بعد فاجعة ابن الخطيب.. هل تحولت المستشفيات العراقية إلى منشآت رسمية لقتل المواطنين؟
وفُجع العراقيون، مساء السبت، بحريق هائل اندلع في مستشفى ابن الخطيب في العاصمة بغداد، راح ضحيته 82 قتيلاً و110 مصابين، بحسب آخر إحصائية لوزارة الداخلية.
وقال مدير الدفاع المدني كاظم بوهان لوكالة الأنباء العراقية، إن الحريق وقع في الطابق الأوسط المخصص لإنعاش المرضى، وأضاف أن المستشفى يضم 120 مريضا وتم إنقاذ نحو 90 منهم.
وأكد المسؤول نفسه أنه تمت السيطرة على الحريق وإخلاء المستشفى من كل الموجودين به، إذ أن المستشفى قديم ولا يحوي منظومة لإطفاء الحرائق، وبه فقط وسائل إطفاء بسيطة لا تفي بالغرض.
وسلط تصريح المسؤول العراقي، الضوء على البنى التحتية للمستشفيات العراقية التي بُني أغلبها خلال الحقب الماضية وفق أنظمة قديمة لم تعد ملائمة للوقت الحالي، بسبب التطور الكبير الذي طرأ على مهنة الطب وإدارتها.
وينقل مستشفى ابن الخطيب الأوكسجين عبر الأنابيب أو القناني المحمولة، وهي طريقة انتهت عالمياً تقريباً، خاصة وأن المستشفى يخلو من أجهزة استشعار الحرائق، والمنظومات الخاصة.
ولا تكمن مشكلة المستشفيات العراقية في نقص الكوادر الطبّية والأجهزة والأدوية فحسب، بل تتعداها إلى تهالك البنية التحتية، وتحول المستشفيات إلى أماكن موبوءة بالأمراض، وهو ما يجعل المرضى في خطر.
ورغم الموازنات الضخمة السنوية لقطاع الصحة في العراق، إلا أن التراجع في القطاع ما زال ملازماً للحكومات المتعاقبة في البلاد، وتبقى المستشفيات على حالها ما قبل عام 2003 والتي تعود بطبيعة الحال إلى ثمانينيات وسبعينيات القرن الماضي، ما يسبب ارتفاع عدد العراقيين القاصدين لدول أخرى للعلاج أو إلى إقليم كوردستان.
وتشير أرقام تقديرية إلى أن عدد المراكز الصحية الرئيسية والفرعية في العراق، يبلغ 2765 مركزاً، ما يجعل العراق بحاجة إلى 3000 مركز صحي إضافي لمواكبة المعايير الدولية.
وبحسب الأرقام التي أوردها الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2016، يوجد في العراق 260 مستشفى حكومي (عدد منها خرج من الخدمة نتيجة الحرب ضد تنظيم داعش وتحتوي قلة منها على وحدات العناية المركزة)، و121 مستشفى أهلي (الأغلبية الساحقة منها تقدم خدمات محدودة، وأسعارها باهظة إلى حد جعلها خارج متناول عامة المواطنين وتفتقر إلى غرف العناية المركزة).
وهذا العدد من المستشفيات يغطي ما يقدر بنحو 40 مليون نسمة بحسب تقديرات وزارة التخطيط العراقية لعام 2019.
وخلال السنوات الأربع الماضية، شهدت المستشفيات العراقية عدة حوادث مشابهة، راح ضحيتها مجتمعة عشرات المواطنين بين قتيل وجريح.
ففي العام 2016، نشب حريق في مستشفى اليرموك، وأدى إلى مقتل 13 طفلا وإصابة سبعة آخرين وأكثر من أربعين إمرأة، في حين تمكن الدفاع المدني من السيطرة عليه وإنقاذ كثير من المرضى.
كما تعلن مديرية الدفاع المدني، بين الحين والآخر، عن عمليات إطفاء حرائق داخل المستشفيات التي تفتقر لأنظمة إطفاء مركزية.
وانعكس تفشي وباء «كورونا»، على واقع المستشفيات في العراق بشكل سريع، إذ سرعان ما انهارت غالبية المستشفيات بفعل نقص الأوكسجين والأدوية وقلة المستلزمات الخاصة بالعناية بالمرضى، ما دفع دولا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ودولة قطر إلى تقديم مساعدات طبية عاجلة للعراق لمساعدته في القطاع الصحي.
وقالت موظفة في قطاع صحة الرصافة، إن «ما يحصل داخل المستشفيات أمر مؤسف ومخجل بكل ما تعني الكلمة، بسبب سيطرة الإقطاعيات السياسية على الواقع الصحي، وتحكمهم في القرارات المصيرية، وهذا ما يؤدي إلى كوارث كما حصل في واقعة مستشفى ابن الخطيب».
وأضافت الموظفة، التي طلبت إخفاء هويتها، أن «الوزارة أصبحت تابعة لجهة سياسية معينة، وهي من تصدر أوامر التعيين والإقصاء، دون الاعتماد على الكفاءة والمهنية والقدم، مع منح المقاولات الخاصة بالأدوية وإنشاء البنى التحتية إلى الشركات الرديفة التابعة لها، والتي تنفذها غالباً بشكل خاطئ، للحصول على مكاسب مالية».
وتابعت، أن «الواقع الحاصل في الصحة ينذر بانهيار حتى المنظومة السياسية، لما يسببه من ضرر على حياة المواطنين».
وعلى الرغم من أن العراق يقترب عدد سكانه من 40 مليون نسمة وبموازنات انفجارية تزيد على 170 تريليون دينار (الدولار = 1448 دينار)، إلا أنه لا يمتلك سوى ما بين 400 و450 سرير للعناية المركزة، في وقت تحتاج فيه المستشفيات لأكثر من 5000 سرير في ظل انتشار جائحة «كورونا» وانتشار الأمراض والأوبئة الأخرى.
وأدت قلة الخدمات العامة ونقص الكهرباء والرعاية الصحية والماء إضافة إلى الفساد المستشري في البلاد إلى سلسلة من التظاهرات والاحتجاجات في الأعوام القليلة الماضية.
basnews