الاعتداءات على كوردستان بين طبيعة تفاعل الحكومة الاتحادية والحلول الحازمة المنتظرة
إن تلك الهجمات العدوانية تحصد خسائر بمستويات أولها مادية في الأبنية والممتلكات وفي المواشي والزرع و هي أمور يمكن النظر فيها؛ وثانيها تُطاول الجهود البشرية فتصادرها برمشة عين لتقضي على ثمرات جهود سنوات من عمر الإنسان قضاها وأفنى من أجل توفيرها والأنكى أنها تطاول حياة هذا الإنسان التي باتت مهددة باستمرار جراء أشكال الاعتداءات الجارية على الحدود!؟
وغير هذا وذاك فإن العلامات الحدودية الدولية تتعرض في مسرح العدوان لأعمال تخريب وتغيير وتبتلع دولة الاعتداء مزيدا من الأراضي الكوردستانية العراقية وهي بهذا تغير في خريطة الدولة وحدودها من غير خشية من رد أو موقف محلي أو دولي!
المشكلة أن مثل هذي التحديات التي تفرضها الأعمال الحربية العدوانية لا يمكن أن تحل جزئيا أو بتفاعلات محلية، والمشكلة التي نشير إليها تتعلق بموقف الحكومة التي ينبغي أن تتصدى لمسؤولياتها وهي التي طالما تشدقت بجاهزيتها في المستويات الأمنية والعسكرية.. مثلما أطلقت تصريحاتها عاليا في تحمل مسؤولية الدفاع عن السيادة الوطنية والحفاظ على التراب الوطني وعلى مواطني البلاد... ولطالما اندفعت بقوة بتوجيه قواتها باتجاه المحافظات والمدن والقرى المحيطة بالإقليم مهددة بأعمال غير سليمة في استعراض قوة بحق الشعب والوطن.. ولكن أين تلك القوة بمجابهة أعداء الوطن والشعب وهم ينالون من السيادة ومن حيوات الناس؟
من جهة مسؤولي كوردستان أعلنوها أن لا حلول حربية عسكرية للقضايا العالقة وأنه ليس صائبا استمرار أعمال عدوانية في أراضي كوردستان تخريبا وتدميرا وتقتيلا.. ودانت القيادة الكوردستانية تلك الأفعال الإجرامية التي تخضع للمساءلة القانونية الدولية وتمثل اعتداء صارخا وانتهاكا فجا للسيادة... وبهذا فإنّ استخدام منطق التهدئة وحكمة الاتجاه للتفاوض والحلول الدبلوماسية السياسية هو ما استخدمته القيادة الكوردستانية بوعي منها للمخاطر التي تكمن وراء أية تداعيات محتملة للتفاعلات التالية سواء من الداخل العراقي أم عبر الحدود...!
على أننا ما زلنا أمام موقف غير مبرر من جانب رئاسة الحكومة العراقية التي بين صمتها وسلبيتها في اتخاذ موقف مناسب من تكرر خروق دول الجوار بخاصة [الجارتان الشرقية والشمالية] وما يجري من قضم خطير للحدود وللسيادة العراقية وتهديد لمصالح استراتيجية بسبب تلك الاعتداءات وأعمال الزحف وتغيير علامات ترسيم الحدود حتى بتنا بلا منفذ أو ممر مائي جنوبا ويبدو أن مخططا آخر يرسم باتجاهات أخرى...
لقد أطلقت الخارجية مواقف وتفاعلات ترقى لمسؤولياتها في التعاطي الدبلوماسي إلا أن الحكومة الاتحادية ورئاستها ما عادت تكتفي بالصمت والسلبية بل وأخطر من ذلك تمرر مواقف متناقضة مع محاولات الخارجية بما يضعها بطريقة تتعارض ومصالح البلاد وسيادتها مضحية بحقوق مواطنيها متغافلة عن التغييرات على الأرض في مواضع مهمة وخطيرة من الأراضي العراقية التي تحتضن النفط في مناطق وتمثل نقاطا يشكل تركها إخلالا استراتيجيا في المديات البعيدة..
وليس منطقيا استقبال وفود بأعلى مستوياتها وتوكيد علاقات ودية وتطبيع الأمور في وقت تمعن دول تلك الوفود في عدوانها وفي اجتياحها الأراضي العراقية وتقتل في مواطنينا.. ! وليس معقولا تبادل أنخاب المسرات والتراضي والدبلوماسية الناعمة التي تصل حد التحالفات الاستراتيجية وقوى العدوان على السيادة التي لا تضع بحسابها حرمة لوجودنا... وليس موضوعيا أن تمنح دولة [بالإشارة إلى إيران] أفضليات ومصالح على حساب الوجود الوطني والسيادة وعلى حساب مصالح الشعب ودولته ووجوده!!؟
إنَّ التفريط بالسيادة من جهة والتعاطي مع الجهات المعتدية بأفعال غير مبررة على حساب مواطني البلاد يمثل إخلالا خطيرا في أداء المسؤولية وفي بلدان تحترم نفسها يصل حد الخيانة العظمى التي يسائل عليها القانون الوطني وهو ما يحمّل السلطات التنفيذية من جهة قوى الشراكة للضغط من أجل تنشيط برنامج وطني محدد وملموس وملزم للجميع ومنع مثل هذه السياسة المهلكة ويحمّل السلطة التشريعية مسؤولية أن تستدعي رئيس الحكومة للمساءلة في مثل قضية الخروقات الحدودية بعامة والاعتداءات المتكررة على كوردستان تحديدا..
وعلى المؤسسات أن تبرر من جهتها منطق وآلية وجودها وعملها في اتخاذ مواقف صريحة ودقيقة تتناسب والمخاطر التي سببتها الاعتداءات.. إن تحميل الجارة مسؤولية أفعالها ودفع تعويضات ما خربته ومن تسببت بمقتله يمثل مدخلا أوليا لإنهاء الاعتداءات..
وإذا كانت ذريعة التوازن العسكري سببا في بعض التفاعلات: فلماذا توجد القوات الأجنبية في بلادنا حاليا؟ وما مسوغ الاتفاقية الاستراتيجية؟ ألا يمثل هذا ظهيرا مناسبا للرد بحزم ووضوح على الخروقات وأعمال العدوان؟
وإذا كان الاتجاه الدبلوماسي يمثل مسارا وخيارا استراتيجيا للتفاعل مع دول المنطقة؟ فلماذا لا نفعِّل الأمر؟ ولماذا لا نتجه لتصعيد الرد البدلةماسي المناسب باتجاه مجلس الأمن والجمعية العامة والمنظمات الدولية؟ ما المشكلة في التوجه للمنظمات الدولية؟ وما المشكلة في مواقف دبلوماسية بينية متعارف عليها في مثل هذه الأحوال؟
إن المشكلة حقيقة تكمن في سياسة بعض الشخصيات السياسية العراقية وعلاقاتها المباشرة وغير المباشرة وقدراتها على الأداء السياسي بمستوى رجل دولة وبمستوى تحمل المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة الدقيقة.. ومن هنا فإن الحل في وقف الاعتداءات وتوفير الأمن لمواطنينا تكمن في أن تتخذ القيادة الكوردستانية الوسائل الضاغطة كيما تتجه الحكومة بأعلى مستوياتها للمنظمات الدولية وتعالج بحزم هذه القضية الخطيرة.. وإلا فإن القبول على المستوى الاتحادي بسياسة شخصية أو مسؤول أو ببرنامج حزب يضع تحالفه الاستراتيجي على حساب مصالح الشعب العراقي أمر لا يمكن تسويغه ولا الاستمرار بتمريره..
وبثقة فإن المؤشر يقول بعجز رئاسة الحكومة عن التعاطي مع هذه القضية مثل كثير من المشكلات التي تجابه البلاد ما يتطلب مراجعة استراتيجية للمسيرة..
وأعتقد في ضوء ما هو متوافر بين أيدينا أن ترك التداعيات تستمر ربما تهدد الأوضاع المستقرة بكوردستان بشكل أبعد وأعمق من تهديد قرى الحدود ومدنها ما يوجب حسم الأمر اليوم قبل الغد.. وأجد من المناسب لحكومة الإقليم أن تعقد جلسة مخصوصة بالاشتراك مع برلمان الإقليم وتتخذ جملة من القرارات التي تنقل القضية نوعيا على المستوى الوطني ومن ثم باتجاه المنظمات الدولية المعنية... وتلكم هي المسألة الأنضج لوقف جرائم باتت ترتكب بشكل شبه يومي بحق مواطنينا الآمنين في كوردستان السلام والحرية..