• Thursday, 25 April 2024
logo

المجتمع الدولي و معضلة الأثنيات والقوميات

المجتمع الدولي و معضلة  الأثنيات والقوميات
ترجمة: دارا صديق نورجان



(بعد أنتهاء الحرب الباردة فقد طرحت الأثنيات والقوميات نفسها مرة اُخرى كظاهرة في العلاقات الدولية، لقد أثارت هذه الظاهرة تساؤلا جديدا لدى الباحثين والسياسيين:
ترى كيف تتم معالجة القضايا وأنهائها.. والكل على دراية بأن نهاية الحرب الباردة قد سحبت وراءها جملة معضلات ومشكلات منها مشكلة ايرلندا الشمالية، المشكلة الفلسطينية، مشكلة البوسنة وقد أتخذت عدة خطوات لمعالجتها بشكل سلمي غير أننا لم نجد أية ضمانات تطمئننا بأن هذه المعضلات لن تظهر من جديد.
لقد سحبت الحرب الباردة وراءها جملة ظواهر مخيفة في يوغسلافيا السابقة وفي مقدمتها ظواهر التطهير العرقي والممارسات الوحشية للأشتراكية ضد القوميات الأخرى لذا فقد ظهر سؤال آخر:
كيف السبيل لمعالجة الظواهر التي تنتجها ال وهل يمكن حلها سلمياً.. أم أنها تضع الجهات المتنازعة في نطاق دائرة محددة لدفعها نحو المزيد من العنف والتطرف والأنتقام؟ أمامنا الآن العديد من الأدلة التي أفرزتها دراسة( 48) مشكلة خلال الأعوام(1945 -1996) ومفادها: أن المشكلات أو العنف بين الأثنيات والقوميات المختلفة تنتهى بالأنفصال، ولا شك أن هناك العديد من الحلول لمعالجة مشكلة الأثنيات والقوميات غير أن السؤال هو :
كيف يمكن أختيار طريقة واحدة مثلى لمعالجة قضية محددة ولا شك في أن مستوى العنف بين الممكن والمحال هو الذي يحدد المعالجة تلك .
وليم آيدس

إذا كان يوم 2 آب 1990 حيث هاجمت القوات العراقية دولة الكويت واحتلتها بداية جديدة في العلاقات الدولية وتعاوناً جيداً بين الأتحاد السوفيتي السابق وبين الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة معضلة دولية واجبار العراق على الأنسحاب وأستعادة سيادة دولة الكويت، فإن الكثير من المراقبين أعتبروا ذلك التعاون لمواجهة العراق بداية النهاية للحرب الباردة، إلا أن احتلال الكويت من قبل العراق لم يكن تلك البداية، بل يمكن أن نقول إنه كان بداية لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي كانت الحرب الباردة تحول دون تنفيذها.. أي أن اليوم الذي انتهت فيه الحرب الباردة كان في الواقع يوم صدور قرار مجلس الأمن الدولي المرقم(688) الذي منع تعرض الكورد، في أعقاب هجرته المليونية في ربيع عام 1991، الى كارثة انسانية وكان ذلك القرار في الحقيقة آخر مسمار في نعش الحرب الباردة.. إن صدور القرار 688 في 4 نيسان 1991 لم يكن بالنسبة الينا نحن الكورد مجرد نهاية لتلك الحرب الباردة التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية في كوردستان بسقوط جمهورية كوردستان الديمقراطية في مهاباد بل لقد أعتبرنا ذلك القرار نهاية تلك الحرب اتي كانت القوميات المماثلة للكورد في الدول المغلقة تتعرض لها منذ عقود من الزمن وأن القرار هو بمثابة تفكر جديد للعالم لأعادة صياغة خريطة جديدة تتمتع فيها الأمم المظلومة بحقها في تقرير مصيرها، تلك الحدود التي أكستت صوت الشعوب لأكثر من نصف قرن ويقينا أن النظام العالمي الجديد سوف يحيى وينعش تلك الأصوات المكبوته، ورغم مرور أكثر من(20) عاماً على صدور قرار الأمم المتحدة هذا إلا أن المشكلة التي صدر القرار أجلها لم تعالج حتى الآن، ولم تحل مشكلة أقليم كوردستان في العراق رغم أن الدستور العراقي الذي صوت له 80% من العراقيين عام 2005 قد وضع الآلية المناسبة لمعالجة تلك القضايا.. ونتساءل: عندما يرفع المجتمع الدولي شعارات السلام والأستقرار في العالم يحتاج بالدرجة الأولى الى معالجة معضلات الأثنيات والقوميات التي لا تزال باقية دون حلول وهي من معطيات عالم القطبين والحرب الباردة ؟ وهل يمكن إحلال السلام والأستقرار في العالم دون ايجاد حل عادل لتلك القضايا؟ إن المعالجة المبتورة أو أشباه الحلول لمعضلة الأثنيات والقوميات هي في الواقع تمثل شرارة نيران حامية لتلك القضايا و تستعر بأستمرار... لقد شخص البروفيسور(وليم آيرس) في بحثه المعنون(الأنفصال أم التعايش) جملة أحتمالات سياسية لمعالجة تلك القضايا وقد لخصها، بمتابعة الواقع ، في (4) احتمالات هي.
• مستوى العنف بين المكونات المتنازعة.
• اختلاف القوى بين الأطراف المتنازعة.
• تطلعات الأطراف المنزوية داخل المعضلة وفرض القوي على الضعفاء
• دخول طرف ثالث كحكم بين تلك الأطراف والمكونات.

إن مراعاة تلك المناحي الأربعة هي مهمة في كل قضية وهي المحور الرئيس في كيفية دراسة كل قضية على المستوى النظري وأتخاذ الخطوات العملية لمعالجتها على أرض الواقع إلا أنه، ورغم وجود تأثير مباشر لكل أحتمال على الأحتمالات الثلاثة الآخرى، غير أن مستوى العنف فقط له تأثير مباشر على بقية الأحتمالات وهذا يعني أنه لوكان مستوى العنف بين الجماعات المتنازعة عاليا فأن تلك القضية إنما لا يمكن معالجتها إلا بالأنفصال.
أما إذا كان ميزان القوى بين الطرفين أو تأثير طرف ثالث كحكم في القضية سائرا بأتجاه عدم قبولها بأنفصال تلك القومية، فإن البروفسيور (وليم آيرس) يشير بكل وضوح الى أن القضية تلك لم تتم معالجتها بل يمكن تجميدها لفترة محددة ومن ثم تظهر من جديد، وبالتالي فإن وضوح آيرس وصراحته تبين لنا أن المجتمع المدني، وبحجة عدم تعريص الأستقرار في العالم الى الخطر، يتنصل من أتباع حل حذري للمشكلة ويضحي في ذلك بمصير أثنية أو قومية معينة... وحول تلكؤ المجتمع الدولي، وعلى مدى السنوات ال(20) الماضية في حل تلك القضايا وفي مقدمتها القضية الكوردية فقد سألنا البروفيسور(توماس أمبروسو) أستاذ العدالة الجنائية والعلوم السياسية في جامعة (نورث داكوتا):
لقد كانت مشكلات ألأثنيات والقوميات تعتبر في حقبة الحرب الباردة مشكلة داخلية إلا أن تحولا كبيراً قد طرأ على هذا التصور بعد أنتهاء تلك الحرب وأصبحت قضية دولية والسؤال هو ترى الى أي مدى ساعد المجتمع المدني، بعد أنتهاء الحرب الباردة ، في حل تلك القضايا وقد أجاب تقريرنا كالآتي: بأعتقادي أن المجتمع الدولي قد حقق أعمالاً جيدة في بعض الأتجاهات وأورد لكم قضية(البوسنة) كمثال على ذلك إلا أن المجتمع، وفي حالات آخرى لم يحقق شيئا يذكر ولم يتعامل مع القضايا بشكل فعال ولأسباب معينة أو لأن المجتمع الدولي لم يكن بمقدوره فعل شئ وسببها ربما يعود لبعض المخاوف، فبعد الحالة التي حدثت في الصومال وأدت الى عدم فاعلية تدخل الولايات المتحدة في(رواندا) فقد كان للمجتمع الدولي لاحقا دور جيد في حل القضايا إلا أنه قد اختار فقط يعض المناطق لحل قضاياها و لم يحاول حل جميها.
وأكثر من ذلك فأن هناك قانونا دولياً يسمى(أو تي بوزيديتس) أو(Uti Possidetis) وينص على: إن الحدود قد رسمت من قبل القوات المحتملة وحتى لو كانت غير صحيحة فأنه يجب بقاؤها على حالها و دون المساس بها).. ويعود السبب في هذا المبداء الى مخاوف تعرض عموم الحدود الدولية في حالة المساس بالحدود أو تغييرها الى نوع من الفوضى وكذلك النظام الدولي وكما قال(روكوم لارج) القائد السابق لجيش البوسنة الصربي: إن (الحدود ترسم بالدماء)، فأن مجتمع االعدالة أي المجتمع الدولي يعمل على منع حدوث مثل هذه الحالة وفي الختام فأن المسالة متعلقة فقط بقضايا ومشكلات السلام و العدالة كما أن المجتمع المدني لديه بهذا الصدد وبصورة عامة، تحفظ على كل الحالات وبشكل أكد بشكل عام على فرض السلام وليس فرض العدالة، وفي هذا الأتجاه أيضاً، وبصدد خنق وحصر قضية الأثنيات والقوميات: إبّان الحرب الباردة وحماية الحدود بعد أنتهائها سألنا البروفسيورة(بيفرلي كراوفود) رئيسة قسم الدراسات الأوربية في جامعة (كاليفورنيا) فأجابت تقريرنا كما يأتي: لقد كانت قضية الأثنيات والقوميات تحصر وتخنق إبّان الحرب الباردة أو لم تكن تحظى بأهتمام يذكر، أي أن الحروب في تلك الفترو كانت بين الدول في أكثر الحالات وليس داخل الدول أو ضمن مكون دولي معين، غير أن المشكلات وبعد أنتكاس الأتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، قد وقعت بين مكونات تلك الدول وكان الباعث الرئيس لتلك القضايا هو احتلال أراضي الدولة أو الخلاف حول من الجهة التي يتوجب سيطرتها على الدولة، وفي ذلك فقد عجزت الدول عن مواجهة هذا الوضع وعندها فقد أستحسن المجتمع الدولي تولي المسؤولية وكانت الحالة الأولى في ذلك عندما أستخدمت إلابادة الجماعية في(رواندا) عام 1994 وقد وقف المجتمع الدولي عاجزاً أمامها وتعرض بالتالي الى انتقادات شديدة بسببها.. وجل ما أنوي قوله هو أن المجتمع الدولي ليست لديه السلطة أو الأرادة للتدخل في مثل هذه الأوضاع أو محاولة معالجة الخلافات والنزاعات لذلك فأنني أتوقع أن تستغرق تلك الخلافات فترات طويلة وأذكر بأن النظام الدولي له ماض بعيد بل أن الأمم المتحدة قد بنيت على أساس هذا النظام! وهذا ما جعل مساعي المجتمع الدولي تتوجه الآن نحو حماية الحدود الجغرافية لأنه يهتم أكثر بحماية السلام والأستقرار من أهتمامه بالعدالة، عليه فأنني لا أتوقع منه أي محاولة لتغيير تلك الحدود لا بل أتوقع أن تصمم وبصورة غير منطقية على حمايتها .. وهنا لو كنتم أنتم الكورد تسعون الى تأسيس دولة مستقلة وتهمكم معرفة حقيقة موقف الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة بهذا الصدد فلا شك في أنها لا ترغب في تأسيس دولة كوردية مستقلة لأن ذلك سيؤدي الى تغيير جغرافية العراق والذي هو دولة جارة لتركيا وهذا يوضح بجلاء أن المجتمع الدولي لا يساند تأسيس دولة كوردية مستقلة..

الفدرالية لا تنجح دون ديمقراطية ليبرالية
ينوه الى الفدرالية، أحياناً كحل لمعالجة قضية الأثنيات والقوميات وفي هذا الأطار فأن الكورد في العراق يصممون في كل المناسبات والماحادثات على وجود أن يكون العراق الجديد، عراقا فدرالياً وبرلمانيا وتعددياً وذا تعايش أختياري. إن هذا المطلب، كشعار لمستقبل الدولة العراقية هو شعار ومبدأ يعالج كل مشكلات العراق ومعضلاته.
والسؤال هنا يكمن في كيف ينجح بناء دولة فدرالية في معالجة قضية الأقليات والقوميات في بلد تعددي، قومياً ودينياً ومذهبيا مثل العراق وكيف يتحقق التعايش السلمي في بلد لا رغبة فيه للتعايش والتسامح؟ عن ذلك سألنا البروفسيور(دينس ماك كيلفار) أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة(كولورادو) والمختص في قضية الأقليات والأثنيات في آسيا وكان رده لتقريرنا : لو كنا بصدد التحدث عن القضية الكوردية في الشرق الأوسط فأنا أقول إن أوضاع الكورد هي شبيهة بأوضاع(التاميل في سريلانكا).. لأن للكورد ايضاً لغتهم الخاصة وهم جماعة أثنية مختلفة وتعرضوا الى ذات الضغوة التي تواجه التاميل وذلك بهدف ضمان بقائهم في أطار هذه الدولة وعدم توجههم نحو الأنفصال والأستقلال إلا أن ما يميز كوردستان عن مناطق التاميل هو أن الكوردستان موقعاً ستراتيجياً وثروات طبيعية كبيرة وبالأخص النفط وهذا مالا يتوفر في مناطق التاميل.. أي أننا نلاحظ تشابها سياسياً في الحالتين، وهنا، وعند الحديث عن الفدرالية كحل للقضية الكوردية ومتابعة التجربة الهندية بهذا الصدد نجد بأن تلك الدولة قد نجحت والى حد بعيد في اتباع وممارسة الفدرالية تمارس فيها معظم ولاياتها مستوى معيناً من الحكم الذاتي والتي لديها ايضاً وحدة في اللغة و الأثنية.. وقد يجوز تكرار ذات التجربة في العراق في أن يكون لكوردستان أقليمها وكذلك الشيعة والسنة غير أن ما اراه معضلة وعرقلة في هذا الأتجاه هو و جود نظام مركزي متشدد طويل الحكم في العراق كما في سريلانكا والذي ليس من السهل أن يتقبل فكرة الفدرالية في البلاد.
أو السؤال: هل يسعى العراقيون لأقامة سلطة مركزية لا تسمح بأن يكون للأقاليم ممثلوها الذين يشاركون في السلطة؟ أو لتحقيق أجماع على أن توزع السلطات و موارد البلاد وفق نظام فدرالي يضمن أن تكون للحكومات المحلية فرصها في النماء وفي تطوير مؤسساتها؟ وهذا بالفعل عملية صعبة في بلد مثل العراق كان خاضعاً، ولفترة طويلة، لسيطرة سلطة مركزية متشددة ودكتاتورية... وعلى العموم يجب أن يكون هذا الحل السياسي نابعاً من داخل البلاد وليس مفروضاً عليها من الخارج.
إن ما يشير اليه البروفيسور(ماك كيلفاري) هو محواً أثار السلطة المركزيه في فكر السياسيين العراقيين وهي ليست بعملية سهلة، ما يدفع البروفيسور(روشان سفيتوليك) رئيس مركز كوسوفو لدراسات العلوم الأجتماعية لكونه يحمل تجربة كوسوفو في يوغسلافيا السابقة يحدد قضية الكورد في العراق بشكل أو في يوافينا برأيه في سياق التقرير هذا ويقول:
قد يكون من غير المصنف أن نقطع بأنه لا يمكن تحقيق الديمقراطية وممارساتها في بلد مثل العراق مع عرض أن الديمقراطية الحقيقية لم تمارس في العراق لحد الآن وبقناعتي أنه لا يمكن تمهيد الطريق أمامها دون حل للقضية الكوردية أي أن الفدرالية لو لم تكن متوافقة وموازية للديمقراطية فأنها لن تكون فعالة في معالجة القضايا وأكثر من هذا قد تكون الفدرالية في بعض الحالات مبررة لظهور نظام عسكرتاري وخير مثال على ذلك هو الأتحاد السوفيتي السابق الذي أخذ الفدارلية ذريعة لتسلط الروس، وهنا وبالعودة الى خصوصيات القضية الكوردية يمكننا القول إن القضية الكوردية ليست المشكلة الوحيدة في المنطقة ومع ذلك فبأمكاننا التنويه الى عدة أسباب حالت دون معالجتها الأول هو توزيع الكورد على عدة أجزاء أو دول حيث حاولت القوى الكبرى، سواء كانت الأتحاد السوفيتي السابق أم الولايات المتحدة الأمريكية أم بريطانيا، استخدام الكورد كورقة سياسيا وكمثال على ذلك نقول إن الولايات المتحدة راغبة وتعمل عى لجم زمام مصير العراق عن طريق اللعب بورقة القضية الكوردية بدلاً من أن تعمل على حلها. كما أن لدى المجتمع الدولي من جهة آخرى مخاوفه من تعديل حدود العراق وتغييرها لأن ذلك سيتسبب في ظهور مخاوف أمنية كبرى في المنطقة غير أنه من الممكن العمل على حماية الكورد في اطار العراق ومنها السعي لأستمرارهم في ممارسة الحكم الذاتي في أقليمهم وهذا متبع في للعديد من المناطق الأخرى وبألأمكان القول أنه المسار العام اللعبة ولنتوسع أكثر ونقول أن الغرب لم تبذل أية مساع جدية لتحقيق السلام بين الألبان وبين الصرب هذا الى جانب أن المجتمع الدولي يمارس معايير مختلفة أو أزدواجية في التعامل وكمثال على ذلك أنه في حال تلاقت مصالح جماعة أثنية مع قوة عالمية عظمى، فإن تلك المجموعة ستكون هي الرابحة غير أنها إن لم تكن أولوية بالنسبة لتلك القوى العظمى وبالأخص العالم الغربي فإن مصيرها سيتداعى كما يمكن أن يكون أحد الأسباب الأخرى لذلك هو أن المجتمع المدني ليس مستعداً حتى الآن للتعامل مع الأوضاع الجديدة فنرى في الدول التي كانت تحت سلطة حكومة شيوعية أنها الآن تمر بمرحلة أنتقالية وسط أجواء من السوق المفتوحة والديمقراطية، وبناء النظام المتعدد رغم عجزها حتى الآن عن ترسيخ تلك الأسس كما هو الحال في الدول الديمقراطية ومن جهة أخرى فأن فلسفة المؤسسات والمنظمات الدولية مبنية على أساس إدارة الأزمات والمنازعات أي أن الهدف هو عبارة عن أدارة تلك الأزمات وبما يؤمن عدم تحولها الى تهديدات على الأستقرار أي أن إنهاء الأزمات وحسمها ليس هو الهدف بل هو مواجتها ضماناً للتقليل من مخاطرها)..
لقد أكد عموم الأساتذه والمختصين الذين شاركوا في إعداد هذا التقرير على عامل الديمقراطية، فضلاً عن العوامل الدولية وألاقليمية، لنجاح الديمقراطية في العراق وكما اشار البروفيسور(دوشان سيفيتوليكش) الى الدول الشيوعية السابقة وبأنها الآن تمر بمراحل انتقالية نحو الديمقراطية، فأن اقليم كوردستان العراق يمر الآن بذات المرحلة وقد قطع أشواطاً جيدة في هذا المجال وكان سؤالنا للبروفسيور(أمبروسوي) كان: هل يكون لتجربة اقليم كوردستان هذه تأثيراتها على بناء الديمقراطية في العراق و بالتالي تصبح عاملاً لنجاح الفدرالية في البلاد؟ وقد أبدى(أمبروسوي) وبصراحة رأيه في سياق هذا التقرير (بالنسبة للعراق فأن الأمر يتطلب بناء ديمقراطية يلتزم بها عموم افراد وأطراف المجتمع العراقي كما بالأمكان بناء عملية ديمقراطية قوية ومتطورة في اقليم كوردستان والسعي لشمول باقي مناطق العراق ب(موجة الديمقراطية) هذه و يكون ذلك و يتحقق عن طريق الألتزام بالقيم الديمقراطية ومبادئ وأسس التعايش وعندها ستنتشر فكرة الديمقراطية لتشمل عموم العراق وأضاف( وقد تكون الفرص اليوم غير مؤاتية أمام الكورد غير أنني واثق من أن بمقدور الكورد العديد من المسائل لمساعدة باقي مناطق العراق والتعاون معها وتطوير البلاد وأنعاشها، وفي الختام فأن عموم المسألة هي في الواقع متعلقة فقط بمراعاة مبادئ وأسس الديمقراطية وقبول الآخر، لأن عكس ذلك يعني فشل الديمقراطية وهذا هو ديدن أية دولة ديمقراطية في العالم وعبارة عن بناء افكار وأسس التعايش وقبول الآخر، والأحترام الأمثل.. إن أهم شئ في هذا المجال، وبالنسبة لأقليم كوردستان، هو أن يكون لدى الحزبين السياسيين الكوردستانيين الرئيسيين(الحزب الديمقراطي الكوردستاني والأتحاد الوطني الكوردستاني) الأستعداد و لتعزيز موقع المعارضة وقيم الديمقراطية في ألأقليم، كما أن على أقليم كوردستان أن كان راغباً في بناء الديمقراطية في العراق، أن يبدأ ذلك من الأقليم هذا وليس هناك شك في أن أقليم كوردستان هو أكثر المناطق ديمقراطية ليس في العراق وحدة، بل على مستوى عموم المنطقة والى حدما معظم دول الشرق الأوسط ... والى جانب هذه الحقائق فأن عليه أي الأقليم، أن يقبل أو يتحمل وجود المعارضة، ولذلك فأن أفضل السبل لبناء الديمقراطية في العراق، هو بناء الديمقراطية في اقليم كوردستان وعليكم أن تباشروا من بيتكم، هذه العملية ... إن مسألة التسامح والتعايش في العراق هي مسألة صعبة وليست بالأمر الهين، وتحقيقها هو أحدى المهمات العسيرة.. لذا فأن الواقع يبرهن أنه وكلما تحدثنا عن الدول والمسائل الوطنية، فأن القضايا برمتها، ستتعلق بمسائل (الملكية) : أي( لمن تكون ملكية البلد؟) وكمثال على العراق فأن العرب الشيعة في الجنوب يتحدثون عن ضرورة توليهم السلطة و حكم البلد لأنهم يشكلون غالبية المكونات وهي مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد وأن المعالجة الأفضل برأيي هي( استقلال) مركز وراسخ لأن مسألة(حق تقرير المصير) لم تكن ذات علاقة تامة و 100% بالأستقلال .. فهذا التعبير و التوجه كان في العديد من الدول مرتبطاً بالديمقراطية والحماية الذاتية،.. ما يضعني أمام أعتتاد تام بأن هذا هو أفضل معالجة لحل القضايا لأت تغيير الحدود، وكما ذكرت، يؤدي الى ظهور المشكلات والتوتر ولا يمكن مساندته من قبل الجميع بأستثناء حالات معينة مثل حالة(كوسوفو) لأن ما ذكرناه، وبدل أن يعالج المشكلات والقضايا، إنما يعقدها أكثر وكما حدث في (جورجيا ) عام 2008 وإذا ماعدنا الى مسألة المعالجة الفدرالية في العراق، فأنني أؤكد ثانية، بدون الديمقراطية لا يمكن بناء الفدرالية ونجاحها... وليست هناك فدرالية حقيقية في أية دولة في غياب الديمقراطية وبالنسبة لأقليم كوردستان فهذه حالة متوازنة فنلحظ أن الكورد قد بنوالهم دولة أو كياناً ويسعون في ذلك من أجل تعزيز منطقتهم وتقويتها وهي أسلم طريق لضمان اعتراف المجموعات (الاثنية )الآخرى بها وعدم معاداتها.. أما بالنسبة لقضية(العملية الديمقراطية في العراق) فلا شك في أن العراق يفتقر حتى الآن الى الثقافة الديمقراطية غير أن هناك الأمل في بنائها يوماً غير أن السيدة(بيرفلي) لا تعتبر الديمقراطية والفدرالية لوحدهما معالجة لقضية الأثنيات والقوميات إنما تؤكد أن العديد من الفدراليات تعجز عن معالجة المشكلات وقد أوضحت ذلك في سياق هذا التقرير وقالت (هذا هو أصعب سؤال واجهني.. فلو عدنا الى التاريخ فسنجد أن أصل المشكلات والخلافات الآثنية إنما يعود الى أن كل مكون أثني قد حاول إنشاء حدود جغرافية لها وتمارس فيها حكماً ذاتياً هذا من جهة ومن جهة أخرى فلو نظرنا الى أوضاع الولايات المتحدة الأمريكية لوجدنا حقيقة أن المساعي تبذل وعن طريق القانون، لحماية حقوق الأثنيات وذلك لضمان التعامل العادل والمنطقي مع مكوناتها غير أن ما يجري في البلدان الآخرى، إنما هو على العكس مما يجري في الولايات المتحدة .. و كمثال قريب أننا لو نظرنا وتابعنا تأريخ القرن العشرين نجد أن هذه المعضلات والمشكلات قد أستمرت بعد سقوط الأمبراطورية العثمانية والى ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث شهد العالم أكبر ممارسة للتطهير العرقي والأثني في ذلك العصر.
وكان ذلك في الواقع سبب ظهور وأقامة دولة اسرائيل لأن اليهود عملوا على أن تكون لهم موطنهم الخاص وفي هذا الطريق فقد قاموا بطرد الفلسطينيين أي أنني لا أرى أي حل لمشكلة الأثنيات القومية سوى حق الأنفصال أو منح الحكم الذاتي لها.. والنسبة لتجربة الفدرالية فلو آخذنا التجربة اليوغسلافية كمثال على ذلك فأننا نرى تجربة انتكاس دولة كانت فدرالية وفي ذات الوقت هناك دولة مثل بلجيكا التي تمارس الفدرالية على أساس توزيع الأثنيات وأنقسامها واقصد بذلك أن الفدرالية، وحتى الديمقراطية، ليستا كافيتين لوحدهما لضمان حماية الحقوق، فمن الممكن، في النهج الديمقراطي، أن تصوت الأكثرية لقمع الأقلية وفي ذلك بأمكاننا التنويه بتجربة الولايات المتحدة الناجحة التي تمارس النظام الفدرالي وهو نظام غير مبني على أساس التوزيع الطائفي، أي أنني أعود وأكرر أن وجود الديمقراطية والفدرالية لوحدهما غير كاف بل يجب السعي لحماية وترسيخ الديمقراطية الليبرالية التي تضمن حماية حقوق الأقليات وسيادة القانون، وفي حال عدم وجود الأرادة او الرغبة في التعايش لدى المجموعات الأثنية في بلدما فلا يمكن لأي من هذه الأنظمة أن يحقق النجاح.
إن ما يمكن الأشارة اليه في نهاية هذا التقرير هو أن خطوات بناء الديمقراطية في اقليم كوردستان إنما تحقق، والى حد كبير، الأمل في حل سلمي للقضية الكوردية في العراق والمنطقة ويهئ أرضية مقبولة في العراق والمنطقة يمكن من خلالها تغيير لغة السلاح والقوة والتهديد الى لغة السلام والحوار والتعايش والتسامح وفي النتيجة أعتماد وقبول الفدرالية كحل افضل لمعالجة المشكلات الأثنية والقومية في العراق والمنطقة.
Top