• Wednesday, 24 April 2024
logo

ماذا عن.. رفض لغة الحوار والتفاهم؟

ماذا عن.. رفض لغة الحوار والتفاهم؟
ترجمة: دارا صديق نورجان

ماذا عن.. رفض لغة الحوار والتفاهم؟

إن كان الفكر عند(هيكل) يعني الثورة وعند(ماركس) بمعنى العنف الثوري من أجل تحقيق التحول الراديكالي في المجتمع، فأن الفكر في الديمقراطية العصرية يعني الحوار و التفاهم المتبادل إذا لن يكون هناك أية حقائق بأنتاج تلك التي تتمخض عن الحوار والتفاهم وستكون هي ايضاً عاملاً أو مبدأ نظرياً للمجتمع لأجراء التحولات الضروية والهادئة فيه.
أي أن رفض الحوار و التفاهم المتبادل، وفق الأسس أعلاه، وأياً كانت المبررات والذرائع إنما يعني أن هناك توجهاً أو وجهة نظر ما داخل المجتمع تنوي أن تفرض أرادتها هي على المجتمع و دون أي حوار أو تفاهم ، وسواء كان ذلك الفرض مبدأ أو آيديولوجية بحد ذاته أم رسالة سماوية في لبوس سياسي و سيكون ذلك التوجه إما فكرأ راديكالياً جامداً بلغته الماركسية أو فكرا أو مبدأ أصوليا جامدا بلغة الأحزاب الأسلامية ليس إلا.. وإذا ما استخدمنا كلمة (الآيديولوجية الراديكالة أو الأصولية) من هذا المنطلق وبأحسن معانيها فأن ذلك يعني في الفكرين أعلاه أن الأستفتاء والأصلاح في المجتمع يستخدم بمعناه الراديكالي و يكون هدفه الأساسي هو أظهار النظام السياسي برمته كنسخة سيئة من الدكتاتورية والراديكالية.. ليتولى هو و يتسلم شرعية أسقاط النظام وتشكيل أو بناء نظام آخر لا يشبه سابقة من حيث الصورة والجوهر، غير أنهم، ولأن الرأي العام لا يقبل منهم القول صراحة:
نحن ضد النظام الديمقراطي، فأنهم يرغبون و يعملون على أن يكون هذا الأسقاط عن طريق صناديق الأنتخابات والأقتراع وتهيئة أرضية جديدة يعترف فيها النظام الديمقراطي بنفسه بأنه ليس نظاماً ديمقراطية بل توتاليتاري دكتاتوري ، وهذا الأعتراف بنظر من يحملون الفكر اليساري أو الأصولي الأسلامي، هو مسألة لا تقبل أي نقاش أو بمعناه الحديث لا يقبل أي(مناقرة).. ولأقرار أو تحقيق هذا الهدف فأن من يحملون الفكر اليساري الراديكالي أو يعرفون أنفسهم في هذه الدائرة، إنما يلجأون الى المقارنة العلمية! وكمثال على ذلك يتساءلون:
لماذا يتمكن الناس من أستعمال أحسن أجهزة الحاسوب(الكومبيوتر) والسيارات والملابس ولا يتمكنون من أستخدام أفضل الصيغ الديمقراطية بدون أنتقاد وهدفهم في هذه المقارنة هو مساءلة المجتمع: ما هو الفرق بين أستخدام الكومبيوتر و بين تنظيم المجتمع؟ ويضيفون: أن العقل الذي يتمكن من أحدث أجهزة الكومبيوتر و قيادة أحدث السيارات فأنه بالنتيجة بمقدوره إدارة أحسن النظم للمجتمع... إن خلفية وجهة النظر هذه والتي تعود الى الخلفية الفكرية ل(ماركس) هي من الأساس محاولة لأدارة المجتمع وفق قوانين الطبيعة. ويتجسد ذلك ويعني حسب فكر ماركس، أنه عندما يتمكن عقل الأنسان من معرفة أوقات الخسوف والكسوف وسقوط الأمطار وصحو الأجواء حسب قوانين الطبيعة، فأن ذلك يعني أن قدرات هذا العقل لا تقبل أو غير قابلة للنقاش.. و مبررهم أنه في حال تطبيق هذا القانون فأنه، وكيف يكون بالمستطاع معرفة أوقات و مواعيد خسوف القمر وكسوف الشمس وسقوط الأمطار و الثلوج فأنه سيكون بالأمكان تنظيم المجتمع وفق ذات المنوال! وأن المجتمع الذي ينظمه العقل إنما هو رد على كل الأسئلة المثارة لدى الناس ولا داعي لتوالد أسئلة أخرى أو أية خلافات داخل المجتمع! وبالمقابل فأن حملة الفكر الأسلامي السياسي أو من يحذون حذوهم هم أيضاً يعتقدون إن ما يستنبطونه من القرآن الكريم وبشكل انتقائي و يبيعونه للناس كسياسة خاصة، إنما هو رسالة السماء ولا تقبل الأنتقاد و على المجتمع أن يخضع له و بتنفيذها سيكون بالأمكان بناء مجتمع عادل قد ردت على كل أسئلة الناس ولا أسئلة من بعدها، هذا في حين أن القرآن الكـــريم قد ترك تفاصيل الحكم و تنظيم المجتمع للتفاهم والحوار بين آفراد المجتمع ولم يفرضها فرضا، وفي مثل هذه الحالة، ولأن الأسلام السياسي الأصولي قد ربط نصوص السياسية برسالة الله تعالى، فأنه ليس بالضرورة أجراء أية مناقشة على هذا البرنامج الذي مصدره رسالة رب العالمين، لذا فأن الراديكاليين والأصوليين لا يرون في هذا المنحى أية ضرورة لمناقشة الأستفتاء والأصلاح! أو أن يكون هناك وجود لبرنامج آخر يختلف عن برنامجهم هم وإن وجد مثل هذا البرنامج فأنهم يسمونه(المناقرة) لا (الحوار والتفاهم).

(التحولات المؤسساتية الهادئة والتغيرا الراديكالي للمجتمع).
عندما نتحدث عن البناء الديمقراطي فأن جل الخبراء والمختصين والسياسيين يتحدثون عن أن البناء الديمقراطي هو بحاجة الى وقت والى تكامل الثقافة الديمقراطية ويستعرضون أيضاً معوقات المرحلة الأنتقالية بأعتبارها أنتقالية على مستويين:
الأول: هو سياسي يتحول فيه المجتمع من مغلق الى مفتوح.
والثاني: هو أنتقال أو تحول اقتصادي أو بمعنى آخر سحب الأقتصاد من الحكومة وتسليمه الى السوق.

إن هاتين الخطوتين اللتين تحولان المجتمع رأساً على عقب، إنما تتم أو تتطلب أنشاء بنية تكون، فضلاً عن حاجتها الى وقت والى تعاون جميع الأطراف، تكون حقائقها في سياق حقيقة أن بنية أي مجتمع تختلف عن غيرها وأن قوانين الفيزياء لا تنطبق على المجتمعات وشؤونها، أو بمعنى آخر أن أي نظام ديمقراطي و في أي بلد كان، هو تجربة جديدة تتلخص في كيفية ربط عناصر المجتمع فيما بينها نحو إيجاد عملية ديمقراطية خاصة بذلك البلد، فالمسألة لا تشبه كيفية صنع أجهزة الحاسوب أو السيارات في كوردستان كما في الولايات المتحدة واليابان فحينها سيكون من شأن أصغر خطأ في بناء التجربة الديمقراطية أن يتسبب في أطالة موعد أنجاحها وتمديدها، والعملية هنا هي ليست عبارة عن صناعة سيارات أو أجهزة تلفاز أو ثلاجات كانت تستورد أجزاؤها من الخارج مسبقاً ثم يعاد تجميعها في العراق وتطلق عليها أسماء(القيثارة أو عشتار أو صلاح الدين) غير أن أولئك الذين تكون خلفياتهم (الفكرية ضد الديمقراطية وأساليب الأنتاج على أسس السوق الحرة والتي يسمونها هم الأسلوب الراسمالي) إذا ما اعتبروا أنفسهم محسوبين على اليسار الراديكالي، فأن الديمقراطية بالنسبة اليهم تكون و في وضعها السياسي عبارة عن صناديق الأقتراع كالرئيس الفنزويلي(هوكو شافيز) وهي على المستوى الأقتصادي عبارة عن التقدم نحو الأقتصاد الأشتراكي، أي إهمال السوق لأن السوق الرأسمالية عبارة عن سوق الأستغلال.. أما بالنسة لأولئك الذين يجدون أنفسهم داخل حلقة الأسلام السياسي ولأن هناك (البيعة) في ألأسلام)، لإنهم يصغرون الديمقراطية ويقلصونها في الأنتخابات نحو تشكيل( الشورى) وليس(البرلمان) ومتى ما وصلوا الى السلطة فأنهم يديرون البلاد وفق دستورهم هم وليس الدستور المدني . . أما بالنسة للأقتصاد ولأن الأقتصاد الحر يعتمد على مبدأ النفع والربح، فأن هذا المبدأ يقع في تصنيف الحلال والحرام و يرون ذلك أن تغيير اساليب الأنتاج من السوق الحرة الى الأقتصاد الأسلامي وهو وجهة نظر لا تقبل النقاش في رأيهم، وتقوم الأحزاب الأسلامية في هذا الأطار بأتباع وأستخدام نصوص القرآن الكريم وفق التفسيرات التي أعتمدت للقرآن الكريم في حقب و مراحل مختلفة ، فهم لا يقرؤون نصوصه وفق هذا الزمان ليستفاد منه المجتمع في هذا العصر، بل يسيرون بعجلة المجتمع نحو الوراء ليتكيف مجتمع اليوم مع التفاسير القديمة، وهذا يكون عادة بالنسبة للدراسات الماركسية والنصوص الماركسية أيضاً لدى الراديكاليين وكأن فلسفة (ماركس) هي نصوص ثابتة ومقدسة .. صحيح أن هذا الرجل ، وفي سياق تقدم التنكولوجيا، يؤكد كثيراً عل العقل ويعتبر ذلك أهم أسس تقدم المجتمع ويؤكد على ضرورة أعتماد نظريات المجتمع على نظريات الطبيعة نجد هنا أن الذين يعتبرون الفكر الماركسي على هذا الأساس كأيديولوجية راديكالية وعندما يعودون الى الفكر الماركسي فأنهم لا يعودون اليه بهدف قراءته ثانية كسياق أنتقاد بل يعتبرون الماركسية، كما قلنا، نصوصا أصلية ومقدسة ولا يريدون أو بالأحرى يأبون أنتقادها، والأبداع فيها بل يعودون اليها لتكييف الأنسان والمجتمع مع ذلك الفكر لا أستخدام الفكر و توظيفه بأعتباره سبباً لأسعاد الأنسان والمجتمع وتحسين أوضاعه ما وذلك لأنهم يهدفون الى أستخدامهما آلة يبرهنون بموجبها على صدقية الفكر الماركسي لا بجعل الفكر الماركسي آلة لأصلاح المجتمع. وهم بذلك، وكما الأسلاميون ، يطمعون في أعادة هذا العصر أو المجتمع الديمقراطي الى الوراء وأظهاره وكأنه نظام دكتاتوري مضطهد ليكتسبوا بذلك شرعية التحول الراديكالي، وكنموذج على ذلك، وكما أشار اليه(جورج طرابيشي) في مقدمة كتاب(الأنسان وحيد النظرة) لمؤلفة(هيربرت ماركوز) فقد كان بناء مدرسة فرانكفورت في ثلاثينيات القرن الماضي في المانيا من اجل دراسة الماركسية و التوصل الي حقيقة وكنة(و جود عناصر الثورة في المجتمع ومع ذلك لا تندلع الثورات) أي أن هناك أصحاب رؤوس الأموال والغنى والفروق الطبقية، وهي عناصر مسببة لأندلاعها وللتحولات الراديكالية غير أن دهشة ماركوز نابعة من تساؤل مفاده (لماذا غدت هذه العناصر معطلة وكيف لا تحدث الثورة في مجتمع رأسمالي والرأس مالية معادية للأنسانية و سيف قمع مسلط على رقابها، وكيف للأنسان أن يرضى أو يقبل بالنظام الرأسمالي..) ولو أمعنا النظر الى هذه التساؤلات لوجدنا أنها لا تتحدث عن النظام الديمقراطي بل عن النظام الرأسمالي، وحسب ماركوز، فأن هذا النظام الظالم قد عرض النقد والمعارضة الى نوع من التخدير التام، وهذا بعينه هو تشويه لواقع المجتمع الديمقراطي حيث يعمد الى أظهار أن لا وجود للأنتقاد و المعارضة فيه.. وأن كان له وجود غير أن مقصد ماركوز في ذلك ليس أنتقاد المجتمع المفتوح ولا المعارضة في المجتمع الديمقراطي.. والأمر هكذا فلا بد لنا من أن نتساءل عن قصد ماركوز للأنتقاد أو المعارضة وهل أنه لا وجود لهما في المجتمعات الديمقراطية في الغرب ؟ بلا كان لهما وجود.. إذاً كان يعني بذلك نقد الراديكالية لجميع أسس النظام الديمقراطي الذي يسميه هو ب(النظام الرأسمالي) وكذلك رفض لأسس السوق الحر (حيث يدعى حامل مثل هذه الأفكار و المبادئ ويسمى صيغ الأنتاج الرأسمالي و تحويلها الى صيغ الأنتاج الأشتراكي) وهذا إنما يعني ضرورة أن تشكل المعارضة في المجتمع الرأسمالي، وعلى ضوء أسلوب الأنتاج الأشتراكي(مجتمعا لا طبقياً و دكتاتورية البروليتاريا(الطبقة العاملة) وليس فيه لا اختلاف طبقي ولا في التوجهات السياسية.. لذا وفي هذه الحالة وبرأيهم، ولأن المجتمع يقبل الأنتقاد و هناك وجود سلمي للمعارضة، فأن هذا الوجود إنما هو حقيقة(مخدرة) يجب أزالتها وأفاقة المجتمع وأنتاجه للنقد والمعارضة الراديكالية...
ولم يخف ماركوز في القسم الأول من كتابه( الأنسان وحيد النظرة) أنه يهتم المجتمعات الليبرالية الديمقراطية في الغرب مثل(الولايات المتحدة و فرنسا وبريطانيا و عموم الديمقراطيات الليبرالية) بأنها لا تهتم بالقضايا الداخلية كما أهتمامها ويلاؤها الأولوية للمخاطر الخارجية، بل وتخفيها وإلا فليس هناك من يتحمل أصلا ظلم تلك المجتمعات والتي يسميها هو(المجتمعات الصناعية المعاصرة) ويقول في كتابه نصا:
إذا ما كانت البشرية معرضة للمخاطر والأبادة الجماعية بسبب احتمال الكوارث النووية، أو ليست تلك المخاطر ذاتها تشمل أيضا القوى التي تسلط سيوف القمع على الأنسانية؟
وتقول الحقائق : إذا ما أشغلنا أنفسنا بتلك المخاطر والكوارث فأن ذلك يعني أننا نهمل دراسة الأسباب والمسببات الخفية في المجتمع الصناعي المعاصر وهي أسباب لا يحسب لها حساب لدى الجماهير ولا تبذل أية مساع لأنهائها وأزالتها وذلك لأيلاء المخاطر الخارجية الأهمية بالدرجة الأولى).. هذا الحديث الوارد في الصفحة (25) من كتاب ماركوز قد جرى أواسط القرن الماضي ونتساءل هنا: أو ليس ذلك ذات الحديث الذي سمعنا الأسبوع الماضي من رئيس حركة التغير) ومفاده أن الغاية من الحديث عن المخاطر الخارجية(إنما يقصدون به) أن يبقوا(هم) في دست الحكم ومن بعدهم أبناؤهم وأحفادهم؟
ترى لو أجرينا مقارنة بين الحديثين أو الرأيين اللذين أطلق الأول منها أواسط القرن الماضي والثاني في الأسبوع الماضي، هل نجد أختلافاً بينهما؟ من جهة أخرى فأن ماركوز يسمى المجتمع الصناعي المعاصر بالمجتمع القمعى ولا بد هنا أن نتساؤل:
هل كان هناك مجتمع صناعي معاصر قمعي في ستينيات القرن الماضي(عدا الأتحاد السوفيتي السابق) وهي صيغة تبين أن النظام الليبرالي الديمقراطي يعادي الأنسانية ويسلط عليها سيف القمع ، ويجب أن يرفع ذلك السيف عنها و تتحرر الأنسانية؟.. لذا فأن هذه المبادئ والأفكار التي تعتبر عموم الأنظمة الليبرالية الديمقراطية(التي يسميها فوكوياما و يعتبرها نهاية التاريخ)، بأنها معادية للأنسانية، وحين نسمع من(رئيس حركة التغيير) أن التجربة الديمقراطي في أقليم كوردستان هي نظام توتاليتاري و احادي الحزب فأن الأمر هنا لا يستوجب أي أستغراب أو تعجب هذا في حال وصل النظام الديمقراطية في أقليم كوردستان الى مستوى أنظمة الحكم في الولايات المتحدة و فرنسا وبريطانيا, الخ.

ثم أنه أمر طبيعي لدى حملة هذه المبادئ والأفكار أن يعرف ب(عدو الأنسانية) ويطالبوا برفع سيف القمع والأضطهاد عن رقاب المواطنين!! لذا فأن الحقائق تقول إن الأختلاف الوحيد بين الرأيين القديم والجديد في تلك المبادئ الراديكالية هو أن الجيل القديم من حملة ذلك المبدأ كانوا يفكرون في فرضه عن طريق الثورة فيما ينادي أبناء الجيل الجديد منهم ويسعون، متى ما وصلوا الى السلطة عن طريق صناديق الأقتراع كما(هوكو شافيز في فنزويلا وأيفو مورال في بوليفيا و فرناند و لوكو في باراكواي..الخ) يسعون الى تفكيك النظام الديمقراطي المؤسساتي والغائه من الأساس.

لماذا لا تقوم الثورة رغم وجود الأنتقاد والنواقص والسلبيات

تحاول المعارضة في أقليم كوردستان، وعن طريق الأنتقاد والتظاهر والتعبير عن الأمتعاض، إظهار نظام الحكم في الأقليم للرأي العام وكأنه مشابه لأنظمة مصر و تونس و ليبيا و سوريا.. غير أن السؤال الذي يواجه تلك المساعي هو: لماذا لا تتكون هذه الرؤية لدى أبناء كوردستان وعلى مستوى السياسة الدولية أيضا.. لنوجه السؤال بشكل آخر ونقول: ترى هل أن ما تظهره المعارضة بصيغة الأنتقاد وعدم الرضا له وجود بأي شكل من الأشكال ؟ أم أنها هي التي تبتدعها ولا توجد أية سلبيات في كوردستان؟ إن الأجابة على هذا السؤال هي أمر طبيعي وبسيط ويعترف أزاءها أي مواطن عادي وبكل صراحة ويقول: نعم هناك نواقص ولا عدالة و هناك فساد والأسواق(أستغلال )،و تنفيذ المشاريع لا يجري كما يجب..الخ.

ونتساءل بحق إذا ماكان الناس والمعارضة والأحزاب(الحاكمة) جميعها متفقة على وجود هذه النواقص: إذا لماذا لا تقوم ثورة في الأقليم؟
إن الأجابة على هذا السؤال لدى ماركوز ومن يفكرون مثله هي: أن النظام الرأسمالي قد جعل من الناس أن يروا بأتجاه واحد
ويفكروا بذات الأتجاه ايضاً كما أن النظام الرأسمالي قد(خدر) الأنتقاد و المعارضة غير أنه لا بد لنا من أن نتساءل: هل أثبتت رؤية ماركوز و توجهه صحته و صدقيته؟ و هل تمكن من إيصال البشرية الى قناعة أن النظام الديمقراطي الليبرالي هو ضد الأنسانية؟ والجواب هو: كلا بالطبع لأن أجيال ما بعد ماركوز في ذات المدرسة قد تبين لهم أن المسألة ليست(أجهزة وآلات وانتاج فحسب، حيث تصور ماركوز(في حينه) أنه يجب أن تكون التكنولوجيا في خدمة الآلة فقط، لأن الآلة ستنفع مستقبلا، في أيدي الطبقة العاملة(البروليتاريا) وتنعكس عليها بالربح والكسب بل المسألة عبارة عن(العمل والتفاعل والتأثير) ويحتم على الناس أن يعملوا ويتفاعلوا معاً ضماناً لتحول عمل الآلة الى عمل ستراتيجي هدفه حرية الأنسان وهي حرية ناتجة عن الحوار والتفاهم بين أفراد المجتمع وليس من نتاج الثورة كما يقول(هيكل) أو نتاج العنف الثوري كما يشير اليه(ماركس) لذا فأن هناك سؤالا يثار حول أسباب عدم قيام (الثورة) رغم وجود تلك الأختلافات بين الغني والفقير و وجود الفساد... الخ. والجواب هو أن هذا المجتمع إنما هو مجتمع منفتح والناس فيه أحرار في انتقاد النواقص والسلبيات ويطالبون أيضاً بالمشاركة في العملية السياسية التي تجري(توصيفها)بالتوتاليتارية والدكتاتورية أو بمعنى أدق أن ما أمن الأستقرار في المجتمع هو سحر الديمقراطية وليس كما يقول ماركوز(السيف القمعى المسلط) أو كما يقول البعض في كوردستان هو السلطة القمعية أو التوتاليتارية أو التفرد الحزبي!

(من الأستحقاق بالحوار و التفاهم المشترك الى(المناقرة).
إن الحوار من أجل التفاهم هو ليس تفاوضا من أجل الأتفاق أي أن العلاقة بين عناصر الديمقراطية ، في المجتمع الديمقراطي، وسواء كانت تلك العناصر(الأحزاب والأطراف السياسية معاً أم بين المؤسسات العامة و منظمات المجتمع المدني والأفراد، أم بين الحكومة و بين القطاع الخاص) هي ليست تفاوضا من أجل الأتفاق بل هي حوار للتفاهم وأن الغاية من الأختلاف والفرق بين التفاوض وبين الحوار هو أن مساعي الأطراف- في مسألة الحوار- تنصب في محاولة فهم الواقع والتعامل معه وفق هذا الفهم وهذا يعني أن لا أدعاء أو مطالبة لأي طرف على الآخر غير أنه يجب أن يفهم الجميع معنى آلية إدارة المجتمع و الحكم.. غير أن ما يجري في عملية التفاوض هو أن العملية برمتها هي عبارة عن(الآخذ و العطاء) أو بمعنى أدق هو التنازل عن شئ لقاء الحصول على شئ آخر حيث لا يتنازل أي طرف في العملية الديمقراطية مقابل الحصول على شئ آخر وقد يتساءل البعض: إذا لماذا هناك تفاوض وليس تفاهم في العملية الديمقراطية في العراق؟ والجواب هو نعم هناك(تفاوض) بين المكونات المختلفة غير أنه بالمقابل من ذلك هناك(تفاهم) داخل أي مكون سياسي.

أي أن الكورد والعرب يتفاوضون وكذلك الشيعة والسنة، غير أن هناك(تفاهماً) بين الكورد و الكورد والشيعة والشيعة والسنة والسنة ولا يوجد تفاوض فيما بينهم، وإذا ما أستعرضنا في هذا الأطار الأجتماعات الخماسية بين الديمقراطي الكوردستاني والأتحاد الوطني و كوران والأتحاد الأسلامي والجماعة الأسلامية حيث يصفها الناس بأنها إتفاقات ضمن عملية التفاوض، فأن هذه الأجتماعات، حسب توجه هذا التقرير، هي ليست للأتفاق بل للتفاهم، أي أن على أطراق الحكم( البارتي والأتحاد) أن تتفهم رغبات المعارضة وتكون مستعدة لمناقشتها وأن ما يتفق عليه يجب يتخذ برنامجاً للطرفين(المعارضة والغالبية أو الحكم) وبالمقابل على المعارضة أن تتفهم أيضاً رغبات الآخر(البارتي والأتحاد) وتكون مستعدة لمناقشتها وذلك في سياق وجوب أتخاذ ما يتفق الجميع عليه أو يتفهمه جميع الآطراف، برنامجاً مشتركا لطرفي(المعارضة والحكم) والسبب في ذلك هو أن أيا من هذين الطرفين إنما لا يملك شيئا (كمجموعة أحزاب سياسية في المجتمع الديمقراطي ليتنازل عنه أو يكسبه أو يعطيه وأن جل ما يتحاورون عليها هي المصلحة العامة ليس إلا .. كما أن الواقع يفيد بأن الحزب السياسي في المجتمع الديمقراطي المعاصر هو ممثل أو مندوب و ليس حاكماً أي أن ذلك الحزب، وإن فاز في الأنتخابات وتولى السلطة، فأنه لن يكون حاكماً أو حد بل هو حاكم بالأنابة عن الناس والذين لم يوقعوا له صكاَ على بياض و بأمكانه تسجيل ما يشاء عليه من أرقام.. لذا فأن من حق (الناس) أن يساءلوا ذلك الحاكم حتى عن أنابته لهم وبشكل يومي و مستمر.. لذا فأن الواقع يفرض أنه (حتى وإن كان الحزب المعارض مختلفاً أو متنازعا مع الحزب الحاكم فأنه ليس من حق المعارض ان يخرج من لعبة العملية الديمقراطية الحوار والتفاهم المشترك) والسبب هو أنه لو كان برنامج المعارضة لصالح عموم الناس ولم ينصع الحزب الحاكم لهذه المصلحة، فأن الأخير يخسر الأنتخابات القادمة بمك أرادته ويتولى الحكم ذلك الطرف الذي أتخذ الشعب شاهدا وراعى مصالحه، لذا وإنطلاقاً من هذه الحقيقة فإن تعطيل الحوار والتفاهم في المجتمع الديمقراطي سيتحول الى سبب رئيس لتعطيل الديمقراطية وشلها وكذلك تغيير هيكلية الحزب من مهمة التمثيل أو الأنابة الى مهمة أتخاذ القرار و الحزب القائد والسعي لفرض آيديولوجيته على الناس وعدم ترك أي مجال لصناعة بناء الرأي العام وأتجاه توفيق التوجهات المختلفة وربطها مع بعض كما أن إنقطاع هذا الترابط وتعطيل صناعة بناء الرأي العام سيكون بمثابة بناء التوتاليتارية أو محاولة لبناء جبهة تفرض نفسها على الرأي العام ولذلك فعندما تطالب المعارضة بتطبيق المقترحات أو الشروط الستة التي قدمها دون أي حوار وتفاهم، عند يكون المرء أمام سؤال مفاده: أين وجه الخلاف بين هذا المطلب وبين أوامر و قرارات الأحزاب التوتاليتارية السابقة في العراق، والتي كانت توجهها للشعب الكوردي وتقول(قررنا ما يأتي) وربما يبرئ الطرف المعارض موقفه هذا بأدعاء أن برنامجه هو لصالح شعب كوردستان ولا يشتمل على أي مطلب حزبي فلماذا مناقشته إذا؟ وللأجابة على هذا الرأي والتوجه نقول: إن مجرد إعلان طرف ما بأنه يمتلك الحقيقة والحق كله، إنما يعني أن لا وجود للحقيقة لديها، والسبب هو أنه حتى لو نظرنا الى برنامج المعارضة هذا من منظار دستوري فأن الحقيقة والتاريخ يقولان بأنه لا يكون الدستور دستورا حقيقياً ما لم يبد شعب كوردستان رأيه فيه، وهنا وفي حال خاطبت المعارضة الديمقراطي الكوردستاني والأتحاد الوطني بهذه اللغة وقالت هذا هو برنامجنا تفضلوا ونفذوه، فأن الأمور تضعنا أمام تساؤل منصف: ترى كيف كانت القضية أو المشكلة تكون في حال خاطب(البارتي والأتحاد) المعارضة بهذه اللهجة؟

ويؤدي بنا ذلك الى سؤال آخر: ترى هل أن من يمد يد الحوار و التفاهم هو دكتاتور أو توتاليتاري أم يعتبر الذي يرفض لتلك اليد في الحوار و التفاهم حزبا توتاليتاريا و دكتاتوريا و شموليا يصف الحوار بأنه(مناقرة أو صراع ديوك) مقابل من لا يجد أي بديل للحوار و التفاهم لمعالجة المشكلات و الخلافات!؟
Top