ملف أمن الطاقة في كوردستان
سيزداد الأستهلاك العالمي للطاقة إجمالا من معدله الحالي البالغ 12,5 ترليون واط الى 16,9 ترليون واط في حين سيصل إستهلاك الولايات المتحدة الأميريكية من الطاقة لوحدها 2,8 ترليون واط بحلول عام 2030. وحاليا ينتج العالم سنويا 73 مليون مركية صغيرة وكبيرة وبمجموع كلي يصل الى 900 مليون مركبة تساهم في نضوب الوقود النفطي وتلويث جو الأرض. وسوف تساهم كلا من الهند والصين في تدفق ملايين من المركبات الأخرى في 30 سنة القادمة وذلك قبيل فعل الكثير لأنتاج المليون الأول من المركبات السائرة بالوقود البديل والصديق لجو الكرة الأرضية بحلول 2015. وتكثف المؤسسات البحثية في العالم جهودها لتطوير التكنولوجيا العالية لأستغلال مصادر بديلة للطاقة وغير مؤذية لمناخ الكرة الأرضية. فبدائل الطاقة من مصادر الرياح والمياه والشمس والمعروفة إختصارا (WWS) تبدوا مثيرة للأمال. فالطاقة المتوفرة عالميا من الرياح هي بحدود 1700 ترليون واط ومن الشمس بحدود 6500 ترليون واط, وما هو متاح لنا من هذين المصدرين (40-85 ترليون واط من الرياح و580 ترليون من الشمس) تفوق الأحتياجات البشرية في المستقبل. علما أن القدرات الحالية لأستغلال هذين المصدرين لا تتجاوز 0,02 ترليون واط من الرياح و 0,008 ترليون واط من الشمس . كما أن معظم الطاقة الكامنة والممكن توليدها من مصادر المياه ( 2 ترليون واط) هي مستغلة حاليا. وتبلغ كلفة مراحل التأسيس ل (WWS) في العالم 100 ترليون دولار في السنوات العشرين القادمة. ويرى المحللون أن هذه المبالغ قابلة للأستعادة من خلال بيع الكهرباء والطاقة النظيفة والتي هي مجدية أقتصاديا وصحيا وإجتماعيا وبيئيا. ومن الجدير بالذكر فالجهود العلمية مستمرة أيضا حول إستحداث الأساليب التقنية العالية لتحويل السليلوز النباتي من الأشجار وبعض النباتات وبقايا الحشائش الى ما يعرف بالطاقة الحيوية السليلوزية مثل الأيثانول وقد يكون في ذلك نهاية لمرحلة الإدمان على النفط كما يصفها الساسة في أمريكا. وبينما تبلغ حاليا قيمة السوق العالمية للنفط سنويا 2 ترليون دولار, تستهلك الولايات المتحدة الأميريكية لوحدها ربع الأنتاج النفطي العالمي علما فإن 65% من ذلك الأنتاج العالمي يتم تأمينه من منطقة الشرق الأوسط. وبالرغم من التقديرات التقليدية لأحتياطات النفط في العراق والبالغة 112 مليار برميل إضافة لخزين من الغاز الطبيعي يصل الى 125 ترليون قدم مكعب فهنالك تخمينات لمعظم الخبراء بوجود كميات إضافية قد لا تقل عن 100 مليار برميل في مكان ما أو أكثرفي العراق. وحسب تقديرات الخبراء ومنهم Greenspan فطاقة العراق القصوى لأنتاج النفط هي بحدود 2,5- 5 مليون برميل يوميا وعلى إفتراض توفر الألتزام السياسي لتحديث البنية التحتية المطلوبة ذات العلاقة وحسب إستراتيجية (Creative destruction) في تدمير القديم لصالح بناء الجديد المتطور. وفي غياب عملية التنمية المطلوبة خلال الفترة الأنتقالية الحالية التي يمر بها العراق نحو الديمقراطية لايبدو هنالك ما يضمن إمكانية أي زيادة لبلوغ تلك الطاقة القصوى.
وفي قراءة أولية لمحصلة أزمة بهذا القدر من التعقيد فعلينا سبر أغوار التحديات والفرص المتاحة لإقليم كوردستان (External Factor) والذي يملك النفط والغاز الطبيعي بجانب ما يملك من إمكانيات غير مستغلة لأنعاش كوردستان كسلة غذاء واعدة في الشرق الأوسط (كولان عدد 813 في 10 كانون الثاني 2011). وإذا ما أخذنا بنظر الأعتبار حقيقة أن خزين النفط في العالم سيستمر إجمالا الى حدود 40-50 سنة القادمة مع عمر أطول لخزين الغاز الطبيعي لفترة 60-100 سنة فعلينا إستغلال الموارد المالية المتحققة في كوردستان من بيع النفط لأرساء أسس الأقتصاد البديل والمفترض أن يكون في إنعاش اقتصادنا الزراعي التقليدي (كولان عدد 800 في 4 أكتوبر 2010). وفي الظروف الأمنية المستتبة في إقليم كوردستان والأنتقال المؤمل تحقيقه نحو إستهلال تدريجي للأنتعاش الأقتصادي التنموي المرتقب تبدو الآمال أكثر إيجابية نحو بناء البنى التحتية في إقليم كوردستان والكفيلة بزيادة كفاءة الأنتاج من النفط والغاز الطبيعي. وفي كل الأحوال فإن الموازنة بين المصالح السياسية المتلاطمة مع بغداد والرؤية الأستراتيجية نحو التكامل الأقتصادي لعموم العراق قد يكفل حلا عادلا للصالح العام ودون تمييز. ويجب أن يرافق ذلك دراسات للجدوى الأقتصادية من بناء البنية التحتية هذه وهل هي مجدية (cost-effective) فعلا. كما علينا أن ننتبه الى مخاطر الأعتماد الكلي على بيع النفط الخام في كوردستان ودون محاولة التحول المطلوبة الى صناعة النفط بكل ما تعنيه الكلمة من إستخراج لمشتقات النفط العديدة والمجزية أرباحها أضعاف ما نحصل عليه حاليا. فإقتصديات الدول المعتمدة على بيع مواردها الخام من غذائية أو نفطية لن تجدي نفعا في مواجهة التحديات الأقتصادية-الأجتماعية للقرن الحالي. فتجربة القرن الماضي اثبت أن المكاسب الأقتصادية والأجتماعية ذات العلاقة والتي حققتها الدول المتقدمة من بيع مشتقات النفط , بدأ بالأسمدة ومرورا بمشتقات الطاقة وإنتهاء بصناعات البلاستيك المعتمدة على مخلفات صناعة النفط , قد فاقت بكثير ما تم تحقيقه من مكاسب في الدول المصدرة للنفط الخام.
ويجدر بنا هنا تشخيص مكامن القوى والضعف في العامل الداخلي (Internal Factor) لأقليم كوردستان. فمناخ الأعمال الحرة (Business Climate) والذي يفترض أن يكون بؤرة الحضانة لإقتصاد السوق لا زال بعيدا عن إيجابيات الدورالسائد للقانون (The over-rule of Law) في تحديد العلاقة ما بين المنتج والمستهلك. فهنالك غياب واضح لهذا المناخ من خدمات بنكية حقيقية متكافئة مع البنوك العالمية ذات القدرة على تمويل المشاريع التجارية والتنموية ذات العلاقة إضافة لغياب ثقافة التأمين وآليات التسهيلات البنكية والقروض الميسرة لإحداث التوزن المطلوب ما بين المستهلك والمنتج والتجارة القائمة بينهما. كما أن قطاع الخدمات النامي حاليا بصورة غير طبيعية وعشوائية قد وقع في نفس المسلك مما جعله غير مهيئا للأستعداد لظروف ومناخ الأستثمار والتنمية الطويلة الأمد والتي تستوجب بناء المهارات والمعرفة التقنية العالية في الجيل العامل. فعلينا معالجة جملة من المشاكل والمعوقات التي تعيق القطاع الخاص من أخذ دوره المطلوب في تطوير ونمو إقتصاد السوق المفتوحة والقادرة على تلبية المتطلبات الأساسية لعملية التنمية الأقتصادية لموارد النفطية والغازالطبيعي وصولا الى القييم المضافة (added Values) في الصناعات النفطية مستقبلا. فواردات النفط الخام لن ينقذ إقتصاد كوردستان من لهيب الغلاء المستورد ضمنا مع البضاعة والخدمات الأجنبية. وعلينا منذ الآن البدء باستغلال الأمكانيات الموجودة لبدائل الطاقة الثلاثة (WWS) في الأقليم. فأيام السنة بفتراتها الشمسية الطويلة ومصادر المياه في حوض نهر دجلة إضافة الى قوة الرياح في بعض من مناطق الأقليم تعني الكثير من الطاقة البديلة بجانب النفط., إضافة الى إمكانية تطوير غابات الأحراش والمزارع المكثفة للطاقة الحيوية السليلوزية. إلا أن علينا إعداد القدرات البشرية للتعامل مع مراحل التأسيس والتشغيل والإدامة لهذه المصادر البديلة للطاقة. وعموما يجب معالجة الفجوة الكبيرة بين قدرات الموارد البشرية الفتية في كوردستان وتحديات الأدارة الكفوءة للموارد الطبيعية للطاقة وبدائلها والتي لا زالت واسعة. ولسد هذا الوهن في القطاع العام والخاص وإستثماراتهما يفترض وجود خطة عمل واضحة وجريئة في إلتزاماتها السياسية. فهنالك حاجة ماسة الى البدء في صباغة السياسات المطلوبة والأستثمار في البنى التحتية ذات العلاقة.
إن التصادم في وجهات النظر المختلفة للقيمة المنظورة للموارد الطبيعية ومنها النفط والغاز الطبيعي يجب أن لا تخلق مشاكل في كيفية الوصول الى تطوير وتحديد القيمة الواقعية لهذه الموارد لأصحاب القرار السياسي في كوردستان. وبداية علينا تقييم تاثير ووقع المشاريع النفطية والغازالطبيعي وبدائلهما على نمو القطاعات الأخرى كقطاع الأنتاج عموما بشقيها الزراعي والصناعي. وسيقودنا هذا المنطق المستند على مفاهيم التنمية المستدامة لتقييم مدى جدوى المشاريع ذات العلاقة على مجمل عملية الأستقرارالأقتصادي في كوردستان. وهل تمثل الأجتهادات والممارسات الحالية للمشاريع القائمة إستخدامات كفوءة لموارد كوردستان على المدى البعيد؟ فأمن الطاقة والجدوى الأقتصادية لمسار أستثمار عائداته يرتبط اساسا بالعملية الديمقراطية والتنموية في الأقليم. وبدون تنمية متوازنة ستبدو العملية الديقراطية عاجزة لدعم الأستقرار الأقتصادي. والرؤيةالسياسية ستحدد معالمه بمدى دعم وتمويل ديمقراطية التنمية والمعتمدة عمليا على مدى فعالية أمن الطاقة في إرساء دعائم قوية للأمن الوطني إجمالا. وخلاصة القول فإن إجمالي تحسن الأداء في مسارات التنمية الأقتصادية في كوردستان يستوجب ولادة الجو الملائم للتعايش ما بين إصحاب القرار السياسي وأصحاب الخبرة العلمية ونحو بناء القدرات الصلبة للإقليم (كولان 807 في 29-11-2010).