صدور خطة خمسية للتنمية الوطنية في العراق وفي هذه المرحلة بالذات جاءت نتيجة لمطالبات كثيرة من جانب جمهرة كبيرة من الاقتصاديين والقوى الديمقراطية في الداخل والخارج, خاصة بعد أن تم سن الدستور في العام 2005 وتشكلت حكومة جديدة, إذ لا يمكن أن تتم عملية تنمية وطنية من دون أن تكون هناك خطة حتى لو سار الاقتصاد العراقي على وفق اقتصاد السوق الحر, كما هو مكرس في خط التنمية الراهنة, وبالتالي فهي خطوة بالاتجاه العام الصحيح بالمقارنة مع الفترات السابقة.
2 . أبدت هذه الخطة اهتماماً ملموساً بخمسة مسائل جوهرية كثيراً ما تحدث عنها الاقتصاديون في العراق, وهي:
أ) حالة الفقر السائدة في العراق والتي تشمل نسبة عالية من السكان؛
ب) التخطيط المكاني والذي يبدى اهتماماً بتنمية جميع مناطق العراق, وخاصة المتخلفة منها, إضافة إلى مسألة التوطين الصناعي؛
ج) مخاطر هيمنة اقتصاد النفط وإيراداته على البنية الاقتصادية العراقية والتفكير بتغييرها؛ د) وظاهرة تكريس الاستيرادات المتعاظمة سنوياً على حساب تنشيط الإنتاج الصناعي والزراعي في العراق ومخاطر ذلك على الاقنصاد وأمن البلاد بسبب الانكشاف الفعلي والكلي على الخارج؛
هـ) الأهمية البالغة لإعادة النظر بالسياسة الاقتصادية لتأمين تطوير القطاعين الإنتاجيين الأسااسيين, الزراعة والصناعة التحويلية من أجل تغيير بنية الاقتصادي وبنية الدخل القومي.
إن هذا يعني, وأملي أن أكون مصيباً, أن وزارة التخطيط قد أدركت الانقطاع والاختلال الفعلي الحاصل في عملية إعادة الإنتاج في الاقتصاد العراقي وارتباطها المباشر والتبعي بعملية إعادة الإنتاج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي من خلال اقتصاد النفط, وبالتالي فهذا يعني انعدام فعلي لقدرة التراكم الرأسمالي الضرورية في الاقتصاد العراقي والتوسع في عملية إعادة الإنتاج وتحقيق التحول من اقتصاد ضعيف ومتخلف بنيوياً وتابع للخارج إلى اقتصاد وطني يتمتع باستقلالية نسبية في ظل ظروف العولمة الراهنة والمتطورة.
3 . كما أن المخطط قد سجل نقطة مهمة في تأكيد التحول من إدارة مركزية للاقتصاد إلى إدارة لامركزية في العلاقة في ما بين الدولة الاتحادية والإقليم والمحافظات, شريطة أن لا تفقد هذه العملية وحدتها العضوية والتنسيق في ما بين فروعها ومشروعاتها الا قتصادية لأهمية التكامل في ما بينها. ولا شك في أن هذه العملية التي يراد إدخالها ستواجه تجاوزات ومصاعب كبيرة إلى أن تستند إلى قوانين وخبرة وتقاليد عمل وتوافق في المصالح.
4 . نجح المخطط في تبيان خمس مخاطر جدية تواجه الاقتصاد العراقي, بعد أن شخص الفجوة الخطرة القائمة بين دور ومكانة النفط من جهة, ودور ومكانة قطاعي الزراعة والصناعة في الاقتصاد العراقي من جهة أخرى, وأعني بها:
أ) الفقر العام رغم غنى البلاد, ووجود بطالة واسعة, رغم أنه لم يتحدث المخطط عن البطالة المقنعة الهائلة الراهنة في العراق على وفق ما جاء في الموجز الذي بين أيدينا.
ب) واللامساواة واللاتكافؤ في التطور في ما بين المناطق والمحافظات والأقضية,
ج) والفجوة في مستوى التطور والخدمات في ما بين الريف والمدينة؛
د) تزايد حجم الانفاق على الاستهلاك في مقابل توظيف الاستثمارات في الاقتصاد العراقي, أي وجود اختلال شديد في العلاقة بين الاستهلاك والتراكم في الدخل القومي لصاح الاستهلاك, وهو الذي يضعف تعظيم الثروة الوطنية ويساهم في إفقار المجتمع؛
هـ) سوء توزيع الموارد المالية المخصصة للاستهلاك وتباين الفئات الاجتماعية المستفيدة منها في غير صالح الفئات الكادحة والفقيرة, اي سوء توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي إضافة إلى سوء استخدامه.
5 . ويشير المخطط إلى حصول تعاون ومشاركة من جانب الوزارات والجهات المعنية بالخطة, وهو أمر إيجابي بغض النظر عن مدى جدية وشمولية وفاعلية هذا التعاون في ظروف الوزارات الراهنة.
6 . أبرز المخطط اهتماماً ملحوظاً بالقطاع الخاص المحلي والأجنبي ولكنه لم ينس قطاع الدولة رغم قناعتي بأن الاهتمام بهذا القطاع يفترض أن يكون أكبر لأهميته في المرحلة الأولى من التطور والتقدم الاقتصادي مع ضرورة إجراء تغيير في مفهومه وجدواه الاقتصادية والمجالات التي يفترض التوظيف فيها.
هذه الجوانب الإيجابية من الناحية النظرية, التي استندنا إلى ما جاء في الخطة المنشورة وليس لما يجري اليوم في الواقع العراقي, رافقتها جوانب سلبية برزت بوضوح في هذه الخطة والتي نحاول الإشارة إليها بأمل تجاوزها وليس الفت في عضد الأجهزة التي أنجزت هذه الخطة.
1 . غياب إستراتيجية تنمية وطنية بعيدة المدى كمؤشرات إرشادية أساسية للتطور اللاحق للاقتصاد الوطني والذي في ضوئه يمكن وضع الخطط الخمسية والسنوية وفي مختلف القطاعات الاقتصادية. وهي الإشكالية التي شكا منها السيد الوزير الدكتور علي بابان في اكثر من ندوة تلفزيونية. وهي لا شك مرتبطة بالوضع السائد في العراق والتباين الشديد في وجهات النظر.
2 . غياب التنسيق والتكامل الاقتصادي بين بغداد وأربيل, بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم, بين وزارة التخطيط والتعاون الانمادية الاتحادية ووزارة التخطيط في حكومة الإقليم, إذ لا يجوز التجميع في الخطة بل التنسيق, وهذا لا يتعارض مع وجود استقلالية نسبية معينة في سياسة الإقليم الاقتصادية, ولكن لا بد من التنسيق والتعاون والتكامل على مستوى العراق والدولة الاتحادية. ويبدو هذا واضحاً في أكثر من مكان في موجز الخطة.
3 . لقد جرت مناقشات لمسودات الخطة في اجتماعين في بغداد واربيل, في حين كان المفروض والمفيد نشر تلك المسودات على نطاق واسع, إذ في ذلك فوائد كبيرة منها مساهمة المختصين في الشؤون المختلفة في مناقشة الخطة, سواء أكانوا داخل العراق أم خارجه, كما أن في ذلك عملية تثقيف وتوعية للناس أو لمن يقرأ الصحافة أو يطلع عليها.
4 . أهملت الخطة, كما اشار إلى ذلك الأخ الدكتور فاضل مهدي بصواب, النمو السكاني في العراق وسبل السيطرة عليه وتنظيمه لصالح المجتمع بما يقلل من معدل النمو الراهن البالغ 3% سنوياً. (قارن: فاضل عباس مهدي وجهة نظر إقتصادية - خطة التنمية العراقية: جهد ملحوظ وسياسة سكانية غائبة, دار الحياة, الخميس, 21 أكتوبر 2010).
ومع قناعتي بأن وزارة التخطيط والجهاز المركزي للإحصاء لديهما معلومات كافية نسبياً عن معدلات النمو السنوية, رغم عدم إنجاز المسح السكاني إلى الآن, فأن عدم إيرادها يشكل خطأ ونقصاً بارزاً, إذ من غير المعقول أن توضع خطة خمسية دون تحديد معالم التطور السكاني وتوزيعه الجغرافي والتعليمي والمهني ...الخ, إذ كيف يمكن تحديد الحاجات في ظل الإمكانيات والعلاقة بينهما اولاً, وبينهما وبين معدل النمو السكاني في العراق ثانياً ..الخ. وإذا كان صائباً الأخذ بالأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة, الاقتصادي والاجتماعي والبيئي, فكان من الضروري إضافة بعدين آخرين إليهما, وهما البعد السكاني والبعد الاستراتيجي البعيد المدى للتنمية الوطنية.
5 . يبدو لي إن المخطط لم ينتبه إلى أهمية استثمار الطاقة الشمسية في العراق لإنتاج الطاقة الكهربائية, خاصة وأن تجارب كثير في دول مجاورة مثل تركيا قد برهنت على إمكانية الاعتماد على الطاقة الشمسية, وبشكل خاص وفي المراحل الأولى للبيوت الخاصة, إذ أن امتلاكنا للنفط والغاز لا يعني ضرورة عدم تنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية.
6 . لا يمتلك العراق أنهاراً تتفجر في أرضه وتنساب إلى دول أخرى, بل أن مصادر مياهه الأساسية تأتي من تركيا, مثل دجلة والفرات, أو من مجموعة أنهار في إيران. وهذا الاعتماد على الجيران خلق ويخلق للعراق مشكلات كبيرة. ولهذا يحتاج العراق إلى تقنين جدي في استخدام كميات المياه المتوفرة, سواء أكان للزراعة أم الصناعة أم الا ستهلاك السكاني العام من جهة, وإلى تأمين مزيد من الخزانات للاحتفاظ بمياه دجلة والفرات في العراق وعدم انسيابه إلى البحر عبر شط العرب من جهة ثانية, إضافة إلى الجهد الذي يفترض أن يبذل من أجل عقد اتفاقية دولية مع كل من تركيا وسوريا وإيران حول المياه. والقوانين الدولية تبيح للعراق الحصول على كميات معينة من مياه تلك الأنهر سنوياً ثالثاً, كما يفترض ضبط وتنظيم قضايا معدل النمو السكاني السنوي من جهة رابعة, والتثقيف بأهمية التوفير في استخدام المياه أيضاً.
7 . يبدو لي, وارجو أن أكون مخطئاً, أن في نهج المخطط أن يحول منشآت قطاع الدولة إلى القطاع الخاص أولاً, والابتعاد عن إقامة مشاريع اقتصادية مهمة من جانب الدولة ثانياً. وإذا كان هذا النهج هو الذي يراد له ان يسود في العراق فهو خاطئ بالارتباط مع أوضاع العراق الملموسة وأهمية توجيه كميات هائلة من موارد البلاد العائدة لقطاع الدولة والخاص المحلي والأجنبي لإقامة المزيد من المنشآت الصناعية والزراعية لتعجيل التخلص من التخلف والاقتصاد الريعي والاستهلاكي الراهن.
8 . ابتعد المخطط عن التطرق إلى القطاع التعاوني في الاقتصاد العراقي, رغم وجود إمكانيات وضرورات لمثل هذا القطاع إلى جانب القطاع المختلط وبقية القطاعات. ويمكن أن يتم ذلك في الزراعة وفي مجال الاستهلاك أو الخدمات, خاصة وان الزراعة بحاجة إلى تجميع القطع الزراعية الصغيرة في جمعيات تعاونية كبيرة لغرض إقامة مشاريع الإنتاج الكبير وليس السلعي الصغير. كما يمكن للمصرفين الزراعي والصناعي أن يدعما المشاريع الزراعية والصناعية التي يمكن أن تقوم على أساس التعاون بين القطاعين العام والخاص وفق نسب معينة واستثمارات مشتركة وبدعم يتجلى في تقديم قروض ميسرة.
9 . يقدم المخطط العراقي تصوراً عن وجود 23% من القوى القادرة على العمل عاطلة عنه, وأن الخطة تسعى إلى تقليص البطالة إلى 16% إلى نهاية العام 2014. علينا هنا أن نشير إلى ثلاث حقائق لا يمكن تجاوزها, وهي:
أ) إن البطالة في العراق هي أكثر من 23% وتصل إلى حدود أو أكثر من 30% وربما تصل إلى 35% من القوى القادرة على العمل.
ب) إن هناك بطالة مقنعة واسعة جداً تصل إلى حدود 50% من القوى العاملة فعلاً في أجهزة الدولة, إذ أن هذه الأجهزة تعاني من التضخم وضياع المسؤولية ومن وطأة التقصير في إنجاز المهمات بسبب هذه البطالة المقنعة. وبالتالي كان لا بد من الحديث عنها وبلورة خطة خاصة حول قوة العمل وتوزيعها لتتمكن من التخلص من البطالة المكشوفة والبطالة المقنعة.
ج) التفكير الجاد في كيفية تأمين مزيد من فرص العمل للنساء, إذ أن هناك حاجة ماسة إلى إجراء تغيير في واقع المرأة الراهن من خلال زيادة دورها في إنتاج الخيرات المادية والخدمات ومكانتها في المجتمع والعملية الاقتصادية والدولة بشكل عام.
10) إن الخطة الجديدة التي أكدت على الإدارة والأداء القاصر والتخلف في مجمل أجهزة الدولة والاقتصاد, فإنها لم تنتبه ولم تؤكد على حقيقة أخرى هي أن هذه الأجهزة فاسدة وغارقة في المحسوبية والمنسوبية والمحاصصة الطائفية السياسية التي تميز بين الطوائف وسبل الخلاص منها باعتبارها جزءاً من العملية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, التي لا بد من إعارتها أكبر الاهتمام لتأثيرها السلبي على موارد البلاد والتنمية والعدالة الاجتماعية المفقودة حالياً وكلية.
هناك الكثير من النقاط التي يفترض أن أشير إليها في الجانبين الإيجابي والسلبي, ولكن أكتفي بهذا القدر لتحقيق البدء بحوار بين الاقتصاديين والمختصين وعلى صعيد الإعلام والمجتمع حول الخطة بمختلف جوانبها.
د. كاظم حبيب
برلين في شهر كانون الأول/ديسمبر 2010-12-10