• Friday, 26 April 2024
logo

حق تقرير المصير.. تعايش اختياري ومشروع للسلام المستدام بين مكونات العراق

حق تقرير المصير.. تعايش اختياري ومشروع للسلام المستدام بين مكونات العراق
ترجمة: دارا صديق نورجان



لقد استلهم(وورد و ويلس) حق تقرير المصير من الفيلسوف العالمي المعروف(عمانوئيل كانت).. إن مشروع (السلام الدائم أو المستدام) هو الكتاب الذي أنبثق عقب السؤال الشهور (ماهي التوعية والتثقيف) من فكر(كانت) الذي يحمل الدولة المعاصرة مسؤولية(التوعية) قبل أن تمارس مهماتها الآخرى وذلك بأعداد تلك الدولة مواطنيها وتثقيفهم بفهم وإدراك(معنى الحرية) كما أن (فهم معنى الحرية) كهدف أخلاقي هو عنوان الكتاب الذي الفه(كانت) تحت إسم(مشروع للسلام الدائم في العالم) وتفاصيله وأهدافه هي سبل تنظيم المجتمع على مستوى يتمكن فيه الفرد من التوافق والأنسجام مع حريات أفراد القوميات الأخرى) ويدعو(كانت) الى تحول المجتمع العالمي الى مجتمع قانوني من جهة وتأسيس (هيئة الأمم) على أسس الحق والعدالة، وأن هذا المشروع(السلام الدائم) لا يمكن أن يخطى بالنجاح دون تنظيم العلاقة بين القوميات ، وإيصالها الى مستوى عالم معاصر وأن العالم المعاصر والمؤهل هو ذلك العالم المتطلع الى أجتثاث جذور الشر والأستعداد له والنية في أتباع العلاقة والسلام بين مختلف القوميات والأمم، والسؤال هنا هو(كيف عمل(كانت) على ايجاد طريقة لأجتثاث الشر و بناء السلام؟ ولا يمكن النظر الى جميع القوميات، كما ورد في كتابه وفق صغر تلك القوميات أو كبرها، بل وأن يكون لكل قومية حقها في تقرير المصير وانشاء دولتها المستقلة و دون أن تخرق الدولة الأكبر سيادة الدولة الأصغر، ولا شك أن مسألة(الدولة) تعني لدى كانت نصاً ( الأمة).. ودعاً في مشروعه(السلام المستدام) الى منح كل قومية حقها في إنشاء دولتها، وفي هذا الأطار ايضاً، وبدلاً من المطالبة بتأسيس(هيئة للدول) إنما دعا الى تأسيس(هيئة الأمم) وهذا يعني أن يكون لكل قومية أو امة حقها في تقرير مصيرها لبناء دولتها المستقلة وبالتالي تحول العلاقات بين الدول، وبشكل مباشر، الى علاقات بين الأمم... إن كتاب(كانت) هذا وكما أشار اليه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق(وينستن تشرشل) في كتابة مذكراته، يذكرنا بأن الحربين العالميتين الأولى والثانية كانتا حرباً بين الشعوب ما جعل مسألة حق تقرير المصير للشعوب، وحتى نهاية الحرب الكونية الثانية، تعني إعلان الدولة القومية المستقلة، غير أن هذا الحق قد شهد تحولاً كبيرا بعد تلك الحرب وشمل الى جانب انشاء الدولة المستقلة، حق الحكم الذاتي والفدرالية ايضاً غير أن هذا التحول، وكما لاحظنا في مسألة(تفكيك) الأتحاد السوفيتي السابق، لم يكن موفقا، وإذا ما عدنا اليوم الى نهاية الحرب العالمية الأولى وأفكار الرئيس الأمريكي ال(28) الذي اقترح فيها تأسيس مجتمع الشعوب وحقها في تقرير المصير، وتساءلنا عن علاقة أفكار ويلسن لمشروع(السلام الدائم) لعمانوئيل كانت فيكون من الأحرى الأشارة الى كيفية تحول(عصر التوعية أو النهضة الأوروبية) الى الهام تولد لدى( توماس جيفرسن) في صياغة بيان الأستقلال الأمريكي على أضواء ومديات (عصر التوعية الفرنسي) وأعتبار ذلك البيان مسألة مقدسة لدى الأمريكيين أسوة بالدستور الأمريكي، وبذات الأسلوب وبعد مرور(142) عاماً على صياغة بيان استقلال الويات المتحدة و(125) عاماً على (مشروع للسلام الدائم) جاء ويلسن وأستلمهم أفكاره من(كانت) وصاغ ما توقعه( كانت) كفيلسوف ومفكر، مشروعاً وقدمه الى الكونكريس الأمريكي ليغدو مشروعا للسلام في العالم ويتجدد في النقاط الأربع عشرة المعروفة في العالم و(بمبدأ ويلسن) غير أنه، وبسبب عدم قبول الدول الغربية بمنح ذلك الحق لمستعمراتها وتوابعها وبالتالي اعلان استقلالها ولكون معاهدة(فيرساي) كما أشار اليها(تشرشل) ، سببا في الأستخفاف بالأمم التي خسرت في الحرب العالمية الأولى، فإن معاهدة فيرساي، وبدلا من أن تكون سببا ودافعاً لأجتثاث الحروب، فقد أصبحت تمهيدا لحرب جيدة سيما بالنسبة ل( هتلر) غير أن ما يجب الأشارة اليه هنا فيما يتعلق ب(مبادئ ويلسن) هو مسألة تفكيك الأمبراطورتيين(المجرية) و(العثمانية) فقد كان هدف( ويلسن) أن يكون لمختلف القوميات فيهما حقها في تقرير مصيرها.. إن مشروع وودر و ويلسن والذي هو تفعيل لمشروع( عمانوئيل كانت) بعد(125) عاماً كان السبب في منح ويلسن جائزة نوبل للسلام في عام 1919.. وبالعودة الى الخلفيات التاريخية لمسألة بناء سلام دائم في العالم نكون أمام حالتين:

1- على الدولة أن تثقف مواطنيها وتعيهم بحيث يفهمون معنى الحرية.
2- يجب أن يكون تنظيم العلاقات بين القوميات والأمم بالدرجة الأولى عبارة عن أحترام إرادة مواطني تلك الأمم وينظم ذلك بقانون.
أي أن التاريخ السياسي لأنبثاق مصطلح( حق تقرير المصير) وأتخاذ الخطوة المناسبة لممارسة هذا الحق يعملنا بأن حق تقرير المصير إنما يعني فهم الحرية، والأخير هو من مهمات الدولة أولاً وتنظيم العلاقة بين القوميات وهو بحاجة الى تنظيم قوانين المجتمع الدولي، ضماناً لأحترام إرادة الأمم...
لقد أشعل عدم الألتزام بمبادئ(مجتمع الشعوب) أوار الحرب العالمية الثانية، وقد أشار البند ال(12) من مبادئ ويلسن الى(أن للكورد، كأمة خاضعة لسلطات الدولة العثمانية الحق في تقرير مصيرهم بأنفسهم وينص هذا البند على(إن ضمان بقاء سيادة القسم التركي- ويقصد الجزء التركي داخل الدولة العثمانية- يعني شمل الشعوب غير التركية بحق تقرير المصير وستكون لعموم السفن والبواخر حق المرور عبر(المضايق) وبضمانة دولية) والنقطة الرابعة عشرة وهي آخر نقاط مبادئ نلسن تتعلق بتأسيس(هيئة الشعوب) ولو أمعنا النظر في تلك المبادئ نجد أن النقاط التي قدمها كمقترح لبناء سلام عالمي دائم إنما كانت جديرة بأن تضمن منحه جائزة نوبل للسلام، وبموجب مبادئ ويلسن فأن السلام العالمي سيكون مستقرا عندما يكون لمختلف الأمم حقها الحر في تقرير مصيرها وسيظهر الى الوجود، من مجموعة الأمم الحرة هيئة الشعوب التي بمقدورها ترسيخ سلام دائم في العالم.. وبعودة الى هذه المسألة والى تأريخ العراق والشرق الأوسط خلال ال(91) عاماً الأخيرة نجد أن التغافل عن الأعتراف بحق شعوبا لمنطقة بصورة عامة والشعب الكوردي على وجه الخصوص كان السبب الرئيس لعدم تحقيق سلام دائم في المنطقة، أي أن الكورد بصورة عامة وفي العراق بشكل خاص عندما يسعى ويكافح من أجل أجتثاث جذور الحرب والأقتتال وأبلاغ الرئيس البارزاني دول التحالف الديمقراطي(أنه من الممكن) وعن طريق الدستور العراقي تحقيق السلام في عراق يقرر فيه الكورد بأختياره (العيش مع العرب فيه) إنما يعني أن الكورد، وبعد الأعتراف بحقوقه وعودة المناطق المقتطعة الى أقليم كوردستان، سيقررون مصيرهم بأتجاه البقاء الأختياري والطوعي في العراق.

بالنسة للعراق كعالم مصغر ومساعي البارزاني(كمشروع دائم للسلام) وقبل أن نتطرق الى الفوضى التي أثارها بعض وسائل الأعلام العربية عقب كلمة الرئيس البارزاني، كان الأهم للجميع فهم معنى (حق تقرير المصير) والأفضل قبل الوقوف المجرد أمام الجملة التي أشار اليها البارزاني في كلمته( سيكون حق تقرير المصير في المؤتمر- بأذن الله- جوهر و روح البرنامج النضالي للحزب الديمقراطي الكوردستاني) قبل ذلك علينا أجراء متابعة سريعة لمواقف البارزاني وتوجهاته لبناء العراق الجديد ليس بعد سقوط النظام السابق في عام 2003 فحسب بل وحتى قبل السقوط و كان لسيادته في مؤتمرات المعارضة العراقية، سواء تلك التي عقدت على أراضي أقليم كوردستان(الجزء المحرر من العراق) أم التي عقدت في الخارج دور متميز وتقدير خاص لدى عموم العراقيين.
فيما نجد اليوم أركان المعارضة تلك وهم يحاولون عمداً تشويه رسالة الرئيس البارزاني ونسألهم اليوم: أنكم تستعيرون بعض فقرات ذلك الخطاب بشكل مجرد وتفسرونها وتؤلونها كيفما شئتم؟
أم أن تلك الجمل يجب أن(تعاد) الى نص الخطاب وتوثيقه بالكامل، لأن التأويل المجرد لتلك الجمل فحسب إنما يشتق منه تأويل وتصور لا يمكن- للأسف- تصور نية الصداقة والتعايش الأختياري فيه فيما عليهم التذكر، إذاما استمروا حق تقرير المصير في الأطار الشامل للخطاب أن بناء العراق الجديد قد تم على أساسي أتحاد أختياري وأن شعب كوردستان، وعندما يتمتع بحقوقه الأساسية في ظل الدستور العراقي ودستور أقليم كوردستان، عندها سنرى، كيف أن دول الأتحاد الأوربي تقرر بأختيارها الحر وفي إطار حق شعوبها في تقرير المصير الأنضمام الى عضوية الأتحاد وكيفية تجسيد حقوق دول وشعوب أوروبا في أطار دستور ألأتحاد ويبقون على أساس هذا الدستور ككيان فيدرالي داخل الأتحاد الأوربي، كذلك الحال بالنسبة لخطاب الرئيس البارزاني ومضامينة والتي يمكن شرحها وتوضيحها بعدة نقاط:

1- يؤكد الرئيس البارزاني على تنفيذ ذلك الدستور الذي يعتبر العراق دولة فدرالية وتعددية وديمقراطية وبرلمانية وأعادة بناء الدولة على تلك الأسس إنما تكون دولة تضمن الحريات لأفرادها وتحمي التعددية السياسية والتنوع القومي والديني.
2- كما الحال بالنسبة لحق الدول الأوربية في تقرير مصيرها والتي هي بالأساس لها دولها المستقلة، ولكن بعد أن يصادق مواطنوها على الدستور الأوربي ويصوتون لصالح العضوية في الأتحاد الأوربي..
وأكثر من هذا فإن دولة مثل تركيا هي مستعدة وتبذل كل مساعيها منذ 30 عاماً لتصبح عضواً في الأتحاد الأوربي, ولو أمعنا النظر في رسالة الرئيس البارزاني من هذه الزاوية وتعريفه للعراق الجديد، فأننا نتوصل الى نتيجة مفادها أن العراق الجديد، من وجهة النظر البارزاني، هو مصغر للأتحاد الأوربي، وعندما يصبح العراق كمثل ذلك النموذج أو المصغر فأننا، حتى وإن كانت كوردستان دولة مستقلة، سنكون راغبين بأن نكون عضواً في ذلك التنظيم الموحد، وبعكسه فأن بقاء العراق أو أستمراره كذلك العراق الذي يعرفه العنصريون ويتطلعون الى إدارته بشكل دكتاتوري ويكون فيه الكورد مواطنين من الدرجة الثانية عندها فلن يبقى أقليم كوردستان جزءا من ذلك العراق...الخ.
3- وبالنسبة لمسألة تنفيذ المادة(140)من الدستور ومعالجة قضية المناطق المقتطعة وإعادتها الى أقليم كوردستان، فأن هذه ليست المرحة الأولى التي يؤكد فيها الرئيس البارزاني على قاعة مؤتمر الحزب الديمقراطي الكوردستاني وأمام ضيوف المؤتمر على تنفيذ هذه المادة الدستورية والهوية الكوردستانية لكركوك بل أن الرئيس البارزاني قد أبلغ العالم عدة مرات في أنقرة و واشنطن ومعظم عواصم العالم، أبلغه بهذه الحقيقة وأكد أنه لو خيرنا بين التخلي عن تلك المناطق وبين مكتسبات أقليم كوردستان، فنحن بدون شك لن نراعي تلك المكتسبات ونضحي بكل شئ من أجل كركوك والمناطق المقتطعة من سنجار والى خانقين...
فهذه مسألة أخلاقية ومبدئية لدى الرئيس البارزاني وهو في كل الأحوال يتعامل مع قضية الأمة الكوردية بذات النظرة.
4- سواء كان أقليم كوردستان الفدرالي في العراق، أقليماً أم دولة مستقلة، فيجب تأسيس أقتصاده على أسس التكامل الأقتصادي الوطني ولا يمكن فصل الأقليم من الناحية الأقتصادية عن العراق ولا يتمكن أقليم كوردستان أيضاً من الأنفصال عن العراق... والمسألة ليست كما توقع البعض بأن اقليم كوردستان سيعجز عن تأمين معيشته مالم تؤمن له الحكومة العراقية17% من موازنتها العامة بل بالعكس أن الشرط الرئيس لأقتناع أقليم كوردستان بتلك النسبة هو ضرورة توخي التطور والتقدم الذي يحصل في مجال النفط والغاز وضرائب الأقليم في سائر مناطق العراق، أي بمعنى آخر أنه ليست هناك خطورة على ايرادات نسبة ال17% تلك فحسب بل أن النسبة التي تخصص للمناطق المحررة من أقليم كوردستان هي الآن أقل بكثير مما هو متوقع و واقعي وهو أحد الشروط التي يطالب الأقليم فيه أجراء احصاء عام ونزيه في عموم العراق، ونقول لأولئك الذين يرددون أن اقليم كوردستان لن يقاوم لأكثر من شهرين بدون نسبة17% من الموازنة العراقية تلك، بأن الأفضل لهم أن يعرفوا حقيقة الأصوات التي حققتها القائمة العراقية ونالت بسببها 91 مقعداً في مجلس النواب العراقي وبالمقارنة مع الأصوات التي حققها ائتلاف الكتل الكوردستانية ونالوا من ورائها فقط 58 مقعداً والتي لم تبلغ أقل من أصوات العراقية سوى بضعة الآف من الأصوات فيما بلغ عدد مقاعد العراقية زهاء ضعفي مقاعد التحالف الكوردستاني!! وعند ذاك تبين لهؤلاء الأدعياء مدى الغدر والحيف الذي لحق بأقليم كوردستان منذ فصل حصة الأقليم من الموازنة العراقية وهذا ما يفضحه بوضوح أجراء أحصاء منظم في البلاد... لقد أوردنا هذه الحقائق لأولئك الذين يدعون بأن أقليم كوردستان لن يقاوم أكثر من شهرين اذا ما اصبح دولة مستقلة، وليس لربط حق تقرير المصير بتأسيس دولة كوردستان و زيادة موازنة الأقليم.

فإن ذلك ايضاً لن يمنع أقليم كوردستان من التحول الى جزء من التكامل الأقتصادي الأقليمي ، بل بالعكس فإن الأقليم سيصبح تكاملاً أقتصادياً لعموم العراق على مستوى الأقتصاد الأقليمي والأمر هكذا فإن تلك الحقائق تبين لنا بأن الهرج الذي أثاره البعض حول رسالة الرئيس البارزاني كان محاولة عنصرية
للتعتيم على المبادرة التأريخية للرئيس البارزاني، تلك المبادرة التي لولاها و بشهادة عموم القادة العراقيين والأقليميين والعالميين، لما تجاوز العراق المعضلة التي وقع فيها بل كانت تلك المعضلة ستكون ذات تأثير سلبي على استقرار الشرق الأوسط برمته.
Top