• Friday, 22 November 2024
logo

الحزب السياسي : مفهوم قديم وتحديات جديدة

الحزب السياسي : مفهوم قديم وتحديات جديدة
تعتبر الاحزاب السياسية من العناصر الجوهرية للديمقراطية وبالتالي للدولة الحديثة حيث أن الحزب السياسي هو الاداة التي لاغنى عنها في ممارسة الفرد والمجموعات تأثيرا ملموسا في ادارة الشؤون العامة في المجتمع والدولة. وهكذا فان الحزب السياسي يعتبر اداة للتوسط مابين المواطنين والدولة اي مابين المجتمع والنظام السياسي. ان الاحزاب السياسية وفي هذا الاطار تلعب دورا مهما في الدولة من حيث ان اعضائها يتبؤون مناصب سياسية فيها وبالتالي سيكون لهم تأثيرات واضحة على قرارات وسياسات الدولة. ان هذا يبين ان الاحزاب السياسية تتمتع بسلطة اكثر مما هو طبيعي ولذلك تثار اسئلة مهمة حولها ومنها:
• ماهو الحزب السياسي؟وماهو اصله ؟وكيف نشأ؟
• ماهي وظائف الاحزاب السياسية داخل النظام السياسي؟
• ماهي البنية التنظيمية للحزب السياسي؟
• ماهي التفاعلات التي تجري داخل البناء التنظيمي للحزب السياسي؟
في مواجهة هذه التساءلات يبرز تساءل اخر مهم جدا وهو: هل أن الدولة الديمقراطية المعاصرة قد تحولت حقا الى دولة الاحزاب؟ ام ان هذه الاحزاب هي في طريقها الى الزوال والانهيار؟ ام ان هناك تحديات تواجها وعليها ان تتعامل معها؟ وهل ان عليها ان تجدد نفسها باستمرار؟
ان الاحزاب السياسية في النظام السياسي المعاصر تعتبر من العناصر الجوهرية للفعاليات والنشاطات السياسية ولها واجبات سياسية واجتماعية وهنا يلعب العمل الجماهيري لها دورا مهما حيث ان نشاطاتها في الميدان العام يتوقف على مدى تقبل الجماهير لها.
امام هذا الوضع نتساء ل هل ان هناك جدوى في دراسات اضافية حول حالة و اوضاع الاحزاب السياسية لاجل فهم دورها وطبيعتها وهيكليتها وتنظيمها؟
في رأي البعض من الباحثين ان الدراسات الموجودة ( ذكر الباحث بارتوليني Bartolini انه ومنذ 1945 صدرونشر اكثر من 11,500 كتاب ودراسة عن الاحزاب السياسية في الدول الغربية) كافية وتفي بالغرض ولايوجد الاالقليل من المواضيع الجديدة التي يمكن دراستها من قبل المختصين ، بينما ان هناك عدد اخر من الباحثين يرون انه لاضرورة لدراسات اضافية ميدانية لان هذه الاحزاب قد اصبحت وبمرور الزمن شيئا غير مهما irrelevant طالما انها فشلت في الاستجابة الناجعة للتحديات المواجهة لها وان هذه الاحزاب تتحرك وتسير نحو انهيار لايمكن تفاديها of decline in an inexorable process، وهناك فريق اخر يدعي عدم تمكن الباحثين من تطوير نظرية عامة للاحزاب السياسية وان الجهود الاضافية بهذا الصدد ستكون محكومة يالفشل.
اذن في اطار علم السياسة فانه ليس سهلا تناول موضوعة الحزب السياسي بكل تعقيداته ومشاكله ولذلك في هذه الدراسة المختصرة سنحاول التركيز على التحديات التي تواجه الحزب السياسي .
الحزب السياسي يواجه الان في القرن الحادي والعشرين عددا من التحديات الجديدة اي هناك اسئلة جديدةتواجه الحزب السياسي الذي عليه ان يتعامل معها بدقة وبجدية.
ان الزمن الذهبي للاحزاب السياسية ( التي كانت المحركة الوحيدة للنشاط الجماهيري ) لذا فانه من الضروري دراسة الاحزاب السياسية في الديمقراطيات الحديثة وتحديد التحديات التي تواجهها.
ابتداء قول ان الاحزاب السياسية في نشاطاتها وفعالياتها تريد ان تحقق عددا من الواجبات والمهمام ومن أهمها :
• تجميع المصالح
• التشاوروالتنسيق مابين المجموعات في المجتمع
• تهيئة الكوادر
• التنسيق بين المؤسسات الحكومية والاجتماعية
• تحقيق الاستقرار السياسي ( ولكنها لاتحقق دائما هذا الاستقرار بل انها في عدد من الدول تعبىء الجماهير ضد الحكومة وتكون القوة الرئيسية للتغير الحكومي)
في سبيل تحقيق هذه الاهداف فان هذه الاحزاب تواجه تحديات كبيرة وخطيرة من أهمها:
• تعدد وسائل الاعلام ( الاعلام الجماهيري ، الانترنيت ، يوتوب ، فيس بوك ، تويتر ) وتطور تكنولوجيتها وزيادة تأثيراتها على حقل السياسة وبالتالي على الاحزاب السياسية في نشر مبادئها وأفكارها وتقوية اتصالاتها مع الجماهير؛
• ضعف التواصل الهيكلي بين الاحزاب السياسية والمواطنين( وهذا يعتبر مؤشرا على انخفاض مستوى العلاقة والترابط بينهما وزيادة حجم عدم الرضا السياسي للمواطنين وتفشي الشعور بالاغتراب لديهم ) ؛
• تدهور في سلطة الحكومة وانتقالها من المركز الى المناطق( بما يؤدي الى حدة المنافسات الانتخابية على الصعيدالوطني والمحلي).

ان تراكم هذه التحديات ادت الى ان تتصف الدراسات حولها بصفة " الصدفة التحليلية "للخاصية التنظيمية ، الانتخابية ، الثقافية والمؤسساتية وتتوجه نحو استنتاج مهم وخطير يتعلق ب " انهيار الحزب السياسي Decline of political party"على أساس ان بقاء واستمرار هذه التحديات يكون تهديدا لبقاء الاحزاب. وكما لاحظ الباحثان (لاوسن Lawson) و ( ميركلMerkel ) فان هذه الظاهرة تحتوي في جوهرها على " اختفاء تدريجي " لمؤسسة الحزب بما يؤدي الى ان يحل محلها هيكلية سياسية جديدة تكون اكثر ملائمة وانسجاما مع الواقع الاقتصادي والتكنولوجي للقرن الحادي والعشرين.
ولكن لم تكن هذه هي التحديات التي على الاحزاب السياسية ان تواجهها بل ومن خلال " الموجة الثالثة للديمقراطية " ( مفهوم البروفيسور هنتكتن) ظهر تحد مهم يتعلق بولادة أحزاب سياسية جديدة أو اعادة بناء احزاب قائمة ( من خلال تجديد مبادئها) في العديد من الدول التي كانت تفتقد الى الديمقراطية او الى ممارسات ديمقراطية. لقد كان على هذه الاحزاب ان لا تنجز فقط وظائفها الاساسية في " تاسيس الديمقراطية " ( ترشيح الكوادر للوظائف ، التعبئة للانتخابات ، هيكلية الاجندة السياسية ، تشكيل الحكومة ) بل كان عليها ايضا ان تكون لاعبا اساسيا في تأسيس وبناء حكومة ديمقراطية جديدة وفي نفس الوقت كان عليها ان تبدأ بعملية " مأسسة " نفسها كمنظمة فعالة.
هذه التحديات تفرض نفسها على الاحزاب السياسية لكي تعمل على تجميع جهودها لتبني برنامج تواجه تغيير ظروف المنافسة السياسية.وهنا فان البروفيسور (هنتكتن) يؤكد علن ان المؤسسة ( وهذا يشمل ايضا المؤسسة الحزية) يجب ان تتصف بما يأتي:
• التكيّف
• التعقيد
• الاستقلالية
• الشمولية

اذا لم تتمكن الاحزاب السياسية من مواجهة هذه التحديات فانها ، كما اشرنا اليها اعلاه ، ستكون مهددة ب " التفكك " وتقترب من " الانهيار".
ان مسألة انهيار الحزب السياسي لم تكن بعيدة عن حقل الدراسات العلمية في علم السياسة ( على أساس ان تاثيرات هذه الاحزاب هي أقل من السابق وترجعت لصالح جماعات المصالح والضغط ومؤسسات المجتمع المدني ) وان قياسات هذه الادعاءات هي بمقاييس مختلفة ولذلك هناك عدة طرق لقياس ظاهرة الانهيار وهي :
• عدد الاعضاء
• هوية الحزب
• تنظيم الحزب
• السيطرة على ترشيح المرشحين للمناصب
• الترابط الايديولوجي
• دور الحزب في الحكومة
• شكل تصويت الناخبين وحجم التصويت

في رأي الباحث ( Aldrin) ان الاراء التي تقول ب " انهيار الحزب السياسي " يجب اعادة تقييمها ولذل يقترح لدراسة هذا الموضوع استبدال ثلاثة من (3 D )Dب ثلاثة من R ( 3 R) وبالشكل الاتي:
استبدال كل من :
1. Party Decay ( عهد الحزب )
2. Party Decline ( انهيار الحزب)
3. Party Decomposition ( تفكك الحزب)
ب
1. Party re-emergence ( اعادة ظهور الحزب )
2. Party revitalization ( انتعاش الحزب )
3. Party resurgence ( انبعاث الحزب)

ان الاحزاب السياسية الاوربية استطاعت وخلال العقود الثلاثة الماضية ان تواجه هذه التحديات م خلال عملية مهمة هي عملية ( التكّيف Adaptation). الباحثان (دالتونDalton)و( كويخلرKuechler ) اقترحا ان التأثير الاساسي لظهور حركات اجتماعية جديدة قد فرض على الاحزاب السياسية ان تتبنى عمليات اصلاحية للتغيير التي تساعدهم لضمان استقرار طويل الامد للنظام السياسي.

اذن هذه هي المسؤوليات المهمة والخطيرة للحزب السياسي في القرن الحادي والعشرين وفي جو من الشفافية والديمقراطية المعتمدة على توجهات المواطنين ومدى تقبلهم لايديولوجية حزب معين واستيعاب سياساته وبرامجه وبالتالي التصويت له في الانتخابات ولذلك فان هذه العلاقة مع الناخبين تبقى مرتكزا مهما لقياس مركزوقوة الحزب ولكن هذه العلاقة هي ليست ثابتة بل هي متحركة وداينميكية وهنا مكمن الخطورة بالنسبة للحزب السياسي حيث تستوجب هذه الحالة بقاءه يقظا دائما وباستمرار أمام المتغييرات اليومية والاستراتيجية التي تحصل في السياسات والمواقف.
اذن الحزب السياسي هو امام خيار صعب ومعقد : اما ان يكون داينميكيا فيبقى في مركز السياسة يؤثر فيها ويتأثر بها او يكون ساكتا جامدا فيبقى خارج السياسة وبالتالي سيكون معرضا للانهيار.
Top