• Saturday, 23 November 2024
logo

متابعة سياسية حول أوضاع العراق الراهنة

متابعة سياسية حول أوضاع العراق الراهنة
1. حول تشكيل الحكومة
لا تزال أزمة تشكيل الوزارة العراقية الجديدة تتفاعل على الصعيد الداخلي ولكنها تراوح في مكانها, إذ عجزت الائتلافات السياسية القائمة في الوصول إلى اتفاق يساعد على عقد جلسة لمجلس النواب لحسم توزيع وانتخاب الرئاسات الثلاث, رغم مرور ما يقرب من ستة شهور على انتهاء الانتخابات وتفاقم الوضع الأمني وتزايد عدد القتلى والجرحى في بغداد والبصرة وديالى وغيرها. وفي مقابل هذه المراوحة ازدادت صور التدخل والتأثير الإقليمي والدولي على القوى السياسية الفائزة في الانتخابات من أجل تشكيل الحكومة كل وفق مصالحه في العراق. واشتد الصراع الداخلي في الآونة الأخيرة بين الائتلاف العراقي والصدريين من جهة, ودولة القانون من جهة أخرى, في إطار التحالف الوطني حيث انبرى المالكي لتبيان أسباب إصراره على الترشيح وحقه في ذلك وقدرته على تحقيق المنشود في العراق. ومباشرة عقد عادل عبد المهدي لقاءً صحفياً خاصاً ليرد على حديث المالكي ويفند ما طرحه المالكي في مؤتمره الصحفي. أما الكتلة الصدرية فقد أعطت رأيها منذ البدء ضد المالكي وساندت الائتلاف في الموقف منه. ويعزى هذا الموقف من المالكي إلى الحملة التي نفذت في البصرة ضد قوى الإرهاب وضد ميليشيات جيش المهدي. إن قراءة مدققة لما صرح به المالكي وعبد المهدي يدرك عمق الفجوة الناشئة بين قوى التحالف الوطني الجديد الذي أقيم حديثاً ويعاني من قلق وصراع شديدين وإلى صعوبة الوصول إلى اتفاق بينهما حول رئيس الوزراء, رغم أن السياسة لا تعرف المستحيل في غالب الأحيان, إذ يمكن أن يتفقوا في اللحظة الأخيرة تحت وطأة ظروف وضغوط كثيرة.
وجد المالكي في الأسبوع الأخير وضعاً مريحاً نسبياً حين زار إقليم كردستان, إذ أوضح كل من السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس الإقليم بأنهما لا يضعان خطاً أحمراً على تولي المالكي رئاسة الوزارة إن التزم بتلك النقاط التي طرحها التحالف الكردستاني للحوار مع جميع القوى والتحالفات السياسية من أجل الموافقة على تسمية الشخص الذي يتولى تشكيل الوزارة الجديدة. ويجري الآن ترويج اتفاق بين دولة القانون والعراقية والتحالف الكردستاني من جانب دولة القانون, وهو أحد المشاهد المطروحة فعلاً.
وإذ تعذر وصول المالكي إلى اتفاق مع علاوي إلى الآن حول الموقف لما يسمى بالاستحقاق الدستوري حول من يتولى تشكيل الوزارة, فأن صعوبات جدية كبيرة تقف حائلاً في وجه علاوي لضمان حلفاء له توافق على تشكيله الحكومة, إذ أن قائمة علاوي تضم فيها جماعات ذات اتجاها فكرية وسياسية متباينة ومتصارعة يمكن أن تتفجر في كل لحظة وتفتت قائمة العراقية, في حين أن قائمة المالكي لا تزال متماسكة نسبياً. إضافة إلى أن الجمهرة الواسعة من الشعب العراقي تدرك وجود نسبة غير قليلة من قدامى البعثيين والقوميين الشوفينيين في القائمة العراقية الذين يشكلون محور توتر مع عائلات ضحايا الكُرد والشعب الكردي, ومع ضحايا البعث الآخرين, وهم غالبية الشعب, من السنة والشيعة ومن أديان أخرى.
وإذ برز في الآونة الأخيرة ميل ضد المالكي لتشكيل الوزارة الجديدة, بل تفضل أحد مرشحي القائمة الصدرية على نحو خاص, فأن ميل الولايات المتحدة اتخذ وجهة تأييد المالكي لتشكيل الوزارة الجديدة بسبب سنوات العمل المشترك خلال دورة الحكومة الأخيرة وقدرتها على التفاهم معه لضمان سرعة مغادرة العراق دون الكثير من المصاعب على وفق الاتفاقيات التي عقدت مع حكومته.
لا يمكن تشكيل الوزارة من دولة القانون والتحالف الكُردستاني, إذ إن العدد لا يكفي, كما لا يريد التحالف الكردستاني التخلي عن تحالفه مع الائتلاف العراقي الذي يقوده عمار الحكيم, ولهذا لا بد من أن تتفق ثلاث قوى هي دولة القانون والائتلاف العراقي والتحالف الكردستاني أساساً من دون القائمة العراقية والصدريين. وفي حالة حصول مثل هذا المشهد, عندها يكون العدد كافياً للحصول على أكثرية في المجلس النيابي لمن يتولى تشكيل الحكومة, كما يمكن عندها الاتفاق مع القوى الأخرى للمشاركة في حكومة واسعة تضم كل القوائم الفائزة. ولكن السؤال: هل سيحصل مثل هذا المشهد؟ غير مستبعد, وهو ما سوف تكشف عنه الأيام القادمة, إذ أن الولايات المتحدة رمت بثقلها في كفة المالكي, ولأن التحالف الكردستاني اتفق من حيث المبدأ مع المالكي على الالتزام بالدستور العراقي في الموقف من المادة 140 من الدستور الجديد وقضايا مهمة أخرى.
كانت تصريحات المالكي الأخيرة تشير إلى أنه يخشى من الطائفية أن تنتصر في الحوارات الجارية, وكذلك انتقالها إلى الجيش والشرطة وقوات الأمن الداخلي. ولكني أتساءل: هل حقاً إن المالكي لا يمثل طرفاً طائفياً في المعادلة السياسية الراهنة؟ يتمنى الإنسان ذلك ولكن لا يمكن تأكيده أو الاطمئنان إليه, خاصة بعد أن صدرت تصريحات من أعضاء في دولة القانون يجري تأكيد عدم التنازل عن رئاسة الحكومة لأن ذلك يخل بتوازن وجود مكونات معينة في الحكومة, أي بالمكون الشيعي, ولم يجد أي حرج في الحديث عن ذلك, بل قالها بملء الفم!
إن التشبث الشديد برئاسة الحكومة من جانب المالكي يثير القلق الشديد لدى الناس الاعتياديين والكثير من السياسيين بسبب السياسات التي مارسها المالكي خلال السنوات الأربع المنصرمة, في ما عدا الجانب الأمني والذي تدهور أخيراً, وهو السكوت الواسع عن الفساد وعن مصادرة الكثير من العقارات من قبل شخصيات في تحالفات سياسية إسلامية معروفة له ولغيره, وبسبب فرديته في العمل والغرور الذي ظهر بشكل صارخ على سلوكه السياسي واعتبار نفسه الشخصية الأقوى القادرة على تسيير أمور العراق!
إن ما يخيف الكثير من الناس في العراق هو ذلك التشبث الناتج عن موقف طائفي رغم محاولته نفي ذلك, إذ أن ذلك سيؤجج الصراعات الطائفية التي يفترض أن يتركها المجتمع العراقي خلفه وكذا كافة المسؤولين في العراق.

2. حول الإرهاب المتفاقم في العراق
الشعب العراقي والرأي العام العالمي يتابعان بقلق شديد تزايد عدد العمليات الإرهابية التي تنفذ في العراق من قبل القوى الإرهابية والمليشيات الطائفية المسلحة التي يذهب ضحيتها كل يوم عدداً كبير من الناس الأبرياء من أطفال ونساء ورجال, إضافة إلى التخريب في المنشآت وشبكات الطاقة الكهربائية والمؤسسات الحكومية والمحلات التجارية ودور السكن. وكان أشد تلك العمليات ما وقع في البصرة إذ سقط أكثر من 250 شخصاً بين قتيل وجريح ومعوق. وهو التعبير عن عود الإرهاب والعمليات الانتقامية في الصراعات الدائرة في العراق والرغبة في نشر وتوسيع عدم الاستقرار ولإفشال الجهود لتشكيل الحكومة الجديدة.
إن وجود حكومة تصريف أعمال منصرفة للصراع حول تشكيل الحكومة ونشوء فراغ سياسي فعلي من جهة, مع وجود قوات مسلحة غير مستقلة عن تلك الصراعات تماماً, بل وربما يرتبط البعض منها بقوى لا تريد الاستقرار للبلاد, من جهة ثانية, وعودة قوى القاعدة وهيئة علماء المسلمين وقوى أخرى طائفية مسلحة من جهة ثالثة, إضافة إلى التدخل الإقليمي المتنوع الاتجاهات والمقاصد, كلها تساهم في تفاقم المخاطر الجدية على الشعب والعملية السياسية, وهي التي قادت إلى التصريحات التي أطلقها رئيس أركان الجيش العراقي بالقول بأن الجيش غير مؤهل حتى الآن من حيث التسليح والآهلية للدفاع عن سيادة البلاد وحماية الأمن الداخلي, وهو ما أشار إليه من بعيد وزير الدفاع الأمريكي بصورة ما, رغم الرغبة الشديدة لدى باراك أوباما بالخروج العسكري من العراق على وفق الاتفاقية العراقية-الأمريكية.
إن استمرار وجود السياسات الطائفية على المسرح السياسي العراقي ستساهم بالضروري في استمرار وجود تلك المشاعر الطائفية في القوات المسلحة العراقية, وكلاهما يشكل الخطر الكبير على العملية السياسية وعلى آفاق تطور وحدة المجتمع العراقي. ومن هنا تأتي النداءات غير الكافية بضرورة التخلي عن الطائفية السياسية والتحلي بروح المواطنة المتساوية لكل بنات وأبناء الوطن. وهنا تبرز أهمية أن يزداد وعي الناس ودورهم في الضغط على القوى السياسية للتخلي عن مواقفها وسياساتها الطائفية لصالح تقدم الشعب وازدهاره الاقتصادي والاجتماعي.

3. حول تصريحات السفير الإيراني الجديد
أدلى السفير الإيراني الجديد في بغداد حسن دانائي فر بتصريحات ليست مثيرة للجدل حسب, بل وتعتبر تدخلاً مباشراً في شؤون المجتمع العراقي وحقه في التعبير عن آرائه ومواقف سياسييه في ما يجري في العراق. والجوهر في هذا التصريح يؤكد عدم تدخل إيران في الشأن العراقي وأن من حق إيران مقاضاة من يصرح بعكس ذلك؟ ولكن هل حقاً لا تتدخل إيران بالشأن العراقي. كانت إيران أول من اعترف بالوضع الجديد في العراق نتيجة عداء إيران لنظام صدام حسين, رغم أن من اسقط صدام هم الولايات المتحدة التي تعتبر الشيطان الأكبر على وفق رأي المسؤولين في إيران. ومنذ اليوم الأول وإيران تتدخل مباشرة في الشأن العراقي, سواء بإرسال الجواسيس ونشطاء الحرس الثوري أم بإرسال الأموال والسلاح والعتاد للعراق أم بالسماح بعبور الإرهابيين القادمين من أفغانستان, أم بتشكيل منظمات مجتمع مدني للتستر على نشاط قوى إسلامية سياسية متطرفة وتشجيع المليشيات المسلحة الطائفية على ممارسة الكثير من الأعمال التي تدخل في باب نشر عدم الاستقرار في البلاد. وهذه المعلومات ليست من عنديات الكاتب بل من تصريحات العديد من المسؤولين في بغداد والبصرة وفي مدن أخرى في العراق. واليوم تساهم إيران في قصف المناطق الآمنة من جبال وقرى كردستان بذريعة وجود مناضلين كرد من كردستان إيران في تلك المناطق الجبلية.
وفي الأيام بينت القوات الأمريكية بدء غيران بتشجيع المليشيات الطائفية المسلحة بمعاودة نشاطها الإرهابي والتخريبي في العراق بأمل الضغط على تشكيل الحكومة بالاتجاه الذي تسعى إليه ويخدم مصالحها وليس مصالح الشعب العراقي.
إن السفير الإيراني قد تجاوز في سلوكه الأصول الدبلوماسية المتبعة والتي يفترض أن تبتعد عن التدخل في الشأن العراق. إذ كان من حق الحكومة الإيرانية أن تتباحث مع الحكومة العراقية بأي أمر تريده, ولكن ليس من حقها لرئيس دبلوماسيتها في العراق التجاوز على حق ثابت من حقوق الشعب العراقي وتضع الحكومة العراقية في وضع محرج, إذ لا بد لها أن تشجب هذه التصريحات وتطلب استبدال هذا السفير بسفير أخر أكثر لياقة ومعرفة بالأصول الدبلوماسية.

4. حكومة تصريف الأعمال والخدمات العامة للشعب
نحن أمام حالة فريدة في العراق. فبعد مرور سبع سنوات ونصف السنة تقريباً على سقوط النظام الفاشي في العراق, لا يزال الناس يواجهون نقص شديد في الكهرباء والماء وامتلاء المناطق الشعب بأنواع القمامة وما ينجم عنها من أمراض للأطفال بشكل خاص. فدرجة الحرارة التي تجاوزت الخمسين مئوية والبق والذباب اللذان يتكاثران بشكل مرعب في مثل هذه الأجواء وانقطاع التيار الكهربائي أغلب ساعات الليل والنهار في وسط وجنوب العراق, أصبحت تشكل إرهاقاً مرعباً لمزيد من البشر, ولم يجد الكثير من الناس أمامهم إلا السفر إلى خارج العراق ومن لم يستطع ذلك مالياً, فيمم وجهه صوب ربوع إقليم كردستان ليتمتع بالأمن والاستقرار ودرجة حرارة اقل, إضافة إلى توفر الكهرباء والماء والخدمات الصحية الأخرى والطبيعة الخلابة.
لا يمكن تصور مرور أكثر من سبع سنوات والحكومات الاتحادية الثلاث المتعاقبة في بغداد كانت ولا تزال عاجزة عن استكمال نصب محطات وشبكات واسعة للطاقة الكهربائية أو إيصال الماء بشكل مناسب للسكان أو إزالة أكوام القمامة من الشوارع أو تشغيل هذه الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل, رغم تكديس عدد هائل منهم في دوائر الدولة ليزيدوا من واقع البطالة المقنعة والمعرقلة لسير العمل الوظيفي وإنجاز معاملات الناس. الناس تعتقد جازمة بأن السبب في كل ذلك هو الفساد الذي يعم البلاد والعباد. وهي حقيقة لم ينكرها المسؤولون. وقد بلغ الأمر برئيس هيئة النزاهة أن يشكوا من زيادة التدخل الفظ في شؤون هيئة النزاهة في الناصرية من السياسيين وغيرهم للكف عن ملاحقة الفاسدين والمفسدين الكبار. إنها لمعضلة حقاً في أن الهيئة التي يراد لها النجاح, تقع تحت الضغط لتسكت عمن يشترك في جرائم الفساد. كما أن عصابات الجريمة المنظمة التي تنظم من قبل بعض القوى العاملة في أجهزة الأمن والشرطة العراقية تزيد من ارتكاب الجرائم البشعة ضد العائلات في البصرة وبغداد وفي غيرها أيضاً.
وباختصار شديد فإن الوضع الراهن في العراق لا يبشر بالخير إن واصل السياسيون في بغداد مواصلة الصراع والتشبث بالحكم وعدم إيجاد مخرج لأزمة تشكيل الحكومة والسماح لقوى الإرهاب والمليشيات المسلحة إنزال المزيد من الخسائر في المجتمع وتعطيل العملية السياسية والدفع باتجاه حرب طائفية تحرق الأخضر قبل اليابس.
Top