قراءة في الاستراتيجية الوطنية الامريكية الجديدة
البروفيسور شارلس كوبجان ( Charles A.Kupchan ) في مؤلفه المهم ( The End of the American Era) الصادر في 2003 يصف أمريكا في عهد الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن بكونها( روما الجديدة new Rome) بمعنى عصر اعادة امتداد وتوسع الامبراطورية الرومانية القديمة واعتبر حرب العراق 2003ونتائجها بمثابة بداية ل (قرن امريكي American Century).
وقد حددالبروفيسور شارلس كوبجان ( Charles A.Kupchan) ثلاث مبادىء أساسية للسياسة الخارجية الامريكية في عهد بوش كالاتي:
• كلما كانت امريكا قوية وغير مستعدة للمساومات كلما كانت الدول اخرى مستعدة للتعاون معها
• افتراض ان دولة بقوة امريكا لاتحتاج الى مؤسسات دولية
• افتراض ان قوة امريكا هي كافية في التغلب على المشاكل الدولية وبهذا فانها ليست بحاجة الى دعم الحلفاء
لقد واجهت ادارة الرئيس الامريكي الحالي (باراك اوباما) هذه المعضلة ولحلها اتبعت سياسة خارجية جديدة كجزء مهم من استراتيجية الامن الوطني الامريكي وسميت هذه السياسة ب (سياسة القوة الناعمة Soft Power ).
ولكن تتابع الاحداث أظهرت وجود حاجة فعلية لاعادة النظر في السياسة الامريكية بصورة جذرية وقد بدأ الرئيس (أوباما) وعلى أساس وعد انتخابي بتشكيل مجموعة عمل لوضع اسس جديدة لاستراتيجية الامن الوطني الامريكي. بعد عمل استغرق 16 شهرا قدمت المجموعة رؤيتها التي وافقت عليها ادارة الرئيس (اوباما) واعلنها للراي العام في 26 مايس 2010.
وعند اعلان تلك الاستراتيجية قال الرئيس الامريكي ( أوباما) :
" مرة اخرى في تأريخنا الوطني ،فان الامريكان نهضوا ليواجهوا لحظات التغيير.ولحظتنا هذه يجب ان تكون واحدة من تلك اللحظات. نحن نعيش في زمن من التغيير الكاسح.ان نجاح الشعوب الحرة ، السوق الحرة ، والتقدم الاجتماعي في العقود الراهنة قد أدت الى تسارع العولمة بمستوى غير مسبوق .وهذا مما فتح الابواب من الفرص حول العالم وامتداد الديمقراطية لمئات الملايين من البشر وجعل من السلام ممكنا مابين القوى الكبرى.ولكن العولمة ادت ايضا الى زيادة مخاطر نواجهها نحن – من الارهاب الدولي و انتشار التكنولوجية القاتلة الى اقتصاد مضطرب وتغييرات في المناخ. ... والان ونحن نحارب الحروب التي امامنا يجب علينا ان نرى ابعادها- نرى عالما فيه امريكا قوية ، اكثر امانا ، ولها القدرة لتجاوز التحديات ... وللوصول الى هذا يجب علينا ان نتبع استراتيجية للتجديد الوطني والقيادة العالمية ، استراتيجية تعيد بناء اسس لقوة وتأثير امريكا."
وهنا نتساءل :
ماذا تضمن تقريرالاسترتيجية الجديدة للامن الوطني الامريكي 2010؟
1. المبادىء الموجهة وتتضمن اولويات هذه الاستراتيجية والتي يمكن ايجازها كالاتي:
• ضمان أمن الشعب الامريكي وحمايته من المخاطر والتهديدات في القرن 21وبالاخص التهديدات الارهابية ووضع الخطط لحالات الطوارىء؛
• تطوير الحقل الاقتصادي وزيادة الاستثمار بقوة واجراء اصلاحات رأسمالية وتسهيل مساهمة القطاع الخاص كشريك قوي في التوجه الوطني نحو الوقاية والتهدئة والاستجابة مما سيؤدي الى تقوية الاقتصاد الامريكي في اطار نظام اقتصادب عالمي مفتوح ؛
• الالتزام بصدقية الولايات المتحدة تجاه قيمها ومبادءها واحترام هذه المبادىء في الداخل وحول العالم ؛
• اقامة نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة الامريكية والذي يرسخ السلام والامن من خلال تعاون قوي لمواجهة التحديات العالمية.
2- نظرة عامة على التقرير الاسترتيجي الامريكي
لقد تضمن التقرير العديد من الافكاروالمبادىء نلخصها كالاتي:
• العالم كما هو ، استراتيجية لعالم نحن نبحث عنه:
تؤكد الاستراتيجية الجديدة بأنه لكي ينجح
الامريكان عليهم ان ينظروا الى العالم كما
هو.
وتوضح هذه المسألة كالاتي:
منذ عقدين من الزمن وبانتهاء الحرب
الباردة تميز العالم ب :
+ بالامل والتغيير؛
+ توسع حلقة الدمقرطة السلمية ؛
+ تلاشي شبح الحرب النووية ؛
+ تعايش القوى الكبرى بسلام؛
+ نمو الاقتصاد العالمي ؛
+ توثيق العلاقات بين الامم عن طريق
التجارة ؛
+ زيادة عدد الافراد الذين يتمكنون من
مصيرهم بأنفسهم؛
ولكن هذه المزايا والملامح الايجابية تواجه أخطارا ومشاكل مستمرة ومنها:
+ اثارة الحروب لاسباب دينية ، اثنية ،
الهويات القبلية؛
+ ازدياد الخطر النووي؛
+ زيادة عدم المساواة وعدم الاستقرار
الاقتصادي؛
+ تلوث البيئة؛
+ زيادة عدم الامان الغذائي ؛
+ زيادة المخاطر الملحقة بالصحة العامة .
ويؤكد التقرير بان "الجانب السوداوي" لهذا العالم المعولم ألحق بالشعب الامريكي في 11سبتمبر 2001مما فرض علينا طريقة قوية وفعالة للدفاع عن أمريكا.
ويضيف التقرير بأنه في السنوات الماضية كان على امريكا خوض حرب ضد القاعدة وتقاتل في العراق وتكافح ازمة اقتصادية حادة وبصورة ادق يؤكد التقرير " وبصورة أوسع ان نكافح حول كيف ندفع بالمصالح الامريكية قدما للامام في عالم بدأ يتغيير – عالم يبدو فيه ان الملامح الدولية للقرن العشرين بدأت تنهار تحت وطأة ثقل التهديدات الجديدة ، وأن الاقتصاد العالمي اثر على تسارع المنافسة المواجهة لشعبنا والتجارة ، وأن التطلع العالمي نحو الحرية والكرامة بدأ يحتوي على عراقيل جديدة."
ويؤكد التقرير ان أمريكا تمتلك خصائص دعمت قيادتها منذ عقود ومن هذه الخصائص:
+ تحالف قوي ؛
+ قوة عسكرية لانظير لها ؛
+ اقوى اقتصاد عالمي ؛
+ ديمقراطية قوية و متطورة ؛
+ مواطن ايجابي نشيط .
واستنادا الى ماجاء اعلاه فان التقرير يستنتج بأنه " وبدون شك فان الولايات المتحدة الامريكية ستستمر في ضمان الامن العالمي"وهذا يتحقق من خلال التمسك بالتزامات USA تجاه حلفاءها وشركاءها والمؤسسات ومن خلال التركيز على هزيمة القاعدة وأتباعها في افغانستان وباكستان وانحاء اخرى من العالم ؛ واصرارها على منع العدوان ومنع انتشار الاسلحة الاكثر خطورة في العالم."
ولكن التقرير يصل الى استنتاج مهم وهو :" وعندما نعمل على هذا فاننا يجب ان نقر بانه لايوجد شعب واحد – مهما بلغ من القوة – يمكن له ان يواجه التحديات العالمية لوحده.وكما عملنا بعد الحرب العالمية الثانية ، فانه على USA ان تعمل على الاعداد للمستقبل ‘ في الحين ان منهج صياغة التعاون بين الشعوب يمكن ان تؤخر النتائج"
ولهذا فان استراتيجية USA تركز على تجديد قيادة USAللعالم بحيث تتمكن من دفع وحماية مصالحها في القرن 21.ولتحقيق هذا فان USA تعمل على :
+ تقوية مصادر قوتنا في الداخل ؛
+ بناء نظام عالمي يمكن ان يواجه تحديات عصرنا .
ان هذه الاستراتيجية تقر بالترابط الاساسي مابين الامن الوطني والتنافس الوطني والمرونة والنموذج الاخلاقي.
ان هذه الاسترتيجية ، كما يؤكد التقرير، تجدد التزام USA بتحقيق اهدافها من خلال نظام عالمي يكون فيه لكل الشعوب حقوق وواجبات معينة.
ان هذا الوضع سيساعد USA على تقوية ارتباطها الخارجية لاجل عالم يتمتع فيه الافراد بحرية وفرصة اكبر و يحفز الشعوب للعمل بمسؤولية وبخلافها فانها ستواجه النتائج الناجمة عن عدم قيامها بمسؤوليتها.
(2-2)
• تجديد القيادة الامريكية : بناء في الداخل وتطور في الخارج
يحاول (اوباما) في منهجه الجديد ان يركز على الالتزام ببناء اساس قوي للقيادة الامريكية في الداخل حيث ان هذا سيقرر قوة USA ونفوذها في الخارج.وهذه الحقيقة ستترسخ فقط في عالم متفاعل ومترابط - عالم يكون فيه تطورUSA ونجاحها مرتبط بشكل لامحال فيه بالتطور والازدهار العالمي. ولذلك فان امن USA يمكن ان يهدد مباشرة عبر المحيط وان افعالها ونشاطاتها مراقب بدقة من قبل اعدائها.
ان من أهم جهودUSA هو الالتزام بتجديد الاقتصادالذي يعتبر معين لاينضب wellspring لقوة USA.ان الشعب الامريكي يواجه (ومنذ أزمة الكساد الكبرى في عشرينيات القرن الماضي) اكبر أزمة اقتصادية ويبدو انه بدأ يخرج من هذاالكساد المدمر devastating recession .
وفي نفس الوقت يعمل (اوباما)على بناء اساس راسخ لنمو طويل الامد لاقتصاد USA الذي يجب ان تعمل الحكومة الامريكية على زيادة الاستثمار بما يؤدي الى المساهمة في تقوية مكانة USAفي العالم . وهذه يمكن ايضا احرازها عن طريق توفير فرصة متساوية للتعليم للاطفال الامريكان ، وتشجيع العلم والابداع ، وتحويل قوة الاقتصاد الامريكي الى مستوى توفر فرص جديدة للعمل وللصناعات ، وخفض تكاليف العناية الصحية للشعب الامريكي ، وأخيرا وليس اخرا تخفيض العجز في الميزانية الفيدرالية.
وهكذا فانه ومن خلال هذه الخطوات ستدعم وتقوي القابلية الامريكية في قيادة العالم.
ان العمل لاجل بناء اساس قوي للقيادة الامريكية في داخل امريكا يؤكد بان افضل وسيلة فعالة ل USAهي في تقوية القيم الامريكية عن طريق تفعيل هذه القيم في الحياة الامريكية.ان الالتزام الامريكي بالديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون هو مصدر اساسي في قوة وتأثير USAفي العالم.وهذه القيم يتم تصقيلها عن طريق رفض الالتجاء الى التعذيب الذي لا يتماشى مع تلك القيم وعن طريق مواصلة العدالة المنسجمة مع الدستور.
ان بناء هذه الاسس القوية ستساعد USAفي بناء نظام عالمي يواجه تحديات العصر.
هذا التوجه الامريكي يشبهه التقرير الاسترتيجي الوطني الامريكي بما بذلتهاUSAبعد الحرب العالمية الثانية من الجهود في اقامة نظام عالمي جديد للحفاظ على الامن والسلام الدوليين – وهذه الجهود تتمثل في خطوات بدأت في انشاء NATO و في UNالى تلك المعاهدات التي تتحكم في قوانين وأسلحة الحرب وكذلك في انشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتوسيع الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة.
ان هذه السياسة وعلى الرغم من الثغرات الموجودة فيها ، تمكنت من اعطاء الفرصة لنمو اقتصادي مهم ولتقدم واضح في مجال حقوق الانسان وفي نفس الوقت اعطاء مجال واسع لحلفاء وشركاء USAللعمل بفعالية في UN.
والان ، كما يشير التقرير ، فانه من الواجب النظر بعين ثاقبة الى قوة ونقص المؤسسات الدولية التي اقيمت لاجل التعامل مع تحديات فترة تأسيسها.
وسيصبح الامر كارثة لكل من الامن الامريكي والامن العالمي اذا ما تحججت USA بظهور التحديات الجديدة ونقص وعجز النظام الدولي لاجل سحب نفسها من هذه المشاكل.
بالعكس ، كما يؤكد التقرير، فانه على USA التركيز على تقوية المؤسسات الدولية والعمل الجماعي لخدمة المصالح العامة للجميع – مثل مكافحة العنف المتطرف ، منع انتشار الاسلحة النووية ، تحقيق توازن اقتصادي،وايجاد حلول جماعية للتهديد الناجم عن تلوث البيئة. مكافحة الامراض والاوبئة .
واول خطوة في هذا الاتجاه يكون في التعاون USAمع الدول الاخرى وبالاخص مع حلفائها في اوروبا واسيا والقارةالامريكية والشرق الاوسط.ويركز التقرير على كل من :الصين ، الهند ، روسيا ، البرازيل ، جنوب افريقيا واندنوسيا كمراكز مؤثرة اخرى( الى جانب الحلفاء ) حيث على الجميع العمل بصورة جماعية في القضايا الثنائية والمتعددة التي تهم العالم.
اذن فان جهود USAهي في سبيل الالتزام بنظام دولي يستند على الحقوق والواجبات والمسؤوليات وان المؤسسات الدولية عليها ان تكون اكثر فعالية لكي تتمكن من ان تمثل القرن 21.
• اولويات الامن الوطني الامريكي
ان استراتيجية الامن الوطني الامريكي تركز كذلك على تسهيل العمل المباشر حول الاولويات الاساسية.
ان الادارة الامريكية تؤكد بعدم وجود مسؤولية اكبر من مسؤولية توفير الامن والامان للشعب الامريكي.وانه لايوجد تهديد اكبر للشعب الامريكي من تهديد اسلحة الدمار الشامل وعلى الاخص امتلاك الاسلحة النووية من قبل المتطرفين.
ولذلك فان USAتركز على أجندة تتضمن منع انتشار الاسلحة النووية منطلقا في هذا من حقوق ومسؤولية كافة الامم. وهكذا فانها تتوجه نحو تعزيز معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية (NPT)والعمل على ضوء هذه المعاهدة لمحاسبة كل من ايران وكوريا الشمالية لفشلهما في الاستجابة للالتزامات الدولية.ان USAتعمل على تنسيق الجهود الدولية لضمان عدم وقوع المواد النووية بيد الارهابيين.وبهذا فانها ايضا تعمل على محاربة شبكة عريضة من المتطرفين.وهكذا فان USAعلى هزيمة القاعدة وحلفائها من خلال استرتيجية شاملة لاتعطيهم المجال للتمتع بملاذ امن.
وبالنسبة للعراق فان التقرير يشير الى ان USAتعمل لعراق متمتع بالسيادة الكاملة ويتحمل مسؤوليته كدولة مستقلة.وفي هذا المجال فان هناك سحب للقوات الامريكية ، تقوية كفاءة الوجود المدني الامريكي ، واقامة شراكة طويلة الامد مع الحكومة العراقية. وسوف تواصل USAجهودها في سبيل سلام مابين اسرائيل وجيرانها ومن ضمن هذه الجهود العمل على حل الدولتين.
وهكذا فان USAفي جهودها نحو تعزيز الامن فانها تعلن دعمها لقيم معينة تمثل قيما عالمية.ان الامم التي تحترم قيم حقوق الانسان والديمقراطية هي من اكثر شركاءها قوة ونجاحا وان الافراد الذين يتمتعون بهذا الاحترام فانهم الذين لهم القدرة على تحقيق كل مايصبون اليه.ان من مصلحة USAمساندة ودعم السلام العادل في العالم. وهذه تنطلق من القيم الامريكية التي يجب اولا ان تكون مطبقة في الداخل ولاتريد ان تفرضها في الخارج بالقوة ، بل ان USA تعمل على تقوية القواعد الدولية الخاصة بحقوق الانسان وفي نفس الوقت ترحب وتدعم كل الحركات الديمقراطية السلمية.
ان جهود USAلبناء نظام دولي يعزز سلام عادل ، يجب ان تمنح الفرصة في سبيل تعاون قابل لمواجهة مشاكل العصر. ان هذا النظام يساند مصالح USA.
ان تطبيق هذه الاسترتيجية هو ليس بالامر السهل بل يجب لاجل نجاحها ان نوازن العوامل الداخلة في بناء القوة الامريكية وتجديد قابلية USA في المجال الامني لمواجهة القرن 21.