• Friday, 22 November 2024
logo

كوردستان: بين ثقافة الطموح وتهافت الطمع

كوردستان: بين ثقافة الطموح وتهافت الطمع
لعل في تأريخ مجتمع كوردستان الفلاحي الرعوي العريق ما يكفي عبر العصور لإثبات توقه الدائم الى الحرية. فهذا المجتمع الذي إختار أن يعيش في أحضان الطبيعة عبر آلاف السنين قد تربى على الوجدان الفطري وحسب وصف زرادشت بالبراءة التي ترفض زيف المدنية. والنظرة الفاحصة لطبيعة مجتمعات الرعي والفلاحة البدائية التي ظهرت بوادرها على سفوح وتخوم جبال زاكروس في حقبة ما قبل التأريخ قد تكشف لنا هوية الكورد الثقافية الأصيلة والمستمدة فلسفتها الفطرية من التعايش مع الطبيعة مكانا وفي حركة دائمة مع تغير فصول السنة زمانا. فلا عجب أن كلمة'Haval' وما تعنيه من هذه الصداقة الخالدة مع الطبيعة ما هي إلا إسم أول راعي قد يظهر لاحقا في الكتب المقدسة. فأنيسه المفضل هو الناي وحيثما ألهبت مشاعره تخوم زاكروس الرعوية وهو يقود هنا وهنالك عنزه وغنمه. ويبقى السؤال الأبدي في فنون السياسة اللاحقة من تأريخ هذا الشعب العريق هو... من يقود 'Haval'؟ إن معطيات التأريخ من ثورة كاوه على الضحاك والى أنتفاضة الكورد ضد الطغيان المعاصر لصدام قد أثبت وبما لا يقبل الشك أن Haval زاكروس يرفض ما يعرف الآن في قواميس السياسة بدولة السلطة (State-of-Authority) ولا يقبل بأقل من دولة المواطنة (State-of-citizenship) وقد كان هذا ديدنه في الماضي وسيبقى طموحه الشرعي في الحاضر.

كوردستان هي أحد أغنى البقع الجغرافية على خارطة الشرق الأوسط. والطموح يقتضي إدارة هذا الغنى بتوازن لديمومة رأس المال الطبيعي مع تلبية حاجات المواطن 'Haval وبما يحفظ له الكرامة قبل كل شيء. وعليه يجب أن نغرس ثقافة الطموح ونضال القلم في قلب وعقل الجيل الناشىء كأساس لدولة المواطنة وحيثما أن يكون بناء البيت الكبير (كوردستان) شغلنا الشاغل وبعيدا عن الطمع الحالي في بناء صروح صغيرة هنا وهنالك. فالبيت الكبير هو المشروع الطموح الذي راود أحلام آبائنا وأجدادنا والذي من أجله بكت أمهات الشهداء وأنحنت له هامات الصبايا حنينا وحزنا. على السلطة والمعارضة أن تعمل معا لمنع موجة الطمع الهابطة والقاتلة لأحلام'Haval' الشابة. لأن من ركبوا موجة الطمع هذه سيكونون عونا لظهورمعضلة اللامساواة وتعميقها في مجتمعنا الكوردستاني. ولأنهم هم حسب قول إفلاطون منع لوجود العدل ووجودهم كحاشيه مترفة هو منع لوجود حاشية خيرة. فهلا دعوناهم لزيارة القبورالمتواضعة لشهداء كوردستان وقادتهم بدأ من هاورامان والى بارزان. فبينما الطموح يصنع قدر الأمة نرى أن الطمع في تهافته اللاحضاري يضعف الولاء ويمهد لا محال لظهور الظلم الأجتماعي مهما كانت صورته ومبرراته. وعلى عكس ذلك فالطموح هو سمو حضاري وتوجه إنساني لتأطير السلطة بالشرعية الممنوحة من الشعب بعكس الطمع في الثروة والمال والذي يقود الى هاوية التخلف والذي حسب تعبيرشكسبير "بأن المحيطات والبحار قد تعرف الحدود ولكن الطمع لا حدود له". ولعل أكثر هذه الحدود شرعية اليوم والذي ثار له حماس الشعوب في الشرق الأوسط هي الحدود الأخلاقية التي إنبعثت لتلجم تهافت الطمع للثروة والتي هي أساسا ملك الشعب. وللخروج من هذه الدائرة المفرغة وإدارة الأزمة بموضوعية فيقتضي أحد أهم متطلبات الطموح الى الديقراطية حسب رأي (Fukuyama) هو أن تعامل السلطة والمعارضة معا مواطنيها كبالغين وليسوا كأطفال. وفي ذلك خارطة الطريق الى البناء التنموي المنشود ولتحقيق المساواة في مجتمع الحقوق والواجبات. فكل شيء آيل للزوال... حسب قول زرادشت... إلا العدل.
Top