• Friday, 03 May 2024
logo

الربيع العربي و صناديق الأقتراع ووصول الأسلام السياسي الى السلطة

الربيع العربي و صناديق الأقتراع ووصول الأسلام السياسي الى السلطة
ترجمة/ دارا صديق نورجان


عندما سألت(نيجة) عن الربيع العربي، فقد نظر اليَ بشكل مخيف، و قد خفت أيضا عندما تراجع عنه عدة خطوات وأعتقدت أنه سوف يضر بنى، حدث ذلك عندما شاهدته في سوريا وكان ينوي صعود الجبال الشاهقة لأستنشاق هواء صاف لم تلوثه أنفاس بعضهم.. لا شك في أنه ليس بأمكان(نيجة) أن يتحدث ، بصورة فلسفة ما لم يكن الأفق مفتوحا أمامه.. لذا فقد كانت أعالي الجبال الشاهقة في سوريا بالنسبة له موقعا مناسبا جدا ليرد على سؤالي.. لذا فقد سألته: أين هو الربيع العربي وهل رأيت أنت ربيعا يعيد كل هؤلاء الشيوخ والمريدين الى الساحات يحتل جميع البرلمانات والوزارات والقنوات الفضائية.. ترى هل أن الغنوشي هو الربيع أم محمد بديع أو رئيس الأتحاد العالمي لمجموعات الأخوان المسلمين؟ أيها العرب هل هو فهمكم للربيع؟ أنا والله لا أعيش معكم على قول واحد( ثم غير (نيجة) وعلى حين غرة وصفه وأسلوب حديثه و قال: هل ترى أن هناك شخصا ينشغل مثلي بالمسائل الفلسفة الكبرى و يتمكن من الأهتمام بأحداث جانبية مثل الربيع العربي و ما شابه؟ والتي لا تعدو كونها زوبعة في فنجان أو فقاعة من ماء.... ما يتطلب هنا أن تهز هزة مثل الثورة الفرنسية جميع الكون... ثم يدخل حلقة ومجال أهتماماتي الفلسفية .
هاشم صالح- المثقف العربي المعروف
يربط هاشم صالح في مقال بأسم نيتشة والربيع العربي، نشره يوم 5 نيسان 2012 المناظر الملفته للربيع العربي بفكر(نيتشة) ذلك الفكر الذي يغدو فيما بعد أساس الأعمال الفلسفيه(ميشيل فوكو) حيث تربى في تلك العديد من فطاحل المثقفين العرب أمثال (محمد أرغون) و أدوارد سعيد، ثم أن هاشم صالح هو أحد الأصدقاء المقربين من أولئك المثقفين و يوافق أسمه أسم محمد أرغون لأنه ترجم معظم النتاجات الى العربية، وقد نشر بعضها تزامنا مع طبيعتها الفرنسية لذا فعندما يدمر هاشم صالح، مثل أساتذته، الطبقات العليا لنتاجات الربيع العربي، وفق و يميز الربيع العربي كمصطلح نادر ضمن الجمل والمسائل المتراكمة فوق بعضها البعض ويضعها أمام ... نيتشة، بهدف أعادة أنتاجها، صعودا من حلقة المغامرة وفكر فوكو مثل(أركيولوجيا المعرفة، الكلمات وأشياء..الخ أو مثل أركون في إعادة أنتاج ونقد العقل الأجتهادي، من منهاتن الى بغداد، الفكر الأسلامي، وقراءة علمية.. الخ و مثل أدوارد سعيد في إعادة نتاجات الأستشراق، النقد والفحص، القلم والسيف و..الخ إلا أن عمل هاشم صالح على المظاهر العجبية لراهن الربيع العربي إنما سائر باتجاه تدمير تلك المناظر المتراكمة بعيدة العلاقة، من قريب رفيعة المستوى لمعنى الربيع العربي كربيع لأمة ما للوصول الى الحرية والمساواة وحماية كرامة الأنسان يقصد أن يقارن كل ذلك وينوي أن يقول لنا: إن التحولات التي حدثت والنتاجات النابعة من تلك التحولات إنما لا تستحق أن تسمى(ربيع) فالربيع الأعتدال و الثقافة والوصول الى العقلانية والفصل بين الدين والدولة و إعادة النظر ثانية والتمعن في تطورات العالم و تقدمه وفي المواطنين العرب بأعتبارهم، كما السكان الآخرون على هذه الأرض، يستحقون و مؤهلون للسير نحو العقلانية والتثقيف والديمقراطية و حماية كرامة الأنسان وأن يصوغوا قوانينهم بأنفسهم وليس بعكس أيام( ).
والعودة الى مسألة خلط الدين بالدولة وإعادة تسليم السلطة، وعن طريق صناديق الأقتراع، الى مختلف التيارات والأطراف الأسلامية السياسية لذا فعندما يشير في سياق أسترداد أفكار نيتشة و تصوراته و يقول: أنتم العرب والله لا تعيشون معى فوق كوكب واحد إنما يقصد أن الربيع قائم فوق هذا الكوكب والفصل بين الدين والدولة وليس تسييس الدين ثانية والعودة الى تشكيل أو قيام الدولة الدينية كما كانت في القرون الوسطى في أوربا. إن تصور هاشم صالح في أن هذا الجانب لا يسعه الفكر المعاصر إن جاء لأن ما يسمى(الربيع العربي) لم يتمكن من أيجاد تلك الهزة العنيفة التي أحدثتها الثورة الفرنسية وهزت العالم أجمع و يسميها(هيغل) نهاية التأريخ والذي يعني نهاية الحروب والأختلاف وأنعدام العدالة وأعلان حقوق المواطنة وحقوق الأنسان أي بداية تأريخ يعيد كتابة(الحرية والأخوة والمساواة) الراسخة في ضمائر الناس وأندلاع ثورة تشبه الثورة الفرنسية لهذا الغرض ويستحق أن يكون موضع أهتمام جميع فلاسفة العالم... حتى لو تعرضت أثناء ممارستها الى جملة أخطاء لأن الأخطاء والنواقص قابلة للتصحيح أما أن تتسبب أنتفاضة أو ثورة كتلك التي تسمى(الربيع العربي) في أجتثاث جذور دولة مدنية وتدميرها، فإن ذلك يتطلب، ومن الآن ترقب الأحداث المستقبلية الخطيرة لا أن تنتظر منها إنتاج وتوفير الديمقراطية والحرية و حماية حقوق الأنسان و كرامته...

الديمقراطية من وجهة نظر الأسلام السياسي وليس الدين من وجهة نظر الديمقراطية.

كثيرا ما يجري الحديث عن العلاقة بين الدين والديمقراطية، ويتزامن ذلك مع نوع من التحايل على فكرة فهم القيم الديمقراطية والمقارنة بين الأسلام السياسي وبين الديمقراطية و ينتقل هذا التحايل الى التحايل على فهم فكرة الدولة المدنية وخلطها مع الدولة الدينية وهو حر في كيفية ممارسة بينما نجد في الدولة الأجتماعية أو بالأحرى السيوقراطية أن الدين هو دين الدولة و يصبح قانونا للدولة والتي تكيف الدين و تجعله قانونا يوافق مصالحها.. هنا وعلى العكس من الدولة المدنية نرى أنه بدل أن يتولى المواطن سيادة الدولة والحكم يصبح عبدا خاضعا للأوامر بأعتبار أن الزعماء والقادة يطبقون أوامرالله وعلى الجميع أن ينصاعوا لتلك الأمور..
ما يحدو بالناس هنا أن يختاروا ، وبآلية ديمقراطية، نوعاً من الحكم يكون فيه حرا في تحديد حرياته وفق مصالح الحاكم وخير مثال على ذلك هو أنعكاس هذا المنحى على تصورات الأخوان والسلفيين في مصر حيث يوفر كل من هاتين المجومعتين نوعاً من الحريات دون غيرها بالعودة الى النصوص الدينية..... لذا فلن يكون هناك تفسيران مختلفان سياسيا إزاء الحريات بين الجانبين الأسلاميين بغياب تسييس الأوامر ما يعني أنه لو وصل السلفيون الى السلطة فأنهم سيضيقون الحدود أكثر مما يفعل الأخوان.. وهذه تعتبر أشارة الى أن أي طرف يسيس الدين إنما يبدي تفسيره السياسي للنصوص الدينية ويفرضه على الناس وكأنه أمر إلهى ويتم في كل ذلك أقحام مثل هذه التفاسير و التوجهات في الديمقراطية و ذلك بالتحايل أيضا على القيم الديمقراطية.. والسبب في ذلك يعود الى أن الدين في الديمقراطية، كما الحرية، يضمن موقعا محددا وساميا لأيمان الفرد الى حد لا يتمكن فيه أحد أو أي قانون من منع المعتقد والأيمان الديني لأي شخص والأهم من ذلك أن ينظر الى الأيمان أو الأعتقاد الديني كحرية فردية ولا يجوز أن يقول لو كان هذا القانون يحظى بتأييد الأكثرية في البلاد و يعني أيضا وكما أن الديمقراطية هو توجه مشروع لحقوق الأكثرية فإنها تكون أيضا حامي حقوق الأقليات.
والمثال كيف أن منظمة فيفا لكرة القدم النسائية قد أعادت النظر مؤخرا بالقرار أو القانون الذي لم يكن يسمح بمشاركة الفتيات المحجبات في تلك اللعبة وقد سمع لهن بذلك كأحترام لشعور النساء المسلمات فيها.. لذا فأننا نجد أنه عندما يتم النظر من الوجهة الديمقراطية الى قيم المعتقدات الدينية، فأننا نتذكر بسهولة الحروب الدينية التي سادت أوربا والتي نجم عنها صدور(رسائل الغفران لفولتيروجون لوك) حيث تم فيها الفصل بين الدين كمعتقد شخصي و بين أستخدام الدين كالسياسة في الوصول الى السلطة.. ما يبرر أن فوليتر أبدى أستعداده للموت في سبيل وجهة نظر المقابل ومهما أختلف معها.. و كما يشير(جون لوك) الينا السيد المسيح في (الأخوة والتسامح) من الله فهو أكثر(مسيحية) من الجميع إلا أنه سيعادي ذلك التفسير للمسيحية الذي تبديه الكنيسة ضمانا لبقاء سلطتها) وبين لنا هذا التوجه أن القيم الدينية في العملية الديمقراطية هي أسمى القيم وليس لأحد الحق في عدم أحترامها...
ونحن لو أمعنا النظر الى المسألة من هذا المنظور، لوجدنا أنها الدين والديمقراطية معاً؟ وأياكان ذلك الدين بل التساؤل الأكبر هو( هل يكون وجود للديمقراطية في الأستخدام السياسي للدين.؟ لذا فأننا لا نجد أية خطوة في هذه النقطة أي كيف يتم أحترام الدين بآليات الديمقراطية بل أن المخاوف تكمن في كيفية أستخدام أدوات الديمقراطية للوصول الى السلطة وفق رؤية دينية مسيسة، لذا فعندما تعرف الأطراف السياسية الأسلامية الديمقراطية كأبداع أو بدعة غربية و يدعون أنه لا يمكن أن ينسجم الأسلام والديمقراطية فهم لا يخافون على الأسلام لأن غالبية القادة السياسيين للأطراف الأسلامية لديهم حق اللجوء الى الدول الديمقراطية الغربية و مستفيدون من الأجواء السياسية في تلك الدول لممارسة أعمالهم و نشاطاتهم بل أن مخاوفهم نابعة من أن الديمقراطية لا تسمح بأستخدام الدين لأغراض سياسية، ما يدفع بالأحزاب والجهات والمجموعات السياسية الأسلامية، عندما يجري الحديث عن الديمقراطية، الى أدعاء عدم نفع الديمقراطية وأن الأسلام هو الحل، حسن إذا ما كان الأسلام هو الحل فكيف يستخدم الناس هذ الحل، إعن طريق عقلاني بعيد عن العنف والتسلط؟
إذا فإن الأسلام هو الحل للمشكلات وهذا لا يعني بالضرورة أن يفرض حزب سياسي هذا الحل بل يعني أن يحدد الناس هذا الحل وأن تنفذ الأحزاب السياسية هذه الحلول بأعتبارها كمطلب جماهيري، وفي هذه الحالة تعجز الأحزاب السياسية، وسواء كانت أسلامية أم علمانية أم ليبرالية أو يسارية عن التغافل عن الحل الأسلامي الذي يطالب به الناس.. إلا أن الخطورة التي يشكلها الحزب الديني المسيس على المجتمع هي عندما يتخذ أي حزب سياسي الدين عنصرا أو وسيلة لأدارة برنامجه السياسي و يحاول أخضاع الناس لتنفيذ ذلك البرنامج.. وهذا بالضبط يكون عكس مفهوم الحزب في المجتمع الديمقراطي والذي يتوجب أن يكون إنعكاسا لطموحاتهم لا أن يحدد الحزب السياسي مطاليب الناس و متطلباتهم أو توجهاه أوامر من السماء أو من الله تعالى.. لذا فإن المسألة في هذه الحالة تخرج عن كونها ذات علاقة بالدين بل تصبح هدفا أومساراً للوصول الى السلطة و تتلاعب بعد ذلك بمبادئ الديمقراطية... لذا فأننا لو ربطنا بين هذا الجانب وبين التحولات القائمة في الدول العربية و نجاح وأنتصار الأحزاب والتيارات السياسية عن طريق صناديق الأقتراع، لشعرنا أن تلك التحولات قد أوجدت جملة من المسائل الجديدة ليس على المستوى العربي فحسب، بل و على المستوى الدولي أيضا وهي مسائل يصعب على الخبراء والمراقبين والمختصين والى حد كبير متابعتها بسهولة و توقع تقدم آفاق تلك التحولات ، والسبب البسيط في ذلك هو أن شعارات (الحرية والحقوق) كانت منذ بدايات أنتفاضات و ثورات الدول العربية ، الشعار الرئيس للثائرين في ساحات و مراكز التحرير هناك وهي ذات الشعارات التي كانت السبب وراء توسع شعلة تلك الأنتفاضات و بالتالي سقوط الأنظمة فيها.. إلا أن منظرا آخر قد أستجد عقب سقوط الأنظمة بوقت قصير وأجراء الأنتخابات وكان ذلك وصول الأحزاب والتيارات الأسلامية الى السلطة و تكرار هذه السيناريوهات في كل من تونس و مصر و ليبيا و سوريا ما بعد الأسد واليمن و في البحرين لاحقا.. وكما دخل الحزبان الأسلاميان السلطة في كل من المغرب والأردن.. لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ترى كيف تجري إعادة بناء الدول العربية عقب سقوط أنظمتها السابقة؟ وهل يكون ذلك على أساس دول مدنية أم أن الأسلام السياسي سيحولها الى دول دينية؟... إن المخاوف التي أستجدت في صفوف النخب السياسية و الفكرية بهذا الصدد هي مخاوف في محلها ويحدث هذا في وقت ترتفع فيه أصوات بضرورة أحياء الخلافة ثانية، و لو عدنا في هذا الأطار الى تأريخ المنظمات والمجموعات الأسلامية، لوجدنا أنها تشكلت منذ نهاية القرن التاسع عشر و حتى زهاء ثلاثينيات القرن العشرين وكانت أعمالها و نشاطاتها محصورة في إطار الأعمال الخيرية والتربوية والدعوات المحدودة، وكان هدفهم هو تسلم السلطة هذا بأستثناء بعض العوائل التي ألحقت الدين بنفسها مثل عائلة ال سعود في السعودية والسنوسيين في ليبيا والمهدى في السودان إلا أن هذا التوجه قد جرت عليه تحولات كثيرة بعد تأسيس الأخوان المسلمين في مصر ثم أنتشر في الأخوان المسلمين هذا في الدول العربية الأخرى وأنتقل عمل المنظمات الأسلامية من الأعمال الخيرية والدعوة الى هدف أكبر هو الوصول الى السلطة.. وهذا يعني أن جماعات الأخوان المسلمين يعتقدون أنه لا يمكن تحقيق أهدافهم السياسية إلا عن طريق الوصول الى السلطة لذا فقد أنعش الربيع العربي، وبعد زهاء(60) عاماً من النضال السري والأعتقال والتعذيب ، أحلام تولى السلطة لدى منظمات الأخوان المسلمين وقد أختبروا هذه المرة صناديق الأقتراع لتحقيق ذلك وكثيرة هي الأسباب التي وقفت وراء وصول الأحزاب والتيارات الأسلامية الى السلطة و منها:
1- لم يكن ضمن الربيع العربي قادة ناخبون يتمكنون من تولى مقاليد الثورات والأنتفاضات.
2- كانت لقادة في الأخوان والجماعات الأسلامية الأخرى خبراتهم و تجاربهم في العمل الجماهيري وأثارة الجماهير.
3- كون القادة التنظيمات الأسلامية قد تعرضوا الى الأعتقال والتعذيب والأبعاد إبان الأنظمة السابقة فقد تحولت هذه الظاهرة في الربيع العربي الى منح الشرعية الثورية لهولاء القادة.
4- لقد كانت البنية التحتية الأقتصادية والأجتماعية في الدول التي شملتها انتفاضات الربيع العربي محطمة بسبب المستوى المتقدم للفساد من قبل الأنظمة السابقة ما منح نوعاً من الثقة بالتنظيمات التي أدت دور المعارضة في السابق.
5- كانت التنظيمات السياسية الأسلامية لديها تجربة غنية في كيفية حراثة الأرض الدينية الخصبة و زرع البذور التي تخدم مصالحها.
6- ضعف التيار القومي العربي و ذلك بسبب أستخدام الأنظمة السابقة الشعارات القومية العروبية لحماية نفسها و كذلك ضعف التيار اليساري والذي أنشغل على الأكثر بالتنظيم وأبتعاده عن الجماهير.
كل تلك النقاط وغيرها كانت السبب في أحراز الأحزاب والتيارات الأسلامية النجاح.. عن ذلك فقد توجهنا بالسؤال الى البروفيسور(شومر توفيق لويس ألياس) أستاذ العلوم الأجتماعية في جامعة فيلادفيا فأبدى رأيه لمجلة كولان كألآتي: هذه في الواقع مسألة مهمة والرد عليها يتطلب العودة الى التأريخ و كيفية تعامل الحكومات غير الديمقراطية والطبقة الحاكمة في الدول العربية خلال الخمسين أو الستين سنة الماضية مع الأحزاب ومع الأسلاميين بصورة عامة.
حيث تم قمع الأحزاب الأشتراكية أو القومية بسبب نشاطاتها السياسية و فتحت الأبواب مشرعة أمام الأسلاميين ليتقدموا و يعملوا بحرية. وهذا يعني أن الأسلاميين قد أنشغلوا وعملوا خلال خمسين عاماً بتطوير إمكانياتهم ليستخدموها فيما بعد في التحولات شبه الديمقراطية التي حدثت في بعض الدول، ولا يمكن وصف التحولات التي حدثت نتيجة الأنتفاضات(التي أسميها أنتفاضات وليس ربيعا عربيا) في الدول العربية بالديمقراطية الحقيقية).
لأنها لاتكون سببا في تغير النظام بل في تغيير رأس السلطة فقط ما يبدي حقيقة أن الأسلاميين قد عقدوا صفقة مع الولايات المتحدة لأستمرارهم في ممارسة ذات السياسة التي كانت متبعة في الدول العربية خلال الخمسين عاماً الأخيرة.. أي في أستمرار السياسة الخارجية والوضع الأقتصادي للدول التي نجحوا فيها بشكل يحمي المصالح الأمريكية في المنطقة.. إن سبب ذلك، تقدم و تفوق الأسلاميين، لا يعود الى ضعف أو عدم جماهيرية الأحزاب الأخرى بل أن تلك الأحزاب قد تعرضت خلال الفترة الماضية الى القمع فيما كان الأسلاميون احرارا في تحركاتهم و نشاطاتهم رغم أن الوضع في مصر لم يكن بهذه الصورة بل تمكنوا ونتيجة طبيعة العلاقات الأجتماعية في مصر، من النجاح فيها كحزب أسلامي و هناك نقطة أخرى يجب الأشارة اليها وهي لم تكن الأحزاب الأسلامية تعمل كأحزاب سياسية فحسب، بل فتحوا عيادات طبية كمنظمة خيرية و شيدوا المدارس و قدموا مساعدات مادية للفقراء ثم أنهم يلجأون الى الدين ويستخدمونه... ولو أعدنا النظر هنا في التجربة المصرية لوجدنا أن الوقت لم يكن سانحاً أمام الناس خلال الأنتخابات البرلمانية التي كانت أول عملية أنتخابية عقب(دمقراطة – مصر)ليفكروا (كيف العمل) غير أن 25%فقط من أبناء مصر قد صوتوا لصالح الأخوان المسلمين في الجولة الأولى من الأنتخابات الرئاسية وأعتقد أن هذه الحالة قائمة في عموم دول المنطقة حيث يصوت 20% فقط من الناس لصالح الأسلاميين ولأنهم أفضل تنظيماً من كل الأحزاب الأخرى فأنهم تولوا السلطة بنسبة التأييد تلك والتي بلغت 25% من الأصوات إلا أن الشعب وبطبيعته الشخصية هو شعب متدين وساند الأحزاب الأسلامية دون أن يفهموا النتائج السياسية لهذه الأنتخابات، ونرى أن الأسلاميين قد يخسرون بمرور الوقت الكثير من ذلك الدعم الذي يحظون به في المنطقة وذلك عندما ينفذون سياساتهم لأنه ليس لديهم جديد ينفذونه مقارنة بالنظام القديم بل يستمرون في ذات الوضع الأقتصادي أي أنهم لا يغيرون شيئا لذا فإن من صوتوا لهم لا يكررون ذلك مرة أخرى وكما أشرت سابقا (هذه أنتفاضة وليست ثورة لأنهم لا يغيرون الوضع السياسي والأقتصادي للبلد.)
إلا أن السؤال هو : الى أي مدى تتمكن التيارات والأحزاب السياسية هذه من الوصول الى السلطة بأستخدام آليات الديقراطية وهل يحافظون على الديمقراطية و يحمونها بعد توليهم السلطة أسوة بالأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوربا؟ ورد أعلى هذا السؤال وأستطراداً الحديثه يقول البروفيسور شومر: الديمقراطية ليست كلمة يمكن الحاقها أو أسنادها الى أسم أي حزب سياسي بل هي عملية فالأحزاب المسيحية الأوربية مثلا لم تصبح ديمقراطية بصورة مباشرة بل كان ذلك نتاج(200) سنة من الديمقراطية فكلنا نعلم ان الثورة قد بدأت في أوربا خلال القرن ال(18) في حين أن الأحزاب المسيحية الديمقراطية قد تشكلت في القرن العشرين.. أي بعد(150) أو(200) سنة من دمقرطة هذا النهج.. نحن نتحدث هنا عن الديمقراطية وليس الأنتخابات لأن هناك فرقا ملحوظا بينهما و كذلك الحال بالنسبة لحريات التعبير و مواجهة التدخل الخارجي ووجهات النظر دون أي خوف من قيام الدولة أو حتى الأحزاب بقمعك، لأن الأحزاب الأصولية كانت تقمع من كانوا لا يوافقونها الرأي في صيغ أتباع الأسلام... حسن إذا كان هذا هو تعاملهم مع مسلم يختلف عنهم في الرأي أو وجهة النظر فقط، فكيف يكون تعاملهم مع شيوعي أو اشتراكي أو قومي؟ أي أن هذه ليست الديمقراطية والتي هي في الحقيقة عملية وليست كلمة لا بل يجب أن يمر المجتمع كاملاً بعملية (الدمقرطة) ثم أن الأنتخاب هو جزء من الديمقراطية لأن الأخيرة لا تشمل الديمقراطية الأجتماعية أو الأقتصادية او حتى الديمقراطية السياسية بل هناك مجرد ديمقراطية الأنتخاب وهي ليست ديمقراطية بمعناها وجوهرها.. ما يعني أنه لا يمكن مقارنة الأحزاب المسيحية بالأحزاب الأسلامية الموجودة في مجتمعاتنا، ولنتابع معاً كيف نتم التعامل مع الأحزاب العلمانية في تونس كما أنه يجري في المغرب قمع أناس فقط لأنهم يمارسون حرية الرأي والتوجه إلا أن هذا يعتبر كفراً ! وماذا يحصل الأن في مصر و سوريا فمن الممكن أو المؤكد أنك تقتل هناك لمجرد كونك غير مسلم... ويقتل أي علوي أيضا لأنه ليس سنيا ، لذا فأنني أرى بفضل الدولة عن المبادئ وبالذات الفكر الديني وأن تسييس الدين لا يمكن ان يكون نافعا في أي بلد وبعودة للتأريخ نرى أنهم يقولون: نريد أن نشكل دولة راشدية أو أسلامية ، غير أن الدولة، وعلى مدى التأريخ، كانت علمانية ونرى أيضا في النموذج العصري المتقدم أي في زمن هارون الرشيد أو أبي جعفر المنصور الوزير الأول، أي رئيس الوزراء كان مسيحيا لا بل كان معظم وزراء الحكومة يهودا أي أنه لم تكن هناك دولة دينية في هذا الجانب.. صحيح كانت هناك دولة عربية أسلامية، ولكنها لم تكن دولة دينية بالصورة التي يجري الحديث عنها الآن.. لذا فأنني لا أوافقهم ألرأي في تغيير الدولة أو تحويلها الى دولة دينية و مقتنع تماماً بضرورة فصل الدين عن الدولة.

(الأحزاب السياسية الأسلامية من منظور الفهوم الديمقراطي).

إن المخاوف الكبرى للمثقفين والنخب في الدول العربية هي أن تكون هذه التيارات الأسلامية السياسية تنوي بناء الدول على أساس الدولة الدينية أي أن تكون خطوة التيارات السياسية الأسلامية خدعة الغاية منها هي أستخدام الآليات الديمقراطية للوصول الى السلطة ومن ثم تغيير أو تحويل الدولة المدنية الى أخرى دينية. وكنا قد سألنا المفكر العربي الكبير(محمد سبيلا) عن هذه المسألة قبل عدة أشهر وكان جوابه لمجلة كولان كالآتي:
يجب علينا أن ننتظر لنرى الى أي مدى يمكن أن تتكيف هذه التيارات الأسلامية أو تنسجم مع مفهوم الديمقراطية وأستكمالاً لهذا التقرير فقد توجهنا بالسؤال الى البروفيسور(عماد الديني أحمد) رئيس مركز المنارة للحريات(Minaret Freedom institute)، فكان جوابه: إن وجهة نظري أزاء هذه المسألة تستند الى تصورين الأول هو أنني على أطلاع بالأوضاع بسبب علاقاتي في المنطقة والثاني يعتمد على أستفتاءات جهاز أو مؤسسة(كالوب) في هذه المنطقة وهما وجهتا نظر تؤيدان مسألة واحدة وهي أن هناك توجهين او هجتمين في هذه الدول كبيرتي التشابك فهناك رغبة واضحة لتشكيل الحكومة على أساس الدين من جانب و رغبة صادقة في الديمقراطية من جانب آخر...
ولكن بدرجة أن هذا التشابك يعجز الكثير من العلمانيين في الغرب عن الأحساس به ولا يفهمون الجذور العميقة للدين في هذه الدول فلوكانت الديمراطية تعني حكم الأكثرية، فلا يمكن أن نستغرب من سيطرة الأحزاب الأسلامية على الحكومة لأن غالبية الناس هم متدينون إلا أنني متفائل ولكن بحذر في أن الأحزاب السياسية الأسلامية وبالأخص تلك الليبرالية منها منتظرا منهم أفضل الآمال لتأسيس وبناء الديمقراطية في تلك الدول.. ومع ذلك فأنني لا أقلل من المخاطر الطبيعية الفاسدة للسلطة. لأن هناك خطورة كبيرة في تورطهم في الفساد متى ما تولوا زمام الحكم فيها، فلو أخذنا تركيا كنموذج نرى أن حزب العدالة والتنمية كان أول حزب سياسي حاول ترسيخ حقوق الأنسان في القوانين التركية لتستحق قبولها في الأتحاد الأوربي....
ونلاحظ مع ذلك كيف يتم أعتقال الصحفيين هناك ولوكان ذلك قد حدث في الولايات المتحدة لنجم عنه فوضى وردود أفعال كبيرة.. وكذلك الحال في مصر حيث نجد أن جميع الوعود التي أطلقها حزب العدالة والحرية كانت بأتجاه زيادة الديمقراطية والليبرالية وحقوق الأنسان والسوق الحرة.. إلا أن الملاحظ في القرارات التي أصدرها على المدى القريب والمنظور ترى فيهم بوضوح أنهم مستعدون للتضحية بأحلام وتطلعات الثورة من أجل ترسيخ سلطتهم على الساحة السياسية... وكان الأخوان في مصر، على سبيل المثال، قد قرروا عدم ترشيح أي من وجوههم و مرشحهم لمنصب رئيس الجمهورية المصرية.. إلا أننا رأينا أنهم قد رشحوه وهو تراجع عن تلك القرارات وعن أداء محمد مرسي اليمين الدستورية أمام البرلمان أو مجلس الشعب وليس أمام المجلس العسكري، أي أن ذلك هو تخوف كبير و مخاطر تواجهها جميع الدول التي تمر بهذه التحولات وبالتالي فإن المسألة هي في الواقع ليست معاداة بين الأحزاب الأسلامية السياسية وبين الديمقراطية بل هي عبارة عن أطلاق الوعود السياسية والتراجع عنها ونسوق مثالا آخر، فقد حقق من يطلق عليهم(السلفيون) في مصر، وهذا مثار أستغراب للكثيرين، ونالوا زهاء ربع المقاعد وبذلك غدوا قوة بأستطاعتها ميل كفة التعادل نحو جهة بعينها فهم ملتزمون على الأكثر بالتفسير الوهابي للأسلام ويعملون أو يحاولون فرض ذلك على مصر، ليس على المسملين فيها والذين لهم تفسيرات مختلفة للأسلام فحسب، بل وعلى غير المسلمين أيضا ولو أمعنا النظر في تأريخ الولايات المتحدة نجد أنه كان للعديد من الأحزاب السياسية خلفيات دينية قوية، ومنها منظمة مكافحة العبودية وكان الدين هو الذي يثيرهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أي أنها كانت رفيعة السلطة من قبل الشخصيات الدينية وكمثال على ذلك حركة الحقوق المدنية وزعيمها(مارتن لوثر كينك) في الستينيات و يجب عدم توقع فصل الدين عن الحركات السياسية ونتساءل هنا عندما يكون حزب سياسي في السلطة هل يعتبر نفسه خادماً للشعب وممثلا عنه أم ممثلا عن بعض الجماعات الدينية في المجتمع؟ والسبب الكامن وراء كل ذلك هو عجز الحكومات التي تشكلت في الدول العربية مؤخرا عن أن تكون دينية و ديمقراطية معاً.. ولكنهم يحسنون صنعاً إن لم يحاولوا فرض التوجه أو وجهة النظر الدينية وأساليبهم الدينية على أولئك الذين يحملون وجهات نظر مختلفة و سواء كانوا ينتمون الى ديانة أخرى أم من ذات الدين ولكن يحملون تفسيرات مختلفة له.
إن ما أشار اليه البروفيسور (عماد الدين) هو خطورة التراجع عن الأحاديث والتصريحات والوعود التي تطلقها أطراف مثل الأخوان المسلمين، لذا فقد صدق ما قاله محمد سبيلا لمجلة كولان من (الأنتظار لحين الوقوف على مدى أنسجام التيارات الأسلامية السياسية مع مفهوم الديمقراطية..) وتوجهنا بسؤالنا حول : كيف يصوت الناس لصالح تلك الأطراف الأسلامية السياسية في حين أنها لا تشكل سوى 20% من أصوات الناخبين، الى البروفيسور(مارك تيسلر) أستاذ العلوم السياسية في جامعة مشيكان والمختص في سياسات الشرق الأوسط فرد على مجلة كولان بقوله:
بالنسبة للتصويت لصالح تلك الأطراف فإن بعض الناس يفضلون الأحزاب السياسية الأسلامية والبعض الأخر لا يفضلونها ولكنهم يصوتون لها لأعتقادهم بأنهم صادقون أو أن لهم سجلاً جيدا في مجال العمل المعارض وكمثال على ذلك تونس و مصر والى حدما المغرب أي أنها كانت تحمل المصداقية والشرعية الى حدما لأنها كانت جزءاً من المعارضة وما أود الأشارة اليه هنا هو أن نجاح أو فوز هذه الأحزاب في مصر و في المغرب أيضا يولد لدينا صورة خاطئة عن الحقيقة لأن هذه الأحزاب كانت أكثر تنظيما ولها وجودها لفترة طويلة ما حقق لهم أشراك أناس أكثر في التصويت هذا في حين أن الأحزاب الليبرالية لم تكن بهذا المستوى من التنظيم ولم تكن أمامهم فترة كافية لأعادة تنظيم أنفسهم في أعقاب الربيع العربي وكان أن من توجهوا الى المراكز الأنتخابية وأدلوا بأصواتهم كانوا ممن تم تنظيمهم وأعدادهم للمشاركة فيها، أي أن السبب يكمن في أن لتلك الأحزاب من يناصرها وان الأسلام يؤدي دورا سياسيا إلا أن الغالبية كانت لها علاقتها بالوضع السياسي، لذا فأنني أؤكد أن هناك اسبابا أخرى تؤثر على صياغة وجهات نظر الناس، فهناك من يؤيدونهم لأنهم راغبون في تشكيل حكومة أسلامية وآخرون لديهم دوافع أخرى لمساندتها وهذا يوافق ما يشيرون اليه بصدد من كانوا موجودين في ميدان التحرير في مصر ومن شاركوا في مظاهرات تونس و حتى في اليمن إلا أن هؤلاء لم يكونوا قوة لها تنظيمها الجيد ليشاركوا في الأقتراع، كما أن للأسلاميين نقاط قوة وهذا ما يطمح اليه بعض الناس وليس جميعهم وكان المصريون أمام خيارين صعبين بين شفيق و بين مرسي بأعتبار أن التصويت لصالح شفيق كان يعني أستمرار أو تمديد الحكم العسكري لذا فقد صوتوا لصالح مرسي وإن لم تكن آراؤهم متوافقة معه إلا أنه كان أحسن من البديل الآخر، هذا الواقع يجب القبول به و فسح المجال أمامهم لنرى أين نتيجة الوضع فلوكان الطريق الوحيد لحماية الديمقراطية هو قطع الطريق أمام أكثر الأحزاب السياسية تنظيما والذي حقق مساندة (20-25 أو 30 ) 100% من الناس فإن ذلك لن يكون صاحب ديمقراطية أبدا... أي أنه يجب السماح بهذا وإن كان يختلف من بلد لآخر ومهما كان الأمر فإن هناك في الواقع أناسا قلقين أزاء المسألة فيما تعلن كل الأحزاب بإن الوضع لا يتطلب أي قلق لأنهم يتصرفون بأسلوب ديمقراطي و يمنحون الأقليات والمرأة حقوقها لذلك فأنني أعتقد أننا لو كنا راغبين للديمقراطية فإنه لا بديل لنا سوى أن نأمل في أن تكون تلك الأحزاب مماثلة للأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوربا، وهذا أحتمال مقبول و يجب فسح الطريق أمام حدوثه..
Top