• Saturday, 23 November 2024
logo

كيف نستثمر القدرات الكامنة في الاقتصاد العراقي؟

كيف نستثمر القدرات الكامنة في الاقتصاد العراقي؟
في العام القادم (2011م) ستحل الذكرى التسعون لتأسيس الدولة العراقية الحديثة, الملكية الدستورية.
بدأت هذه الدولة الحديثة في ظل الاحتلال البريطاني وتركة ثقيلة من عواقب سياسات الدولة العثمانية الثيوقراطية المتخلفة التي هيمنت على العراق قرابة أربعة قرون عجاف تميز الاقتصاد العراقي خلالها بالتخلف الشديد, اقتصاد زراعي في ظل علاقات إنتاجية قديمة وبالية وأساليب إنتاجية من مخلفات القرون القديمة, مجتمع يعيش على الكفاف, وغالبية عائلاته تعاني من آفات ثلاث: الفقر والجهل والمرض. ولم تستثمر موارده الأولية لصالح الشعب, كما إن الإنتاج الحرفي كان ضعيفاً ويستخدم أدوات ووسائل إنتاج قديمة.
واليوم حين يلقي المتتبع نظرة فاحصة على واقع الاقتصاد العراقي سيجد أمامه, رغم الصعود والهبوط, التقدم والتراجع في العملية الاقتصادية وفي بنية المجتمع, اقتصادياً ريعياً استهلاكياً وزراعياً متخلفاً وصناعياً عاجزاً عن تأمين نسبة ضئيلة جداً من حاجات الاستهلاك المحلي.
لم ينشا هذا الواقع عن عيب في المجتمع العراقي أو في خصائص الشعب بمكوناته القومية العديدة, أو عن شحة في موارده الأولية وقدراته الفنية والعلمية والإدارية, بل كان العيب يكمن بالأساس بالنظم السياسية التي حكمته وبسياساتها الاقتصادية التي ابتعدت عن الاستجابة لمصالح الشعب وتنمية الاقتصاد الوطني وتغيير بنيته وبنية المجتمع. العيب يكمن في الفجوة التي نشأت واستمرت بين الحكومات المتعاقبة وسياساتها الفعلية وبين الشعب وحاجاته ومصالحه الأساسية.
ورغم غياب سلطة البعث الفاشية وسياساتها العدوانية نحو الداخل والخارج وتبذيرها الشرس بموارد البلاد البشرية والأولية والمالية عبر سياسات الاستبداد والقمع العنصرية والحروب الداخلية والخارجية, فأن السياسة الاقتصادية التي تمارسها الدولة العراقية لا تزال بعيدة كل البعد عن سبع مسائل جوهرية:
1. إنها لا تتناغم مع إمكانيات العراق الفعلية مثل الموارد الأولية والقدرات البشرية والفنية والعلمية وإمكانياته المالية المتأتية من إيرادات تصدير النفط الخام.
2. كما أنها لا تستجيب لحاجات المجتمع في توفير سلع الاستهلاك والخدمات في الداخل وضروراته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
3. وهي تبتعد كل البعد عن الاهتمام الأساسي بتنمية الزراعة وتغيير بنيتها والأساليب التي تستخدم في زراعة الأرض وجني المحاصيل والتسويق ...الخ. فلا تزال الزراعة تعاني من نقص كبير في الدعم الحكومي وفي توفير مستلزمات التنمية الزراعية الحديثة والعناية بالأرض والإنتاج والإنتاجية.
4. كما أنها بعيدة عن التعامل مع ضرورات التنمية الصناعية, سواء أكان من خلال قطاع الدولة أو القطاع الخاص أو المختلط أو القطاع الأجنبي, إذ أن الصناعة لا تحتل أهمية تذكر في سياسات الحكومة الاقتصادية. وهي مشكلة كبيرة ستقود مع العامل الثالث إلى إشكاليات توفير الأمن الغذائي والاستخدام العقلاني للموارد الأولية المتوفرة, ومنها النفط والكبريت والحديد (السكراب) والمنتجات الزراعية داخلياً, ومكافحة البطالة الكبيرة والبطالة المقنعة بتحويل هؤلاء صوب التنمية الإنتاجية المباشرة.
5. الاعتماد الكلي على الموارد المالية المتأتية من النفط الخام المصدر لا لغرض التثمير الإنتاجي (التنمية) وتحقيق التراكم الرأسمالي وإغناء الدخل القومي وزيادة معدلات نموه بتنويع مجالات إنتاجه, بل لأغراض الاستيراد السلعي والخدمي بما يقود إلى استنزاف الثروة النفطية والمالية دون إغنائها والتي تؤدي بدورها إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد والمجتمع وتعمق انكشاف الاقتصاد والمجتمع على الخارج.
6. تخلف البحث العلمي النظري والتطبيقي وقلة مراكزه في العراق, وضعف علاقة الموجود منها بالحياة الاقتصادية والاجتماعية وبالجامعات والمعاهد الدراسية. ويقترن هذا بنقص أساسي آخر في المرحلة الراهنة هي أن المناهج العلمية تفتقد إلى الكثير من الرؤية العلمية للحياة والاقتصاد والإنتاج وفيها الكثير من الرؤية الغيبية التي لا يمكن أن نجد لها علاقة مع الرؤية العلمية.
7. لم يكن ما ورثه العراق من العهد البعثي السابق يقتصر على الخراب الاقتصادي وعواقب الحصار الاقتصادي الطويل والمرير والبطالة والتبذير رغم نقص الموارد المالية والسياسات الشوفينية والتعريب والتهجير القسري ... الخ, بل ورث عنه الفساد المالي والوظيفي الذي اتسع إلى حدود مخيفة وتحول إلى نظام فاعل ومؤثر في مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد خلال السنوات السبع المنصرمة, كما ازدادت عواقبه السلبية على الاقتصاد الوطني والمجتمع بفعل دور الشركات الأجنبية والفاسدين السابقين والجدد في داخل العراق.
في ضوء ذلك يمكن الخروج باستنتاج أساسي من ممارسة هذه السياسة الاقتصادية الراهنة مفاده: أن الاقتصاد العراقي سيبقى متخلفاً ومشوهاً في بنيته الداخلية وفي تنوع إنتاجه وريعياً استهلاكياً يستنزف دخله القومي ولا ينميه ولا يساهم في أغناء المجتمع, إذا استمرت هذه السياسة على حالها ولم تتغير. وهي ذات السياسة التي يدعو إليها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وبالتالي فهي تضعف القدرة على التوجه صوب التنمية التي يستوجبها الاقتصاد والمجتمع في العراق.
في هذه الرؤية للوضع وفي تشخيص هذه السمات في الاقتصاد العراقي لا أنطلق من موقف يدعو إلى بناء الاشتراكية في العراق أو وضع برنامج بهذا الصدد, بل استند إلى رؤية واقعية ترى بأن العراق يفترض أن يسير على طريق التطور الرأسمالي لبناء القاعدة المادية للتنمية, لبناء اقتصاد وطني متقدم ومتنوع وديناميكي في ظل دولة وطنية ديمقراطية, دولة الحق والقانون والمواطنة والمؤسسات الدستورية الديمقراطية الاتحادية, ولبناء إنسان متقدم وواعي لمهماته في المجتمع.
إن الخلاف في الموقف من الاتجاه الذي يفترض أن يتطور فيه الاقتصاد العراقي لا يمس الفكر الاشتراكي أو الرأسمالي, بل هو في إطار الفكر الرأسمالي. فالرأسمالية ليست لوناً واحداً أو طيفاً واحداً, رغم أن قوانينها الفاعلة واحدة, بل هناك توجهات متباينة وأطياف كثيرة. فبعضها يعتمد على الفكر اللبرالي الجديد الذي نجده صارخاً وواضحاً في المؤسسات المالية الدولية التي تقودها الدول الصناعية السبع الكبار والذي يجد التأييد من بعض العناصر والفئات الاجتماعية الممثلة لقطاع التجارة الخارجية والبرجوازية التجارية التي لا ترى في التصنيع وتحديث الزراعة ضرورة, إذ أن التجارة الخارجية توفر لها أرباحاً طائلة على حساب التنمية والاقتصاد الوطني والبطالة ومستوى معيشة غالبية الشعب, وهي الآن كذلك, والاتجاه الآخر في التطور الرأسمالي الذي يدعو إلى تنمية الزراعة الحديثة والصناعة الوطنية وتأمين الحماية لإنتاجهما من خلال سياسات جمركية ودعم حكومي مناسب وتنويع الاقتصاد الوطني وعدم حصر تكوين الدخل القومي في استخراج وتصدير النفط الخام بنسبة عالية جداً. وهذا الاتجاه يجد التأييد والدعم من جانب البرجوازية الصناعية الوطنية وفئات البرجوازية الصغيرة والعمال والمثقفين, إضافة إلى ممثلي النقابات العمالية والجمعيات المدنية والفلاحين. وهو الطريق الذي يساعد العراق على الخروج من المكانة الضعيفة والبائسة التي يحتلها اليوم في التقسيم الدولي الرأسمالي للعمل والانتقال إلى موقع أفضل فيه. وسيبقى الصراع قائماً في المجتمع طالما ميزان القوى لا يزال يميل لصالح الجماعة الأولى والرؤية التي تؤيدها الولايات المتحدة بعيداً عن الحرص على مصلحة العراق.
إن الدعوة إلى تنمية مستدامة للاقتصاد العراقي تنبع من الحرص على تغيير الحالة الراهنة غير المقبولة وليس من إيديولوجية معينة ونظرة جامدة إلى الأمور. ولهذا يمكن أن تتخذ في العراق إجراءات جديدة لوضع سياسة جديدة تستفيد من موارد البلاد المالية, أي موارد الدولة المالية ورؤوس أموال القطاع الخاص المحلي والأجنبي والقطاع المختلط بين ثلاثة قطاعات من حيث الملكية, الدولة, الخاص المحلي والخاص الأجنبي أولاً, وتنسيق على مستوى البلاد بين خطط الحكومة الاتحادية, وخطط حكومة إقليم كُردستان ثانياً, وخطط المحافظات ثالثاً. كما يفترض أن تشخص المشاريع الاتحادية المشتركة والمشاريع الخاصة بكل إقليم ومحافظة. كما يفترض أن يؤخذ بنظر الاعتبار إمكانيات التنسيق والتكامل على صعيد الدول العربية أو منطقة الشرق الأوسط, إذ أن عملية التنمية تستوجب النظر إلى الإمكانيات والحاجات لا على صعيد البلد الواحد, بل على صعيد الدول المجاورة أو المنطقة أيضاً. والتنسيق يشمل رؤوس الأموال التي يراد توظيفها ومجالات التوظيف وحجم الإنتاج ونوعيته والإنتاجية, وكذلك السعات الإنتاجية والتسويق بما يحقق المردود الاقتصادي المناسب بدلاً من تسجيل خسائر بسبب ارتفاع التكاليف وسوء النوعية وارتفاع الأسعار وصعوبة التسويق.. وما إلى ذلك.
إن وضع إستراتيجية تنمية موحدة للاقتصاد والمجتمع العراقي تشكل التحدي الأول الذي لا بد من تذليله لصالح التنمية والتطوير على مدى العقدين القادمين, بما يحقق التشغيل الواسع وخلق قاعدة صناعية متقدمة وتنمية زراعية حديثة وزيادة الإنتاجية والإنتاج الإجمالي وتحسين نوعيته وتقليص حجم الاستيرادات السنوية والانتباه إلى تلك المناطق في الإقليم والمحافظات التي كانت مهمشة في السياسات الاقتصادية السابقة والتي تستوجب المزيد من الاهتمام. ولا بد للحكومة الاتحادية القادمة وحكومة الإقليم ومجالس المحافظات أن تبدأ كلها بالعمل من أجل حل المعضلات التالية في القطاعات الاقتصادية الأساسية الأربعة:
الزراعة:
* حل مشكلة الأرض الزراعية التي عجزت قوانين الإصلاح الزراعي الأول والثاني وتعديلاتهما والقانون رقم 90 لسنة 1975 عن حلها, رغم صواب الكثير من المواد التي وردت في تلك القوانين الثلاثة. ولم يكن الخلل في القوانين, وخاصة القانون الأول, بل كان العيب يكمن في السياسات الحكومية فيما بعد وفي دور أجهزة الدولة الإدارية المسؤولة التي كانت في تعارض مع مضمون تلك القوانين, إضافة إلى الصراعات الطبقية والسياسية التي تفاقمت حينذاك. ومن هنا يفترض استصدار قوانين ملزمة تعاقب في حالة عدم التنفيذ .
* تنظيف الأراضي الزراعية والمناطق الحدودية الملوثة بالمواد المشعة والأسلحة الكيماوية وبالألغام المزروعة فيها, وبشكل خاص في إقليم كُردستان العراق وجنوب العراق.
* العمل من أجل تغيير بنية الإنتاج الزراعي لصالح التنوع وتكامل الدورة الزراعية لتحسين خصوبة الأرض وزيادة الإنتاجية والإنتاج وتحسين مستوى السلع المنتجة والوارد المالي منها. كما يفترض التصدي للجهود السيئة التي تبذل حالياً لإدخال مجموعة من المحاصيل لإنتاج المخدرات على الطريقة الأفغانية التي تهدد الاقتصاد الوطني والمجتمع بمخاطر جدية. وهذا الخطر ليس وهمياً, بل هو قائم حالياً في بعض مناطق الوسط والجنوب وفي شمال العراق وفي كُردستان.
* تحديث أساليب وأدوات ووسائل الإنتاج الزراعية وزيادة استخدام المكننة الزراعية والسماد العضوي والبذور المحسنة والابتعاد عن استخدام البذور التي جرى تغيير كبير ومضر في جيناتها والتي يمكن أن تتسبب في بروز مشكلات صحية للإنسان, كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد فرضت دول الاتحاد الأوروبي إجراءات مشددة ضد استيرادها أو استيراد منتجاتها رغم الضغوط الأمريكية المتزايدة على الاتحاد الأوروبي.
* تأمين التوظيفات المالية والقروض الميسرة والخدمات الزراعية التي تساهم في مساعدة الفلاح على تحسين مستوى إنتاجية الغلة في الدونم الواحد وتحسين النوعية وزيادة مدخولاته المالية السنوية لتحسين ظروف معيشته وحياته.
* العودة إلى إصلاح شبكات الري والبزل التي أهملت والتي أدت إلى زيادة كبيرة في ملوحة الأرض وتراجع خصوبتها وغلتها, إضافة إلى تنظيم مشكلات المياه لحوضي دجلة والفرات والمناطق الأخرى لضمان استخدام عقلاني للماء الذي تزداد سنة بعد أخرى شحته لأسباب عديدة. كما أن استخدامه غير العقلاني والتبذير الشديد فيه قاد ويقود إلى عواقب سلبية على الأرض والمنتجات والإنسان.
* التأثير الإيجابي على أسعار السلع الزراعية من خلال تقديم الدعم المالي لتحقيق التوازن العقلاني في مصروفات وإيرادات الفلاح وحاجاته الفعلية واستمرار عمله في الزراعة.
* بذل جهود حثيثة لتطوير الريف ومده بالخدمات الاجتماعية, وخاصة الطرق والجسور والكهرباء والماء والمدارس والمستوصفات ومراكز الإرشاد الزراعي ومخازن نظامية للخزن السلعي والنقل المناسب للمنتجات الزراعية وتسويقها, ومحطات المكننة وإقامة دور ثقافية ودور عرض الأفلام السينمائية والجوالة ومسارح جوالة ...الخ.
إن هذه وغيرها من السياسات والإجراءات التي ستسهم في تحقيق خمس نتائج مهمة تساعد على تحقيق الكثير من الأغراض التي عجزت نظم وحكومات القرن الماضي إلى الآن على تحقيقها, وهي:
** زيادة إنتاجية العمل ورفع معدل الغلة والإنتاج الزراعي الإجمالي وزيادة الدخل القومي المنتج في الريف وتحسين القدرة على تحقيق التراكم الذاتي أيضاً.
** تقليص الحاجة إلى استيراد المزيد من السلع الزراعية وتقليص الانكشاف على الخارج وتحسين مستوى الأمن الغذائي للسكان وتقليص الموارد المالية الموجهة لأغراض الاستيراد السلعي الزراعي.
** تحسين مستوى حياة ومعيشة وظروف عمل الفلاح وأفراد عائلته وتأمين المجال لبنات وأبناء الريف على التعليم والتزود بالثقافة الحديثة والتمتع بالرعاية الصحية.
** تقريب مستوى حياة الريف من مستوى حياة المدينة تدريجاً بهدف إزالة التفاوت الراهن والكبير بين المدينة والريف خلال العقدين القادمين, رغم تخلف المدينة ذاتها.
** تقليص الهجرة السكانية غير المنقطعة من الريف إلى المدينة والتخفيف من المصاعب التي تعاني منها المدينة حاليا بسبب هذه الهجرة, والعمل من أجل تحقيق هجرة معاكسة مطلوبة قدر الإمكان لصالح الريف والاقتصاد الوطني, كما يسهم في تقليص البطالة الراهنة.

قطاع النفط والغاز الطبيعي
يشكل النفط الخام والغاز الطبيعي الثروة الوطنية الأساسية في الاقتصاد في الوقت الحاضر ولسنوات طويلة من القرن الحادي والعشرين, وبما أن النفط ثروة وطنية ناضبة لا بد من استخدامها وفق أسس عامة وعلمية تكون ملزمة للدولة والمجتمع, ومنها :
** استمرار عمليات التنقيب عن النفط الخام في كل أنحاء العراق والتي يمكن أن يكتشف فيها النفط, سواء أكان للاستخدام المحلي أم للتصدير.
** الاستخدام الفعلي للثروة النفطية والغاز الطبيعي في عمليات التصنيع الحديثة والصناعات البتروكيماوية وسلسلة من الصناعات الأخرى المرتبطة بها في داخل العراق, إضافة إلى تطوير وتوسيع مصافي النفط في مختلف مواقع وجود النفط الخام وتلك القريبة من الموانئ وخطوط نقل المنتجات النفطية والغاز الطبيعي لأغراض التصدير والنقل الداخلي. كما يفترض أن يجري تطوير جاد وسريع لاستخدام بقية المواد الأولية والمنتجات الزراعية في عملية التصنيع, وخاصة الصناعات الزراعية. إن هذه الوجهة تساهم في وضع برنامج خاص للأمن الغذائي في العراق والذي يفتقده العراق حالياً, رغم تنامي الحاجة إليه, كما برهنت الحياة على ذلك, كما أنه يمكن أن يوفر مواداً أولية زراعية لتنمية الصناعات الغذائية والتعليب لأغراض السوق المحلي أساساً وللتصدير لاحقاًً.
ولا شك في أن قطاع النفط الخام يستوجب وضع سياسة وطنية مدروسة بعناية تأخذ بالاعتبار عدداً من الأمور الجوهرية التي نشير إلى أهمها, رغم أنها معروفة للكثير من المتابعين لقطاع النفط الخام, ولكن حولها اختلاف وخلاف غير قليل, ومنها :
* إبقاء اقتصاد النفط ضمن ملكية الدولة للموارد الأولية, فهذه الثروة ملك الشعب للأجيال الراهنة والقادمة والتي يفترض أن تستغل لصالحه ووفق معايير وأسس واضحة وشفافة.
* تشكيل شركة وطنية واحدة أو أكثر تأخذ على عاتقها إنتاج النفط الخام وتسويقه وفق الأسس والمعايير الدولية ومصلحة الاقتصاد الوطني العراقي.
* الأخذ بالمبادئ الأساسية التي تضمن للعراق مصالحه في قضايا استخراج وتصدير أو استخدام النفط الخام محلياً, سواء تم ذلك من خلال عقود الخدمة أم (أو ) الحصول على التقنيات الفنية أو التأجير, على أن تعطى الأسبقية للشركات الوطنية العراقية التابعة للدولة. ولا تمنح عقود المشاركة بالإنتاج لتلك الحقول التي اكتشف فيها النفط أو المنتجة فعلاً, إذ في مقدور الشركات العراقية القيام بذلك.
* يمكن منح عقود المشاركة في الإنتاج في تلك المناطق التي لم يكتشف فيها النفط والتي تستوجب البحث والتنقيب وحفر الآبار ومد الأنابيب .. الخ والتي تحتاج إلى الكثير من رؤوس الأموال. ويتم ذلك وفق أفضل العطاءات وأكثرها في مصلحة العراق, إضافة إلى الأخذ بالاعتبار المعايير والأسس الدولية المعمول بها في سوق النفط الدولي في وقت عقد الاتفاق عند منح مثل هذه العقود, سواء أكان من حيث نسب توزيع النفط المستخرج أم الفترة الزمنية للعقود ...الخ.
* تجميع وتوزيع موارد النفط الخام مركزياًً وفق الأسس التي أقرها الدستور والقانون الخاص الذي يفترض صدوره لتنظيم توزيع موارد اقتصاد النفط الخام.
* يجري الصرف على اقتصاد النفط الخام مركزياً من حيث البحث والتنقيب واكتشاف واستخراج النفط الخام وتسويقه.
* يمكن الاتفاق على عقد الاتفاقيات النفطية من جانب الشركات الوطنية التي تشكل وفق قانون خاص بها شريطة أن تخضع تلك الاتفاقيات لإقرار الحكومة الاتحادية أو اللجنة الخاصة بهذا القطاع لدى مجلس الوزراء من حيث شروط الاتفاقية ومدى مطابقتها للمصالح الوطنية والقواعد والأسس الدولية في هذا المجال.
* التحديث المستمر والتطوير الدائم لهذا القطاع ليكون على المستوى التقني الدولي الحديث, إضافة إلى التأهيل المستمر لكوادره وتنشيط البحوث العلمية فيه وتأسيس معهد خاص ببحوث النفط والغاز الطبيعي وتكوين الكوادر العلمية.
* معالجة المشكلات الصحية الراهنة وسط شغيلة قطاع النفط في الحقول الجنوبية الناجمة عن التلوث الإشعاعي نتيجة عمليات استخراج النفط وبسبب ضرب المنطقة بالذخائر المشعة أثناء الحروب.
* خضوع كميات استخراج وتصدير النفط الخام إلى حاجات العراق المالية وقدراته في استخدام فعلي لها بعيداً عن الهدر المالي الذي شهدته العقود المنصرمة.
* توجيه نسبة جيدة ومتزايدة سنة بعد أخرى من هذه الثروة الخامية المستخرجة لأغراض الاستخدام المحلي, سواء أكانت لأغراض التصنيع أم التكرير وإنتاج مشتقاتها.
* أن يجري العمل في هذا القطاع بشفافية عالية وكشف حساباته ومكافحة الفساد المالي فيه ومنع تهريب هذه الثروة بأي طريقة كانت.
* كما يفترض أن يسعى مشروع الحكومة إلى استخدام بدائل أخرى لإنتاج الطاقة في العراق لضمان استمرار النفط أطول فترة ممكنة في باطن الأرض العراقية واستخدامها من قبل الأجيال القادمة ولن تبور هذه الثورة بأي حال. ومن الممكن استخدام العراق للطاقة الشمسية لأغراض الإضاءة والتدفئة والكثير من المجالات الأخرى, أو استخدام مياه العيون ومساقط المياه والرياح لإنتاج الطاقة الكهربائية في أرياف كُردستان أو استخدام الصحراء لمد التوربينات الهوائية أو مولدات الهواء لإنتاج الطاقة.

القطاع الصناعي التحويلي
تنمية وتطوير القطاع الصناعي وتحديثه ومشاركته الفعالة في إشباع جزء متزايد من حاجة السوق المحلي للسلع المصنعة. ويفترض أن يرتبط التصنيع المنشود بعدد مهم من المؤشرات الجوهرية:
* استخدام التقنيات الحديثة وتطويعها بما يسهم في رفع إنتاجية العمل وجودة الإنتاج وقدرته على المنافسة الفعلية من حيث حجم الإنتاج والتكاليف والجودة - اعتماد مبادئ الإدارة الحديثة، وبضمنها الإدارة البيئية، وتقييم الأثر البيئي للمشروعات،والجدوى الاقتصادية ، والعمل من أجل اختيار تقنيات مناسبة والعمل على تطويعها بما يساعد على حماية البيئة وصيانتها من التلوث. وتحقيق التعاون العلمي الدولي من أجل تنفيذ المبادئ المذكورة ، وتطوير هذه التقنيات محلياً ووفق واقع العراق والمنطقة. وخلال العقود الثلاثة الأخيرة تضررت البيئة والطبيعة العراقية كثيراً بسبب الحروب المتواصلة واستخدام أسلحة محرمة دولياً, كما تضرر المتبقون من سكان العراق من جراء تلك السياسات والحروب وعدم حماية البيئة والطبيعة.
* تشجيع إقامة وتطوير المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة في المرحلة الراهنة حيث تسود البطالة الواسعة, إذ بإمكان مثل هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة استيعاب نسبة مهمة من العاطلين عن العمل ونقل قوى البطالة المقنعة إلى مجالات عمل جديدة.
* تحديد حجم الإنتاج من هذه السلعة أو تلك في ظروف عدد من المؤشرات التي ترتبط بوضع السوق المحلي والأسواق الإقليمية.. الخ ودراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من هذه الصناعة أو تلك بالنسبة لقطاع الدولة, مع تقديم المقترحات بالنسبة للقطاع الخاص الذي يمكنه أن يلعب دوراً مهماً في عملية تصنيع البلاد.
* العناية التامة بالتوزيع الجغرافي العقلاني المناسب للمنشآت الصناعية بما يساعد على توطينها وتطورها وامتصاص البطالة فيها وتغيير نوعية الحياة في المجتمع ، وبما لا يضر البيئة والصحة العامة.
* العمل من أجل توفير مستلزمات نمو وتطور القطاع الصناعي الخاص ومشاركته في عملية التنمية والتشغيل وإنتاج الدخل القومي. كما يمكن في الوقت نفسه توفير مستلزمات دخول رؤوس الأموال الأجنبية إلى الاقتصاد العراقي من خلال تهيئة البنى التحتية الضرورية والأمن الداخلي وحماية رؤوس الأموال والأرباح.
* إمكانية التنسيق والتكامل مع الدول العربية ودول الجوار أو دول أخرى في العالم بشأن تحديد طبيعة وحجم وموقع التصنيع الحديث لهذه السلعة أو تلك وتأمين اسواق أكبر لتصريف السلع المنتجة.
* أهمية اعتماد مبدأ التعاون والتنسيق بين مراكز ومعاهد البحث العلمي ووضع المعاهد والمراكز والجامعات العراقية, وخاصة الدراسات العليا, في خدمة مشاريع التنمية المتعددة الأغراض وربط البحث العلمي بها.
* تطوير الفروع والدراسات المهنية والفنية التطبيقية على نحو خاص, يما يسهم في خلق الكوادر الفنية والمهنية الوسيطة للتنمية الصناعية والزراعية, وعدم إهمال البحث النظري في العلوم الصرفة.
* إلزام القطاعين العام والخاص المحلي وكذلك القطاع الأجنبي الصناعي باستقبال وتدريب عدد متزايد من خريجي الدراسات الابتدائية (التي يفترض أن تصل الدراسة فيها إلى ثماني سنوات بدلاً من ست سنوات, والمتوسطة أو الثانوية للتدريب في مؤسساتهم لفترة معينة وقبل دخولهم إلى المعاهد الصناعية والفنية مع قيام الدولة بالتعاون مع القطاع الخاص لتحمل أجور وتكاليف هؤلاء المتدربين.
إن إمكانات العراق الفعلية تساعد على إقامة سلاسل صناعية مهمة, سواء بالاعتماد على الموارد الأولية المتوفرة في العراق كالنفط والغاز الطبيعي وبعض الموارد الأولية الأخرى مثل الكبريت والفوسفات والحديد السكراب... وفي الصناعات الزراعية الغذائية, سواء أكان ذلك بالنسبة للخضروات أو الفواكه أو التمور أو اللحوم أو التبوغ , وفيما بعد الأسماك. ويوفر إقليم كُردستان العراق منطقة ملائمة للصناعات الزراعية والتعليب وصناعة السجائر والسجاد والملابس والصناعات البتروكيماوية والإنشائية .., الخ.

قطاع التجارة الخارجية:
يتميز الاقتصاد العراقي بسمة التبعية الكاملة للتجارة الخارجية استيراداً وتصديراً. فصادرات النفط الخام كانت ولا تزال تشكل أكثر من 95 % من قيمة إيرادات التجارة الخارجية العراقية, في حين كانت ولا تزال الحكومات المتعاقبة تصرف النسبة الأكبر من هذا الدخل على استيراداتها السلعية وخاصة الاستهلاكية منها ولأغراض التسلح وحروب النظام الداخلية والخارجية وبذخ الحكام و"عطاياهم" نحو الداخل والخارج. والميزان التجاري العراقي يتسم بالسلبية والتشوه بدون النفط ولكن يتحول إلى الحالة الإيجابية, مع استمرار التشوه, مع إيرادات النفط الخام. ويتطلب هذا الواقع إجراء تغيير تدريجي وجذري في بنية التجارة الخارجية العراقية استيراداً وتصديراً. ومثل هذه العملية ستستغرق وقتاً طويلاً, ولكن لا بد من البدء بها.
إن أي عملية تنمية فعلية مستديمة ومتطورة تستوجب في المرحلة الراهنة إخضاع التجارة الخارجية لخمسة عوامل أساسية, وهي:
* وضعها في خدمة عملية التنمية الصناعية والزراعية والتعليمية والثقافية والبيئية.., أي التنمية الاقتصادية والبشرية ومن أجل تحقيق تراكم عقلاني مستمر للثروة الوطنية.
* الإشباع المناسب لحاجة السوق المحلية للسلع الاستهلاكية والاستهلاك الدائم مع الاهتمام بنوعية السلع المستوردة.
* كما يفترض أن تلعب الدولة ولسنوات طويلة قادمة دور المنظم والمؤثر إيجاباً على حركة وفعل قانون العرض والطلب لضمان استقرار الأسعار وخلق توزان عقلاني بينها وبين الأجور والمدخولات السنوية للأفراد والعائلات من ذوي الدخل الواطئ والمحدود, وخاصة بالنسبة لأكثر السلع أهمية وضرورية لنسبة كبيرة جداً من السكان.
* تنويع مصادر الدخل القومي من خلال زيادة دور المنتجات الصناعية والزراعية غير النفط الخام والغاز الطبيعي في إجمالي صادرات العراق.
* السعي لتحقيق التوازن التدريجي في الميزان التجاري العراقي مع الدول المختلفة وبين الصادرات والاستيرادات, والتي يمكن أن تؤثر إيجاباً على ميزان المدفوعات.

قطاع التأمين
غالباً ما يهمل قطاع التأمين وإعادة التأمين في العراق والدول النامية, في حين انه يحتل مكانة مرموقة في مجمل العملية الاقتصادية أو عملية إعادة الإنتاج وفي حماية الثروة الوطنية من الضياع. وقطاع التأمين قد حقق تطوراً كبيراً وتقدماً في اقتصاديات الدول المتقدمة. فتأمين المشاريع الاقتصادية ودور السكن والمؤسسات والسيارات وغيرها, أو التأمين على حياة الأفراد في شركات التأمين الحكومية أو الخاصة تلعب دوراً مهماً في ثلاث مجالات جوهرية, وهي:
* صندوق احتياطي مالي للدولة والمجتمع وإغناء للثروة وعملية ادخار في آن.
* التعويض عن الخسائر المحتملة التي تلحق بالمؤسسات الحكومية والخاصة والشركات الصناعية والتجارية الزراعية والقطاع الخاص الحرفي الصغير والملكيات الخاصة الأخرى والأفراد لأسباب كثيرة بما فيها الكوارث الطبيعية أو غرق البواخر أو الحرائق التي يمكن أن تصاب بها المشاريع والمحلات ودور السكن أو السرقات وما إلى ذلك.
* إمكانية استخدام تلك الأموال في عمليات الاستثمار الداخلي لصالح تنمية الاقتصاد الوطني وتحقيق الأرباح التي تسهم في إناء الثروة الوطنية.
Top