عجبا... أيحدث هذا في ألمانيا !! فشل تجربة بناء مجتمع متعدد الثقافات ؟؟!!
في أيلول 2010أصدر( ثيلو ساراسينThilo Sarrazin ) عضو مجلس ادارة البنك الرئيسي في ألمانيا ( دويتشه بنكDeutsche Bank ) كتابا مثيرا للجدل بعنوان ( المانيا تنهي نفسهاDeutschland schaft sich ab) تحدث فيها عن الاوضاع الحالية لالمانيا والمجتمع الالماني وادعى انخفاض نسبة الذكاء لدى الالمان بسبب كثرة المهاجرين.ولذا وجب على المانيا ان تنقذ نفسها من هذه المشكلة.
المستشارة الالمانية ( انجيلا ميركل) فاجأت الجميع في 16/10/2010 في مؤتمر لاتحاد الشباب في مدينة بوتسدام عندما صرحت بأن " مجتمع الثقافات المتعددة Multikulti-Gesellschaft قد فشلت"و " ان هذه الفكرة قد فشلت ، قد فشلت اطلاقا" و " انه في الماضي لم يكن مطلوبا ( تعلم اللغة الالمانية)الا قليلا ولكن اليوم فانه مطلب مشروع بانه على المهاجرين ان يتعلموا اللغة الالمانية وذلك لكي يجدوا فرصة عمل." وكذلك عليهم تقبل القيم الديمقراطية بالاضافة الى القيم المسيحية واليهودية التي تمثل جذور القيم الالمانية.
وبالنسبة ل(هورست سيهوفرHorst Seehofer) زعيم الحزب المسيحي في بافاريا (CSU)فان ألمانيا لاتحتاج الى مهاجرين جدد من ثقافات متعددة كالاتراك والعرب لصعوبة اندماجهم.
وفي دراسة لمؤسسة(فردريك ايبرتFriedrich Ebert Stiftung) فان ثلث الالمان يشعرون بان بلادهم "تكتسح من قبل الاجانب" وبنفس النسبة فانهم يؤيدون بوجوب مغادرة الاجانب لالمانيا والعودة الى بلادهم"
وفي المقابل حذرت (كريستينا شرويدرKristina Schroeder)وزيرة شؤون الاسرة الالمانية بان العديد من الواطنين ذو العرق الالماني يتحملون الوطأ الاكبر للتمييز من قبل الاجانب الذين يعيشون في ألمانيا. وتضيف : " ان الاطفال والشباب الالمان تعرضوا وبعنف للهجمات لانهم فقط ألمان".ولذلك أكدت الوزيرة بان شعار " ضد الالمان" هو شكل من اشكال العنصرية.
اذن هذا هو الوضع " المخيف" في دولة ديمقراطية كألمانيا التي تؤكد دستورها على ان"كرامة الانسان غير قابلة المساس بها.فاحترامها وحمايتها يمثلان واجبا الزاميا على جميع سلطان الدولة (المادة/1 من القانون الاساسي الالماني 1949)وانه " لايجوز التمييز او الحاق الغبن باحد بسبب جنسه ، منبته ، عرقه ، لغته ، وطنه ، اصله ، عقيدته او رؤيته الدينية او السياسية ، ..."( المادة/3)،
وعليه نتساءل ماهو مكمن الخلل؟ وهل ان الامور جرت بصورة صحيحة في العقود السابقة ؟ ولماذا اثمرت سياسة بناء " مجتمع متعدد الثقافات"هذه النتيجة " الكارثية"؟
ان مفهوم "التعددية الثقافية Multikulturalismus" هو من ضمن المفاهيم التي وبسبب عدم تحديده بدقة فهومحصن ضد اي نقد موجه له.
عندما يحاول المرء عدم ربط مفهوم "التعددية الثقافية " بذلك المفهوم المقتصرفقط على وصف مجتمع يتعايش فيه الناس من مختلف الاثنيات والاديان،فحينذاك فان الانظار ستتجه نحو التركيز على مؤشرات لمجموعات مثل : الاصل ، الثقافة ، الهوية.وهذا يتعلق بسياسة الاعتراف بالاخرين والحق في الاحتفاظ بالهوية الثقافية.
ان معظم الدول التي اتخذت في السبعينيات والثمانينيات القرن الماضي من "التعددية الثقافية" ك " عقيدة للدولة" تواجه الان انقسامات تجاه تلك العقيدة وبالتالي تعمل على تعميق الخنادق.
وبما ان التركيز لم يكن على المشتركات بل كان على الاختلافات ، ولم يكن التركيز كذلك على جعل توجهات الانسجام والاندماج في مركز الاهتمام بل كان التركيز على الاحتفاظ ب "هوية الاصل" ، لذلك فان تلك السياسة انتهت الى " كارثة " وهي فشل سياسة خلق " مجتمع متعدد الثقافات".
ولهذا فان مانجده من التهميش الاجتماعي والوعي الاثني – الثقافي في البلد المضيف سيؤدي الى حدة وشدة في تكون المظاهر الكامنة للنزاعات في المجتمعات الحديثة وكذلك في التركيز على التوجهات نحو تنظيم اثني – أجتماعي من خلال الثقافة المتعددة ، وهذا ما نلاحظه في بريطانيا و هولندا على سبيل المثال.
ان مشكلة " الثقافة المتعددة" هي ليست في مشكلة التوازن السياسي ولا في التصورات السياسية ، بل ان المشكلة هي في المفهوم نفسه.ان الخلل الهيكلي في المفهوم يتعلق بالتوجه نحو " الهوية الثقافية"لجماعات المهاجرين وفي "مثالية ورومانسية" الثقافة الاصلية للمهاجر.
ان التأقلم مع الثقافة الجديدة للبلد الجديد يتطلب اساسا اشهار قابليات الانسجام والاندماج ومنها القدرة على تعلم لغة البلد الجديد وقبول احتكار السلطة من قبل مؤسسات الدولة وكذلك قبول مبدأ سيادة القانون.
لقد تم الالتفاف كثيراعلى هذه المشكلة ولذلك فان نجاح " الثقافة المتعددة"قد تعثر وعليه فقد حان الوقت ، كما يقول البروفيسور(استيفان لوفتStefan Luft ) من جامعة بريمن الالمانية في كتابه ( وداع الثقافة المتعددة)،لاعتبار موضوعة " مجتمع الثقافات المتعددة" بمثابة " خطأ تأريخي".
وهكذا فان ألمانيا قد وقعت في " خطأ تأريخي" لعدم تمكنها من رسم سياسة عقلانية علمية قابلة للتطبيق في كيفية " دمج ارادي" للجماعات المهاجرة في القيم الالمانية المعاصرة المؤكدة على روح التسامح والديمقراطية وحقوق الانسان.وهذا مأدى الى عدم " تردد" الجماعات المهاجرة في التمسك بكل مالديها من " القيم"ومحاولة تطبيقها في البلد الجديد مما شكل في الحقيقة " تحديا " جديا لقيم المجتمع الالماني مما أدى الى الكلام عن " انهيار المانيا" و " وداع لمفهوم الثقافات المتعددة في مجتمع متعدد الثقافات".
ان الحل يكمن بالتاكيد في اسكات اصوات التعصب والعنصرية عن طريق العقلانية التي اتسمت بها ألمانيا على يد فيلسوفها العظيم (أمانوئيل كانتKant) وعن طريق الديمقراطية التشاورية التي مازال ينادي بها فيلسوفها المعاصر ( يورغن هابرمازHabermas)