• Wednesday, 24 April 2024
logo

مصر بعد عام على الثورة
صراع العسكر والثوار والإخوان ...مازال مستمرا

مصر بعد عام على الثورة <br /> صراع العسكر والثوار والإخوان ...مازال مستمرا
گولان - القاهرة - أسماء الحسينى

بعد أيام قليلة يحتفل المصريون بالذكرى الأولى لثورة 25 يناير التى أطاحت بنظام الحكم السابق ،ولم تستطع أن تبلور بعد نظاما جديدا للحكم فى مصر ،وإن بدت كثير من ملامح المستقبل عبر نتائج الإنتخابات البرلمانية التى فاز فيها الإسلاميون بالأغلبية ،ورغم مرور عام على الثورة الناعمة التى أبهرت المصريين والعالم فى بداياتها،فإن المشهد فى مصر يبدو معقدا ،بل ومن الصعب التنبؤ بتطوراته ،و لاتزال صراعات عديدة تدور فى مستويات مختلفة فى السر والعلن من أجل صياغة شكل مستقبل مصر ،صراع بين الإسلاميين ومن عداهم ،والعسكر ومن يسعى لتحجيم سلطاتهم فى المرحلة المقبلة ،بين من أشعلوا شرارة الثورة ومن يحصدون الآن ثمارها ،بين دعاة التغيير والمقاومين له ،بين فلول النظام السابق والمتضررين منه ،ولم تكن هذه الصراعات فقط بين كل فريق ونقيضه ،بل كان هناك صراعات أخرى داخل الإسلاميين وبين الليبراليين وفى صفوف الثوار ،وربما أيضا بين العسكر ،بل وداخل كل تنظيم أو جماعة أو حزب بين المحافظين والتقدميين ،بين الإنتهازيين وأصحاب المبادىء ،بين أصحاب الكفاءة وأهل الثقة .....فمصر التى ظلت ساكنة عقودا وأزمانا تبدو اليوم فى حراك كبير ،وعلى ضوء هذا الحراك سيتحدد مستقبلها ،ورغم كل المخاوف التى تحيط بهذا الحراك والرعب من لحظة الصدام ، فإن كثيرين يرون هذا الحراك ضرورة للسير إلى الأمام ،ويرون كل المخاطر المحيطة به والمترتبة عليه الضريبة التى يجب أن تدفع عن فترات الموت والخمود السابقة أو أنها آلام المخاض لولادة مصر الجديدة التى يحلمون بها .

ورغم وعود المجلس العسكرى بتسليم السلطة فى يوليو القادم ورغم محاولات بعض القيادات الإسلامية إرسال رسائل طمأنة إلى الشارع المصرى والثوار والقوى الليبرالية بعد فوزهم بأغلبية مقاعد البرلمان المقبل ،لاتزال هناك مخاوف كبيرة من إستئثار أيا منهما أو كليهما بالسلطة فى المرحلة المقبلة على حساب باقى القوى الأخرى والشباب الذين أشعلوا الثورة ،ولازال لكل فى مصر منظوره الذى يطالع به المشهد وتطوراته ،يقول الكاتب والأديب المصرى إبراهيم داوود :"الثورة فى مصر قادتها أجيال من المثقفين والسياسيين دفعوا ضريبة رفضهم للقمع وغياب العدالة الإجتماعية والحريات ،وقد زادت وتيرة إحتجاجاتهم إبتداء من عام 2004 عبر عدد من الحركات "كفاية "و"أدباء وفنانون من أجل التغيير " وحركة 9 مارس لأساتذة الجامعات " و"حركة إستقلال القضاء" وغيرها،ونجحت الثورة بفضل نزوعها السلمى وشاعريتها ورغبتها الحقيقية فى حدوث التغيير وتضحيات الشباب الذين قادوا الثورة.

ويعرب داوود عن خشيته أن يخون الإسلاميون الذين حققوا الغلبة فى الإنتخابات البرلمانية دماء شهداء الثورة بتحالفهم مع العسكر الذين يريدون الحفاظ على وجودهم ونفوذهم ومزاياهم فى إدارة شئون البلاد فى المرحلة المقبلة ،ويرى أن العسكر لم يجدوا من يتحالف معهم من القوى السياسية غير الإخوان ،وأنهم قد خانوا بذلك فكرة مدنية الدولة التى تقوم عليها العسكرية المصرية ،وأن بداية هذا التحالف كان فى إستفتاء 17 مارس ،الذى وضع العربة أمام الحصان ،وجعل إنتخابات مجلسى الشعب والشورى قبل صياغة الدستور وإنتخاب الرئيس.ويضيف :الإخوان المسلمون قوة منظمة وهم فى الواقع ليسوا قوة كبيرة فى الشارع ،وتم التهويل فى حجمهم ،ولم يسألهم أحد عن مصادر تمويلهم ،وتدعمهم قوى خليجية بمباركة أمريكية ،وقد نجحوا فى الإنتخابات ليس لأن لديهم برنامج سياسى ،بل لأن الإنتخابات لم تكن إنتخابات سياسية بل كانت إنتخابات طائفية ،ويعرب داوود عن أسفه للتغيير الذى طرأ على الوجه المدنى للثورة المصرية التى لم يرفع فيها أى شعار دينى فى بداياتها ،ثم تحولت الآن إلى كلام فى الدين ،ويقول :إن الذين يتحدثون فى السياسة الآن هم رجال الدين والحركات الإسلامية وليسوا السياسيين ،وقد انجرف الإعلام وراءهم بحيث أعطى للناخب العادى وهم أنهم قوة جبارة أو أنه لايجوز الوقوف ضدهم ،وأن التصويت لهم واجب شرعى وعمل دينى وليس سياسى .ولكن داوود يرى مع كل ذلك أن تحالف العسكر مع الإخوان والسلفيين لن يصمد طويلا ،لأسباب لها علاقة بالتاريخ أولا ،فتاريخ الإخوان كما يرى ليس مشرفا ،فهم يقدمون أنفسهم كضحايا لعهد حسنى مبارك،فى حين كانوا شركاء له فى الأعمال الإقتصادية والسياسة أيضا ،حيث كانوا أعضاء فى برلمان النظام السابق .ويحذر داوود العسكر والإخوان من الإعتقاد بأن الشباب الذى فجر الثورة قليل العدد ويؤكد أن القوى الديمقراطية التى مهدت الطريق لهذه الثورة وقامت بها مستمرة فيها إلى أن تتحقق أهدافها الرئيسية من حرية وديمقراطية وعدالة إجتماعية ،وهذه القوى تؤمن بالديمقراطية وبالدولة حديثة وبفصل الدين عن السياسة ،وستظل على مطالبها بصدورها العارية فى وجه قوى مدججة بالمال والدين ،لأن الثورة أصبحت ثقافة فى مصر ،ولم يتحقق من أهداف الثورة شىء حتى الآن ،وسيواصل الشباب العمل حتى تتحقق .

ويقول :ستبقى روح الثورة أقوى من البرلمان الذى ضخت فيه أموال لا حصر لها من أجل هدف غامض ،لاندرى هل هو عودة الخلافة الإسلامية أم ماذا ،مشددا أن أصعب شىء فى مصر هو مزايدة الإسلاميين على الشعب المصرى المتدين بإسم الدين ،مؤكدا أن هذه المزايدة ستنقلب على المزايدين ،ولايري داوود فرقا بين السلفيين والإخوان حيث يعتبرهما وجهين لعملة واحدة ،بل يشك فى مدى إعتقاد كل التيارات الإسلامية فى الديمقراطية ،ويرى أن حديثهم عنها له علاقة بالإنتخابات وكسب تعاطف الناخبين ،ويرى أن خطورة الإسلاميين تكمن فى إحساسهم بأنهم يملكون اليقين وأنهم مسنودون بكلام الله ،وكأنهم يتحدثون بإسم الله فى وسط كفار .

ويرى إبراهيم داوود أنه من الصعب أن تعيد القوى الإسلامية مصر إلى الوراء رغم كل المعطيات الراهنة ،ويقول :ستحدث إضطرابات كثيرة لأن هذه القوى الإسلامية ستجد من يدعمها طوال الوقت من قوى الرجعية العربية ومن قوى الإستعمار العالمى التى يهمها أن تحدث فى مصر قلاقل وألا تستقر ،وتسعى دائما أن تكون إسرائيل القوى الأكبر فى المنطقة ،والإخوان والعسكر فى رأيه ليسا ضد إسرائيل ،ويوافقان على كل تنازلات مبارك والسادات لها بحجة قدسية الإتفاقات الدولية .

ويقول داوود أنه يحترم تماما نتيجة الإنتخابات التى جاءت نتيجتها لصالح الإسلاميين ،رغم أنها لم تكن نزيهة تماما ،وحدث بها تزوير ورشاوى وتلاعب فى الدوائر والتصويت فى الخارج لم يكن خاضعا للإشراف القضائى ،كما أن الموافقة على الأحزاب على أساس دينى كما فى حالة الحرية والعدالة والنور مخالف للدستور ،ويضيف :الطعون ضد هذه المخالفات أمام القضاء حاليا،وهى جميعا تبطل البرلمان القادم ،ورغم ذلك يقول :لو حقق الإسلاميون مايريده المصريون سنصفق لهم جميعا ،وعليهم أولا ألا يفرضوا آراءهم على الآخرين بالقوة ،وألايتدخلوا فى الحريات الخاصة للناس ،وأن يضمنوا الحريات العامة وحرية الصحافة والعقيدة وحرية البحث العلمى ،ودستور يؤكد على مدنية الدولة وإحترام حقوق الأقليات وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية .ويؤكد داوود :إن مصر بلد ثقيلة لن يخطفها الإسلاميون ،بل ومن الصعب إختطافها من أى قوة كانت إسلامية أو غير إسلامية .

ويرى الكاتب المصرى سلامة أحمد سلامة أن نتائج الإنتخابات كشفت عن أن شباب الثورة لم يعيد تنظيم صفوفه وتوحيد قياداته ليخوض معركة الإنتخابات فى مواجهة القوى الإسلامية التى كانت أكثر تنظيما وإتقانا لأساليب العمل السياسى فى جذب البسطاء من الناس .ويرى سلامة أن هناك مخاوف كبيرة تبدو الآن فى أوساط المثقفين والمبدعين المصريين من صعود القوى الإسلامية فى مصر ،وربما هذا ما دفعهم لإقامة تشكيلات دفاعية من أجل الدفاع عن حرية الإبداع الأدبى والفنى ،وليقفوا فى وجه تيارات سلفية متشددة تحاول تقييد حرية الإبداع والفكر ،ويضيف :ربما تنجح البراجماتية الإخوانية فى إيجاد حلول وسط أقرب إلى روح العصر تحول دون صدام مبكر .

ومن جانبه يرى المحلل السياسى المصرى سمير السيد أن القوى الليبرالية فى مصر لم تهزم حقيقة ،وإن حققت نتائج ضعيفة فى الإنتخابات مقابل فوز كاسح للإسلاميين ،وذلك لأنها لم تدخل الإنتخابات على أرض مستوية للمنافسة العادلة ،فضلا عن حداثة دخول كثير من قواهم للحياة السياسية فى مقابل جماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال التى تعمل منذ 80 عاما فى إنتظار هذه اللحظة ،والتى لديها شبكة رعاية إجتماعية واسعة تغطى حوالى 20% من الشرائح المهمشة والفقيرة فى المجتمع المصرى ،ويرى السيد أن مشكلة شباب الثورة فى مصر أنهم طرف غير متماسك وسائل نسبيا ،من غير السهل تحديد أبعاده ،وهو يضم النخبة الثورية إضافة إلى الشباب من الشرائح المهمشة إجتماعيا ومن الشرائح الوسطى والعليا أيضا ،ويرى أن هناك كتلة منهم لاتقبل التفاوض ،وهى نقية ثوريا لايمكن عقد الصفقات معها أو الدخول فى مفاوضات ،ولايمكن القضاء عليها ،ولديهم بوصلة وضمير نقى ،وهم يطالبون برحيل العسكر بدون شروط وسينزلون فى مظاهرات وإعتصامات وإحتجاجات مفتوحة من أجل ذلك فى الذكرى الأولى للثورة ،فيما يبدو أنها ستكون الموجة الثانية من الثورة ،لإجهاض استمرار العسكر فى السلطة بشكل أو بآخر عبر النموذج الباكستانى أو النموذج التركى ،ولديهم كذلك ومعهم القوى الليبرالية خوف مماثل من هيمنة الإسلاميين ،ويرى السيد أن هناك أزمة ثقة عنيفة بين شباب الثورة الذين تعرضوا لحملة تشويه ممنهجة وحملة إعتقالات واسعة وما بين كل من المجلس العسكرى والإسلاميين على حد سواء ،وأن الإخوان والسلفيين حسب ماهو معلن يرفضون أيضا أى صيغة تمنح المجلس العسكرى وضعية فوق الدولة ومؤسساتها ،لكنهم لايتبنون موقفا ثوريا ،وينتظرون أن يدخلوا البرلمان ويستخدمون أدواتهم السياسية فى التفاوض مع العسكر .ويتوقع السيد الذى يرى أنه لايستطيع أحد الجزم بوجود صفقة بين العسكر والإخوان , أن الأمور ستصل بين الأطراف بشكل أو بآخر إلى لحظة صدام ،خاصة أن هناك إشكالية أخرى ،وهى الخلاف حول المعايير التى سيتم بها تشكيل لجنة الدستور ،حيث لكل طرف من الأطراف الثلاثة أهداف يريد تحقيقها ،وهى على مايبدو متضاربة ،وستكون النتائج وفقا لقدرة كل طرف على الإستمرار فى الضغط ،وهو يرى أن المسألة فى جميع الأحوال مخيفة ،وهو مايوجب على كل الأطراف الوصول إلى صيغة وسط ،تحقق موازنات بين متطلبات الأمن القومى والمؤسسة العسكرية ومتطلبات الشفافية والدولة المدنية ،والوصول لمواءامات لاتجر البلد إلى لحظة صدام فى ظل أخطار حقيقية محدقة بمصر ،مما يحتم على كل العقلاء والسياسيين والمؤسسات العمل لتفادى ذلك .

فيما يرى الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الجناح السياسى للإخوان المسلمين أن 30 مليون ناخب مصرى إختاروا ممثليهم بإرادة حرة قطعت الطريق على كل من كانوا يريدون تعويق المسار الديمقراطى فى مصر ،ويؤكد أن كل ذلك ينبغى أن يكون لتحقيق أهداف الثورة والوفاء لشهدائها ومصابيها ودعم أهدافها التى اتفق عليها الجميع ،العدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية والحريات العامة .

ويرى العريان أن الشعب هو الجهة الوحيدة التى لها الحق فى إقتراح القوانين وإختيار الدستور ،وأن مجلسى الشعب والشورى سينتخبان الجمعية التأسيسية بإرادة حرة لصياغة الدستوروليس وفق تدخلات بقوة غير الإرادة الشعبية ليأتى الدستور معبرا عن الإرادة الشعبية وليس وفق أى شىء آخر ،وأن الجيش فى وضعه الطبيعى لحماية البلد ولايعمل فى السياسة .ويضيف العريان :نحن أمام تحديات وإرادات تتصارع ،مؤسسة عسكرية تريد دورا ونخب كذلك ،وشعب يريد أن تتحقق إرادته على الأرض ،وينفى العريان أى صفقة للإخوان مع المجلس العسكرى قائلا :نحن أقل الناس إتصالا بالمجلس العسكرى والضغوط الإعلامية والسياسية والنخبوية التى روجت لعلاقة وثيقة للمجلس معنا دفعته للإبتعاد عنا ولم نقترب نحن ،وحول البرلمان المقبل ويقول : نحن أمام مشهد جميل ،كل الأصوات موجودة ،وسنتعاون للعبور بالبلد والخروج من عنق الزجاجة ،وسيكون نهجنا هو التشاور والتعاون والحوار مع الجميع دون إستثناء .
Top