• Friday, 22 November 2024
logo

هل خضعت USA ل ضغوط "الواقع السياسي العراقي المعقد"؟

هل خضعت USA ل ضغوط
في " خربطة" سياسية لامثيل لها (ولا يضاهيها سوى "خربطة " كل من : بريطانيا في أزمة قناة السويس 1956 ، و الاتحاد السوفيتي في أزمة صواريخ كوبا 1962 والتوغل في أفغانستان 1979)، أدخلت USA نفسها في " أخطاء استراتيجية خطيرة " في العراق تمثلت في عدم قدرتها كدولة عظمى وحيدة ( على وصف عالم السياسة الشهير هنتكتن Huntington) بل وضعفها في ادارة الازمة السياسية في العراق منذ 2003 وبالاخص منذ الانتخابات الاخيرة في العراق في 7 اذار 2010وما تمخضت عنها من نتائج واثار "خطيرة" أثرت في مسيرة العملية السياسية في العراق بل واثرت في مصداقية USAحول جهودها في تشجيع الديمقراطية في هذا البلد . في الحقيقة وجدت USAنفسها عاجزة في ان تضع نهاية لازمة استمرت لاكثر من 8 أشهر وعلى الرغم من اجتماع البرلمان العراقي في 11/11/2010 لانتخاب الرئاسات الثلاث في العراق فان الازمة لم تنتهي لحد الان وفي مؤشر على مدى " ضعف " التأثير الامريكي في التشكيلة السياسية العراقية الجديدة.
ولذلك يبرز هنا التساءل الاتي: ماذا حل ب USAلكي "ترضى" بأن تكون ضعيفة لدرجة لا تتمكن فيها من أن تمسك بزمام الامور الاساسية في بغداد؟

خلال فترة مايقارب العامين من ادارة الرئيس الامريكي (اوباما) بدا لمعظم المحللين والمراقبيين السياسين ان USAمقبلة على تغييرات جوهرية ايجابية ستؤدي الى اعادة هيبتها ومكانتها في العالم (والتي تضررت كثيرا بفعل احداث افغانستان والعراق اضافة الى احداث 11 سبتمبر 2001 ) وتمكنها من قيادة النظام العالمي الجديد بفعالية ومصداقية اكثر لترسيخ العملية الديمقراطية ومبادىء حقوق الانسان وقواعد القانون الدولي.
ولكن لم تتمكن ادارة الرئيس (اوباما) من تحقيق هذا التوجه وبالتالي فانها لم تتمكن ايضا من ادارة المسألة العراقية بشكل تؤدي الى ان تكون USAالقوة الوحيدة المؤثرة في العراق ولذلك فانها ارتضت ان تشاركها قوى الاخرى في التأثير على توجهات السياسة العراقية (ويتم التركيز هنا على دور ايران الرئيسي). وهكذا بدت USA "ضعيفة " وبالكاد تتمكن من ان "تؤثر" في الاحداث السياسة العراقية على الرغم من استخدام اسلوب التهديد والضغط ويظهر ان القادة العراقيين قد تعودوا من الامريكان ان لاتكون لتأثيراتهم وتهديداتهم وضغوطهم من "أثر" ولذلك ساروا في نهج تبنوه والذي ترتاح اليه ايران كمنافسة اساسية ل USAفي العراق!
لذلك يتساءل المرء:ماهذا الذي يحدث في USA؟ ما هذه " الخربطة " التي تعيش فيها السياسة الخارجية الامريكية؟ هل هذه هي تصرف الدولة التي وصفت بانها " القوة العظمى الوحيدة"في العالم وهي تتلقى ضربات موجعة في العراق ، أفغانستان ، اسرائيل ، كوريا الشمالية ...الخ؟ ماذا على USAان تفعلها لكي تستعيد دورها الريادي في العالم وبالاخص في العراق؟

للاجابة على هذه التساءلات طرح ( جو بايدن ) نائب الرئيس الامريكي ارائه في مقالة مهمة في صحيفة ( نيويورك تايمس NYTimes) في 20/11/2010بعنوان:
)What We Must Do For Iraq Now?ما يتعين عمله من أجل العراق الان؟)

بدأ ( بايدن) مقالته بالقول ان الادارة الامريكية ومنذ الانتخابات 7 اذار 2010ترى " ان الشعب العراقي يستحق حكومة تعكس نتائج تلك الانتخابات" وهذا يثير التساءل الاتي: هل الادارة الامريكية عملت في هذا الاتجاه في الفترة السابقة ومنذ انتهاء الانتخابات؟ ام انها عملت على خلق حالة لا تعير كثيرا لنتائج الانتخابات بل تهتم بمسألة " ارضاء " الاطراف المشاركة دون الاهتمام برأي الشعب الذي عبر عنه في الانتخابات؟

ان الفترة التي اعقبت الانتخابات والى الان ( اكثر من 8 أشهر) تشير الى الواقع العراقي المضطرب وغير مستقر بسبب خروقات دستورية خطيرة ابتداء من التفسير المسّيس للمحكمة الاتحادية العليا للمادة 76 من الدستور المتعلقة بمسألة ( الكتلة النيابية الاكثر عددا)والذي غير اتجاه السياسة العراقية من حجب الحق عن القائمة الفائزة في تشكيل الحكومة.وهذا ماأدى الى اضطراب وتشويش في الواقع السياسي العراقي ولم تتمكن الادارة الامريكية من حسم الموقف على الرغم من زيارة عدد من كبار المسؤولين فيها للعراق ومن بينهم (بايدن)نفسه.
كل هذا لم يؤدي الى النتائج المرجوة ولذلك يكتب (بايدن) :
" ... وبينما لعب الرئيس اوباما وأنا – وفريق بارز من المسؤولين الامريكيين في واشنطن وبغداد- دورا نشطا في دعم هذه الجهود ، فان الخطوات الاكثر أهمية جاءت من قبل زعماء الاحزاب السياسية الرئيسية في العراق.وهذا الانجاز الذي توصلوا اليه هو اخر وأقوى دليل على التطورات المهمة التي يشهدها العراق ، وعلى مدار العاميين الماضيين ، حيث برزت السياسة بوصفها الوسيلة المهيمنة لتسوية الخلافات وتحقيق المصالح."
ولكن هذه الجهود لم تكن ناجحة تماما كما يؤكد على ذلك (بايدن) حيث يقول:
" وخلال الاشهر الماضية ، بذلت القيادات العراقية جهودا مضنية للتوصل الى حلول لعدد من القضايا الشائكة ، من بينها الخلاف حول من يحق له الترشح لمنصب الرئاسة او المشاركة في الحكومة الجديدة والتعامل مع التحديات المتعلقة بنتائج الانتخابات وترتيبات تقاسم السلطة ، من دون اللجوء الى العنف.ولم تكن هذه الجهود ناجحة تماما..."
ان هذه التحديات مازالت قائمة فكيف تتصرف الادارة الامريكية وهي دولة لها مسؤولياتها في اطار القانون الدولي وقرارات UNتجاه العراق؟
في رأي (بايدن) فان العراق يواجه تحديات هائلة في سبيل تحقيق الامن والازدهار وان الخطوة التالية في رأيه هي وفاء الحكومة العراقية الجديدة بالتزاماتها التأريخية المتعلقة باقتسام السلطة.
ماذا يعني هذا؟
حسب رأي (بايدن) فان هذا يعني (انشاء مجلس وطني جديد للسياسات العليا) .
ان هذا التوجه يعني ان الادارة الامريكية لم تتمكن خلال المباحثات من ان تفرض رأيها في كيفية تقسيم السلطات في العراق او كيفية المشاركة فيها ، لذلك فانها الان ترجع الى ذلك الاتفاق بين الاطراف الرئيسية في العملية السياسية العراقية والذى جرى قبل انعقاد اجتماع البرلمان العراقي في 11/11والذي تضمن انشاء المجلس المشار اليه. وهذا مؤشر مهم على ضعف التأثير الامريكي في العملية السياسية العراقية قياسا الى قوة الاطراف الدولية الاخرى وبالاخص ايران.

اذن تحاول الادارة الامريكية وأمام الواقع السياسي العراقي المعقد ان تحمل الجانب العراقي مسؤولية معالجة وضع كانت هي السبب الاساسي في تدهوره وانحداره الى هذا الوضع الخطير الذي نشاهده الان.

وعليه فان التساءل الذي يبرز هنا يتعلق بمسؤولية USAفي العراق ومايجب عليها ان تقم به؟

هناك عدد من المهمات يحاول (بايدن) الاشارة اليها وتتلخص فيما يأتي:

• يتعين على USAمواصلة دورها في تعزيز التقدم في العراق وان هذا الدور قد تغير طبيعته من طبيعة عسكرية الى طبيعة مدنية

• تقديم المشورة والمساعدة للعراق في مكافحة الارهاب


• المحافظة على وجود دبلوماسي في جميع انحاء العراق وفقا لاتفاق الاطار الاستراتيجي

• بناء شراكة داينميكية مع القطاعات الحكومية العراقية في المسائل المتعلقة بالتعليم والطاقة والتجارة والصحة والثقافة وتكنولوجية المعلومات والامن والقضاء


• مواصلة دعم قوات الامن العراقية لانها ليست مؤهلة تماما للعمل
• مساعدة القادة العراقيين في مواجهة مجموعة من التحديات تنتظرهم ومنها:1- اجراء تعداد عام للسكان ، 2- زيادة سرعة دمج قوات الامن الكردية في قوات الامن العراقية ، 3- الوفاء بالالتزامات تجاه ابناء العراق (ويقصد السنة) ، 4- حل النزاع الحدودي الداخلي وتحديد مستقبل مدينة كركوك ، 5- اقرار قانون النفط والغاز الذي يعيد توزيع العائدات بهدف تحقيق أقصى قدر من الاستفادة لجميع العراقيين ، 6- تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال فتح الباب للاستثمارات الاجنبية وتنمية القطاع الخاص ، 7- اقرار الميزانية ، 8- انهاء التزامات العراق تجاه UNوالمتعلقة بحرب الخليج.

• الطلب من الكونكرس الموافقة على الطلبات الواردة في الميزانية والمتعلقة باستمرار الدعم الامريكي للعراق


• سحب القوات الامريكية من العراق مما سيوفر 15مليار دولار في السنة القادمة وتوجيه 5 مليارات دولار من هذا المبلغ لدعم قوات الامن العراقي.

في هذا الاطار العام للسياسة الامريكية في العراق في الفترة المقبلة نلاحظ انها تؤكد على مسائل الخدمات والاقتصاد والتعليم ولكنها حذرة جدا في المسائل السياسية الرئيسية ومنها العملية الديمقراطية وحقوق الانسان.

ان هذا التوجه الجديد – القديم للسياسة الامريكية يعطي مجالا لتوجيه تساءل مهم يتعلق بالتزامات الادارة الامريكية تجاه عملية البناء الديمقراطي والتي اساسا تبد ا من اجراء انتخابات نزيهة شفافة والالتزام التام والدستوري بنتائجها لانها هي البداية حقيقية لدولة عصرية حديثة بعد عقود من الحكم الفردي والتسلطي وبدون هذا الالتزام فان الادارة الامريكية "ستستسلم"للواقع السياسي العراقي المعقد والمتشابك والمعاكس للفكرة الاساسية للادارة الامريكية في بناء وازدهار الديمقراطية وحقوق الانسان.
وهذا هو الشيء الاساسي والجوهري المطلوب من USA العمل على تحقيقه والا فان هناك احتمالات اصابتها بنكسة خطيرة في العراق ( اضافة الى احتمال نكسة في أفغانستان ) ستؤثر حتما بمقومات استراتيجيتها في الامن الوطني الذي طرحه الرئيس (اوباما) في مايس 2010.
Top