• Friday, 26 April 2024
logo

الديمقراطية لا تتقبل المكر

الديمقراطية لا تتقبل المكر
ترجمة: دارا صديق نورجان


يضم كتاب(المجتمع المفتوح وأعداؤه) ويجمع بعض المعضلات التي توجه مديتنا، تلك المدنية التي قد نتمكن من تعريفها بأن هدفها هو تحقيق ما هو أنساني و مقبول وكذلك تحقيق الحرية والمساواة، وهي أي المدينة تلك لا تزال في شرح الصبا و ستبقى كذلك دائما وتواصل تقدمها.
هذا الى جانب أن العديد من رواد الفكر الأنساني في مختلف المجالات قد ظلموها ويعتقد أعداء المجتمع المفتوح( المنفتح) أن هذه المدينة لم تتجاوز بعد صدمة الولادة، و وجوب التحول من مجتمع مغلق الى آخر مفتوح، والذي تبدو فيه وتظهر قوة الأنسان المنتقذ، ويسعى للمشاركة في فهمنا ل(التوتاليتارية) وأهمية النضال المعاصر و الكفاح الجديد لمواجتها.. وأكثر من ذلك يحاول أستخدام الية تنفيذ سبل الأنتقاد والعقلانية لمعالجة مشكلات المجتمع المفتوح.. ويؤرخ لنا مبادئ أعادة بناء مجتمعنا الديمقراطي، تلك الأسس المسماة(هندسة أو مستوى الأجتماعي المتلاحق، أزاء(الهندسة الأجتماعية التخيلية) وهو في ذات الوقت مسعى لأزالة بعض العقبات التي تواجه سير معالجة المشكلات والبناء الأجتماعي بصورة عقلانية... كما ينتقد كتاب(المجتمع المفتوح) تلك الفلسفات الأجتماعية المسؤولة عن المساندة الواسعة لنشر المفهوم المضاد لأمكانية(المتابعة) الديمقراطية ويناقش أعداء( المجتمع المفتوح) المسائل على أساس أن على الديمقراطية، إذا ما أرادت مواجهة التوتاليترية، أن تصوغ برنامجها الخاص، وهذا يعني أن تصبح الديمقراطية، أو تتحول الى(التوتاليتارية).. والأرجح أن أعداء المجتمع المفتوح قد قرروا وقطعوا بأن نظامنا الصناعي لا يتمكن من الأستمرار في تنفيذ مهماته وواجباته مالم يبين صيغ الخطط الأجتماعية وفي ذلك فهم يشيرون الى صعوبة ، استمرار النظام الأجتماعي الأقتصادي دون بناء أسلوب أو صيغ توتاليتارية للحياة الأجتماعية.
كارل بوبر
من كتاب(المجتمع المفتوح وأعداؤه)

لقد كان فوز الأخوان والسلفيين في مصر، وكما نوه اليه الفيلسوف المغربي(محمد سبيلا) في لقاء خاص أجرته معه مجلة(كـــــــولاًن) مؤخرا بمثابة(خطوة ماكرة) وهذا يعني أن العملية الديمقراطية قد حظيت بالأخوان والسلفيين ولم يفز هؤلاء بالديمقراطية... أو أنهم قد تسلقوا الديمقراطية سلماً لمواقع إجتماعية لذا فإن المهم بالنسبة لهذا الفيسلوف هو أن يقدم الأخوان والسلفيون نموذجا جيداً ويتكيفوا مع الديمقراطية لا أن يسعوا للمكر بالديمقراطية والتحاليل عليها لتكون موائمة معهم..
ويرى(سبيلا) أن هؤلاء مالم يتوخوا الأستفادة من هذه الفرصة الديمقراطية بصورة عقلانية فأن أهل مصر لن يقبلوا منهم هذا التباطؤ ويزيحونهم من السلطة .. إن فكرة محمد سبيلا ونظريته هذه هي صحيحة وصادقة لكل المبادئ ووجهات النظر التي تدخل وفق نظرية المجتمع المفتوح لكارل بوبر، تدخل في أطار أعداء المجتمع المذكور.. ويقصد بوبر بأعداء المجتمع المفتوح، رغم أن بدايات تأليف هذا الكتاب تعود الى حقبة هجمات هتلر على النظم الليبرالية الديمقراطية الغربية، كل التوجهات التي يسميها هو العقبة أو(العقم التأريخي) و بصورة أوضح وأكثر صراحة كل التوجهات التي تنوي تحويل العقل والمنطق والتكنولوجيا الى مبادئ(ايديولوجيا) ويحولون المجتمع عن طريقها الى مجتمع توتاليتاري... لذا فأن علينا من هذا المنطلق التنبه الى نقطتين مهمتين.
1- الديمقراطية هي في الواقع خطوة تتحايل أو تمكر بكل الأفكار التوتاليتارية والأصولية الأسلامية.. أي بمعنى أنه عندما تدخل أيديولوجية توتاليتارية أو أصولية أسلامية العملية الديمقراطية وتحاول أن تجعلها آلة و سبباً لتفوقها ونجاحها ومن ثم، وبعد أن تتوصل الى السلطة عن طريق(الآلة الديمقراطية) الأجهاز على الديمقراطية ذاتها، وعندها فقط فأن الديمقراطية تخبرهم بأن عناصر الديمقراطية هي قطعة واحدة ولا يمكن انفصامها فعليهم:
إما التزامهم بكل المكونات الحديثة والعقليات الديمقراطية التي هي نتاج تلك العقلية، أو الأنفصال عن الديمقراطية التي لا تسع إطلاقاً لوجهات النظر تلك.
2- الديمقراطية هي موقع ومدى لا يسع(الهندسة الأجتماعية التخيلية أو اليوتوبيا) فنتظيم المجتمع هو ليس قانونا فيزياوياً ثابتا لا يتغير بل أن الهندسة الأجتماعية للمجتمع الديمقراطيه هي(هندسة متدرجة) وأن الديمقراطية والنظام الديمقراطي كما ينوه اليها(بوبر) هي في مرحلة البناء الذاتي وهي مرحلة ستتواصل ولا نهاية لها، لذا فأن اؤلئك الذين يعتقدون أن (برنامج يوتيوبيا التخيلي) هو حل أمثل لمشكلات المجتمع وهو مرحلة تبلغ معها الديمقراطية حد النضج والتكامل وتنتهي معها عموم المعضلات ، فإنهم بأفكارهم وتوجههم هذا، إنما يخطون أو يصوغون للمجتمع برنامجاً توتاليتارياً و يعتمدون برامج لأيقاق تقدم الديمقراطية بدلاً من حماية المجتمع نحو استمرار الديمقراطية في التقدم بمعنى أن هاتين النقطتين توضحان لنا حقيقة أن دخول العملية الديمقراطية هو التزام بعموم قوانين اللعبة الديمقراطية وهي واجبة الألتزام من قبل الجميع ولا تتحمل أستخدام قسم منها لمصالح حزبية وأهمال القسم الآخر.

(لا يمكن التحايل على الديمقراطية)
إن الأحتيال على الديمقراطية يعني الأنفتاح ببعض جوانب الآلية الديمقراطية لأهداف معادية لها وللمجتمع المفتوح، أو بصورة أوضح استخدام الآلية الديمقراطية لبناء نظام هو ذاته معاد للديمقراطية والمجتمع المفتوح ، وهذا بالضبط يماثل أكتشاف الداينمايت(المتفجرات) من قبل عالم الكيمياء السويدي الفرد نوبل.
والذي اكتشفه كي لا يتعب الأنسان في حفر المناجم وتكسير وتحطيم صخور الجبال لفتح الطرق عبرها... أي أن غايته في أكتشافه هذا كانت التخفيف عن كاهل الأنسان واتعابه و أسراع عملية التقدم.. غير أن الأكتشاف هذا قد أستخدم ضد هذا الهدف ونوبل لما يزل على قيد الحياة... ماحدا به أن يخصص جزءا مما حقيقه وكسبه في اكتشاف الديناميت للعلماء الذين يكتشفون أو يخترعون ويبتكرون من خدمة الأنسانية في مجالات (السلام، الأقتصاد، عموم الفروع العلمية في فيزياء وكيمياء وطب... الخ)
غير أن السؤال الرئيس هنا هو عن موقع من استفادوا بشكل سئ من ابداع نوبل هذا وهل أنهم يعتبرون من زمرة من خدموا الأنسانية أم من أعدائها ؟ وكذلك الحال بالنسبة للديمقراطية صحيح.. أنه كان هناك أناس على مدى تأريخ الفكر المعاصر أستفادوا بصورة سيئة من اليات الديمقراطية وتمكنوا بها من إزاحة الديمقراطية في منطقة ما و لفترة معينة، مثل فوز هتلر عن طريق الأنتخابات، ولكن ليس العالم وحده يعتبر هلتر عدوا للأنسانية بل أن الشعب الألماني يعتبره عدواً له ولتاريخ ألمانيا و أكثر من ذلك أن جل مساعي الدولة الألمانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا كانت لأجتثاث الفكر النازي من جذوره، وأبعاد كل حزب سياسي يعتبر النازية، من قريب أو بعيد، وايا كان شكلها، من تأريخ المانيا، أبعاده من اللعبة السياسية ويسترد منه الأجازة أو الرخصة الحزبية،.. غير أن السؤال هنا هو:
عندما يقولون أنه لا يمكن التحايل على الديمقراطية كيف يكون البرنامج الديمقراطي حينها؟ أن هذا السؤال يعيدنا بلاشك الى سؤال آخر مفاده: ما هي الديمقراطية؟.. وجواباً على هذا السؤال و عند التقرب منه بشكل عملي هو القول: إن لكل مجتمع جوابه الخاص تتلخص في عدم منع الأحزاب الأسلامية وسوق قادتهم الى غياهب السجون غير أن الديمقراطية بالنسبة لمصر اليوم إنما تعني عدم خطف ثورة الشباب في مصر من قبل الأخوان والسلفيين. وبالنسبة لمجتمع، كما الراهن في كوردستان، فأن الديمقراطية قد تكون في مواصلة الأصلاحات ومساندة مساعي رئيس الأقليم لأنجاحها،... غير أن الديمقراطية، عندما يتعرض المواطنون المنتمون للديانات المختلفة في كوردستان مثل المأساة التي حدث في زاخؤ مؤخرا، ستكون عبارة عن حماية تعددية المجتمع والتعايش الأخوي.. هذه كلها حقائق تعلمنا إن البرنامج الديمقراطي هو عبارة عن معالجة وحلحلة مشكلات المجتمع و نواقصه على المستويات السياسية والأقتصادية والأجتماعية ، وأن يكون للنظام الديمقراطي ردوده المناسبة، وعن طريق مؤسساته، لعموم المشكلات.. الموجودة داخل المجتمع والمقابل فإن من الواجب أحترام تلك المؤسسات و تجنب إيجاد المعضلات أمامها لتتمكن من معالجة تلك المشكلات وشئ آخر قد يكون مشكلة ملحوظة في المجتمعات المتقدمة هو أن يقاس التقدم العلمي على أساس خدمة الأنسانية و ليس لمستوى سموه العلمي وكمثال على ذلك نقول قد يكون توصل العالم الى استنساخ الأنسان أو أي كائن آخر. ومدى تعقيد مستواه العلمي هو الذي يحدد حرية الأنسان ويحوله من كائن خلقه الله الى كائن مصطنع من الأنسان ذات ما يسبب بالفعل في قطع الطريق أمام أنتشار هذا العلم والحيلولة دون العمل به، غير أن العلم ذاته في المجال الحيواني أو الزراعي، ولأنه نجد البشرية، فأنه يصار الى تطويره وتقديره كتحسين للنوع والأنتاج- وفي هذا الأطار وبالعودة الى تأريخنا السياسي والسؤال: ما هي الديمقراطية؟ فأننا لا نجد أسمى من مقوله البارزاني مصطفى : ( كم هو عظيم أن يكون المرء خادم شعبه) وهو بذلك يقصد نفسه قبل الآخرين حيث برهن ثائرا وحاكماً، أنه خادم لشعبه، وهذا يعني أن الحكم الذي يمارس في خدمة الشعب هو ذلك الحكم الذي يسمو بالشعب والأنسان الى أعلى المراتب في المجتمع وأن السياسة والحكم يأتيان أدنى من الشعب والأنسان، وهو جوهر المجتمع المفتوح الذي يؤكد عليه جميع المفكرين والمثقفين في العالم، بأن قيم الأنسان والأنسانية هي أسمى من أي شئ آخر من المجتمع وكمثال على ذلك نقول: عندما يحرم أي شخص أن يمارس معتقده ودينه بحرية فأن ذلك إنما هو تشويه لقيم الأنسانية و كرامته... كما أن محاولة البعض فرض آرائهم ومعتقدهم على الآخرين بالقوة هي الآخر معاداة سافرة لكرامة الأنسان و قيمه لذا فأن النقد لايعني شيئا سوى أحترام كرامة الأنسان..

النقد كنتاج ومعطيات للمجتمعات الحية
إن وجود الأنتقاد أو عدم الرضا ليس دليلاً على ضعف السلطة السياسية، أو فسادها كما يقول البعض بل هما برهان على حيوية المجتمع الذي يبذل مساعية للتقدم أكثر نحو الأمام وإيمان السلطة وثقتها برأي الناس وهي ساعيه لضمان تشخيصهم النواقص والسلبيات بكل حرية، ويطالب بمعالجتها، والأمر هكذا، وفي خضم هذا التوارد الضميري عند حيوية الشعب ووعيه ورغبته في تجاوز الواقع الراهن وصولاً الى مرحلة أفضل وبالمقابل أستعداد السلطة السياسية أو الأحزاب الحاكمة للأستماع الى آراء الشعب والبدء بالأصلاحات، فأن الوضع يتطلب أن تنصب كل الجهود لتعاون الطرفين، الشعب والسلطة والعمل حسب الممكن في أنجاح برنامج الأصلاح.. وفي هذا الأطار فأن أية محاولة تبذل لتوسيع الهوة أو الفجوة بين السلطة (والمعارضة جزء منها) وبين الناس فأن ذلك لن يكون بمثابة توسيع الفجوة بينهم وبين الأحزاب الحاكمة(الديمقراطي الكوردستاني والأتحاحد الوطني) مع الناس على سبيل المثال بل ستكون هوة بين الناس وبين عموم السلطة و نورد مثالاً آخر.
1- لقد منح الشعب خلال الأنتخابات59% من الأصوات الى البارتي والأتحاد و 41% الباقية للأحزاب الآخرى.
والسؤال المهم هنا هو: هل قطعت المعارضة على نفسها، وهي الآن تتمتع ب 37% من مجموع أصوات المواطنين، قطعت العهد أثناء الحملات الأنتخابية بمنع ممارسة الحكم في هذا البلاد في حال فشلت هي في الأنتخابات؟.
2- إن الحكم في هذا الوطن هو نتاج صناديق الأقتراع.. أي أن السلطة التي يتمتع بها البرلمان. كممثل عن الشعب، والمعارضة جزء منه، فأنه قد وصل الى المشاركة في البرلمان ومعه جملة من البرامج والوعود، ومشاركتها فيه تعني قناعتها بالنظام الديمقراطي وبقانون اللعبة الديمقراطية، لذا فأنها عندما تنكر ذلك لمصالحها الحزبية، فأن من الأحرى (المعارضة) للمساءلة أمام الشعب.
إن التنوية الى تلكم النقطتين جاء بهدف الفصل بين انتقاد المجتمع الديمقراطي وبين نقد الرفض وهما نقد يهدف الى ضمان معالجة السلطة والشعب معاً لجميع القضايا و بين آخر ينبغي التفريق بين الناس وبين النظام الديمقراطي.
عن هذا الجانب توجهنا بالسؤال الى البروفيسور(رونالدويد) استاذ الفلسفة في جامعة(نيو برونسويك) بصدد أهداف الأنتقاد داخل المجتمع فأجابنا في حديث خاص لمجلة(كولان) قائلاً: إن مسألة أمكانية المجتمع من النقد الذاتي هي غاية الأهمية لتحقيق أي تقدم سيما في التقدم الذي يؤمل فيه أن يكون ديمقراطياً.. لأنه لا يمكن تحقيق الديمقراطية بين عشية و ضحاها ، بل عليه أن يتمكن ومن أعماقه من تشخيص نقاط القوة لديه وفي ذات الوقت تحديد مشكلاته فالمعضلة هنا تتلخص في أن الأنتقاد(الناعم) الذي يوجهه المجتمع الديمقراطي لنفسه لا يكون بالضرورة أفضل و أحسن حالات الأنتقاد فنجد أحياناً أن أستمارات وأستبيانات الأنتقاد أحسن وأجدى من مثيلاتها والمشكلة هنا تكمن في إيجاد أفضل السل لتطوير الديمقراطية وإنعاشها وإنمائها.. هنا يجب ملاحظة التوجهات وبكل ثقة ولا ننسى أن هناك، في بعض الحالات أصوات هدامة، وأعود وأتساءل: كيف السبيل لأيجاد أجواء تكون فيها الأصوات بناءة والنأي بأنفسنا عن إمكانية إجبار الأصوات الهدامة لتلك بناءة على التراجع، ومهم جداً أن يؤدي المثقفون دورهم في المجتمع الديمقراطي، وفي الأنتقاد وأيجاد أفضل الطرق لتقدم المجتمع، غير أن أصواتهم ودورهم كانت أحياناً مبعث التحفظ والأنطواء داخل المجتمع وهذا بالذات يعيدنا الى مشكلة أيجاد أساس وقاعدة بناءة و راسخة للأنتقاد بحيث يساعد و يدفع خطوات المجتمع نحو... وهو بلا شك عمل صعب وذلك نظراً لأحتمال، حتى في حال وجود المثقفين، أن يمثل هؤلاء وجهة نظر متطرفة بموازاة تمثيل الأصوات غير المثقفة للتطرف وتجسيدها له..
أحد التحديات هنا هو كيفية إيجاد قياس أو أعتماد نقد بناء يتلاءم مع تقدم الديمقراطية و دون أن يوجد إستقطاباً من شأنه تعميق التكتلات و خلافات السلطة داخل المجتمع..
إن الخطوة الأولى مما أشار اليه البروفيسور(رونالدويد) هي تعريف النقد كمسعى لتقدم المجتمع... أي أن النقد(الناعم) لتفعيل قوى(ناعمة) و تحقيق تحولات هادئة وبطيئة لا ينسجم مع آراء أولئك الذين يؤمنون بالأنتقاد(الخشن) والقوى الخشنة والتحولات الراديكالية الثوبية.. غير أننا، وبهدف أستعراض سبل وضع الأنتقاد الحكومة أمام مسؤولياتها أو كونه عاملاً لضمان حكم راشد في البلاد سألنا(البروفيسورة(آن أوفلين) استاذة النظرية السياسية في جامعة(نيوكاسل) فأجابت تقرير المجلة هذا كالآتي : المسألة الرئيسة في الأنتقاد و حرية الرأي والتعبير تكمن في وضع الحكومة أمام مسؤولياتها فحين يتحدث الأفراد بحرية فهم في ذلك إنما يطرحون أفكاراً و توجهات جديدة... فللأنتقاد أهميته القصوى في وضع الحكومة أمام مسؤولياتها، فبدون إنتقاداتهم لا يمكن أن تعمل الحكومة كما هو متوقع منها، هنا بأمكان المثقفين أن يؤدوا دورا مهما و فعالاً في توضيح الأفكار والمسائل المعقدة للناس و بشكل مبسط، و ذلك سبيلا لضمان فهمهم و تفهمهم لمشغوليات الحكومة وأدائها والواجب أتباعها و في خضم ذلك وضعها أمام مسؤولياتها.. أي أن يؤدي المثقفون دورا وسطاً في تبسيط المعلومات و توضيحها للمواطنين العاديين.. عندها نضمن توعيتهم بشكل يضعون فيه الحكومة أمام مسؤولياتها...



الأعلام و إنتاج النقد
جانب آخر في حياة المجتمع الديمقراطي هو وجود حرية الرأي والتعبير وتهيئة الأجواء والسماح له بأبداء النقد فأن حرية التعبير في هذا المنحى إنما هي تعبير عن هوية الأعلام الحر لا أن يأتي إعلام ما ويعلن نفسه إعلاما حراً.. والسبب في ذلك هو عندما تتوفر حرية الرأي داخل المجتمع فأن ذلك يبين لنا أنه( ليس بالضرورة أن تكون الحرية فقط رفضاً وعدم قبول، بل هي تعني وجود وجهات نظر مختلفة أزاء المسائل المختلفة أيضاً).. وعن فاعلية الأعلام في المجتمع الديمقراطي وإنبثاق الرأي العام سألنا البروفيسور(جون توماس) أستاذ العلوم السياسية و مدير مشروع النظريات السياسية في جامعة(براون) فأبدى رأيه الآتي للمجلة: إن وجود وجهات نظر مختلفة بين الأفراد بعضها تنتقد الحكومة و بعضها تسندها. فأن ذلك سيوفر فرصة سانحة لظهور صيغ تفكير تتسم بالمرونة.. اي التفكير في حقيقة مصالح الناس أو أن على الحكومة أن تقدم خدماتها لكل المكونات والناس و يكون للأعلام دور مهم في ذلك وهو دور ذو علاقة بتأمين حقوق التملك والتي بضمانها نؤمن مجالات خلق الصحافة الحرة وصيغ الأعلام المختلفة والصحف والمجلات والأذاعة والأنترنيت و مختلف سبل و مديات العلاقات بحيث يستخدم الناس حقوق التملك للتعبير عن توجهاتهم وآرائهم.. و بالعكس من ذلك، وإذاما حجزت الحكومة الحاسوب أو الكومبيوتر عنهم ومنعت صحيفة ما أو حرمت عنهم البث الآذاعي للتعبير عن آرائهم، عندها تكون الحكومة قد قيدت المجتمع وبسطت سيطرتها عليه لأنها سيطرت بذلك على أوجه التحدث والتعبير.. وبمعنى آخر فأن التملك هو أحدى الطرق المهمة لحماية حرية التعبير فعندما تكون حقوق التملك مصانة، فأن سلطات الحكومة ستكون محدودة و بأمكان الناس العبير عن مختلف وجهات النظر، أي أنها مهمة لمجتمع يكون ديمقراطياً بحق و يكون ذلك أساساً لبناء الرأي العام والذي برأيي يجب أن يتطور وينمو بأستمرار و ذلك بهدف التوصل الى الحقائق وهذا مالا يتحقق دون وجود مجموعاًت مختلفة في المجتمع تتنافس فيما بينها للفت أنظاره..
تعبر عن العديد من وجهات النظر السياسية المختلفة ليس وجهات نظر الحكومة والمعارضة فحسب بل وجهات النظر على أختلاف مشاربها ومآربها.. ويكون بأمكان الناس حينها بلورة وجهات نظر معينة وفهم حقيقة المجتمع المنشود.
ونستقى من أشارات البروفيسور(توماس) هذه حقيقة أن وجهات النظر المختلفة للمجتمع هي السبب الرئيس لخلق الرأي العام والوسيلة الأفضل لأيصالها هي بالتأكيد وسائل الأعلام.. وأسترسالاً للحديث عن بناء الرأي العام فقد توجهنا بالسؤال ثانية الى البوفيسور(رونالدويد) فأجاب كولان بالقول:
إن قضية الأعلام هي من أعقد المشكلات فإذا ما عدنا الى دور التكنولوجيا فأننا نجد أنها قد مهدت وهيأت مساحات جديدة للأعلام رغم أستمرار أساليبه التقليدية..والذي كما أشرتم اليه، غدا فيه تحقيق المكاسب دافعاً رئيساً لأعمال وسائل الأعلام تلك... وهذا بالذات ما يعيدنا الى المسائل السابقة والتي تتجلى في حقيقة أنك عندما تتمتع بحرية التحدث والرأي، فأن ذلك لا يعني، أن الأنتقادات التي تسود أو توجه ستكون بالضرورة واعية وبناءة.. كما أن وجود أعداد متزايدة من و سائل الأعلام لا يعني ايضاً توفر تلك الحقيقة لأنه لا توجد أية ضمانات بأن تكون تلك سائدة في عموم المجتمعات الحرة غير أن من الأجدى، فسح المجال و بثقة وأطمئنان، أمام حرية الرأي والحديث والتعبير، لا لتقييد تلك الحرية أو حجرها.. كما أن توفير حرية الأعلام قد يفسح المجال أمام الأصوات المتطرفة للتعبير عن آرائها أي أن أيجاد أسس راسخة و بناءة لنقد مسؤول غير دافع أو ضامن من للمكتسبات والتفوق، إنما هو مهمة صعبة و معقدة.. و عندما نعود ثانية، ومن هذا المنطلق الى مسألة خلق الرأي العام و ظهوره، فأنا أعتقد أن العديد من الجهات سيكون لها دورها، هي الأخرى، في بناء الرأي العام و قبل كل شئ تهيئة الأجواء لبناء مجتمع مدني سليم و بحيث تؤدي الأصوات المدنية الدور الرئيس في صياغة الرأي العام..
غير أنني أتحدث بصورة أخص عن مشاركة المنظمات في بناء الرأي العام سواء كانت دينية أم سياسية أم تلك التي تهتم بجانب وأمور محددة بعينها.. كما أن للأعلام دوراً مهما في صياغة الرأي العام..
وكما ذكرت أنفأً، إن مسألة صياغة الرأي العام هي دور معقد وذلك لوجود أصوات مختلفة أولاً ولأن المجتمع، ليس مسيطراً عليه، كما في السابق، من قبل مؤسسة أعلامية واحدة حصراً.. بل نلحظ في يومنا هذا وجود العديد من أجهزة الأعلام، وأضاف:
وبرأيي أن سبباً أو عاملاً آخر لصياغة ألرأي العام هو(العائلة) أي مشاركة الأسرة و الأساليب التي توفرها أو تعلمها لأبنائها.. لقد سبق أن تحدثت عن المنظمات المدنية غير أن هناك أيضاً الأحزاب السياسية، صحيح أن هناك بعض المنظمات المدنية التي تشبه في أدائها تلك الأحزاب، غير أن للأخيرة ، وفي معظم الحالات، دورها في صياغة الرأي العام وأرى أيضاً أن المشاركة السياسية لوحدها ليست إنعكاساً للرأي العام فقد يكون لأحدهم مثلاً مبادئ قوية ورصينة تنعكس في مشاركته هو.. غير أنه من المحتمل ، بالمقابل أن يكون لدى شخص آخر ذات المبادئ الرصنية ومع ذلك لا يشارك في العملية السياسية وهذا بدوره يثير تساؤلا آخر حول أسباب ظهور تشكيل أو صياغة المنظمات المدنية وألأحزاب السياسية وهي في الحقيقة مسألة أصعب وأكثر تعقيدا؟.
Top